قالت دار الإفتاء المصرية، إن شأن المسلم أن يكون في عبادة الله تعالى في جميع شؤونه وأحواله؛ يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقال الإمام الثعالبي في "الجواهر الحسان في تفسير القرآن": [المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلَّا لآمرهم بعبادتي، وليقرُّوا لي بالعبودِيَّةِ].

الإفتاء توضح حكم النقوط في المناسبات الاجتماعية الإفتاء توضح ما تُدرَك به الصلاة في حق المرأة حال انقطاع الحيض عنها

أوضحت الإفتاء، أن الإمام ابن كثير قال في "تفسير القرآن العظيم": [ومعنى الآية: أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم].

واستشهدت الإفتاء، بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» أخرجه الترمذي في "جامعه".

قال الإمام المُظْهِري الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح": [قوله: "«وَإِلَّا تَفْعَلْ»، يعني: وإن لا تفعل ما أمرتك من الإعراض عن الدنيا، والاشتغال بطاعتي «مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا»، أي: كثَّرتُ شغلك الدنيويَّ، فتُتعب نفسك بالشغل وكثرة التردُّد في طلب المال والغنى، ولا يحصل لك الغنى، فتُجعل محرومًا من ثوابي، ولا يحصل لك من الرزق إلا ما قدَّرت لك].

مدى شمولية العبادة للعمل وطلب الرزقدار الإفتاء المصرية

بينت لإفتاء، أن العبادة في الإسلام تشمل كلَّ ما يصدر عن المكلف من قول أو عمل أو اعتقاد، وذلك على حسب ما يحبه الله ويرضاه؛ يقول تعالى -في شأن المؤمنين-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، ويقول الشيخ ابن القيم في "مدارج السالكين": [وبُنَى ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾ على أربع قواعد: التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه، من قول اللسان والقلب، وعمل القلب والجوارح.

فالعبودية: اسم جامع لهذه المراتب الأربع، فأصحاب ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾ حقًّا هم أصحابها.

- فقول القلب: هو اعتقاد ما أخبر الله سبحانه به عن نفسه، وعن أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته ولقائه على لسان رسله.

- وقول اللسان: الإخبار عنه بذلك، والدعوة إليه، والذب عنه، وتبيين بطلان البدع المخالفة له، والقيام بذكره، وتبليغ أوامره.

- وعمل القلب: كالمحبة له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه والرجاء له، وإخلاص الدِّين له، والصبر على أوامره، وعن نواهيه، وعلى أقداره، والرضا به وعنه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والذل له والخضوع، والإخبات إليه، والطمأنينة به، وغير ذلك من أعمال القلوب التي فَرْضُها أفرض من أعمال الجوارح، ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها، وعمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة أو قليل المنفعة.

- وأعمال الجوارح: كالصلاة والجهاد، ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات، ومساعدة العاجز، والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك.. والله تعالى جعل العبودية وَصْفَ أَكْمَلِ خلقه، وأقربهم إليه].

وتابعت الإفتاء: وإذا أمعنَّا النظر في نصوص الشرع الشريف لوجدنا أن الإسلام قد جعل العمل والسعي في طلب الرزق وتعمير الكون من العبادات التي يثاب عليها الإنسان، فالشرع الشريف يحث الإنسان على العمل والاجتهاد في كسب الرزق الحلال الطيب؛ يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].

وقال العلامة النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل": [﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا﴾ لينة سهلة مذللة لا تمنع المشي فيها، ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ جوانبها استدلالًا واسترزاقًا، أو جبالها، أو طرقها، ﴿وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ أي: من رزق الله فيها، ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ أي: وإليه نشوركم، فهو سائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم].

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: دار الافتاء الإفتاء طلب الرزق

إقرأ أيضاً:

أقوال الأسوياء.. ماذا قال مصطفى حسني عن شكر نعمة الستر

قال الداعية مصطفى حسني، إن كثيرا من العلماء والمفكرين يتحدثون عن ميراث سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما تركه من أقوال عظيمة تحمل معاني عميقة وحكمًا تتجاوز الزمن. من بين هذه الأقوال المضيئة قوله: "كم من مستدرَجٍ بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، ومفتون بحسن القول فيه".

وأضاف حسني، فى فيديو له، أن الاستدراج يعني أن يُعطى الإنسان شيئًا يستدرجه إلى هدف معين، وكثيرًا ما يكون ذلك الهدف زيادة في بعده عن الله سبحانه وتعالى. في القرآن الكريم، تشير آيات الاستدراج إلى تعامل الله مع الكفار الذين جحدوا بالحق رغم علمهم به، مثل قوله تعالى: “وأملي لهم إن كيدي متين.”

فالاستدراج هنا ليس تكريمًا، بل اختبار يُغرق الإنسان في الدنيا ويبعده عن الآخرة، كما في قوله تعالى: "وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى."

الفرق بين الاستدراج والإكرام

واشار الى ان المؤمن عندما يكرمه الله بالنعمة أو الستر، يكون ذلك بابًا لإعادة النظر في حاله، ودعوة للرجوع إلى الله. لكن المشكلة تكمن في أن الإنسان قد يسيء فهم هذا الإحسان، فيظن أن ذلك دليل على رضى الله عنه، رغم تقصيره في حق الله وفي أداء عباداته، فيغتر. وهنا يتحول الإحسان والستر إلى استدراج يصنعه الإنسان بنفسه.

الاغترار بالستر والإحسان

الستر من الله نعمة عظيمة، لكنه قد يصبح سببًا للغرور إذا استغل الإنسان هذا الستر ليتمادى في الذنوب. يظن المخدوع أن الله يحبه لأنه لم يفضحه، رغم إصراره على الخطايا والمعاصي. وهنا يتحول القلب إلى حالة من "الاغترار"، التي ذكرها القرآن في قوله: "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم؟" هل غرّك كرمه؟ أم سترك؟. 

المؤمن الحقيقي عندما ينعم الله عليه بالإحسان، أو يستره رغم تقصيره، عليه أن يشعر بالحياء من الله. يجب أن يتساءل مع نفسه: كيف أتعامل مع نعمة الله؟ هل أستغل قوتي وصحتي في طاعة الله أم في ظلم الناس؟ هل أكسب رزقي من الحلال أم أتهاون؟، القول "كم من مستدرَج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه" هو دعوة للتفكر والتأمل في حالنا مع نعم الله. عندما نجد أنفسنا غارقين في النعم، بينما نبتعد عن الطاعة، يجب أن نعود ونستحي من الله. كما قال ابن عطاء الله السكندري: "إذا أراد الله أن يظهر فضله عليك خلق ونسبه إليك." فكل إحسان هو من الله، ليشجعنا على الرجوع إليه، لا لنزداد بعدًا.

فلا يجب أن نكون سببًا في استدراج أنفسنا. علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وننظر إلى الإحسان والستر كفرص للعودة إلى الله. وكما قال سيدنا علي رضي الله عنه، فلنتعلم أن الستر والإحسان ليسا دليلًا على الكمال، بل اختبار لمدى استجابتنا لنداء العودة إلى طريق الله.

مقالات مشابهة

  • حكم قول "بلى" بعد قوله تعالى: ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾
  • هل الدعاء في أول ليلة من شعبان مستجاب؟.. تعرف على ما قاله الإمام الشافعي
  • التوفيق بين قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وحديث لن يدخل أحدكم عملُه الجنة
  • حكم الإيمان بالغيبيات بالشرع الشريف والسنة
  • المقصود من الليلة في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
  • حكم صلاة المرأة كاشفة شعرها بالإسلام
  • ماذا كان يقول الرسول مع استقبال أول أيام شعبان ؟
  • لماذا خلق الله البعض فقراء والآخر أغنياء؟.. الأطفال يسألون الإمام بمعرض الكتاب
  • أقوال الأسوياء.. ماذا قال مصطفى حسني عن شكر نعمة الستر
  • الحكمة من ترتيب الأنبياء في السماوات برحلة الإسراء والمعراج