صندوق مجلس الشورى.. رحلة الشتاء والصيف
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
علي بن سالم كفيتان
إنها حكاية لا تنتهي.. حكايتنا مع ذلك الصندوق المسجى في قاعة الدرس وعليه طوابير من المراقبين الذين يعلقون على رقابهم تمائم اللجان التي تمنحك الشعور بالشفافية والنزاهة، ليس عليك سوى أن تعبُر ذلك الرواق الطويل وتقف شاخصًا أمام باب الصف المعد للاقتراع تدخل ولديك ما يثبت أنك أنت، وبعد أن يتفحص الموظف شخصك يمنحك ورقة العبور إلى الديمقراطية مزينة بصور المرشحين، وما عليك سوى أن تمنح علامة "صح" لأحدهم في تلك الغرفة المعزولة بقماش حريري، يأخذ اللون الأحمر، ولا أدري لماذا اختاروا الأحمر لغرفة العزلة الديمقراطية تلك، وما أن تنتهي وتقذف بالورقة في الصندوق، تكون قد قيدت خيارك وحبسته في ذلك المربع الشفاف، وكلك أمل أن يفوز من حظي بثقتك.
كانت هذه هي الصورة مع بدايات الشورى في تسعينيات القرن الماضي؛ حيث مُنح الشيوخ والأعيان والتجار والمثقفون حق الترشيح فحسب، بينما ظل الباقون ينتظرون خيار هذه النخبة وفي الغالب كانت مخرجات هذه الفترة غير مسبوقة؛ فالكل كان يتحرى من يستطيع الكلام مع الحكومة بندية وثقة وغالبًا ما يصل رجال لهم ثقلهم الاجتماعي والمهني المشهود لهم فيُبلون بلاء حسنا لما ينفع البلاد والعباد.
لتأتي مرحلة جديدة يغذّيها فكر مختلف مع بداية الألفية الجديدة من خلال تمكين القبلية وحشد الأصوات لإظهار الأحمال الاجتماعية، فكانت مرحلة استعراض قوى من خلال من يستطيع حشد أكبر قدر من الأصوات للصندوق العتيد، مهما كانت قدرات المرشح، وفي الغالب يقدم الأشخاص المعسرين للاستفادة من راتب الشورى في قضاء ديونهم وتسوية أوضاعهم المعيشية خلال الدورة التشريعية، ولا يمنع أن يمنح دورة ثانية وثالثة حتى تستقيم أوضاعه. هنا برز هدفان للعملية الانتخابية في تلك المرحلة؛ وهما: استعراض المكوِّن القبلي ومعالجة الوضع المالي للمرشّح دون انتظار فوائد تُرتجى منه لولايته أو بلده، وعدد كبير من هؤلاء دخلوا المجلس وخرجوا منه دون إلقاء سؤال أو مداخلة أو المشاركة برأي أو فكرة! ولا شك انخفض الأداء وأصبح المجلس مجرد محطة لمن دُفع بهم إليه، يعملون على تسيير الجلسة تلو الأخرى متأبطين خناجرهم ومتمترسين خلف أسمائهم لكي يشعر ناخبوهم أنهم ما زالوا على قيد الحياة.
في المرحلة التي تلت 2011، تعالت أصوات المجتمع لاختيار الكفاءات وحصرَتْهُم غالبًا فيمن لديه شهادات عليا؛ فكانت تلك هي "موضة" تلك الفترة، ودُفِع بكفاءات أكاديمية ومهنية ولكنها جميعًا كانت تمر عبر نفس الرواق (القبلي)، وهنا نحن لسنا ضد الحاضنة القبلية للديمقراطية؛ فهذا هو المتاح، في ظل غياب أي حاضن آخر؛ إذ تظل القبيلة هي المؤسسة الوحيدة المُعترف بها والموكل لها رسم ديمقراطيتنا الحديثة، ولهذا كان على الأطباء والأكاديميين والمهندسين والمحامين وغيرهم من المهنيين الراغبين في العبور إلى المجلس، متابعة الرواق الضامن لآلاف الأصوات دون عناء؛ حيث يكفي أن تسمع الجموع شيلة حماسية يغزلها شاعر مخضرم ويمررها الجمهور في مواقع التواصل الاجتماعي وتطير بها الركبان في كل الأنحاء، لتنهال الأصوات من كل حدب وصوب ويتصدر المرشح المشهد لليلة واحدة، وبعدها عينك ما تشوف إلا النور!
والسؤال: هل مجلس الشورى يمتلك الاختصاصات الكافية لأداء دوره كما ينبغي؟
في الحقيقة لم تتطور الاختصاصات بالشكل المؤمل مع تطور المرحلة؛ بل تراجع بعضها وتعطل الآخر، ومن هنا لم تعد العضوية جاذبة لأصحاب رؤوس الأموال لبلوغها أو حتى الانفاق أو الدعم لتمرير أعضاء قد يرعون المصالح الاقتصادية للشركات الكبرى أو حتى العابرة للقارات؛ فالمجلس بات محدودًا في مهامه، ومجرد ممر لبعض ما يُسمح له بالاطلاع عليه، وفي الغالب تكون أمور إجرائية بحتة تحمل أهدافًا إعلامية لإبراز أن هناك مشاركة اجتماعية في الشأن العام، ويظل جل حديثنا عن الأمور الإجرائية كالتصويت الإلكتروني وسلاسة التصويت وحجم المشاركة.
إن تركيز رؤية "عُمان 2040" على المجالين الاقتصادي والاجتماعي يؤثر بالتبعية على المسار الشورَويّ، في الوقت الذي كان ينظر فيه المتفائلون حضورًا أوسع لمجلس الشورى في الحياة العامة، من خلال منحه صلاحيات استجواب فاعلة للوزراء، وانتخاب رؤساء البلديات والمحافظين بالاقتراع المباشر، واستبعاد مصطلح الوزارات السيادية التي لا يُسمح للمجلس بمناقشة وزرائها.
وحفظ الله بلادي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأردن يطوي صفحة سوريا الأسد.. كيف كانت العلاقة خلال 54 عاما وما مستقبلها؟
سقط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد حكم دام 24 عاما، سبقه حكم والده حافظ الأسد لنحو ثلاثين عاما، وأعلن الأردن فتح صفحة جديدة من العلاقات مع دمشق..
وزار وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي العاصمة السورية دمشق، والتقى بقائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، وأكد له دعم الأردن للعملية الانتقالية في سوريا.
وسبق ذلك استضافة الأردن لقاء في مدينة العقبة، ضم وزراء عرب وغربيون، إضافة إلى ممثلين عن الائتلاف السوري المعارض.
وقالت أستاذة العلوم السياسية الأردنية أريج جبر، إن لقاء العقبة يعد خارطة طريق تؤسس إلى طبيعة العلاقات القادمة، منوهة إلى أن الأردن منفتح على التعاطي بروح إيجابية مع أحمد الشرع وفريقه الحكومي الجديد، والذي يترأسه محمد البشير.
وأضافت لـ"عربي21" أن هناك حالة تلازم بين البلدين، بوجود العديد من الملفات المشتركة التي تمس الأردن وسوريا على حد سواء.
الأردن المجاور لسوريا، وفي ظل حكم حزب البعث وحافظ الأسد ونجله بشار، مرت علاقته بدمشق بفترات وردية، تلاها عداء معلن دام لسنوات.
حافظ الأسد الذي انقلب على صلاح جديد عام 1970، وقام بما يعرف بـ"الحركة التصحيحية بحزب البعث"، كان قد اعترض قبيل وصوله إلى الحكم، على إرسال قوات سورية إلى الأردن لقتال الجيش الأردني والاصطفاف إلى جانب الفدائيين.
وبعد وصوله إلى الحكم بشهور، قطع حافظ الأسد علاقة سوريا مع الأردن بحجة محاولة الأخيرة "تصفية القضية الفلسطينية"، قبل أن تعود العلاقات في العام 1973.
وحدة لم تدم
تطورت العلاقات الأردنية السورية مطلع سبعينات القرن الماضي، وشهدت تحسنا كبيرا على كافة الأصعدة، وزار حافظ الأسد الأردن صيف العام 1975، وهي أول زيارة لرئيس سوري إلى عمّان منذ شكري القوتلي عام 1956.
وتوّج التناغم الكبير في العلاقة بمشروع لم يدم للوحدة بين البلدين، حيث اتفق الملك حسين خلال استقباله حافظ الأسد مرة أخرى عام 1976، على أن يكون دخول مواطني البلدين عبر الهوية الشخصية وليس جواز السفر، كما تم الاتفاق على توحيد المناهج الطلابية للمرحلة الأساسية.
وتم الاتفاق أيضا على "العمل المشترك لحشد الطاقات العربية من أجل التحرير، وتأمين الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني على الأرض الفلسطينية".
تصعيد غير مسبوق
ومع مطلع الثمانينات، بدأت العلاقة بين عمّان ودمشق بالتوتر، عقب اتهام حافظ الأسد للأردن بشكل علني بدعم جماعة الإخوان المسلمين السورية، وذلك عقب صدور القانون الشهير رقم "49" بإعدام كل منتسب إلى "الإخوان"، ما دفع بأعداد كبيرة من السوريين إلى اللجوء للأردن.
وفي نهاية العام 1980، حشد حافظ الأسد 20 ألف مقاتل و600 دبابة موزعين على 3 فرق عسكرية، على الحدود السورية مع الأردن، وهو ما دفع الملك حسين إلى إجراء اتصالات عربية وعالمية تحسبا لتدهور الموقف.
واتهمت دمشق، الأردن بإقامة معسكرات تدريبية لجماعة الإخوان المسلمين السورية في محافظة إربد (شمالا)، فيما حذر الملك حسين من أن جيشه سيدافع ببسالة عن البلاد في حال تعرضت لأي هجوم.
وبرغم انتهاء التوتر بوساطة سعودية، إلا أن النظام السوري حاول اغتيال رئيس الوزراء الأردني حينها مضر بدران، عام 1981، بيد أن الأمن الأردني أحبط العملية واعتقل شخصين تم تكليفهما بالاغتيال،ـ وعرض اعترافاتهما على التلفزيون الرسمي، والتي تضمنت إقرارهما بالمشاركة في مجزرة سجن تدمر.
وتمكن النظام السوري من إخراج المعتقلين بصفقة تبادل بعد اختطاف مليشيا تابعة له في لبنان للملحق العسكري الأردني هشام المحيسن، في العام 1981 أيضا.
وبدأت العلاقة بين البلدين بالتحسن تدريجيا بعد الأزمة العاصفة، وزار الملك حسين دمشق ملتقيا بحافظ الأسد نهاية العام 1985، وبعدها بعدة شهور زار الأسد عمّان.
وشهدت السنوات اللاحقة إلى غاية وفاة الملك حسين وحافظ الأسد علاقات جيدة وحذرة بين الأردن وسوريا.
وفتح الملك عبد الله الثاني، وبشار الأسد فصلا جديدا من العلاقة، لم يشهد التوترات التي حصلت في عهد الآباء، واستمرت العلاقة بتبادل تجاري وتمثيل دبلوماسي على أعلى المستويات، إلى حين اندلاع الثورة عام 2011.
مرحلة الثورة
بعد ثورة الشعب السوري على نظام بشار الأسد عام 2011، أخذت العلاقة الأردنية السورية شكلا مغايرا، لا سيما مع استضافة المملكة نحو مليوني لاجئ، فرّوا من قصف النظام.
وفي تشرين ثاني/ نوفمبر 2011، أي بعد نحو 8 شهور من اندلاع الثورة، صرح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بضرورة تنحي الأسد من منصبه "من أجل مصلحة بلاده وتهيئة الأجواء لمرحلة سياسية جديدة قبل التنحي". وقال الملك بعبارة صريحة حينها خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC "لو كنت مكانك لتنحيت".
وقبل ذلك، قال الملك عبد الله في حوار مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إنه قدم نصائح لبشار الأسد، إلا أن الأخير "لا يبدو أنه قبل النصح".
الأردن الذي استضاف غرفة عمليات مشتركة لعدد من فصائل المعارضة في الجنوب، أكد خلال السنوات الماضية على ضرورة وحدة الأراضي السورية.
ومع تعقد المشهد في سوريا، والاقتتال الداخلي بين الفصائل، وعودة النظام إلى السيطرة على جل محافظات البلاد، أعاد الأردن تدريجيا علاقته مع دمشق، علما أن العلاقة الدبلوماسية لم تنقطع بالكامل، وبقيت سفارة النظام في عمّان تعمل وتقدم خدماتها للاجئين السوريين.
وأعيد افتتاح المعابر الحدودية بين البلدين عام 2018، علما أنها أغلقت عدة مرات لاحقة لدواع أمنية، ومع مطلع 2019 أعلن الأردن رفع تمثيله الدبلوماسي في سوريا، حيث عيّن دبلوماسيا بدرجة مستشار ليكون قائما بالأعمال بالإنابة في السفارة بدمشق.
إلا أن العلاقة لم تتطور بشكل كبير بسبب تسهيل النظام المخلوع لعمليات تهريب المخدرات المنظمة التي تستهدف الأردن.
وأعلن الأردن مرارا إحباط عمليات تهريب مخدرات تتم بعضها بواسطة طائرات مسيّرة من الجانب السوري، عبر عصابات منظمة أكدت وسائل إعلام حينها ارتباطها بالنظام.
وخسر الأردن العديد من عناصر وضباط حرس الحدود خلال المعارك مع عصابات التهريب المسلحة.
المطلوب من سوريا الجديدة
بحسب أريج جبر، فإن الأردن لا يسعى لأن يكون الرابح الوحيد من العلاقة مع سوريا ويؤمن بأن "اللعبة متعددة الأطراف"، مشيرة إلى أن زيارة الصفدي كانت لجس النبض ليس للأردن فقط، بل لانفتاح عربي عربي يفضي إلى تطبيع مع الإدارة الجديدة.
وأشارت إلى أن عمّان تريد بشكل أساسي تعاونا سوريا لتأمين الحدود الجنوبية المشتركة مع الأردن، والتي تعتبر خاصرة رخوة خلال السنوات الماضية، وتنشط فيها عصابات التهريب، ومليشيات وخلايا نائمة، بحسب أريج جبر.
وتابعت أن هناك عدة ملفات تؤرق الأردن، بينها قضية المياه، والتوغل الإسرائيلي المستمر في جنوب سوريا، المحاذية للحدود مع الأردن.
وقالت أريج جبر إن الأردن لن يتدخل في الشأن الداخلي السوري، لكنه سيراقب عن كثب مآلات الوضع السياسي السوري، وسيكون حريصا على توصل السوريين إلى دستور جامع يلم شملهم ويوصلهم إلى الاستقرار بعد سنوات من التناحر.
ما مستقبل العلاقة؟
ذكرت أريج جبر أن مستقبل العلاقة بين الأردن وسوريا يعتمد على استقرار الأخيرة، بعد التوصل إلى حكم ديمقراطي مدني، مضيفة أن المهم بالنسبة لعمّان أيضا الحفاظ على أمن الحدود، وعدم استمرار حالة الفلتان التي كانت خلال السنوات الماضية.
وأوضحت أن الأردن سيسعى الى النأي بسوريا أي شكل من أشكال الوصاية الإقليمية أو الدولية، أو عبث القوى الفاعلة في المنطقة، ويريد بشدة إعادة سوريا إلى عمقها العربي، وهي خطوات بدأها الأردن في آخر سنوات عهد بشار الأسد.
وتابعت جبر أن وجود سوريا مستقرة كبلد مجاور، هو ما يريده الأردن، وستكون عوائد ذلك إيجابية على أمن المملكة، وإيجاد جبهة عربية قوية موحدة لمواجهة أي مطامع إسرائيلية مقبلة، وأيضا لمواجهة خطر إعادة إحياء تنظيم الدولة "داعش".
ونوهت إلى أن الأردن سيضع بعين الاعتبار أيضا أنه سيحدد العلاقة مع سوريا، ويدفعها نحو الجمود في حال لم تسر الأمور هناك على نحو مستقر، وفي حال تدخلت القوى الكبرى فيها على غرار إيران وتركيا، والاحتلال الإسرائيلي.
وأضافت "حينها الأردن سيتوقف عند مصالحه، وسيعالجها بكل الأدوات الدبلوماسية والقانونية، بما يحمي مصلحة المملكة واستقرارها".