الأعلى للثقافة و مؤسسة الفكر العربي يحتفيان بعقدين للفكر العربي
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
أقامت مؤسسة الفكر العربي بالشراكة مع المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور هشام عزمي فعاليات الملتقى الثقافي الخاص بإطلاق التقرير العربي الثاني عشر للتنمية الثقافية "الفكر العربي في عقدين "2000- 2020"، ومناقشة المحورين السياسي والاجتماعي بالتقرير، بمشاركة عدد كبير من الباحثين والمتخصصين في هذا المجال.
بدأ الدكتور هشام عزمي كلمته بتقديم العزاء إلى الشعبين المغربي والليبي الشقيقين في مصابهما الجلل٬ داعيًا الحضور الكريم للوقوف دقيقة حدادًا على أرواح الشهداء.
وأوضح عزمي أن رعاية وزيرة الثقافة لهذه الاحتفالية الثقافية المهمة واستضافة المجلس الأعلى للثقافة لها تأتيان تثمينًا للدور البارز الذي تقوم به مؤسسة الفكر العربي منذ إنشائها عام 2000، في دعم منظومة الفكر والثقافة في الوطن العربي.
فقبل عقدين من الزمن، عقد اجتماع عربي موسع، ضم عددًا من القامات الثقافية والسياسية في الوطن العربي بغية الاتفاق على مشروع فكري ثقافي، يتكامل فيه الدعم المالي العربي مع الثقافة ومشروعاتها، وحيث إن المجتمعين كانوا من المؤمنين بأن النهضة تعتمد على الثقافة وأهلها، ولأن الثقافة أصبحت أهم وأكثر تأثيرًا في عالمنا المعاصر، تمخض عن الاجتماع مشروع مؤسسة ثقافية قائمة على مبدأ التضامن العربي، وعلى تبني قيم الفكر والحوار والانفتاح، وتعزيز الوعي بالهوية واللغة والانتماء، فكانت الثمرة هي مؤسسة الفكر العربي برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل.
مؤكدًا أن المؤسسة طوال مسيرتها التي تجاوزت عشرين عامًا، قد وضعت التنمية الثقافية العربية هدفًا رئيسًا لها، وجعلتها مرتكزًا أساسيًّا لتوجهاتها وبرامجها، حيث عملت على تعزيزها بإيمان راسخ بأن التنمية الثقافية العربية هي السبيل الأكثر جدوى لمواجهة التحديات وإحداث التغيير المنشود٬ لما تلعبه من دور في توفير المستلزمات الضرورية للتقدم بالتواصل والتفاعل والمعرفة، وهذه الأخيرة قوة وفقًا لقناعات فرانسيس بيكون، وبخاصة إذا أحسن استثمارها وتوجيهها بشكل صحيح.
وفي سبيل تحقيق ذلك، نظمت المؤسسة مؤتمرات وندوات ومحاضرات٬ رصدت الواقع الثقافي العربي بكل ما يحمله من إنجازات وتحديات وطموحات، حيث تحول مؤتمر “فكر” إلى فاعلية سنوية٬ وتعقد دوراته في عواصم عربية مختلفة، ويعتلي منابره القادة وصناع القرار، ويحضره كبار المفكرين والمثقفين والأكاديميين والإعلاميين والشباب من أنحاء الوطن العربي، يجتمعون ويناقشون قضايا مجتمعاتهم، في محاولة لمواجهة التحديات، ومعالجة المشكلات، وإيجاد حلول ومخرجات.
ولقد شهدت القاهرة عام 2002 انطلاق الحراك الفكري والثقافي لمؤسسة الفكر العربي خلال مؤتمرها الأول “فكر1” تحت عنوان “المؤتمر الأول التأسيسي لمؤسسة الفكر العربي”، وقد دعا حينها إلى تأسيس مشروع ثقافي عربي قائم على الترابط الحضاري، وغايته النهوض بالثقافة العربية.
كما استضافت القاهرة مؤتمر “فكر14” (القاهرة 2015) تحت عنوان: “التكامل العربي: تحديات وآفاق”، وبحث في ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطني، وتفعيل النظام الإقليمي العربي، وتعزيز الاستثمار العربي المشترك، وتطوير منظومة التعليم.
وإلى جانب المؤتمرات السنوية، فلقد دأبت مؤسسة الفكر العربي على إصدار تقرير سنوي عن التنمية الثقافية العربية، ويختص كل عام بحقل من حقولها، فقد أصدرت المؤسسة، بدءًا من العام 2008 إلى اليوم، اثني عشر تقريرًا للتنمية الثقافية، أسهم فيها مئات الباحثين والمتخصصين والمثقفين الإبداعيين والكتاب والفنانين والإعلاميين، وعالجت هذه التقارير العديد من حقول الثقافة والمعرفة، من أبرزها:
الصناعات الثقافية، حركة التأليف والنشر، التعليم الجامعي وسوق العمل، المعلوماتية، الربيع العربي، التكامل العربي، الثقافة والتكامل الثقافي في دول مجلس التعاون، البحث العلمي العربي، فلسطين في مرايا الفكر والثقافة والإبداع. ويشكل مجموع هذه التقارير منجزًا علميًّا يمكن الرجوع إليه من الدارسين والباحثين العرب والأجانب.
وأضاف عزمي أن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها الوطن العربي خلال العقد الثاني من القرن العشرين على وجه الخصوص كان لها أبلغ الأثر على الواقع الثقافي العربي، ومن هنا تجيء أهمية التقرير الذي يتم إطلاقه اليوم، ويتوزع هذا التقرير على خمسة محاور تدور أبحاثها حول واقع الفكر العربي وتحولاته في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، باعتبارهما يمثلان مرحلة مفصلية حافلة بالأحداث التاريخية والمتغيرات العميقة على الصعيدين العربي والعالمي.
وتدور المحاور الخمسة في آفاق الفكر السياسي العربي، والفكر الفلسفي، والفكر الاجتماعي، والنسوي،
والتربوي. والذي توفر عليه كوكبة من المفكرين والمثقفين من عدة دول عربية.
مؤكدًا أن المجلس الأعلى للثقافة على مدى ما يزيد عن ستين عامًا، ظل يمارس دوره في الحياة الثقافية والفكرية في مصر، وامتد تأثيره إلى الأوساط الثقافية في جميع أنحاء الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه.
فلقد شهد المجلس الأعلى للثقافة في السنوات الأخيرة طفرة في أنشطته، وأضحى مركز إشعاع للثقافة والفكر على المستوى المصري والعربي، وقلعة من قلاع التنوير والاستنارة، من خلال المؤتمرات والندوات التي ينظمها ويشارك فيها لفيف من المفكرين والمثقفين العرب، والتي أصبحت مناسبة للتفاعل الثقافي على المستوى العربي، فضلًا عن مشاركة بعض أبرز الباحثين في المؤسسات الأكاديمية في العالم شرقه وغربه في أنشطة المجلس.
فمن مؤتمري الرواية والشعر اللذين يعدان الأهم والأشهر بين أقرانهما حيث أصبحا قبلة للمفكرين والمبدعبن العرب٬ إلى جوائز أدبية مثل مسابقة نجيب محفوظ ويوسف إدريس٬ وانتهاء بجائزة النيل للمبدعين العرب لتؤكد هذا الدور الرائد للمجلس في تكريم هؤلاء المبدعين من خلال هذه الجائزة التي تعد الأرفع علي مستوى الجوائز الثقافية في مصر.
وسلط عزمي الضوء على أهمية الخروج بالثقافة العربية من إطارها القطري للعالمية، مشيرًا أن التحدي الأكبر أمامها هو المحافظة على بقاء الثقافة العربية قوية بمكوناتها الأدبية والتراثية العميقة.
وأوضح عزمي أن تشخيص حالة الفكر العربي المعاصر، واستخلاص سماته العامة، والإضاءة على أبرز تياراته وإشكالياته انطلاقًا من الواقع الحالي، من المراجعات الضرورية، بغية استشراف السبل الآيلة إلى تجديد الفكر العربي وإمداده بالطاقات المحفزة لدعمه وتقدمه، وهو دور يجب أن تضطلع به المؤسسات الثقافية العربية وفي مقدمتها المجلس الأعلى للثقافة ومؤسسة الفكر العربي وغيرهما من المؤسسات الثقافية الفاعلة على امتداد الوطن العربي الكبير.
وأضاف "ونحن نتطلع بصدق إلى العمل والتنسيق معها في كل ما من شأنه الحفاظ على الهوية الثقافية لبلادنا العربية، فكل تحد من التحديات التي نواجهها يحتاج إلى دراسة، بل دراسات متأنية، تخرج عن حدود النقاشات والتأطير النظري داخل قاعات المؤتمرات والندوات إلى إجراءات عملية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وظني أننا نمتلك من المعرفة والخبرة ما يمكننا من ذلك إذا انعقدت النية وخلصت".
وقال البروفيسور هنري العويط مدير مؤسسة الفكر العربي إن اختيار القاهرة ليجري منها إطلاق التقرير، ليس وفاءً فحسب لأنها احتضنت في مطلع هذا القرن الاجتماع الأول الذي شهد ولادة المؤسسة، ثم استضافت مؤتمرها الأول، وعددًا من أبرز منتدياتها ومؤتمراتها، بل هو اعتراف بريادتها الفكرية والثقافية التي هي محل إجماع، والتي أهلتها ليتم الاحتفاء بها.
مؤكدًا أن هذه الفعالية من الطبيعي أن تنظم بالشراكة مع المجلس الأعلى للثقافة الذي يتفق والمؤسسة على صعيد الرؤية والرسالة والأهداف، ومشيرًا إلى أن المؤسسة قررت تخصيصها الثاني عشر للفكر العربي وتحولاته وتحدياته وآفاقه في مطلع القرن الحادي والعشرين لأنها تعي أهمية الفكر المركزية، إيمانًا بأنه أداة التنوير، وقاطرة التطوير، ورافعة التنمية.
اقرأ أيضاً«حياة وأعمال سيمون بوليفار» ندوة بالأعلى للثقافة.. غدا
الكيلاني تفتتح ورشة الصناعات الثقافية بالمجلس الأعلى للثقافة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: المجلس الأعلى للثقافة المجلس الأعلى للثقافة الثقافیة العربیة الوطن العربی
إقرأ أيضاً:
معرض الكتاب يسلط الضوء على العلاقات الثقافية بين مصر وتونس والسعودية.. صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في قلب معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يلتقي الفكر بالحوار، شهد الصالون الثقافي ندوة متميزة تناولت العلاقات الثقافية بين مصر وتونس والسعودية، وهي علاقات تمتد لعقود طويلة، قائمة على تبادل الفكر والفن والأدب. لم تكن هذه الروابط وليدة اللحظة، بل هي امتداد لتاريخ حافل من التفاعل الثقافي الذي شكّل الهوية العربية ورسّخ الوعي المشترك بين شعوب المنطقة.
مصر، التي طالما كانت منارة للفكر والإبداع، لم تبخل يوماً بعطائها الثقافي، فامتدت تأثيراتها إلى تونس والمملكة العربية السعودية،في حين أثرى المبدعون التونسيون والسعوديون المشهد الثقافي العربي بإسهاماتهم المتنوعة.
وفي ظل هذا التداخل العميق، تأتي فعاليات مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب لتعزز هذا التقارب، من خلال ندوات وحوارات تجمع المفكرين والمثقفين من مختلف البلدان.
بدأت الجلسة بمداخلة الدكتورة فاطمة الأخضر، الأستاذة الجامعية بكلية الآداب في تونس، التي استعرضت التأثير اللغوي والثقافي العربي في تونس.
وأوضحت أن القيروان، تلك المدينة العريقة، لم تكن مجرد عاصمة سياسية، بل كانت منارة علمية وثقافية، نافست بغداد والبصرة في ازدهارها خلال القرن العاشر الميلادي، وجذبت طلاب العلم من مختلف بقاع العالم لدراسة الطب، الفلك، والعلوم الإنسانية.
لم تقتصر مساهمات تونس على حدودها، بل امتدت إلى مصر والمغرب، حيث انتقلت كتب "بيت الحكمة" إلى القاهرة في العصر الفاطمي، كما ساهمت جامعة القرويين في فاس، التي أسستها القيروانية فاطمة الفهرية، في تعزيز النهضة العلمية في المغرب العربي.
وتطرقت الدكتورة فاطمة إلى أسماء بارزة من الفلاسفة والعلماء الذين خرجوا من القيروان، مؤكدة أن تونس لم تكن فقط مركزًا ثقافيًا، بل محطة رئيسية في نقل العلوم والمعارف إلى بقية أنحاء العالم الإسلامي.
من تونس إلى السعودية، حيث سلطت الدكتورة آمنة بوخمسين، مديرة المعهد العالي "يعقلون"، الضوء على التحولات الثقافية التي شهدتها المملكة.
وأوضحت أن الثقافة السعودية لم تكن وليدة اليوم، بل تمتد جذورها إلى آلاف السنين، إذ كانت المملكة مهدًا لكبار العلماء والمفكرين منذ العصور الإسلامية المبكرة.
لكن المشهد الثقافي في السعودية شهد قفزة نوعية في العصر الحديث، مع إطلاق مشاريع ضخمة لدعم الفنون، الفلسفة، والموسيقى.
وأشارت الدكتورة آمنة إلى معهدها "يعقلون"، الذي يُعد أول مؤسسة سعودية متخصصة في تدريس الفلسفة والموسيقى والفنون، كدليل على التوجه الجديد الذي تتبناه المملكة نحو الثقافة والفكر الحر.
تطرقت أيضًا إلى المجالس الثقافية في الأحساء، التي ظلت لسنوات طويلة منابر للحوار والتبادل الثقافي، مؤكدة أن السعودية تشهد نهضة ثقافية غير مسبوقة، تتجلى في مشاريع مثل رؤية 2030، التي تسعى إلى تعزيز الفنون والآداب وحفظ التراث الوطني.
وخلال النقاش، طرح الناقد د. حسام نايل تساؤلًا حول دور التيار النسوي في الثقافة السعودية، لتوضح الدكتورة آمنة أن الحركات النسوية نشأت في بدايتها للمطالبة بحقوق لم تكن متاحة، لكن اليوم، بعد حصول المرأة السعودية على كافة حقوقها، أصبح مفهوم النسوية بحاجة إلى إعادة تعريف، مؤكدة أنه لا يوجد فرق جوهري بين الأدب الذي يكتبه الرجال أو النساء، فالمهم هو قيمة النص وليس جنس كاتبه.
أما المؤرخ السعودي الدكتور منصور الدعجاني، عضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، فقد تناول الجذور الثقافية للمملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن الخط العربي نشأ في المدينة المنورة تحت اسم "الخط المدني"، قبل أن يتطور لاحقًا إلى "الخط الكوفي" في العصر العباسي.
كما تحدث عن الرحلات العلمية من بلاد المغرب العربي، وتحديدًا تونس، التي ساهمت في تعزيز التبادل الثقافي بين المشرق والمغرب، مؤكدًا أن السعودية لم تكتفِ بالحفاظ على تراثها، بل تسعى اليوم لتوثيقه عالميًا. وأشار إلى أن وزارة الثقافة السعودية، التي تأسست عام 2018، أطلقت خططًا طموحة لتسجيل 9000 موقع تراثي ضمن هيئة التراث الوطنية، مما يعكس التزام المملكة بالحفاظ على هويتها الثقافية.
اختتمت الندوة بتأكيد المشاركين على أن التواصل الثقافي بين الدول العربية، ولا سيما بين تونس والسعودية، يمثل نموذجًا حقيقيًا لقدرة الثقافة على توحيد الشعوب. فالثقافة ليست مجرد كتب ومؤلفات، بل هي جسور تمتد عبر الزمن، تعبر الحدود الجغرافية، وتخلق فضاءً مشتركًا للحوار والإبداع.
وسط عالم سريع التغير، تبقى الثقافة العربية بمختلف تنوعاتها قادرة على مد الجسور بين الشعوب، ومثل هذه الندوات ليست إلا خطوة جديدة نحو مستقبل أكثر إشراقًا للحوار الثقافي العربي.