في اليوم الأول الذي جاء معلم اليوغا الجديد بالمركز الثقافي الهندي في القاهرة وعرّف نفسه بأن اسمه "بَهارات"، لاقى الاسم مزاحا كبيرا بين متدربي اليوغا بالمركز الثقافي، وكان يناديه كثيرون بـ "بُهارات" خطأ، وتعني توابل. فيصحح لهم قائلا "اسمي بَهارات وليس بُهارات".
مرت الأيام، واعتاد المعلم على مناداته بُهارات حتى إنه لم يعد يصحح هذا الخطأ، وكانت كلمة بُهارات -بضم الباء- هي أول كلمة بالعربية يتعلمها معلم اليوغا السيد بهارات سينغ.
تذكرت هذه القصة الطريفة التي مر عليها حوالي 4 سنوات، قبل أيام عندما تم استبدال اسم الهند بالإشارة إلى رئيسة الهند، باسم "رئيسة بهارات"، وليست "رئيسة الهند" في دعوات العشاء التي تستضيفها رئيسة الهند دروبادي مورمو.
كما وضعت لافتة أمام رئيس وزراء الهند "ناريندا مودي" مكتوب عليها "بهارات" أثناء افتتاح القمة، ليعكس بهذه الخطوة جهود حزبه القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" في التخلص من الأسماء التي يعتبرها من الحقبة الاستعمارية، ومحو الأسماء المرتبطة بالمغول وكذلك رموز الحكم البريطاني.
المطالبون بتغيير الاسم يعللون بأن اسم الهند قد أدخله المستعمرون البريطانيون الذين حكموا الهند لمدة 200 عام تقريبا حتى حصلت البلاد على استقلالها في عام 1947
عاودتني الذكريات أثناء سيري في طريق أورنجزيب الشهير الذي يربط عددا من المواقع المهمة في نيودلهي بعد إعادة تسميته في عام 2015 حيث كان يسمى على اسم الحاكم السادس للإمبراطورية المغولية (أحد أكثر القادة كرها في تاريخ الهند)، إلى طريق الدكتور "إيه بي جي عبد الكلام".
وعلمت أن سبب التغيير كان بعد احتجاجات من قادة حزب مودي الذين وصفوا أورنجزيب بالحاكم القاسي، الذي يقتل الأعداء بوحشية ويدمر المؤسسات الثقافية الهندوسية وأن هذا ليس السبب الوحيد فهو بالنسبة إلى حزب مودي يعتبر دخيلا وجزءا من تاريخ المغول الذي يريدون محوه. وعلى الرغم من اختيارهم لقائد مسلم آخر هو الرئيس السابق للهند، فإنهم يعتبرونه على النقيض تمامًا وأنه شخص يحمل الحب والصدق والولاء للوطن.
كان اسمها "بهارات""بهارات" ليس اسما جديدا للهند فاسم "بهارات" هو الاسم الثاني للبلاد كما جاء في المادة الأولى من الدستور الهندي، التي تنص على أن "الهند، أي بهارات يجب أن تكون اتحادا للولايات". وتعد مفردة بهارات مرادفا شائعا للهند، فقد أطلق زعيم حزب المؤتمر الوطني المعارض، المهاتما غاندي، مسيرة لتوحيد الهند تحمل اسم "بهارات جودو ياترا" (مسيرة توحيد الهند) بدلاً من "إنديا جودو ياترا".
لم تكن هذه هي المطالبة الأولى لتغيير اسم الدولة إلى بهارات، بل سبقتها مطالبات أخرى في الماضي قوبلت بالرفض من قبل المحكمة العليا، إذ قالت المحكمة: "إن الهند تسمى بالفعل بهارات في الدستور".
لكن المطالبين بتغيير الاسم يعللون بأن اسم الهند قد أدخله المستعمرون البريطانيون الذين حكموا الهند لمدة 200 عام تقريبا حتى حصلت البلاد على استقلالها في عام 1947، وهو اسم يشكل "رمزا للعبودية". عكس اسم بهارات الذي يعكس الهوية الحقيقية للبلاد وثقافتها، بالإضافة إلى أنه اسم أكثر شمولاً، ويمثل تنوع ووحدة المواطنين ومناطق البلاد.
كيف حصلت الهند على اسمها "بهارات"؟عندما نتحدث عن الهند، فسوف تأخذنا الإجابة بعيدًا، حيث حكايات الملوك الأسطوريين والنصوص القديمة والأنهار المقدسة، والآلهة الخارقة.
منذ العصور القديمة أُطلق على الهند اسم "بهارات"، وهي كلمة سنسكريتية مشتقة من كلمة "بهاراتام" وتعني أرض الجنوب، ويعود هذا الاسم إلى حقبة الإمبراطور بهاراتا، سلف جميع الهنود والمعروف عنه أنه كان حاكمًا قويًّا شجاعًا، قام بتوسيعات كبيرة في مملكته، وحكم بسلام ووئام ولقب بالفاتح الأول لشبه القارة الهندية، ولمجده سُميت الهند باسمه.
يقال أيضا إن اسم بهاراتا مشتق من النصوص الهندية القديمة، كالمهابهاراتا (الملحمة الهندية الشهيرة) والبوراناس (وهي نصوص هندوسية مقدسة مكتوبة باللغة السنسكريتية) ومكونة من 18 نصا، وقد ورد في أحد النصوص التي تحمل اسم "فيشنو بورانا" وتعرض موضوعات مثل طبيعة الأرض وتاريخ السلالات وغيرها: "أن هذه البلاد تُعرف باسم بهاراتفارشا منذ أن عهد الأب بالمملكة إلى الابن بهاراتا".
بلد واحد وأسماء متعددةلم تكن الهند وبهارات هما الاسمين الوحيدين اللذين ارتبطا تاريخيا بشبه القارة الهندية، فقد أطلق عليها أيضًا "هندوستان"، وهي كلمة فارسية تعني "أرض الهندوس" وكان اسما شائعا في عهد المغول، وأطلق عليها قديما "أريافارتا" وتعني أرض الآريين، حيث كانت الهند فى السابق موطنا للآريين، و"جامبوديب" باللغة السنسكريتية ويقال إن أساس تسميتها هو شجر الجامون أو الجامبو (فاكهه استوائية تشبه البرقوق) حيث تم العثور على أشجار الجامون بكثرة في هذه المنطقة.
لا يقتصر تغيير اسم البلد على الهند، فقد غيرت العديد من الدول أسماءها لأسباب مختلفة، أذكر منها على سبيل المثال، سيلان التي غيرت اسمها في عام 1972 إلى سيريلانكا، وبورما إلى ميانمار في عام 1989، وزائير التي غيرت اسمها عام 1997، إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد سلسلة من الاضطرابات والصراعات السياسية، وكانت المملكة الأردنية الهاشمية في السابق تسمى إمارة شرق الأردن.
لم يتقرر بعد إذا ما ستتم الموافقة على تغيير اسم الهند رسميا أم لا، لكن من المرجح أن تطرح الحكومة الهندية اقتراحا لإعادة تسمية البلاد خلال جلسة خاصة للبرلمان ستعقد في الفترة بين 18 وحتى 22 من سبتمبر/أيلول، مما أدى إلى ظهور الشائعات حول طرح مشروع قانون إعادة التسمية.
وسواء كانت الهند أو بهارات، فالاسمان رسميان في الدستور.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: اسم بهارات اسم الهند فی عام
إقرأ أيضاً:
المليباري
خطر ببالي نصيحة لفاروق أحمد (ليس اسمه الحقيقي)، وهو حارس عمارة هندي ليتعلم اللغة العربية فكتبت إليه بالوثاب (الواتساب) “تعلم اللغة العربية حتى تفهم القرآن. كلام الله أرسله إليك وإليّ وإلى كل الناس” فرد عليّ بإبهام مرفوعة علامة الموافقة، ثم كتب لي أول بيتين من ألفية ابن مالك:
قال محمد هــــــو ابن مالكِ
أحمد ربيَ الله خير مالكِ
مصليا على الرسول المصطفى
وآله المستكملين الشرَفا
فذكرت له قصة وقعت لابن مالك ناظم هذه الألفية وهي أنه تعرض لابن معطي وبعد ذلك حردت قريحته. فلم يستطع أن يأتي ببيت واحد. ثم رأى ابن معطي في المنام يقول له ما ذنبي إليك تزدريني حيث قلت:
وتقتضي رضا بغير سُخْطِ
فائقة ألفية ابن معطي
فقال ابن مالك سامحني ولقد انخرس لساني عن قول أي بيت بعده، فعلّمه ابن معطي ما يقول.
ولكني نسيت البيتين، فما كان من فاروق إلا أن بعثهما لي.
وهو بسبق حائز تفضيلا
مستوجب ثنائي الجميلا
والله يقضي بهبات وافرة
لي وله في درجات الآخرة
إن مسلمي الهند حصوصا أهل مليبار (كيرالا) مهتمون جدا بعلوم العربية. ولقد زاملت الصديق محمد مليباري في قسم الترجمة بجريدة سعودي جازيت نحو سنتين. وكنا نختار الأخبار الهامة أو اللافتة من الصحف المحلية ونترجمها للنشر في سعودي جازيت. ومن الطريف أن إحدى الجرائد نشرت خبراً عن امرأة أسقطت حملها بسبب صرصار، فتساءل كيف اخترق الصرصار بدنها؟ فضحكت وقلت له: لقد أسقطت الحمل من الخوف لأن عندها فوبيا من الحشرات.
ثم عاد إلى الهند وعمل هناك أستاذاً للغة العربية والأدب العربي في إحدى جامعات كيرالا، وأهداني كتابين، ثم انقطع التواصل بيني وبينه نحو ربع قرن. وشاء الله أن أحد الأصدقاء كان عائداً إلى الهند فأعطيته نسخة من كتابي “عمر عبد ربه حياة وسيرة” ليسلمها للزميل العزيز مع رسالة لتجديد العهد. وهكذا عاد الاتصال نحو ثلاث سنوات. وسعدت بأنه أرسل لي مشهداً نادر الوجود صوتاً وصورة لوصول الزعيم الهندي جواهر لال نهرو واستقبال الملك فيصل له في مطار الرياض، ثم أرسل إليّ فيلماً جميلاً مع أنه لا يزيد عن حوار بين زوج وزوجته، يسألها وهو واقف هل تحبينني؟ ويمضي الحوار بلغة انجليزية شاعرية ولكنها درامية. تتكئ الزوجة على حياتها ربع قرن وتقول له وهي واقفة: كل هذه السنوات وأنا أنجب لك وأربي أولادك وأطبخ وأغسل وأكنس لكي تقول لي هل تحبينني؟ أسأل روحك. فيقول طمنيني. ولكنها تناور في حوار ممتع وأخيراً يجلسان ثم تقول له الجواب نعم. فهل أنت تحبني؟ وتنسدل ستارة النهاية.
وأرسل إليّ حكمة ثمينة: “جوهر المشكلة أننا نعتقد أنه لا زال لدينا متسع من الوقت”.
لا. لقد انتهى الوقت. فقد فجعت في الشهر الماضي بنبأ وفاته رحمه الله.