كارثة درنة ووعي السودانيين المفاجئ بالسد الإثيوبي
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
د. محمد عبد الحميد/استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية
تكاد تحكي كارثة مدينة درنة الليبية مأساة تنتظر أهل السودان النيلي بتفاصيل أكثر رعباً، ومصيراً أكثر قتامةً، وعاقبة وخيمة تحدق في مستقبلهم، وتتوعدهم بمنقلبٍ وبيل.
كانت آمال الليبيون عراضاً عندما شيدوا سدودهم في وادي درنة لتقي المدينة عواقب كارثة الفيضانات الموسمية التي تنوشها من موسم لآخر.
يمكن تحليل كارثة مدينة درنة من منظور علم إدارة مخاطر الكوارث بأنها ناتجة عما يُعرف بالأخطار المتراكبة Cascading hazards فقد كان الخطر الأول هو إعصار دانيال القادم من أوربا بعد أن ضرب اليونان، تركيا وبلغاريا، ثم ما صحبه من رياح وأمطار غزيرة ثم وأخيراً إنهيار السدين بعد أن فاقت المياه قدرتهما على التحمل فإنهارا تحت ضغط مياه تجاوزت 30 مليون متر مكعب أي بأكثر من قدرة السد الأكبر بما يفوق الخمسة مليون متر مكعب. وبذلك تحولت الأمطار لطوفان جرف أجزاء واسعة من المدينة للبحر.
اللافت للنظر أن كارثة مدينة درنة قد خلقت وعياً وإهتماماً مفاجئأ لدى الكثير من السودانيين وأخذ بعضهم يتساءل حول ما يُمكن أن يحدث للسودان حال إنهيار السد الإثيوبي.. وهذا في حد ذاته يمكن أن يُعتبر نقلة مهمة تجاه المخاطر التي تكمن وراء هذا السد. وإن كانت على لا تعتبر إدراكاً حقيقياً لمستوى تلك المخاطر، ذلك أن أهل السودان قد تعرضوا لحالة من تغييب الوعي بصورة منظمة تركزت كلها في فوائد كبيرة منتظرة من السد. وقد تبنت الحكومة السودانية على عهد البشير هذا الإتجاه بل وحركته عن عمد وتحمست له كأنه فتح رباني ساقه الله للسودان، ولم تختلف حكومة حمدوك عقب ثورة ديسمبر المجيدة عن هذا التوجه وإن بحماس أقل غير أنه لا يقل في كثافة سيلان اللعاب مما يمكن أن يحصل عليه السودان من "فوائد".
إجمالا وعلى عموم الأمر يمكن القول أن الوعي المفاجئ الذي أحدثته كارثة درنة يمكن أن يؤسس عليه ما يمكن تسميته بإعادة النظر فيما يمكن أن يكتنف السد الإثيوبي من مخاطر بصورة أكثر جدية من مجرد رفع حاجب الدهشة وأعمق من مجرد الشعور بالقشعريرة عند استثارة غريزة البقاء. ذلك أن الوعي بالمخاطر هو عملية عقلية محضة تضطلع بتقييم شامل لمشروعات التنمية، فإذا أكدت عملية تقييم المخاطر أن مشروعاً ما ينطوي على مخاطر غير مقبولة Unacceptable risks وجب رفضه ليس فقط من متخذ القرار، وإنما من مجموع المواطنين المعنيين بالأمر في المقام الأول... وتُجري عملية تقييم المخاطر دائما وفقاً لما يُسمى في أدببات علم الحد من مخاطر الكوارث Disaster Risk Reduction بقياس الإحتمالية والأثر بمعنى إن كانت احتمالية المخاطر متدنية والأثر كارثي وجب رفض المشروع، وهذا بدوره يُسمى في ذات العلم بالقرار المبني على معرفة المخاطر Risk informed decision وهذا ما لم يحدث إبان حكم البشير ولا حتى أثناء حكومة الثورة حيث لم يخضع مشروع السد الإثيوبي لأي نوع من تقييم المخاطر الي هذه اللحظة.
هنالك نقطة مهمة يجب التركيز عليها وهي ما أخذ يردده المسؤولون الليبيون في أعقاب الكارثة من جملة (لم يكن احد يتوقع ما حدث في درنة) هذه الجملة تعكس مستويات الغفلة عن المخاطر، وذات الشيء ينطبق على الجانب السوداني الرسمي حيال السد الإثيوبي وهذا تجسيد للغفلة التي تسبق الكارثة تماما كما حدث في درنة.
فوق أن علم الحد من مخاطر الكوارث هو التوقع والاحتمالات ، فإنه يؤكد على أن للمخاطر دينامية خاصة بها يجب توضيحها هنا، فهي مرتبطة مباشرة بطبيعة الحكم Governance فإن كان الحكم راشدا صار إدراك المخاطر جزءاً من حركة وعي حقيقي وبتالي ترتفع مستويات القدرة على الحد من المخاطر (بالتوقع) وتقل هشاشة المجتمع وتزيد إمكانية المرونة Resilience فيتم الحد من خسائر الكوارث. والعكس صحيح كلما كان الحكم غير راشد زادت المخاطر (بالغفلة عن التوقع) وارتفعت مستويات الهشاشة وانخفضت المرونة و زادت خسائر الكوارث.
إن ما حدث في درنة من كارثة لا يمكن أن يُقرأ إلا في هذا السياق. سياق الحد من مخاطر الكوارث وكيف أن الحكم غير الراشد أثر في مستوى المخاطر بالغفلة لدرجة جعلت السدود التي تم تشييدها لحماية المدينة تسهم في هلاكها بتلك الصورة الكارثية التي شهدها العالم بأسى.
ربما يكون من المفيد التذكير مجددا أنه وطالما صادف أهلَ السودان وعي أولي بما يمكن أن يكتنف السد الإثيوبي من مخاطر فإن عليهم أن يعملوا بمقتضيات ذلك الوعي ويبحثوا فيما وراء السد من نوايا سياسية، ويتساءلوا عن دراسات أمان السد. وتمتد سلسلة التساؤلات حول المغزى من سعته البالغة 74 مليار متر مكعب في حين أن المنطقة لا تتحمل أكثر من 13 مليار متر مكعب.. وما هي أسس الحكم الراشد التي تتمتع بها دولة كإثيبويا تتحكم في مفاعيل سلطتها سياسة العرقيات Politics of ethnicities لكي تدير سدا بهذه الضخامة يرهن مصير أمةً بأسرها.
د. محمد عبد الحميد
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: السد الإثیوبی یمکن أن ی متر مکعب ما یمکن
إقرأ أيضاً:
بأكثر من 100 مليار دولار.. كيف يخطط الكونغرس لمواجهة الكوارث الطبيعية؟
أقر الكونغرس الأمريكي مشروع قانون جديد للإنفاق الحكومي يتضمن أكثر من 100 مليار دولار مخصصة للإغاثة في حالات الكوارث، بهدف معالجة الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية الأخيرة. يأتي هذا القرار في أعقاب إعصاري هيلين وميلتون، اللذين دمرا أجزاء واسعة من جنوب شرق الولايات المتحدة.
دور صندوق الإغاثة في إدارة الكوارثاعلانيشكل صندوق الإغاثة التابع لوكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية الجزء الأكبر من المخصصات الواردة في مشروع القانون الجديد. يهدف الصندوق إلى تعويض الولايات والحكومات المحلية عن تكاليف إزالة الحطام والعمل الإضافي لرجال الإطفاء والشرطة أثناء الكوارث، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية مباشرة للمتضررين. وتشمل هذه المساعدات مبالغ تصل إلى 42,500 دولار لبعض أصحاب المنازل غير المؤمن عليهم لإعادة بناء منازلهم.
وأكدت إستر مانهايمر، رئيسة بلدية آشفيل في كارولينا الشمالية، أن سكان المدينة رحبوا بهذه الأموال بعد الدمار الكبير الذي خلفه إعصار هيلين. لكنها شددت على أن عملية التعافي لا تزال طويلة، مشيرة إلى إغلاق العديد من الشركات ونقص الخدمات الأساسية.
آثار إعصار هيلين، الجمعة 27 سبتمبر 2024، في أشفيل، كارولاينا الشمالية.Jeff Roberson/ APوقد حذر مدير وكالة إدارة الطوارئ دين كريسويل، في وقت سابق، من نفاد صندوق الإغاثة بسبب إعصاري هيلين وميلتون. وبينما طلبت إدارة بايدن 40 مليار دولار لدعم الصندوق، لم يوافق المجلس إلا على تخصيص 29 مليار دولار فقط مع إمكانية توفير تمويل إضافي في وقت لاحق إذا لزم الأمر.
توزيع المخصصات لدعم عمليات التعافيمشروع القانون خصص 21 مليار دولار لدعم المزارعين المتضررين، رغم التحديات في تغطية محاصيل خاصة مثل أشجار عيد الميلاد، وفقًا لمفوض الزراعة في كارولينا الشمالية، ستيف تروكسلر. كما تم تخصيص 8 مليارات دولار لإعادة بناء الطرق المتضررة و12 مليار دولار لدعم المجتمعات من خلال منح الإسكان والتنمية الحضرية.
وعلاوة على ذلك، هناك 2.2 مليار دولار للقروض ذات الفائدة المنخفضة، لدعم الشركات والمنظمات غير الربحية وأصحاب المنازل، فضلاً عن مخصصات لمعالجة أضرار الأعاصير في المنشآت العسكرية، وأموال لوكالة ناسا لإعادة بناء مرافقها المتضررة.
نهر بيجون في ولاية كارولينا الشمالية بالقرب من حدود تينيسي، 28 سبتمبر 2024.N.C. Department of Transportation via AP, Fileولا تقتصر الأموال المخصصة على إعصاري هيلين وميلتون فقط، بل تشمل كوارث أخرى مثل حريق هيرميت بيك- كالف كانيون في نيو مكسيكو وإعادة بناء جسر فرانسيس سكوت كي في بالتيمور.
وقال ستان جيمونت، مستشار التعافي المجتمعي، إن التعافي من الكوارث يتطلب سنوات طويلة. وأشار إلى أن الدولة لا تزال تدفع تكاليف كوارث سابقة بينما تستعد لأحداث مستقبلية، مثل حريق ماوي في هاواي الذي استمرت جهود تنظيفه حتى صيف 2024.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الكونغرس يفتح أبوابه للمتحولين جنسيا.. سارة ماكبرايد تصبح أول برلماني أمريكي عن هذه الفئة سكان فلوريدا يحصون خسائر الإعصار ميلتون بانتظار إقرار الكونغرس حزمة مساعدات عاجلة بعد جدل في الكونغرس.. إدارة بايدن توافق على صفقة أسلحة بقيمة 20 مليار دولار لدعم إسرائيل حالة الطوارئ المناخيةكوارث طبيعيةإعصارالولايات المتحدة الأمريكيةالكونغرسالمساعدات الإنسانية ـ إغاثةاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next قصف إسرائيلي غير مسبوق يستهدف مستشفى كمال عدوان في غزة.. وحماس تؤكد أن الاتفاق بات أقرب من ذي قبل يعرض الآن Next مشروع كهروضوئي جديد في الفاتيكان.. خطوة نحو مدينة خضراء بالكامل يعرض الآن Next من "هيئة تحرير الشام" إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف عن أسعد الشيباني؟ يعرض الآن Next الفلسطينيون في خان يونس ينتظرون ساعات للحصول على وجبة يومية وسط القيود الإسرائيلية يعرض الآن Next ألمانيا: الشرطة تفتش منزل المشتبه به في تنفيذ هجوم سوق الميلاد بماغديبورغ اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل ألمانيا: 5 قتلى على الأقل وإصابة 200 شخص بعملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية صاروخ باليستي من اليمن يسقط في تل أبيب ويصيب 16 شخصاً بجروح طفيفة إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومقطاع غزةضحاياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني عيد الميلادبشار الأسدتغير المناختل أبيبسورياقصفألمانياكوارث طبيعيةأبو محمد الجولاني الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024