بقلم باتريك ستيلهارت، الرئيس التنفيذي لشركة سدافكو

في مشهد الأعمال سريع التطوّر بالمنطقة، نرى أن الشركات من جميع الأحجام تبذل جهودًا جادّة للتقليل من بصمتها البيئية، وتلعب الدور المناط بها في المعركة العالمية ضدّ التغيّر المناخي. وفي هذا السياق، لم يعد يُنظر إلى مسألة التحوّل إلى العمليات المستدامة باعتبارها خيارًا جميلًا، بل إنها أصبحت ضرورة لتحقيق النجاح والربحية وبناء المرونة على المدى الطويل، علاوة على الحفاظ على الموارد الطبيعية لكوكب الأرض للأجيال القادمة.

وفي خضم مسيرة التحوّل تلك، تبرز أهمية تسخير مصادر الطاقة المتجددة بوصفها ركيزة أساسية لا غنى عنها.

وبالنظر إلى الصورة العامّة، نجد دول الشرق الأوسط تنشط في تسريع استخدام مصادر الطاقة المتجدّدة بالتوازي مع استمرارها في إزالة الكربون من قطاعات الطاقة. ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية تهدف إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديها إلى 50% بحلول عام 2030، بعد أن وصلت إجمالي القدرات التي أُنشئت في مجال الطاقة الشمسية في البلاد في عام 2022 إلى 440 ميغاواط، مقارنة بـ 22 ميغاواط فقط في عام 2013. وتعتزم المملكة الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2060، انسجامًا مع طموحات رؤية 2030 الرامية إلى تسريع التحوّل في قطاع الطاقة، وتحقيق أهداف الاستدامة، وتحفيز قيام موجة جديدة من الاستثمار في المبادرات السعودية الخضراء.

وهنا يتساءل البعض عن الطريقة التي يمكن بها للشركات في المنطقة تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا التغيير، في ظلّ الدور الرئيس الذي تلعبه اللوائح التنظيمية والحوافز الحكومية في تعزيز التحوّل نحو الطاقة المتجددة والتقنيات المستدامة المبتكرة.

لماذا تُعتبر الطاقة المتجدّدة مهمّة؟

تُواجه الشركات، ولا سيما تلك العاملة في الصناعات عالية استهلاك الطاقة، عقباتٍ كبيرة خلال تلك المرحلة الانتقالية، حيث يُطلب منها تغيير نماذج أعمالها وممارساتها تغييرًا جذريًا من أجل تقليل استهلاكها الطاقة وخفض تكاليفها، لتغدو في نهاية المطاف مؤسسات أكثر رفقًا بالبيئة. وفي سياق هذه المساعي، فإن مصادر الطاقة المتجددة، كضوء الشمس الساطع وشدّة الرياح والتدفق الهائل للمياه والطاقة الحرارية النابعة من جوف الأرض، تبقى تنطوي على قدرات وإمكانات لا حدود لها.

إن مزايا تطبيق الطاقة المتجدّدة في العمليات التجارية تفوق التحدّيات بكثير، كما أن هذه البدائل الخضراء تُشير إلى الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة دون تعريض مواردنا المحدودة للخطر، فاعتماد الطاقة المتجددة يساعد الشركات على تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، ويدعم أمن الطاقة على المدى الطويل. الألواح الشمسية ومولدات الرياح وغيرها من تقنيات الطاقة المتجددة تنتج الكهرباء بانبعاثات كربونية قليلة أو معدومة، وبالإضافة إلى ذلك، فبالرغم من الاستثمار الأولي الكبير في البنية التحتية، تؤدّي الطاقة المتجددة إلى تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف، ولا تتأثر بتقلب أسعار الوقود والظروف السياسية التي لا يمكن التنبؤ بها. وإذا ما أخذنا الشركات السعودية على سبيل المثال، نجدها مهيّأة لاستخدام الطاقة الشمسية في عملياتها بسبب الميزة الجغرافية للبلاد، المتمثلة في ارتفاع مستويات ضوء الشمس على مدار العام.

اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة لتحقيق التميز في العمليات المستدامة

بالرغم من وجود العديد من الأجزاء المتحرّكة والتعقيدات التي ينطوي عليها التحوّل إلى الاستدامة، أو ما يمكن تسميته “تخضير” العمليات التجارية، فإن استخدام مصادر الطاقة المتجدّدة قد يُسفر عن نتائج مثيرة للإعجاب في مدّة زمنية قصيرة نسبيًا. وبوسع الشركات، مثلًا، تركيب أنظمة الطاقة الكهروضوئية لتغطية احتياجات الطاقة الكهربائية في مرافقها الصناعية الواقعة خارج شبكة توزيع الطاقة، بدلًا من استخدام مولدات الديزل باهظة التكلفة والتي تنبعث منها كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وذلك في خطوة جريئة أولى نحو استدامة العمليات.

كذلك تُعدّ المركبات الكهربائية واستخدام الطاقة الشمسية في شحن أساطيل المركبات، مسألة بالغة الأهمية للعمليات اللوجستية. فعند الجمع بين استخدام المركبات الكهربائية وتقنيات التحليلات المتقدمة لحركة الأساطيل وتتبعها وتحسين مسارات المركبات، واعتماد أنظمة الإدارة التي تتيح رؤية شاملة وعميقة، تستطيع الشركات أن تقتنص الفرصة لتقليل الانبعاثات وتحسين كفاءة التكلفة بطريقة فعالة. ولا يقتصر الأمر بالطبع على المركبات النموذجية، فشركة سدافكو، مثلًا، تستخدم 164 رافعة شوكية تتحرّك كل واحدة منها مدّة تتراوح بين 1,500 و2,000 ساعة سنويًا، لنقل آلاف المنصات التي تحمل المواد الخام والمنتجات النهائية. وضمن التزامها المستمر بتقليل انبعاثات الكربون، تعتزم الشركة في المستقبل القريب تحويل الرافعات الشوكية في جميع مستودعاتها ومصانعها إلى أسطول كهربائي يعمل بالكامل بالطاقة الشمسية.

من ناحية أخرى، تُساعد الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، بدورها، الشركات في تحديد جميع المجالات الممكنة لتحسين كفاءة الطاقة في عملياتها وإجراءاتها. بل إن من المرجح أن تشهد الشركات التي تستثمر في تقنيات الطاقة المتجددة ارتفاعًا في الابتكارات المؤسسية، ما يُنظر إليه كمكافأة إضافية. وقد تلهم جهود البحث والتطوير تأسيس عمليات جديدة من شأنها أن تُحدث تحوّلًا في الوضع الراهن لقطاعات بأكملها. كذلك، ينبغي لنا أن نضع في الاعتبار أن المستهلكين أصبحوا أكثر انتقائية بشأن الشركات التي يتعاملون معها، وذلك على أساس سياساتها البيئية. إن التحوّل إلى الطاقة المتجددة يعزز الصورة العامة عن الشركة، ويدعم ولاء العملاء لها.

من شأن التحول إلى أشكال الطاقة النظيفة والمتجددة أن يضع تعريفًا جديدًا للنسيج الذي يتألف منه مشهد أعمالنا. وبمواكبة تقدّم المنطقة والعالم نحو مستقبل خالٍ من الكربون، سوف تغدو الشركات التي تتبنى الطاقة المتجددة الآن أكثر استعدادًا للمنافسة في اقتصاد يقدِّر المسؤولية البيئية. وعلاوة على ذلك، تتمتع الشركات التي تستثمر في العمليات المستدامة بتسهيلات أكبر للحصول على التمويلات الخضراء، سواء الخاصة أو العامة، فضلًا عن حوافز مهمة أخرى مثل التخفيضات الضريبية، في حين تعمل على تعزيز قدرتها على استقطاب الموظفين الموهوبين المتمتعين بالوعي البيئي، واستبقائهم.

إن تحوّل الشركات والمؤسسات إلى العمليات المستدامة ليس فقط واجبًا أخلاقيًا ومجتمعيًا، وإنما يمثل أيضًا خطوة استراتيجية لتعزيز قدرتها التنافسية وضمان مستقبل مزدهر لأعمالها.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: الطاقة المتجددة الطاقة الشمسیة الشرکات التی التحو ل

إقرأ أيضاً:

وزير الكهرباء: الاعتماد على الطاقات المتجددة لمواجهة خطط وتوسعات الدولة

أكد الدكتور محمود مصطفى كمال عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، الاعتماد بشكل كبير في الفترة المقبلة على توليد الكهرباء من الطاقات المتجددة كالشمس والرياح، لإضافة قدرات كبيرة للشبكة.

استخدام الأساليب الحديثة في عملية مراقبة الأحمال

أشار وزير الكهرباء في أول تعليق له، عقب أدائه اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بقصر الاتحادية وزيرا للكهرباء والطاقة المتجددة، إلى استخدام الأساليب الحديثة في عملية مراقبة الأحمال والتوزيع، إضافة إلى مراجعة تكاليف عمليتي التوليد وإنتاج وتوزيع الكهرباء.

إضافة قدرات كهربائية جديدة

قال وزير الكهرباء: «سيجري إضافة قدرات كهربائية جديدة لمواجهة خطط وتوسعات الدولة»، لافتا إلى المراجعة مع وزارة البترول للإمدادات المطلوبة من الطاقة للمحطات.

التنوع في إنتاج وتوليد الطاقة

لفت وزير الكهرباء، إلى دخول الطاقة المتولدة من محطة الضبعة النووية، إذ تعد عنصرًا مهمًا في استراتيجية التنمية المستدامة في مصر «رؤية مصر 2030»، موضحا أن تنفيذ محطة الضبعة للطاقة النووية، سيؤدي إلى تحقيق فوائد عديدة لمصر، كالتنوع في إنتاج وتوليد الطاقة، ما يساعد على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء بطريقة موثوقة اعتمادية ومستدامة، ويعتبر أساس لتنمية اقتصادية مستقرة.

استخدام شبكات التوزيع بالشكل الامثل

أكد الوزير أنه سيجري استخدام شبكات توزيع الكهرباء بالشكل الأمثل، لافتا إلى التنسيق المستمر مع جميع الوزارات والهيئات، لتوفير احتياجات جميع المنشآت وإمدادها بالطاقة.

ومن ضمن اهتمامات وزير الكهرباء، الاهتمام بالطاقة الجديدة والمتجددة، من خلال خطة لتحويل الشركات التابعة خاصة كثيفة الاستخدام للاعتماد عليها، مثل التعاقد على إنشاء محطة طاقة شمسية لتشغيل مجمع الألومنيوم بنجع حمادي، ومشروعات الأمونيا الخضراء بشركة النصر للأسمدة بالسويس.

وشغل الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، عدد من المنصب، منها رئيس مجلس إدارة ميناء القاهرة الجوي، ثم رئيساً لمجلس إدارة الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية لمدة 3 سنوات، ورئيس مجلس إدارة شركة القاهرة لتصنيع الزجاج، ورئيس مجلس إدارة شركة «أبيكس» للمقاولات البحرية، وآخرها منصب وزير قطاع الأعمال العام لمدة عامين.

مقالات مشابهة

  • انقطاع الكهرباء.. صداع فى رأس مصر
  • «الكهرباء»: نعمل على قدم وساق للانتهاء من الأزمة في أقرب وقت
  • وزير الكهرباء: الاعتماد على الطاقات المتجددة لمواجهة خطط وتوسعات الدولة
  • عاجل - من هو محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة الجديد؟
  • السيرة الرسمية الذاتية لوزير الكهرباء والطاقة المتجددة
  • أول اقتراح برلماني للحكومة الجديدة.. ربط إقامة المنشآت والمنازل بترخيص عمل بالطاقة الشمسية
  • "التخطيط": الدولة المصرية بذلت العديد من الجهود في مجال توطين صناعة الهيدروجين الأخضر
  • مناقشة جهود سلطنة عمان في تحقيق الاستدامة البيئية
  • أيمن حمزة: الرئيس السيسي يولي اهتماما كبيرا بقطاعات الكهرباء ونعمل على زيادة مصادر الطاقة المتجددة
  • الذهب الأخضر