البرادعي وآخرون يتحدثون عن مستقبل بدون السيسي.. ماذا يجري في مصر؟
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
تحدثت شخصيات سياسية وازنة في مصر عن مستقبل البلاد في غياب رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، وذلك مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في البلاد.
نائب الرئيس المصري الأسبق الدكتور محمد البرادعي، تحدث عن "مستقبل قريب" ينتظر بلاده دون ذكر مصير السيسي، مثيرا الكثير من الجدل بشأن دلالات حديثه، وحول ما إذا كان طرحه هو الحل الأمثل للأزمة المصرية.
رئيس وكالة الطاقة الذري الأسبق، كتب السبت الماضي على صحفته على موقع إكس (تويتر سابقا)، عن "مستقبل قريب"، فيه "توافق وطني تفصيلي جاد بين القوى الرئيسية في البلاد المدنية، والعسكرية، والليبرالية، والإسلامية، على ركائز نظام سياسي واقتصادي قائم على الحرية والعدالة الاجتماعية".
وأوضح أن هذه الرؤى سيتم تنفيذها "خلال فترة انتقالية محددة بمشاركة الجميع، تكون الأولوية فيها إعادة بناء المؤسسات".
"حديث غامض"
تغريدة البرادعي، رآها البعض غامضة ولم تحدد وسيلة تنفيذ أفكاره المطروحة، ولا النظام أو الجهة التي ستقوم على تحقيقها، ووضع النظام القائم الآن منها، وهل هو داخل تلك المعادلة أم خارجها؟، وهل حصل على إشارة من جهة داخلية أو خارجية أو دولة ما تؤيد أو تدعم دعوته؟.
وكان البرادعي قد استبق ذلك الحديث بالقول إن أحوال المصريين "ليست على ما يرام في الكثير من الأمور الداخلية والخارجية"، مؤكدا أن "هناك حاجة ماسة إلى توافق وطني جاد ومفصل بين شركاء الوطن مبني على الحقيقة والعلم وبعيد عن الشعارات على شكل المستقبل وأهدافه وآليات الوصول إليه".
وفي الوقت الذي تساءل البعض حول احتمال أن يكون ما طرحه الرجل أحد رموز ثورة يناير 2011، مجرد أمنيات رفعت سقف الطموحات لدى البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أتبع البرادعي تغريدته المثيرة للجدل بأخرى.
وقال في تغريدة جديدة: "أملي أن أرى بلدنا تواكب مسيرة التقدم بعد عقود طويلة من الاستبداد وغياب الحكم الرشيد والتخلف عن ركب الحضارة"، موضحا أن دوره يقتصر على "إبداء الرأي وتقديم المشورة لكل أبناء الوطن"، ومؤكدا أن "التغيير يأتي بالعمل الجماعي السلمي المنظم".
"نصيحة بدراوي"
وفي سياق التصريحات المثيرة للجدل قال الأمين العام السابق للحزب الوطني المنحل حسام بدراوي، إن النظام الحالي يكرر نفس لغة نظام مبارك، ولكن بفارق واحد، هو أن هناك مساحة للتعبير عن الرأي سابقا حتى داخل الحزب الوطني.
وأضاف بدراوي لقناة "بي بي سي" الجمعة الماضي، أن الإصلاح يجب أن يأتي من داخل النظام، والخيوط حاليا فـي يد السيسي، وهو في اختبار صعب جدا أمام التاريخ، وهو من في يده نقل السلطة.
وأكد أنه "إذا لم يرشح السيسي نفسه لفترة ثالثة فسيدخل التاريخ"، لافتا إلى أن مصر دولة مركزية، وأن من سيرشح نفسه في الانتخابات يجب أن تكون لديه خلفية سياسية كبيرة، وتنظيما قويا، واتفاقا مع القوات المسلحة.
"اختيار جاد"
وفي هذا الإطار، أثار المتحدث باسم "التيار الحر" الليبرالي المعارض، عماد جاد، الشارع السياسي المصري بأطيافه بقوله إن رئيس أركان الجيش المصري الأسبق الفريق محمود حجازي، هو الرئيس الأمثل لمصر في المرحلة القادمة.
جاد في بيان له بعنوان "نداء من أجل الوطن"، دعا لمرحلة انتقالية يقودها أحد أبناء مؤسسات الدولة، مضيفا: "لا نريد قفزة في الهواء، ولا نريد انتخابات هزلية، ولا نريد مرشحين هواة من خارج دولاب الدولة".
"تزايد الفجوة"
وعلى الجانب الآخر، أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية في مصر التي تضم 12 حزبا وبعض الشخصيات المؤثرة في المشهد المصري، رغبتها بعدم ترشح السيسي، مؤكدة أن البلاد لن تحتمل فترة رئاسية ثالثة له، محذرة من التأخر في فتح مسار آمن للتغيير يضع مصر على شفا الانفجار.
وتتزايد الفجوة بين النظام والمعارضة في الداخل وخاصة التيار الليبرالي بعد حكم محكمة الجنح الاقتصادية في القاهرة، السبت الماضي، بحبس الأمين العام لمجلس أمناء التيار الحر هشام قاسم (64 عاما)، 6 أشهر، مع تغريمه 20 ألف جنيه.
كما كشف المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، الذي يعده البعض المنافس الوحيد للسيسي، أن هاتفه تحت المراقبة الأمنية منذ أيلول/ سبتمبر 2021، بجانب ما طال أعضاء حملته الانتخابية من تضييق.
"وضع قاس"
وتعيش مصر منذ العام 2013، أزمة سياسية طاحنة، إثر انقلاب قائد الجيش حينها عبدالفتاح السيسي، على أول تجربة مدنية ديمقراطية بعد ثورة يناير 2011، بالإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، وسجنه.
وتولى السيسي حكم مصر مدتين رئاسيتين الأولى 4 سنوات من 2014، وحتى 2018، والثانية منذ ذلك التاريخ، وحتى نيسان/ أبريل المقبل، لمدة 6 سنوات، وفي طريقه للترشح لفترة رئاسية ثالثة بعد تعديلات دستورية أقرها عام 2019، وتمنحه حكم البلاد حتى 2030.
خمسة أشخاص أعلنوا الترشح لمنافسة السيسي، حتى الآن، على رئاسة الجمهورية، وهم رئيس حزب "الوفد" عبد السند يمامة، وعضو الحزب فؤاد بدراوي، ورئيس حزب "الشعب" حازم عمر، ورئيس حزب "السلام" أحمد الفضالي، والبرلماني السابق أحمد الطنطاوي.
"تحول داعمي السيسي"
ويرى عضو "الحركة المدنية الديمقراطية" سمير عليش، في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك تحولا واضحا من داعمي السيسي، الخارجيين، بقيادة أمريكية".
المتحدث الرسمي السابق باسم "الجبهة الوطنية للتغيير"، قال على سبيل المثال إن "خطاب البرادعي، ما هو إلا طرح لفكرة يمكن أن تتجمع عليها الأكثرية كسبيل للخروج من نفق مظلم أدخلنا فيه النظام العسكري بقيادة السيسي".
وأشار إلى ضرورة أن يحدث ذلك "دون صدام كامل معه عبر تأسيس نظام سياسي جديد مبني على شعارات 25 يناير 2011، من الحرية والعدالة الاجتماعية".
"نوع من التخدير"
من جانبه، قال القيادي في جماعة الإخوان المسلمين والبرلماني المصري السابق الدكتور جمال حشمت: "لم نعد نثق فيما يُقال ونحن محاصرون كأبناء مصر، وهناك من يتخذ القرار لنا ويصرح، ولا ندري ماذا يحدث؟"، مضيفا أنه "لذلك هناك قرارات تم اتخاذها منذ فترة والعمل قائم بها".
حشمت، وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى "قول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، إن أمريكا ستفعل كل ما بوسعها لمنع ديمقراطية حقيقية في الشرق الأوسط"، مضيفا: "وقد عاصرنا هذا منذ انقلاب يوليو 1952".
وتساءل السياسي المصري، "من نصدق؟، هل البرادعي صاحب الأثر في الانقلاب العسكري عام 2013، أم نعوم تشومسكي؟"
وختم حديثه بالتأكيد على أن "أي كلام بلا حراك صار نوعا من التخدير الذي نستمع له لا نرفض الجيد منه، لكن لن ننسج منه أحلاما لمستقبل مصر الحقيقي الذي يحتاج لجهد وعرق وصبر وإخلاص".
"رقص في مسرح العسكر"
وفي قراءته لحديث البرادعي، قال رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل لـ"عربي21": "من الطرائف الموجودة فيمن يسموا أنفسهم النخبة أنهم يخلطون عمدا أو خطأ بين ما يأملون حدوثه وبين الواقع".
السياسي المصري، أضاف: "كما أنهم يمتلكون قدرة هائلة على صناعة عالم مواز ليس له علاقة بالواقع، هذا إن أحسنا الظن، أما إذا أسأنا الظن فهم يحاولون وضع أنفسهم بالمنطقة الآمنة سواء كانت ملاصقة لأصحاب القوة العساكر، أو التي تبتعد عن الصدام معهم أو التي تساعدهم لإحكام السيطرة".
وأرجع عادل السبب إلى أنه "لا يمكنه الانسحاب من على خشبة المسرح، فبدلا من الخروج من التاريخ فهو يحوله إلى مسرح عبثي"، مضيفا أن "البرادعي والكثير مثله يعيشون في أوهام النموذج الذي يرسمه العساكر".
وأكد السياسي المصري المعارض من الخارج أن "السلطة تعني القوة؛ سواء قوة السلاح، أو قوة المؤسسات، أو قوة القانون، أو قوة الجماهير الكاسحة، ومؤسسات المجتمع المدني".
وأوضح أنه "لا توجد أي من هذه الأدوات إلا وسيطر عليها العساكر باستثناء الجماهير، ولا يوجد ما يدعوهم للتخلي عنها"، ويعتقد أنها "فقط مناورة لكسب الوقت، وإعادة الساعة إلى عام 2013".
ويعتقد ضابط الجيش المصري السابق، أن "المؤسسة العسكرية فقدت الآن كل احترام لها من قطاع واسع من الشعب، ولو حدث كما يقول البرادعي -وأشك في ذلك- فهو عمل تكتيكي من العساكر لضبط المجال العام، وتقليل حدة الغضب لدى الجماهير".
ويرى القيادي بالمجلس الثوري المصري، أن "الحل الآن هو تأجيج غضب الجماهير، وليس الصعود على المسرح لإنقاذ العساكر بحركات مسرحية تحمل الكوميديا السوداء التي ابتلينا بها من نخب لا تعرف شيئا إلا الرقص في مسارح العساكر".
"أهلا به لو يقدر"
وفي قراءته لدلالات حديث البرادعي، تساءل السياسي المصري، مجدي حمدان موسى: "أين يسكن البرادعي؟"، مجيبا بقوله إنه "يسكن جنيف في سويسرا، بعيدا عن الأرض المصرية وعن المواطن والشارع المصري، وبالتالي تكون رؤيته من خلال مواقع التواصل الاجتماعي".
ولذا يستبعد تماما عضو المكتب السياسي والهيئة العليا بحزب "المحافظين"، وعضو "الحوار الوطني"، في حديثه لـ"عربي21"، أن "يكون للبرادعي وضع قائم في المنحنى السياسي بالحياة السياسية المصرية".
وبشأن حديث البرادعي عن توافق وطني يجمع المدنيين، والعسكريين، والليبراليين، والإسلاميين، تعجب موسى، من تلك الخلطة، وتساءل مجددا: "كيف يمكن لتلك الجبهات أن تجتمع رغم حالة الاختلال الأيديولوجي بينها؟".
وتابع تساؤلاته: "كيف يجتمع المدني مع العسكري، والليبرالي مع الإسلامي في أيديولوجية واحدة؟"، مؤكدا أنه "لم يحدث في التاريخ ولن يحدث لاحقا"، مضيفا أن "الليبرالي يعكس مفاهيم مختلفة عن الإسلامي، والعسكري لا ينتمي للمنظمات المدنية ولا ينتمي للمدنية".
وبشأن حديث البرادعي عن "نظام سياسي واقتصادي قائم على الحرية والعدالة الاجتماعية"، أكد موسى، أن "هذا جزء أساسي في الدستور المصري، فهناك الباب الثالث بالكامل بعنوان الحريات للصحافة والمواطن والحياة الشخصية وإبداء الرأي وغيرها".
وعاد السياسي المصري يتساءل: "هل الرئاسة الحالية أو القادمة قادرة على تطبيق هذا الأمر؟"، مؤكدا أنه لا يقدر القول إن "هناك نظام سياسي واقتصادي قائم على الحرية والعدالة الاجتماعية بمصر لأنه غير موجود تماما".
بل يرى أن "النظام الحالي يتعامل بالعصا لكل من يبدي رأيا مخالفا، والجزرة، مثل ما أصدره السبت الماضي من قرارات ثمانية تدشن لحزمة مساعدات".
وعن قراءته لمعقولية تنفيذ أفكار البرادعي تلك بالجمع بين العسكر والإسلاميين بعدما وقع من حمامات دم راح ضحيتها الآلاف خاصة في مجزرتي رابعة والنهضة، لا يعتقد موسى، أبدا أن "يكون هناك توافقا بين العسكريين والإسلاميين في الوضع الحالي".
وختم حديثه بالقول: "لا توجد عقلانية والأجواء السياسية مختلفة عن 25 يناير 2011، وعن 30 يونيو 2013، وإذا كان البرادعي قادر على تنفيذ هذه النقاط فأهلا به، لكن غير ذلك للأسف فهي غير موجودة على الأرض، ولن تنفذ لاختلافات كثيرة في الـ10 سنوات الماضية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصر السيسي الانتخابات البرادعي مصر السيسي البرادعي انتخابات سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السیاسی المصری نظام سیاسی ینایر 2011
إقرأ أيضاً:
ما دلالات عفو السيسي عن سيناويين طالبوا بالعودة إلى رفح المصرية؟
أثار إصدار رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، قرارا بالعفو بحق 54 من السجناء "المحكوم عليهم" من أبناء شمال سيناء المتاخمة للحدود مع جنوب قطاع غزة، الجدل والتساؤلات والتكهنات حول دلالات توقيت القرار وسط أوضاع إقليمية مؤثرة، وأسباب إلغاء الحكم القاسي بحق الأهالي والذي لاقى انتقادات، والصادر قبل أسبوع من محكمة عسكرية.
الرئاسة المصرية، في بيان لها، أعلنت أن السيسي أصدر قرارا جمهوريا بالعفو الرئاسي عن 54 من المحكوم عليهم من أبناء سيناء الذين اعتقلوا وجرى احتجازهم بسجون عسكرية بتهمة المطالبة بالعودة إلى مدينة رفح المصرية خلال تظاهرات لقبيلتي السواركة والرميلات، في رفح والشيخ زويد، تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
"بداية الأزمة"
منذ تولي السيسي حكم البلاد في العام 2014، وقام بعمل منطقة عازلة بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة، وقام بإخلاء مدينة رفح المصرية وقرارها من السكان وترحيلهم إلى العريش والإسماعيلية ومدن الدلتا، وذلك بدعوى محاربة الإرهاب وهدم الأنفاق الحدودية.
رضوخ الأهالي لقرارات التهجير كان مشروطا بحسب نشطاء بعودتهم لأراضيهم ومزارعهم وقراهم، والتي تعهد بها قادة الجيش الثاني، والتي تأجلت توقيتاتها مرارا ما دفع الأهالي للتظاهر مرات عديدة للمطالبة بحق العودة، ما قابلته السلطات باعتقال العشرات منهم.
البداية كانت في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، وبعد نحو 3 شهور من تولي السيسي، حكم البلاد، شن حملة أمنية واسعة في شمال سيناء.
حينها، أمر الجيش المصري، القاطنين بمدن وقرى مدينتي رفح والشيخ زويد، قرب حدود قطاع غزة، بإخلاء 900 منزلا بواقع 500 متر وبطول نحو 13 كيلو مترا، تمهيدا لتدميرها، وإقامة منطقة عازلة بالشريط الحدودي مع القطاع، بدعوى منع تهريب الأسلحة بين مصر وغزة.
وفي 7 كانون الثاني/ يناير 2015، قررت السلطات المصرية إزالة مدينة رفح لزيادة مساحة المنطقة العازلة بإزالة 1220 منزلا تؤوي 2044 عائلة، فيما منحت السلطات كل عائلة مبلغ 1500 جنيه مصري لاستئجار منزل جديد.
وإزاء التهجير القسري للأهالي؛ أعلن محافظ شمال سيناء حينها اللواء عبدالفتاح حرحور، عن إنشاء مدينة "رفح الجديدة" يقوم على تنفيذها الجيش، ما اعتبره المهجرين وعدا بالعودة لأراضيهم وللمدينة الجديدة.
لكنه، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017، قررت السلطات تمديد المنطقة العازلة لتصل 1500 مترا، بعدما كانت كيلومترا واحدا، نُفذت على مرحلتين، ومن ثم إخلاء وإزالة مباني ومزارع جديدة.
وإثر انتهاء العمليات العسكرية ضد "تنظيم ولاية سيناء" طالب الأهالي بالعودة لقراهم ومزارعهم، وفي 22 آب/ أغسطس 2023، احتشدت قبيلة "السواركة، للمطالبة بالعودة لأراضيهم برفح والشيخ زويد.
وبعدها بثلاثة أيام، وعقب انتهاء مهلة منحها الجيش للأهالي للعودة لم يتم تنفيذها، اعتصم مئات من قبيلة الرميلات بـ"جمعة الأرض"، مطالبن بحق العودة، في أزمة تفاقمت إثر منع الجيش لهم من دخول قراهم.
في حين أنهى الأهالي اعتصامهم مع وعود جديدة من الجيش بالعودة يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الأمر الذي لم يتحقق وقابله الأهالي بالتظاهر بعد انتهاء المهلة، وواجهته السلطات باعتقالهم ومحاكمتهم.
وأدانت "المحكمة العسكرية" بالإسماعيلية (شرق القاهرة)، الشيخ صابر حماد الصياح، أبرز رموز قبيلة الرميلات، بالسجن 7 سنوات، ونجليه عبدالرحمن ويوسف بالسجن 10 سنوات و3 سنوات على التوالي، كما أدانت 11 معتقلا بالسجن 7 سنوات، و41 بالسجن 3 سنوات.
وأصدرت أحكاما غيابية بسجن 7 متهمين 10 سنوات، بينهم الصحفيان حسين القيم من جريدة "الوطن"، وعبدالقادر مبارك، العضو بنقابة الصحفيين.
"ردود فعل مرحبة.. ولكن ماذا بعد؟"
"مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان" المهتمة بالشأن الحقوقي لأهالي شبه الجزيرة المصرية، من جانبها رحبت بالقرار الرئاسي واعتبرته "خطوة في الاتجاه الصحيح"، وطالبت بـ"إسقاط التهم عن 8 معتقلين آخرين من بينهم صحفيين، لم يشملهم قرار العفو"، وإنهاء القضية التي شابها "انتهاكات قانونية وإجرائية"، وفق المنظمة الحقوقية.
وعبر نشطاء سيناويون عن فرحتهم ونقلوا فرحة الأهالي بالقرار، الذي قرأ فيه متابعون مصريون للشأن السيناوي، تراجعا مثيرا من رأس النظام المصري، له دلالاته خاصة في توقيته الحالي.
"توقيت القرار"
ويأتي القرار في توقيت تقترب فيه الفصائل الفلسطينية من توقيع اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي بإنهاء حرب الإبادة الدموية الجارية على حدود سيناء منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ما دفع البعض للتكهن بأن قرار العفو هو خطوة نحو تهدئة للوضع في سيناء ومع الأهالي الغاضبين، وله ما بعده من قرارات أو اتفاقات أو تمهيد لما قد يجري من ترتيبات بالإقليم خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة، التي تبدأ في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل.
وتثار مخاوف أهالي سيناء وخاصة منطقة رفح من تنفيذ خطط إسرائيلية بتهجير أهالي غزة إلى سيناء ضمن ما يسمى بـ"صفقة القرن"، التي يتبناها الرئيس الأمريكي السابق، والقادم للبيت الأبيض مجددا، دونالد ترامب، والذي قال إنه "سينفذها"، وهو ما لاقى قبول وترحيب السيسي، بل وإعلانه عن "الصفقة" للعالم رسميا في نيسان/ أبريل 2017.
وتحدث سياسيون مصريون مهتمون بالشأن السيناوي لـ"عربي21"، راصدين دلالات توقيت عفو السيسي عن 54 من أهالي سيناء المعتقلين بسجونه العسكرية، وبعد 10 أيام من حكم محكمة تابعة للجيش، وفي توقيت تشهد فيه المنطقة توترا في غزة وسوريا، ما أثار المخاوف من تكرار المشهد السوري بمصر.
"تأثير نظرية الدومينو"
وقال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير: "لتوقيت العفو تفسيرات مختلفة في ظلّ غياب المعلومات بدولة بوليسية، فلا شك أنّ سقوط نظام الأسد أثار مخاوف السيسي فحاول امتصاص غضب أهالي سيناء والمجتمع المدني بعد الأحكام القاسية التي صدرت قبل أيام قليلة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "هذا يشير إلى أن النظام استشعر خطرا محتملا من تصاعد التوتر الشعبي في شمال سيناء، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في مصر".
وتابع: "فلا ننسى أنّ مصر تكاد تكون الدولة الوحيدة التي ترفض رفع علم الثورة السورية علـى السفارة السورية بالقاهرة، في خطوة أثارت اندهاش واستغراب كثيرين واعتبروها دليل علـى كم الفزع التي يشعر به النظام، فالسيسي لايزال مسكون بالخوف من تأثير نظرية الدومينو، والتي ما أن تسقط قطعة منها حتّى تتتابع سقوط باقي القطع".
لكن المنير، لا يعتقد أنّ "للقرار صلة بمفاوضات الفصائل الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب في غزة، فقد وضع نتنياهو شروط تعجيزية جديدة لتعطيل إبرام الصفقة كما فعلها في مرات عديدة سابقة، كما أنّ موضوع غزة أكبر من قدرات السيسي، فهو مجرد جندي في رقعة الشطرنج يتم تحريكه من قبل اللاعبين الكبار في المنطقة".
ويرى أنه "لذلك فالهاجس الأمني هو التفسير الأقرب للصحة فهي محاولة لاحتواء الغضب القبلي في سيناء، خاصة قبيلة الرميلات ذات النفوذ"، مؤكدا أن "النظام يعتمد بشكل كبير على دعم بعض القبائل في مواجهة التنظيمات المسلحة، وبالتالي يسعى للحفاظ على تحالفاته هناك".
ولفت إلى أن "الأوضاع المضطربة في الجهة الشرقية مع غزة تجعل من الحكمة محاولة تهدئة الأوضاع في سيناء وعدم استعداء الأهالي، خاصة أنّ الجميع في مصر في حالة غليان بسبب الموقف المتخاذل والمتآمر على غزة من قبل السيسي ونظامه".
وواصل: "كما أنّ النظام المصري يدرك أن ولاية ترامب الثانية قد تحمل سياسات مختلفة في الشرق الأوسط، وربما تضغط على مصر لتقديم تنازلات، سواء في ملف سيناء أو حقوق الإنسان، والعفو قد يكون خطوة استباقية لتحسين صورته أمام الإدارة الأمريكية القادمة".
وقال الباحث المصري: "يمكن أنّ نكون باختصار أمام نظام لديه أزمة ثقة في شرعيته وبقائه وأنّ قرار العفو يحمل دلالات تتجاوز كونه مجرد استجابة لضغوط داخلية أو تعبيرا عن النية الحسنة".
ويعتقد أنه "يبدو كخطوة محسوبة تهدف إلى: احتواء التوترات الداخلية، خصوصا في سيناء، وتحضير الأجواء لاستحقاقات إقليمية قادمة خاصة على صعيد ملف غزة وسيناريو التهجير وصفقة القرن لا يزالان على طاولة ترمب، وإرسال رسائل للخارج مفادها أن النظام لا يزال قادرا على المناورة واستيعاب الأزمات".
وختم بالقول: "السؤال الأكبر الذي يبقى: هل هذه الخطوات كافية للحفاظ على استقرار النظام في ظل الأزمات المتعددة التي يواجهها داخليا وخارجيا؟ أم أنّ قطعة الدومينو قد سقطت بالفعل وأصبحت مسألة وقت فقط حتى تسقط القاهرة".
"سيناريو فيه العرجاني"
وحول الوضع القائم على الأرض، قال الناشط السيناوي أشرف أيوب، إن "القرار صدر بصفة الحاكم العسكري وليس رئيس الجمهورية لأن الحكم صادر من محكمة عسكرية"، موضحا في حديثه لـ"عربي21"، أنه "نهاية لسيناريو محبوك لدعم حزب العرجاني الجديد".
وأوضح أن "حكم المحكمة العسكرية صدر بحق 63 من طالبي (حق العودة)، والذين تزامنت وقفتهم للمطالبة به مع انطلاق (طوفان الأقصى) في غزة، وفي اليوم التالي للحكم عليهم، قامت زوجات وأمهات وبنات المحكوم عليهم بوقفة أمام مكتب مؤسسة أهلية تابعة للسيناوي المثير للجدل إبراهيم لعرجاني مطالبين السيسي بعدم التصديق على الحكم".
ولفت إلى أنه "عقب الوقفة النسائية خرجت اللجان تبشر أهالي سيناء بأن هناك قوائم عفو رئاسي عن المحكوم عليهم من أصحاب الرأي والسياسيين والمختفين قسريا، لكن لم تخرج إلا هذه القائمة بعدم التصديق على الحكم كحاكم عسكري وإعفاء المحكوم عليهم من العقوبة".
وأضاف: "هذا بجانب أن الأحداث في المنطقة والترتيبات التي تُجهز في دواليب إدارة ترامب، تُحتم تغيير سياسة التعامل مع سكان المنطقة (ج)، وإصرار نتنياهو على البقاء في المنطقة (د) حسب الملاحق الأمنية لاتفاقية (كامب ديفيد) 1978، ووضع محور صلاح الدين (فيلادلفيا) بحسب إتفاقية المعابر 2005".
"في الأصل أبرياء"
وثمن السياسي المصري، والنائب السابق بـ"مجلس الشعب" عام 2012، عن شمال سيناء يحيي عقيل، "قرار العفو"، مؤكدا أن "هؤلاء الناس في الأصل أبرياء، والمطالبة بالعودة لم تكن شيئا من بنات أفكارهم، إنما بحسب وعود قطعها النظام على نفسه، بأنه سينتهي من الإجراءات وسيعود الناس لبيوتهم".
عقيل، أحد رموز قبيلة "البياضية"،أضاف لـ"عربي21": "حتى مدينة رفح الجديدة التي تخالف مبانيها التي تشبه علب الكبريت طبيعة الناس في هذه المنطقة والذين تعودوا على سكن بيوت كبيرة في مزارعهم؛ ومع ذلك لم تف الدولة بوعودها لهم".
وأوضح أن "الأهالي تظاهروا للمطالبة بحق العودة لأراضيهم بعدما اندحر الإرهاب، ولم تعد هناك عمليات عسكرية ضد (تنظيم الدولة) وغيره، ولم تعد هناك عمليات من جانب العدو الإسرائيلي، وكان من الطبيعي مطالبتهم بالعودة لانتفاء أسباب تهجيرهم، فاعتقولهم وحاكموهم وأصدروا عليهم أحكاما جائرة".
وأكد أنه "عندما يعود النظام لرشده، ويصدر السيسي قرارا بالعفو عن هؤلاء، يجب أن ثمن القرار، ونبارك خرجهم من السجن، وقد رأينا بالسجون السورية كيف هي سجون العساكر، وأظن أن مقارنة أقبح سجون سوريا بسجن العزولي في الإسماعيلية يتضح أن سجون سوريا رحيمة".
"انتفاء المبررات"
ومضى يقول: "يجب على النظام إذا كان يحترم نفسه وعهوده والشعب أن يوفي بهذا الالتزام، ويسمح بعودة الناس المهجرة لبيوتهم بقرى رفح والشيخ زويد، فلم يعد هناك مبررا لعدم العودة، وإطلاق الشبيحة والبلطجية الخارجين عن القانون لتفزيع كل من يحاول العودة، في سبة وعيب لا يليقان بالدولة".
وتساءل البرلماني المصري السابق: "ما المانع الآن من المكاشفة والشفافية؟"، مطالبا بأن "يخرج أحد رجال الجيش للتوضيح، كون هذه المنطقة يتعامل بها الجيش والمخابرات الحربية ومخابرات حرس الحدود، ويشرح للناس أسباب تأخير عودة الأهالي، ويطلع الشعب على خطة الدولة تجاه هؤلاء، ومتى سيعودون لبيوتهم؟، والخطر الذي يمثله عودتهم لقرى ونجوع فارغة مات فيها الزرع وهدمت البيوت".
وأكد أن "الشيخ صابر الصياح، وأولاده يعبرون عن نسيج هذا المجتمع، وهم جزء من قبيلة الرميلات، ولا يمكن لعاقل اتهامهم بالخروج عن القانون أو محاربة الدولة أو ممارسة الإرهاب، لأنهم كانوا في صف الدولة والالتزام بأوامرها ومناصرة الجيش فيما ذهب إليه بكل المراحل".
وبين أن "موقف مشايخ القبائل أصبح صعبا مع كثرة ما أعطاهم رجال الدولة والجيش وعودا لا تنفذ، ولما غضب الشيخ الصياح، ومن معه ولجأوا إلى نوع بسيط من التظاهر جرى اعتقالهم ومحاكمتهم محاكمة عسكرية، ثم قرار العفو، وأظن أن الأمر معيب من بدايته لنهايته".
وخلص للقول: "تظل القضية كما هي، فمتى يعود الناس لبيوتم وقراهم؟، ومتى توفي الدولة بوعودها للمهجرين، وتيسير العودة، وتوفير متطلبات الحياة؟".
وختم موضحا أن "الإصرار على إبقاء تلك المنطقة خالية من السكان، يجعل فكرة تهجير الفلسطينيين تداعب عقول الأهالي، رغما عنهم"، متسائلا: "فلماذا الإصرار على إبقاء المنطقة خالية، ومنع الناس من العودة؟"، مجيبا بقوله: "لا أحد يستطيع تقديم إجابات".