الشاعرالعيدي الهمامي في عمل شعري مترجم عن منصة "محررون للنشر الإلكتروني" في بغداد :
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
سام برس
الشاعرالعيدي الهمامي في عمل شعري مترجم عن منصة "محررون للنشر الإلكتروني" في بغداد :
ضم نصوصا مترجمة بها هواجس الشاعر وهمومه حيث القصيدة المسافرة في الوجع وشواغل الانسان
شمس الدين العوني
في مثل هذا اليوم من زمن كورونا صدر عن منصة "محررون للنشر الإلكتروني" في بغداد بالعراق بادارة الدكتور منير الكلداني الديوان المترجم أمازيغيا عن الأصل العربي للشاعر التونسي العيدي الهمامي و ضم نصوصا مترجمة فيها هواجس الشاعر و همومه حيث القصيدة المسافرة في الوجع و شواغل الانسان.
ها هي القصيدة تفصح عن وجع الشاعر تجاه الانسان حيث القلق المهيمن في عالم معتل يلحظ الشاعر علاماته و هو يتنقل بين العواصم و الأمكنة و به شجن و حنين ..هو حنين الشاعر للأجمل و الأرقى للانسان و هو الكائن من كان .. اذ يقول في قصيدته الجديدة :
في بلدي
الزيتون يعانق النخيل
وأنا المتفرج
لا الزيت أتذوقه
ولا التمر من نصيبي
//
في بلدي
البترول ينطح الحديد
وأنا المتسول
لا سقف يأويني
ولا إنارة تأخذ بيدي
//
أفريقيا
أحفاد "لوممبا ومانديلا"
يعودون
وأنت يا بلد
من خلف السياج
لا خبر
ولا ساعي بريد
سجينة إرادة الحياة
والشابي مل الرقاد
//
باريس
توقف "السان"
وفي كل حي مقعد عزاء
هم الآن يبكون "بونابرت"
و"ديقول" مات مرتين
//
أمريكا
الهنود الحمر
على سنان الرماح
وطائر النوء
ينذر بالعاصفة
"الدب الروسي"
قد يفعلها
بعد السبات
وبعد
أن أتقن لعبة الجيدو .
بين مدن شتى هنا و هناك يقيم الشاعر العيدي الهمامي و به شيئ من حنين و ألق الشعر يقترف فعل الكتابة على سبيل السلوى مشيرا الى الآفاق ينحت بخطاه تمثال السفر و الرحلة تجاه ضفاف و أمكنة...
"... مددت يدي الى سحابة
أسألها المطر
أبعدتني الرياح
واختفت السحابة ،
رسمت نافذة على الحائط
حين حاولت الدخول
تحولت الى باب لا يفتح ،
اتخذت من قصيدي فلكا
حمله الماء
واغرق "التيتانيك" العظيم ،
صنعت طائرة ورقية
طارت دمية ابنة الجيران
ولم تقلع الطائرة ،
مر بجانبي نعش
تأملته جيدا حتى أتأكد من أن الذي يحمل لست أنا" .
ها هي القصيدة تمضي بشاعرها الى الأقاصي..أقاصي الوجيعة و الألم حيث الحروف و الكلمات ملاذ بوح و قول فادح في حساسيته تجاه الأحوال و الشؤون و الشجون ..ها هو الشاعر ينتبه للكائن يعلي من أصوات القلق تجاه عام ينقضي بأحداثه ..انها أمنيات الشاعر تجاه ما تداعي من يوميات عام أربك الشاعر و الراوي :
"...ديسمبر قريبا يقلع اوتاد خيمته
ولم يأت الشتاء ،
التينة التي زرعها الوالد بلغت من الكبر عتيا ولم تثمر ،
السماء التي كم خلناها غطائنا تعرت من السحب ولم تمطر ولم نجمع خراجها من أعوام ،
مزاريبنا اعتلاها الصديد بعد ان بحت اصواتها ولم تتكحل ببنت سحابة ،
الخطاف الذي غادر العش بسقف بيتنا ليبحث بين خشاش الأرض لم يعد وقد نسي ان يودع فراخه ،
جارنا الذي حرق من شهر اوت لا "حس عنه ولا خبر"
لا البحر أخبر عنه ولا ابنة الطليان ،،
يقول الراوي : تفرق دمنا بين مدن لا تحبنا كطائر البطريق أينما اتجهنا يتقيأنا البحر وتركلنا اليابسة...".
هكذا هو الشاعر العيدي الهمامي الذي يلهو بالتفاصيل و بعد مجموعا شعرية سابقة يقول في دواخله ضمن هذه القصائد الجديدة التي يضمها ديوانه المقبل الكثير و هو يتقصى الأحوال و ما بالأشياء و التفاصيل من هم و جراح و أسى ..في قصيدة الطفل الموالية اشتغال حواري فيه الشعر سؤال لتشكيل حالة بمثابة المقاربة لما يحدث :
"...الطفل: ابي ماذا تفعل
الأب :أقرأ
الطفل: ماذا تقرا
الأب :الجريدة
الطفل: ماذا في الجريدة
الأب: تفاهة السياية وأخبار الجريمة
الطفل: هل لتتعلم السياسة ام الجريمة ،
ألقى الأب بالجريدة تحت قدميه وقام يحضن طفله...".
قصائد جديدة هي من عوالم الكتابة بتلوينات أحوالها و تنوع شواسعها حيث يمضي الشاعر حاملا شيئا من شجنه القديم و حزنه المعتق يلوذ بالكلمات معانقا احزانه حيث لا مجال لغير القول بالآه ..يسكب في ذاته المتداعية ما سال من أحزان الروح..هكذا هو الشاعر العيدي الهمامي في هذا العالم يرمم بالشعر ما تداعى من سياج الروح حيث يقول :
"...ليل يلملم شتاته
كهارب من جرح
ادمى روحه ،
يلوذ بحزنه
ليسكب فيه ما تيسر من القصائد
وليمسح ما تجمد بالمقلتين...".
هكذا هي الذات الشاعرة المدججة بالقلق و الأسئلة تمنح صاحبها حالات من الوحدة و هو المثقل بهموم القصيدة يمضي بها يرتجي نورا في ليل الناس مشيرا الى الأصدقاء المتعبين و الموعودين بثمار القصائد..انها فسحة الشاعر بما تضفيه من لوعة و حسرة و قلق و هو الحالم بالكلمات تبعد عنه ألم الوحدة و جراحاتها..الشعر هذا الحاضن للمعنى حيث لا مجال لغير القول بالقصيدة تذهب الحزن و تعلي من شأن الذات :
"...في هذه الساعة المتأخرة
والمتدحرجة من سقف الليل
أغادرني ولم أنه قهوتي
أودع طاولتي مدججة بالأسئلة
تشتكي الوحدة
ومتلمسة لي العذر
عبر وجوه اصدقائي
المتعبين بالمعنى
والمثقلين
بإرهاصات القصيدة...".
بين مدن شتى هنا و هناك يقيم الشاعر العيدي الهمامي و به شيئ من حنين و ألق الشعر يقترف فعل الكتابة على سبيل السلوى مشيرا الى الآفاق ينحت بخطاه تمثال السفر و الرحلة تجاه ضفاف و أمكنة و قد سكنه النشيد و الأغنيات..و كذلك الأسى أمام مايحدث على غرار طوفان الهجرة السرية و مآسيها و أحوال الأوطان و عذاباتها أحيانا و الشعراء:
"...لا تحرق
كم شاعر تفرق دمه بين القبائل
وانتهى في القبر مجهول الهوية ،،
لا تحرق
كم شاعر بات أسير "السين والجيم" بأقبية الدوائر المنسية ،،
لا تحرق
كم شاعر تغنى بالوطن لكن الوطن منافق جحود
يكره الشعر
ويمقت الشعراء ...".
هذا شيئ من قصائده على الجدار اذ يوغل في السفر و كأنه يخاطب الكائنات و حتى العناصر و التفاصيل يرتجي هدأة الحال و بهاء الأمكنة.هذا و يواصل الشاعر العيدي الهمامي معانقة أشعاره عبر الاصدارات الشعرية و كتابة القصائد التي تعكس حيزا من هواجسه و همومه شأنه شأن بقية الشعراء حيث الكلمات تنحت مجاريها مثل مياه النهر
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
هات “الجِفت” يا خليل
هات “الجِفت” يا خليل
د. #حفظي_اشتية
العنوان لقاسم حداد شاعر البحرين الأشهر. أما #الجفت فهو #بندقية_صيد ذات فوّهتين. وأما خليل فهو خليل حاوي الشاعر اللبناني الذي انتحر عشية الاجتياح الإسرائيلي لبيروت سنة 1982م.
في هذه الظروف المريرة التي نعيش، نظن أنّ ” #خليل_حاوي ” يسكن في حنايا كثيرين منا، إذ تمثّل حياته ــ بصدق ــ عذاباتنا وخيبات آمالنا ونهاياتنا الفاجعة.
مقالات ذات صلةوالده من بلدة “الشويّر” الوادعة الواقعة في متن جبل لبنان، المطلّة على جبل “صنّين”. كان يعمل بَنّاءً، ويتنقل بأسرته بين لبنان والجولان وجبل العرب “الدروز” حيثما يُطلب للعمل.
ولد خليل في قرية “الهُوَيّة” في جبل العرب، وفي سن الثالثة عشرة أعاق المرضُ والده عن العمل، فاضطرــ لإعالة أسرته ــ أن يترك الدراسة، ويمارس مهنة والده في رصف الطرق وتبليط البيوت. لكنّ طموحه للتعليم لم ينقطع، فتقدّم لامتحان البكالوريا، ونجح بتفوق، والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ليحصل على الشهادة الجامعية الأولى، ثم أكمل الماجستير، وحصل على الدكتوراة من جامعة “كامبردج” في أطروحة عن جبران خليل جبران، وعاد ليعمل أستاذا جامعيا في دائرة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية، وبدأت تصدر دواوينه الشعرية تباعا، وكانت تعبّر عن قضية حياته المركزية وهي الدعوة إلى الانبعاث العربي، وإيقاظ الأمة العربية لتجاوز نكباتها المتتالية منذ بدء الاستعمار الغربي والتغلغل الصهيوني، ونكبة فلسطين 1948م، وما تلاها من نكسات وهزائم تترى حفرت في نفسه الأبية العروبية الحساسة أخاديد الأسى، وثوّرت أعاصير الألم وتباريح الهمّ والجوى، فتساقطت نفسه المعذَّبة أنفسا عديدة، وذبلت صرخاته، وأنّت روحه من ثقل صمته: “طال صمتي… مَن تُرى يسمع صوتا صارخا في صمته؟! يسمع صوتي؟!…. لِأَمُتْ غير شهيد… مفصحا عن غصّة الإفصاح في قطع الوريد…”
ولعل كلامه هذا كان إخطارا خطيرا وإشهارا مريرا بنيّته المبيّتة قبل موته بسنوات.
ثم جاء الهول عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان سنة 1982م، وتقدمت جحافلها نحو بيروت رغم البطولات الخارقة الهائلة للمدافعين الشرفاء، لكنه ميزان القوى الظالم الذي ينحاز دوما للأعداء!!!
غاص الألم عميقا في قلب خليل، وشاهت الدنيا في وجهه، وغار الأمل بعيدا في الدرك الأسفل، وطغى اليأس وادلهمّ.
وفي ليلة 6/6/1982 ذكرى النكسة القديمة الجديدة، عمّ الاضطراب بيروت، ولعلع الرصاص في كل مكان، فأدركَ خليل يقينا أن الحلم الكبير قد ضاع، فصرخ دون أن يكون لصرخته أيّ صدى: “يا لثقل العار!! هل حملته وحدي؟!”
وأسرّ إلى صديقه قائلا: “لم يبقَ أمامي غير الانتحار، فلا معنى لوجودي”.
صعد إلى شقته، وخرج إلى الشرفة قبل منتصف الليل معلنا ولادة قصيدته الخالدة التي كتبها بدمه القاني. صوّب بندقيته صَوْب رأسه، وضغط الزناد، لمعت شعلة البارود في عتمة الليل البهيم، فطار مِحجر العين وجزء من الرأس، وتهاوى الجسم الجريح على البندقية و”درابزين” الشرفة، وبقي كذلك إلى أن أطلّ الصباح البائس، وذاع الخبر الفاجع.
ومنذ ذلك الحين، وعلى مدي أكثر من أربعين عاما، ما زال كثير من الأدباء يستعيدون مرارة الذكرى، يُبدئون ويعيدون في أسباب الانتحار، ويفترقون وفق ذلك في مسالك شتى بين أسباب اجتماعية أو عاطفية أو نفسية أو وطنية….. بعضهم يرى الانتحار مخالفة شرعية عظمى، وبعضهم يراه انهزاما لأن الشاعر رائد أمته وحامل مشعل هدايتها، وعليه الثبات مقاوما في طليعتها.
وآخرون يؤكدون أن الفقيد كان صادقا أمينا مع نفسه، جبليّا صعب المراس، عروبيا منتميا مخلصا لأمته، مواجها شجاعا جبّارا، لا جبانا متهالكا خوّارا، مرهف الإحساس أنوفا، يؤمن بأن الشاعر ضمير الأمة ووعيها المتوهّج، عاش عمره وفيّا لأمله، وصيّا على حلمه. وعندما سُقط في يده فجّر الباقي من هذا العمر في رصاصة لعل ضياها يهدي الحائرين، ولعل صوتها يوقظ الغافلين ليدركوا الأهوال الحتمية القادمة.
وقد أثمر ذلك حركة أدبية نقدية عظيمة ما زالت تتجدّد وتتمدّد…. وكلما استجدّت مناسبة لانكسار عربي، حامت روح خليل في الأفق، وسطعت جذوة رصاصته وردّد المدى صداها، فبعد عقود كتب “قاسم حداد” :
“هات الجفت يا خليل” (إلى الشاعر خليل حاوي بمناسبة الذل العام) فخاطبه بكلمات تقطر أسى وحسرة على واقعنا العربي. منها قوله : “رأيتَ الصرح الشامخة الذي بنيتَه بالمخيّلة لنهضة العرب على شفير الهاوية، وسمعتَ هدير جنازير الدبابات الإسرائيلية قريبا من شارع بَالاس، دون أن تكون لدى العرب قدرة المجابهة والدفاع…. لذلك كله تناولتَ الجفت، وخرجتَ إلى شرفة البيت، وضعتَ الفوّهة في الرأس، وأطلقتَ مثل شخص يصطاد نفسه…. معك حق يا خليل، فمن يحلم بحضارة تنبعث في شرق جديد، ثم يرى حلمه يتعرّض للدمار والانهيار قبل أن يكتمل، فمن حقه علينا أن نصدّق معاناته، ونصقل له الطريق كي ينتحر، ونذهب نحن إلى النوم جريحي القلب، كسيري الروح، مشوَّشي الضمير، وعلى درجة عالية من تورّم الوهم بأنه ثمّة أمل في الأمل….”
ثم مرت سنوات عجاف وسنوات بعد حسرات قاسم حداد، توالت فيها أحداث عصفت ببقايا آمالنا، وزرعت في عالمنا أهوالا ومفاجآت.
تُرى ماذا كان سيفعل خليل حاوي لو شهد نكبة غزة الحرة المقاومة الصامدة العصية؟؟! أو مأساة لبنان الأرز الجميل وشعبه الصابر الوفي النبيل؟؟!
أم تُرى ماذا كان سيفعل لو أطلّ علينا من عُلاه ليرى الأعداء قد توسّدوا سنام جبل الشيخ، وتربّعوا على قمته، وأجالوا النظر إلى منتهاه في أقاصي مشرقنا العربي وأدناه، بينما دباباتهم تجوس القنيطرة وريف دمشق ودرعا…. وتسيطر على ثرواتها ومياهها وحورانها، وتخطب بعاطفة مصطنعة لزجة ماكرة ممقوتة وُدَّ الأحفاد الأحرار لسلطان باشا الأطرش الثائر الأكبر على الاستعمار الفرنسي!!!
صدق من قال :
رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلمّا صرتُ في غيره بكيتُ عليه
ألمْ يحن الأوان لهذه الأمة أن تستشعر الخطر المحدق، فتستنهض طاقاتها الوفيرة، وإمكاناتها العظيمة، وتدرك يقينا أن عدوها الحقيقي الآن واحد لا ثاني له ولا شريك، إنه النظام الرسمي الغربي وذراعه الصهيوني العدواني؟؟؟ وما سوى ذلك، فما هو إلا عداوات مفتعلة جرّاء خلافات حدودية مذهبية حزبية طائفية عبثية غبية.