رأي الوطن : العالم يحتاج لمضاعفة الجهود الإغاثية
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
شهدت المنطقة والعالَم مؤخرًا كوارث طبيعيَّة مُتعدِّدة أبرزها الزلزال الذي ضرب المغرب مؤخرًا، والفيضانات المُدمِّرة في ليبيا، بالإضافة إلى الزلزال المُدمِّر الذي ضرب سوريا وتركيا، وجميعها كوارث تتشابه في حجم الخسائر البَشَريَّة والاقتصاديَّة. ويزيد من حجم المعاناة التي يعيشها سكَّان المناطق المنكوبة تدنِّي الجهود الإغاثيَّة وعدم الاستجابة الدوليَّة لنداءات الاستغاثة؛ نتيجة تكالب الكوارث الطبيعيَّة والناتج عن الحروب الأهليَّة.
ولا رَيْبَ أنَّ الأخطار التي يشهدها العالَم تحتاج تعاطيًا أكثر إيجابيَّة من المُجتمع الدوليِّ، فإعصار «دانيال الذي ضرب ليبيا وحده يحتاج لأكثر من (71) مليون دولار من أجْلِ تأمين مساعدة فوريَّة لنَحْوِ (250) ألف شخص من المتضرِّرين، فما بال الاحتياجات الإغاثيَّة الدَّائمة. أمَّا على الصَّعيد المغربي فقَدْ أشارت التقديرات الأوَّليَّة عن الأضرار النَّاجمة عن زلزال الحوز إلى أنَّها قَدْ تكلِّف المغرب حوالي (9) مليارات يورو، أي ما يعادل (8%) من ناتجه المحلِّيِّ الإجماليِّ المُسجَّل في عام 2022، في حين تشير التقديرات الأوَّليَّة لحجم التكلفة الماليَّة بشأن إعادة الإعمار، التي على المغرب أنْ يتحمَّلَها لمواجهة الخسائر النَّاجمة عن الزلزال، إلى (60) مليار درهم، تتوزَّع بَيْنَ تكلفة علاج المصابِين، وإعادة إعمار المناطق التي تهدَّمت بها البنايات السكنيَّة والعموميَّة وتضرَّرت فيها البنية التحتيَّة، وهي أرقام كبيرة سوف تعيق الجهود التنمويَّة لسنوات مقبلة.
ورغم أنَّ الإغاثة الدوليَّة تُعدُّ أحَدَ المقاصد الرئيسة التي نصَّ عَلَيْها الميثاق الأُمميُّ، وكان أوَّل عمل للأُمم المُتَّحدة في هذا المقصد في أوروبا التي دمَّرتها الحرب العالَميَّة الثانية، وساعدت المنظَّمة في تعميرها بعد ذلك، إلَّا أنَّ المِنح الغربيَّة في الجهود الإغاثية لا تواكب ما يشهده العالَم من أزمات تحتاج الكثير من الأموال لمواجهتها، بل إنَّ العديد من الدوَل تربط تلك المساعدات الإنسانيَّة ـ للأسف ـ بوقف نزوح اللاجئين نَحْوَ أراضيها، وهذا ما أكَّدته العديد من منظَّمات الإغاثة الدوليَّة التي تعمل على تنسيق عمليَّات الإغاثة الإنسانيَّة في العديد من مناطق الكوارث حَوْلَ العالَم.
إذًا هذه الكوارث والأزمات بحاجة إلى صحوة ضمير عالَميٍّ للحدِّ مِنْها، والتخفيف من وطأتها، وخصوصًا من قِبل العابثين بمستقبل البَشَريَّة ومصيرها، والمُتسبِّبين في تلوُّث البيئة وتغيُّر المناخ والاحتباس الحراريِّ، فيا ترى متى سيرى العالَم هذه الصحوة؟
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: العدید من العال م خصوص ا التی ت ة التی
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
محمد الربيعي
بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن
تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية. لم تكن كمبردج مجرد مؤسسة تعليمية عابرة، بل كانت ولا تزال محركا رئيسيا للتطور الفكري والعلمي على مستوى العالم، وشاهدة على تحولات تاريخية هامة، ومخرجة لقادة ومفكرين وعلماء غيروا مجرى التاريخ، امثال اسحاق نيوتن، الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية، وتشارلز داروين، الذي وضع نظرية التطور، والان تورينج، رائد علوم الحاسوب.
تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.
اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.
يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.
كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.
تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.
تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.
باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.