الممر الهندي الأوروبي
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
يتساءل البعض عن غياب سلطنة عُمان عن المُشاركة في منظومة الشحن العالمية الجديدة التي أُعلن عنها على هامش اجتماعات مجموعة العشرين، والتي عُقدت في نيودلهي بالهند، وقد شاركت السلطنة مع عدة دول خارج مجموعة العشرين في أعمالها، بناءً على دعوة جمهورية الهند لسلطنة عُمان.
في الوقت نفسه يرى الآخرون أن خيرًا فعلت عُمان بعدم دخولها في هذا المقترح الذي تبنته أمريكا التي تُواجه اليوم العديد من التحديات القادمة من الصين، وخاصة في مشروعها العملاق "الحزام والطريق"، وكذلك من قرارات مجموعة "بريكس"، إضافة إلى المجموعات الاقتصادية الأخرى في العالم. هذا المقترح هدفه إدخال الدولة الصهيونية على خط التجارة العالمية بين الهند وأوروبا عبر منطقة الخليج، ومن ثم إلى الدولة الصهيونية ومنها إلى الدول الأوروبية تمهيدًا لإيجاد مخرج إضافي للتطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل خلال المرحلة المُقبلة، وكل أملها أن يتحقق ذلك وخاصة مع السعودية قبل نهاية العام الجاري!
هناك رغبة لدى بعض الدول العربية بتحويل علاقاتها الثنائية مع بعض الدول في مجموعة العشرين إلى شراكات متعددة الأبعاد من خلال الانضمام إلى هذا الممر المعروف اختصارًا بـ"IMEC" (ويعني الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبيIndia-Middle East- Europe Corridor) على أن تكون الطاقة هي بمثابة الركيزة الأساسية في العمل المقبل بجانب قطاعات الطاقة والاقتصاد بشكل عام. قمة العشرين حضرها الكثير من رؤساء الدول، إلا أنها عُقدت بغياب الرئيسين الروسي والصيني.
إنَّ طرح المُقترح الأخير لهذا الممر جاء من أمريكا والهند والسعودية والإمارات ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي، وأن يربط هذا الممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا؛ الأمر الذي سيعمل- حسب وجهة نظرهم- على تعزيز التجارة وتحفيز التنمية الاقتصادية فيما بينها، وكذلك تعزيز التواصل والتكامل الاقتصادي بين قارتي آسيا وأوروبا، دون أن تتطرق تلك الدول بأن أحد الأهداف الرئيسية من ذلك هو إدخال الدولة الصهيونية الغاصبة لحقوق الفلسطينيين في هذه المنظومة بشكل أو بآخر. الكل يعلم جيدًا الاغتصاب الذي تقوم به إسرائيل للأراضي العربية يوميًا، وتفتك بأبناء شعب فلسطين منذ قيامها، ولكنهم يغضون الطرف عن ذلك لمصالح أخرى.
إن ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC في حال قيامه سوف يمثل خط عبور بين عدة دول لأكثر من 3000 ميل، بحيث يكون الممر متكونًا من طريقين، الأول يربط بين الهند بدول الخليج، والثاني بين دول الخليج بأوروبا، حيث سيتم من خلاله- كما جاء في مذكرة التفاهم لهذا المشروع- إنشاء شبكة نقل عبر الحدود يمكن الاعتماد عليها وفعالة من حيث التكلفة من خلال عبور السفن ثم العبور عبر السكك الحديدية؛ الأمر الذي سوف يسهّل الحركة السلسة للسلع والخدمات بين تلك الدول عند مروها في الهند والإمارات والسعودية والأردن ثم إلى الدولة الصهيونية فأوروبا.
أمريكا من وجهة نظرها ترى أنَّ هذا المشروع يحقق لها السمعة وهو بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ حيث يركز بقوة على تعاون بعض الدول العربية بجانب بعض الدول في حوض البحر المتوسط، أي أن هذا المشروع هو منافس لمبادرة الحزام والطريق. ولكن في الحقيقة هو مشروع تحاول أمريكا تبنيه من أجل إنقاذ الدولة الصهيونية من المتاعب التي تمر بها وسط عدم رغبة الشعوب بالتعامل معها، وإن كانت بعض الحكومات بدأت بالتطبيع السياسي مع الحكومة الصهيونية، إلّا أن الشعوب تأبى ذلك منذ أن تم التوقيع على معاهدة كامب ديفيد.
أما الصين فهي ماضية في جهودها دون كلل لتنفيذ خطتها في مشروع الحزام والطريق، في الوقت الذي تمكنت من خلال عضويتها في مجموعة بريكس مع روسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا من ضم 6 دول أخرى إلى هذه المجموعة التي بدأت فعلًا في التأثير على مستوى المجالات الاقتصادية والسياسية بين دول العالم.
أما المصادر الهندية فترى أن ممر الهند والخليج وأوروبا هو مظهر من مظاهر التكامل العميق بين الهند ودول الخليج وخاصة السعودية والإمارات، وكذلك لإيجاد التقارب الجيوسياسي والاقتصادي الأوسع بينها وتلك الدول في وجود ملايين من العمال الهنود الذين يعملون في المنطقة، ونتيجة للعلاقات وحجم التجارة الكبيرة القائمة فيما بينها، ورغبة دول المنطقة بالاستفادة من التطورات التكنولوجية والمعرفية من الهند، فيما يمكن للهند تلبية احتياجاتها النفطية من دول المنطقة.
لا شك أن المنطقة تبحث عن شركاء لتلبية احتياجاتها من المشاريع الاقتصادية والتكنولوجية واللوجستية، ولكن يجب ألا يأتي ذلك على حساب قضية فلسطين التي تحاول أمريكا تمييعها منذ عدة عقود، في الوقت الذي تعمل فيه بأن تكون الشريك الأمني المُهيمن على المنطقة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بطراز أوروبي.. ما قصة القصور المهجورة بهذه البلدة في الهند؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يمر الطريق السريع المغبر الذي يؤدي إلى سيدهبور، في ولاية غوجارات بغرب الهند، عبر مناظر طبيعية قاحلة، متجاوزًا المطاعم على الطرقات وقطعان الإبل، من دون أن يلمّح كثيرًا لما تخبئه هذه البلدة التاريخية.
في قلب سيدهبور، يمتد شارع تصطف على جانبيه قصور فاخرة تتكونّ من ثلاثة وأربعة طوابق، تُعرف باسم "Haveli"، وتزهو بألوان باهتة من درجات قوس القزح، بدءًا من الأزرق الفيروزي والوردي الفاتح وصولا إلى الأخضر الفستقي.
ويُعرف هذا الشارع محليًا باسم "Paris Galli" أو "شارع باريس"، حيث ينقل الزوار إلى مدينة أوروبية بطرازها المعماري النيوكلاسيكي الفاخر ومزيجها المتناغم من فنون الآرت ديكو، والأساليب الهندية الهجينة.
وتبعد سيدهبور أقل من ثلاث ساعات بالسيارة عن عاصمة ولاية غوجارات، أحمد آباد، لكنها لا تزال بعيدة عن أنظار المسافرين وعشاق العمارة.
ويبدو الحي المحيط بشارع "Paris Galli" مهجورًا إلى حد كبير، باستثناء بعض المارة الذين كانوا يرتدون غطاء الرأس الملوّن المميز والقبعات الذهبية والبيضاء التي يرتديها أفراد فرقة البهرة الداودية، وهي طائفة شيعية مسلمة استقرت لأول مرة في هذا الجزء من غرب الهند في القرن الحادي عشر.
ويُعرف البهرة بأنهم مجتمع تجاري مترابط نشأ في مصر، ثم تنقّل عبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا للتجارة في التوابل، والأحجار الكريمة، والعطور.
بعد ذلك، انتقل مقر الطائفة من اليمن إلى سيدهبور، حيث استعرض أتباعها ازدهارهم وثروتهم من خلال بناء مئات المنازل الفاخرة في النصف الأول من القرن العشرين. وأُطلق على هذه التجمّعات السكنية اسم "Bohrawads"، وسعى أصحاب هذه القصور للتفوق على بعضهم البعض عبر تعليق الثريات الفخمة، واستخدام الزجاج البلجيكي، وقطع الأثاث القديمة، أو من خلال إقامة الولائم الفاخرة.
ذكر المعماري زوياب كادي المولود في سيدهبور أنه قد تكون الروابط التجارية الوثيقة للمجتمع مع أوروبا قد أثّرت على الحس المعماري. وكان مهراجا المنطقة حينذاك، سياجيراو غايكواد الثالث، معروفًا بحبه للعمارة الأوروبية. وقد وضع قواعد تخطيط صارمة مستوحاة من المخطِط الحضري الاسكتلندي باتريك غيديس (الذي عاش في الهند بين عامي 1914 و1924)، ما أدى إلى تشكيل شوارع ذات طابع معماري موحّد بشكل لافت.
وقال كادي إن البهرة قدموا مساعدتهم للمجتمعات الأخرى خلال مجاعة وقعت في أوائل القرن العشرين، وبمثابة ردّ للجميل، "قام مهراجا ولاية بارودا بإهدائهم قطعة أرض، حيث كانوا يواجهون أزمة سكن".
وأضاف: "على هذه الأرض، بدأوا في بناء هذه المباني الرائعة، التي كان يجب أن تلتزم بقواعد تخطيط المدن الصارمة".
تقع هذه القصور الطويلة والضيقة بشكل رئيسي في منطقة نجامبورا، حيث يتواجد شارع "Paris Galli"، وهي مصنوعة غالبا من الخشب، بالإضافة إلى الجص والطوب. وتتميز التصاميم بأسطح الجملون، وأعمدة وزخارف، وأبواب منحوتة، ونوافذ مزخرفة ومتدلية تبرز من واجهة كل قصر.