بناء مستقبل العمليات التجارية المستدامة بالطاقة المتجددة
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
بقلم باتريك ستيلهارت، الرئيس التنفيذي لشركة سدافكو
في مشهد الأعمال سريع التطوّر بالمنطقة، نرى أن الشركات من جميع الأحجام تبذل جهودًا جادّة للتقليل من بصمتها البيئية، وتلعب الدور المناط بها في المعركة العالمية ضدّ التغيّر المناخي. وفي هذا السياق، لم يعد يُنظر إلى مسألة التحوّل إلى العمليات المستدامة باعتبارها خيارًا جميلًا، بل إنها أصبحت ضرورة لتحقيق النجاح والربحية وبناء المرونة على المدى الطويل، علاوة على الحفاظ على الموارد الطبيعية لكوكب الأرض للأجيال القادمة.
وبالنظر إلى الصورة العامّة، نجد دول الشرق الأوسط تنشط في تسريع استخدام مصادر الطاقة المتجدّدة بالتوازي مع استمرارها في إزالة الكربون من قطاعات الطاقة. ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية تهدف إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديها إلى 50% بحلول عام 2030، بعد أن وصلت إجمالي القدرات التي أُنشئت في مجال الطاقة الشمسية في البلاد في عام 2022 إلى 440 ميغاواط، مقارنة بـ 22 ميغاواط فقط في عام 2013. وتعتزم المملكة الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2060، انسجامًا مع طموحات رؤية 2030 الرامية إلى تسريع التحوّل في قطاع الطاقة، وتحقيق أهداف الاستدامة، وتحفيز قيام موجة جديدة من الاستثمار في المبادرات السعودية الخضراء.
وهنا يتساءل البعض عن الطريقة التي يمكن بها للشركات في المنطقة تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا التغيير، في ظلّ الدور الرئيس الذي تلعبه اللوائح التنظيمية والحوافز الحكومية في تعزيز التحوّل نحو الطاقة المتجددة والتقنيات المستدامة المبتكرة.
لماذا تُعتبر الطاقة المتجدّدة مهمّة؟
تُواجه الشركات، ولا سيما تلك العاملة في الصناعات عالية استهلاك الطاقة، عقباتٍ كبيرة خلال تلك المرحلة الانتقالية، حيث يُطلب منها تغيير نماذج أعمالها وممارساتها تغييرًا جذريًا من أجل تقليل استهلاكها الطاقة وخفض تكاليفها، لتغدو في نهاية المطاف مؤسسات أكثر رفقًا بالبيئة. وفي سياق هذه المساعي، فإن مصادر الطاقة المتجددة، كضوء الشمس الساطع وشدّة الرياح والتدفق الهائل للمياه والطاقة الحرارية النابعة من جوف الأرض، تبقى تنطوي على قدرات وإمكانات لا حدود لها.
إن مزايا تطبيق الطاقة المتجدّدة في العمليات التجارية تفوق التحدّيات بكثير، كما أن هذه البدائل الخضراء تُشير إلى الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة دون تعريض مواردنا المحدودة للخطر، فاعتماد الطاقة المتجددة يساعد الشركات على تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، ويدعم أمن الطاقة على المدى الطويل. الألواح الشمسية ومولدات الرياح وغيرها من تقنيات الطاقة المتجددة تنتج الكهرباء بانبعاثات كربونية قليلة أو معدومة، وبالإضافة إلى ذلك، فبالرغم من الاستثمار الأولي الكبير في البنية التحتية، تؤدّي الطاقة المتجددة إلى تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف، ولا تتأثر بتقلب أسعار الوقود والظروف السياسية التي لا يمكن التنبؤ بها. وإذا ما أخذنا الشركات السعودية على سبيل المثال، نجدها مهيّأة لاستخدام الطاقة الشمسية في عملياتها بسبب الميزة الجغرافية للبلاد، المتمثلة في ارتفاع مستويات ضوء الشمس على مدار العام.
اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة لتحقيق التميز في العمليات المستدامة
بالرغم من وجود العديد من الأجزاء المتحرّكة والتعقيدات التي ينطوي عليها التحوّل إلى الاستدامة، أو ما يمكن تسميته “تخضير” العمليات التجارية، فإن استخدام مصادر الطاقة المتجدّدة قد يُسفر عن نتائج مثيرة للإعجاب في مدّة زمنية قصيرة نسبيًا. وبوسع الشركات، مثلًا، تركيب أنظمة الطاقة الكهروضوئية لتغطية احتياجات الطاقة الكهربائية في مرافقها الصناعية الواقعة خارج شبكة توزيع الطاقة، بدلًا من استخدام مولدات الديزل باهظة التكلفة والتي تنبعث منها كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وذلك في خطوة جريئة أولى نحو استدامة العمليات.
كذلك تُعدّ المركبات الكهربائية واستخدام الطاقة الشمسية في شحن أساطيل المركبات، مسألة بالغة الأهمية للعمليات اللوجستية. فعند الجمع بين استخدام المركبات الكهربائية وتقنيات التحليلات المتقدمة لحركة الأساطيل وتتبعها وتحسين مسارات المركبات، واعتماد أنظمة الإدارة التي تتيح رؤية شاملة وعميقة، تستطيع الشركات أن تقتنص الفرصة لتقليل الانبعاثات وتحسين كفاءة التكلفة بطريقة فعالة. ولا يقتصر الأمر بالطبع على المركبات النموذجية، فشركة سدافكو، مثلًا، تستخدم 164 رافعة شوكية تتحرّك كل واحدة منها مدّة تتراوح بين 1,500 و2,000 ساعة سنويًا، لنقل آلاف المنصات التي تحمل المواد الخام والمنتجات النهائية. وضمن التزامها المستمر بتقليل انبعاثات الكربون، تعتزم الشركة في المستقبل القريب تحويل الرافعات الشوكية في جميع مستودعاتها ومصانعها إلى أسطول كهربائي يعمل بالكامل بالطاقة الشمسية.
من ناحية أخرى، تُساعد الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، بدورها، الشركات في تحديد جميع المجالات الممكنة لتحسين كفاءة الطاقة في عملياتها وإجراءاتها. بل إن من المرجح أن تشهد الشركات التي تستثمر في تقنيات الطاقة المتجددة ارتفاعًا في الابتكارات المؤسسية، ما يُنظر إليه كمكافأة إضافية. وقد تلهم جهود البحث والتطوير تأسيس عمليات جديدة من شأنها أن تُحدث تحوّلًا في الوضع الراهن لقطاعات بأكملها. كذلك، ينبغي لنا أن نضع في الاعتبار أن المستهلكين أصبحوا أكثر انتقائية بشأن الشركات التي يتعاملون معها، وذلك على أساس سياساتها البيئية. إن التحوّل إلى الطاقة المتجددة يعزز الصورة العامة عن الشركة، ويدعم ولاء العملاء لها.
من شأن التحول إلى أشكال الطاقة النظيفة والمتجددة أن يضع تعريفًا جديدًا للنسيج الذي يتألف منه مشهد أعمالنا. وبمواكبة تقدّم المنطقة والعالم نحو مستقبل خالٍ من الكربون، سوف تغدو الشركات التي تتبنى الطاقة المتجددة الآن أكثر استعدادًا للمنافسة في اقتصاد يقدِّر المسؤولية البيئية. وعلاوة على ذلك، تتمتع الشركات التي تستثمر في العمليات المستدامة بتسهيلات أكبر للحصول على التمويلات الخضراء، سواء الخاصة أو العامة، فضلًا عن حوافز مهمة أخرى مثل التخفيضات الضريبية، في حين تعمل على تعزيز قدرتها على استقطاب الموظفين الموهوبين المتمتعين بالوعي البيئي، واستبقائهم.
إن تحوّل الشركات والمؤسسات إلى العمليات المستدامة ليس فقط واجبًا أخلاقيًا ومجتمعيًا، وإنما يمثل أيضًا خطوة استراتيجية لتعزيز قدرتها التنافسية وضمان مستقبل مزدهر لأعمالها.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الطاقة المتجددة الطاقة الشمسیة الشرکات التی التحو ل
إقرأ أيضاً:
روساتوم تدعم المنتدى الدولي للشباب حول التقنيات النووية المستدامة بالإسكندرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تستضيف مدينة الاسكندرية في الفترة من 25 إلى 27 فبراير 2025، "المنتدى الدولي للشباب حول التقنيات النووية المستدامة"، والذي سيجمع أكثر من 300 من المهنيين الشباب والطلاب والقادة العالميين والمتخصصين من مختلف أنحاء العالم لاستكشاف مستقبل التقنيات النووية الخضراء. يهدف هذا الحدث، الذي تنظمه هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر بالشراكة مع شركة روساتوم، الشركة العالمية الرائدة في مجال التكنولوجيا النووية، إلى تعزيز دور التقنيات النووية في التنمية المستدامة، مع تسليط الضوء على تأثير محطة الضبعة للطاقة النووية على التنمية الاقتصادية ومستقبل منخفض الكربون.
سيتيح المنتدى الدولي للشباب منصة تعاونية للطلاب والقادة الشباب لعرض أبحاث مبتكرة، ومناقشة فرص العمل المتاحة في هذا المجال، والمشاركة في ورش عمل تركز على التحول نحو طاقة نظيفة وعادلة.
وعن تنظيم المنتدى، يقول الدكتور محمد دويدار، رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء: "نؤمن بأن التقنيات النووية تفتح آفاقاً واسعة أمام الشباب المصري للنمو وإطلاق إمكاناتهم واتخاذ خيارات مهنية واعدة. تُعد محطة الضبعة النووية مشروعاً رائداً في مصر وجزء من مساهمتنا في بناء مستقبل نظيف ومستدام للأجيال القادمة. لهذا السبب نستضيف المنتدى الدولي للشباب حول التقنيات النووية المستدامة في الإسكندرية، على بعد ساعتين فقط من موقع المحطة المستقبلية، لنناقش مع المهنيين الشباب والطلاب كيف ستتطور التقنيات النووية وما هو تأثيرها على المستقبل".
ومن جانبه أضاف الدكتور أندريه بيتروف، رئيس شركة أتوم ستروي اكسبورت، احدى شركات مجموعة روساتوم العالمية والمقاول العام لمشروع المحطة النووية بالضبعة: "في الماضي، أعادت روسيا صياغة مهمة التقنيات النووية لتخدم البشرية، وفي عام 2025 نحتفل بمرور 80 عاماً على المعرفة والابتكارات النووية المتقدمة. وتفخر روساتوم بمشاركة مصر هذا الإرث من خلال بناء محطة الضبعة النووية والمساهمة في تعريف الاجيال القادمة من المهنيين المؤهلين بهذا المجال المثير. نؤمن بأن المنتدى الدولي للشباب في الإسكندرية سيجمع شباباً من مصر ودول أخرى لمناقشة المهمة المستدامة للتقنيات النووية وشراكتنا المميزة حول العالم".
“جدول أعمال المنتدى”
سيقدم المنتدى جدول أعمال شاملاً يهدف إلى خلق حوار بناء حول مواضيع رئيسية، مثل دور الطاقة النووية في التنمية المستدامة، بناء القدرات لصناعة الطاقة النووية، وبرامج تمكين الشباب. سيبدأ الحدث بجلسة عامة رفيعة المستوى تحت عنوان "التقنيات النووية لخدمة البشرية"، حيث سيشارك مسؤولون حكوميون وتنفيذيون في الصناعة النووية وخبراء في الاستدامة رؤاهم حول التقدم العالمي والتحديات في هذا المجال. وسيتمكن الحضور لاحقاً من المشاركة في مناقشات حول مجالات وتطبيقات الطاقة النووية الغير متعلقة بتوليد الكهرباء، مع التركيز على كيفية تأثير هذه التقنيات على تطوير قطاعات حيوية مختلفة مثل الصحة والصناعة والمساهمة بدورها في تحسين جودة الحياة.
كما ستتاح مناقشات وجلسات عامة حول موضوع "التعليم والتوعية بالتقنيات النووية" لإلقاء الضوء على المبادرات التعليمية التي تدعم التحول نحو الطاقة المستدامة وتوصل رسالة الطاقة النووية إلى الشباب. ذلك بالاضافة الى معرض للصور التي تحكي تاريخ الصناعة النووي في مصر والعالم.
سيختتم المنتدى بجلسة ختامية رسمية، حيث ستتاح للمشاركين فرصة للتواصل والاحتفاء بإنجازات الصناعة النووية.