جريدة الوطن:
2025-03-07@03:15:43 GMT

التحدي فـي علاج فقدان الشهية!

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

التحدي فـي علاج فقدان الشهية!

كثيرًا ما نقابل حالات صحيَّة صعبة بكُلِّ ما تحمله من تعقيدات صحيَّة ونفسيَّة وأحيانًا اجتماعيَّة. وهنا حقيقة لفَتَني موضوع تلك الحالة والتي صاحبتها تعاني من فقدان الشَّهيَّة العصبي لأكثر من عقدَيْنِ من الزمن، حيث انخفض وزنها إلى وزن طفل صغير. ولأكونَ دقيقًا ففقدان الشَّهيَّة العصبي هذا هو اضطراب في الأكل يتميَّز بانخفاض وزن الجسم بشكلٍ غير طبيعي، والخوف الشديد من زيادة الوزن، وإدراك مشوَّه للوزن.

ما أقصده هنا أنَّ هؤلاء الأشخاص المصابِين بفقدان الشَّهيَّة يُولُون أهمِّية كبيرة للتحكُّم في وزنهم وشكلهم، وذلك باستخدام مجهود عالٍ بطُرقٍ مرهقة تصل إلى التدخُّل بشكل كبير في حياتهم. من ناحية أخرى قَدْ يبدو علاج فقدان الشَّهيَّة، الذي يتميَّز بالتجويع الذَّاتي وعدم القدرة على الحفاظ على وزن مناسب للجسم، بسيطًا إلى حدِّ السَّخافة ظاهريًّا: كُلُّ ما عليك فعله هو تناول الطعام واكتساب الوزن. والحقيقة أنَّ تلك المريضة والملايين الآخرين ربَّما والمصابِين باضطرابات الأكل قَدْ سمعوه مرَّات لا تحصى. وصدقًا المُشْكلة هي أنَّ الأمْرَ ليس بهذه البساطة أبدًا ـ كما يظنُّ البعض! ـ فتلك المريضة دخلت مرَّات كثيرة المستشفى بسبب انخفاض وزن الجسم، أو اختلال توازن الأملاح الناجم عن الجوع أو القيء الذَّاتي. وهكذا ـ سبحان الله ـ يزداد وزنها في المستشفى، ولكن بمجرَّد خروجها من المستشفى تَعُودُ على الفور إلى طرقها القديمة وتفقد الوزن القليل الذي اكتسبته. وهكذا، لأكثر من عقدين ظلَّت تلك المريضة عالقة بشكلٍ يائس وغير قابل للشِّفاء.
ولعلَّ أحد أسباب هذا الاضطراب قَدْ يكُونُ أنَّ البالغين ببساطة كانوا أكثر مرضًا لفترة أطول. ما أعنيه هنا أنَّه كُلَّما طالت مدَّة إصابتك بفقدان الشَّهيَّة، أدَّى فقدان الشَّهيَّة إلى حدوث تغيُّرات فسيولوجيَّة في الجسم والدماغ والتي بدَوْرها تخلق دَوْرة ذاتيَّة الاستدامة. أنت تفعل ذلك اليوم لأنَّك فعلتَ ذلك بالأمس! بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ العديد من الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشَّهيَّة العصبي لا يدركون أنَّهم مرضى في الواقع. بل وأحيانًا يتوقف المرضى عن العلاج إذا أصبح الأمْرُ صعبًا، وهذا ـ للأسف ـ ما يحدث غالبًا؛ لأنَّ تحدِّي السلوكيَّات المرتبطة باضطرابات الأكل من الممكن أن يخلق موجات عارمة من القلق. وـ إن لَمْ أبالغ! ـ غالبًا أيضًا ما يؤدِّي اضطراب الأكل المزمن طويل الأمد إلى تنفير الأصدقاء والعائلة، وهم نَفْس الأشخاص الذين يميلون إلى دفع أحبَّائهم المرضى إلى العلاج ودعمهم خلال عمليَّة التعافي!
وربَّما ما أريد إيصاله هنا، أنَّ فقدان الشَّهيَّة لا يتعلق بالطعام. بل هي طريقة غير صحيَّة ومهدِّدة للحياة أحيانًا لمحاولة التغلُّب على المُشْكلات العاطفيَّة. لذلك هذا الاضطراب يشمل علامات وأعراضًا جسديَّة، نذكر مِنْها ـ على سبيل المثال ـ فقدان الوزن الشديد، مع أرقٍ يصاحبه دوخة أو إمساك وألَمٌ في البطن. لكن ما قَدْ نلاحظه واقعيًّا هي تلك الأعراض السلوكيَّة لفقدان الشَّهيَّة ومحاولات إنقاص الوزن عن طريق تقييد تناول الطعام بشدَّة من خلال اتِّباع نظام غذائي أو الصيام، وممارسة الرياضة بشكلٍ مفرط إضافة إلى القيء الذَّاتي للتخلص من الطعام، والذي قَدْ يشمل استخدام المسهِّلات.
المثير للاهتمام، أنَّ دراسة تابعت النساء اللاتي تعافين من فقدان الشَّهيَّة العصبي، ووجدوا مستويات عالية وبشكلٍ غير عادي من الناقل العصبي السيروتونين في السائل النخاعي. ويعتقد أنَّ هذه المستويات كانت موجودة أيضًا على الأرجح قبل بداية فقدان الشَّهيَّة. بطبيعة الحال، يدرك الجميع أنَّ انخفاض مستويات السيروتونين يرتبط بالاكتئاب، إلَّا أنَّ مستويات السيروتونين المرتفعة ليست جيِّدة أيضًا! خصوصًا وأنَّها تخلق حالة من القلق المزمن. الأهمُّ من ذلك أنَّ معظم المصابِين بفقدان الشَّهيَّة كانوا يعانون من اضطراب القلق قَبل أن يبدأَ اضطراب الأكل لدَيْهم، والأكثر شيوعًا القلق الاجتماعي والوسواس القهري. لذلك أجزم هنا وبشكلٍ حقيقي، أنَّ هذا القلق يجعل بعض النَّاس أكثر عرضة للإصابة بفقدان الشَّهيَّة. لذلك وعلى عكس الأفراد الأصحَّاء، والذين يتمُّ التحكُّم في تحديد ما يجب تناوله وكميَّته من خلال مجموعة متنوِّعة من العوامل، بما في ذلك ما هو متاح، ومدى الإعجاب به، ومدى جوع الشخص. في حين أنَّ حالة فقدان الشَّهيَّة العصبي يكونون عمومًا ـ إن استطعت القول ـ أكثر حساسيَّة للعقاب (إزالة شيء ممتع) من المكافأة!
بالتَّالي، كان من الجيِّد أن نعيَ، ويدركَ أيضًا ذلك المريض بفقدان الشَّهيَّة العصبي أنَّ هنالك مضاعفات عديدة، خصوصًا وأنَّه في أشدِّ حالاته، يُمكِن أن يكُونَ قاتلًا. ولعلَّ أهمَّ الأمثلة لتلك المضاعفات هي: عدم انتظام ضربات القلب أو خلل في توازن أملاح الجسم، هشاشة العظام، وزيادة خطر الإصابة بالكسور، إضافة إلى مشاكل في الجهاز الهضمي. ناهيك عن الاكتئاب، والتقلُّبات الشخصيَّة، واضطراب الوسواس القهري، حتَّى الوصول إلى إيذاء النَّفْس والأفكار الانتحاريَّة!
ختامًا، لا توجد طريقة مضمونة للوقاية من فقدان الشَّهيَّة العصبي. قَدْ يكُونُ أطبَّاء الرعاية الأوَّليَّة في وضع جيِّد لتحديد المؤشِّرات المبكِّرة لفقدان الشَّهيَّة ومنع تطوُّر المرض الكامل. على سبيل المثال، يُمكِنهم طرح أسئلة حَوْلَ عادات الأكل والرضا عن المظهر أثناء المواعيد الطبيَّة الروتينيَّة. ولكن ـ وللأسف الشديد ـ العديد من الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشَّهيَّة لا يريدون العلاج، على الأقل في البداية. خصوصًا وأنَّ رغبتهم في البقاء نحيفين تتجاوز المخاوف بشأن صحَّتهم. لذلك ـ وبشكلٍ شخصي ـ أقول إنَّه: إذا كان لدَيْك شخص عزيز عليك تشعر بالقلق عليه، حِثّه على التحدُّث إلى الطبيب. وإذا كنت تعاني من أيٍّ من المشاكل المذكورة أعلاه، أو إذا كنت تعتقد أنَّك قَدْ تكُونُ مصابًا باضطراب في الأكل، فاحصل على المساعدة!

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة العصبی

إقرأ أيضاً:

مثبطات الشهية القائمة على نبتة الغرسنية الصمغية قد تنطوي على مخاطر

تخفي وعود "مثبطات الشهية" المستندة إلى نبات الغرسنية الصمغية (Garcinia cambogia)، ومنها تقليل "تخزين الدهون" أو الحدّ من "الشعور بالجوع"، آثارا جانبية خطيرة وربما مميتة لوحظت في بلدان عدة، على ما نبّهت إليه السلطات الصحية الفرنسية.

ونصحت الهيئة الوطنية الفرنسية للسلامة الصحية للأغذية بشدة، في مذكرة نشرتها الأربعاء، جميع الفرنسيين بعدم استهلاك هذا النبات في ضوء تحليل لحالة مميتة من التهاب الكبد الحاد في فرنسا وعدد كبير من حالات التأثيرات الشديدة التي ظهرت في فرنسا، وكذلك في إيطاليا والولايات المتحدة وكندا وكوريا على وجه الخصوص، حتى لدى الأشخاص الذين ليست لديهم سوابق مرضية.

ورغم حظر استخدام نبتة الغرسنية الصمغية (أو التمر الهندي المالاباري) في الأدوية منذ عام 2012، لا يزال هذا النبات يُستخدم "في المكملات الغذائية" لإنقاص الوزن. ويباع نحو 340 نوعا منها، معظمها عبر الإنترنت.

والواقع أن 38 حالة آثار جانبية سُجّلت في فرنسا بين عام 2009 ومارس/آذار 2024، من بينها اضطرابات في الكبد واضطرابات نفسية واضطرابات في الجهاز الهضمي (التهاب البنكرياس) واضطرابات قلبية وعضلية، غالبا ما تكون خطيرة.

ويمكن أن تصيب هذه التأثيرات أصحاب السوابق في الاضطرابات النفسية، أو التهاب البنكرياس والكبد، أو يعانون السكري أو السمنة أو ارتفاع ضغط الدم، على ما أوضحت الوكالة الوطنية لسلامة الأغذية. كذلك يمكن أن تؤثر أيضا على الأشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب أو الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية أو الأدوية المعروفة بتأثيرها على وظائف الكبد.

إعلان

ففي إيطاليا مثلا، توفيت امرأة في 45 بسبب التهاب الكبد الحاد، كانت قد تناولت مكملا غذائيا قائما على الغرسنية الصمغية أثناء علاجها من الربو بدواء معروف بتأثيره على وظائف الكبد.

ولكن ظهرت أيضا تأثيرات خطيرة مماثلة قد تزداد بسبب التفاعلات الدوائية لدى المستهلكين الذين ليست لديهم سوابق مرضية، وفق ما أوضحت الهيئة الفرنسية.

حظر أوروبي؟

وقال رئيس وحدة تقييم مخاطر التغذية أيمريك دوبتر لوكالة الصحافة الفرنسية إن "امرأة تبلغ 32 عاما ليست لها سوابق مرضية أصيبت بالتهاب عضلة القلب مما دفعها إلى الخضوع لعملية زرع قلب".

وأضاف "بعض الناس قد يقولون (لقد تناولته وكل شيء على ما يرام). لحسن حظهم. لكننا نرى من خلال هذه الحالات القليلة أن الأشخاص الذين كانوا يسعون إلى مجرّد إنقاص الوزن وجدوا أن صحتهم تدهورت بشكل خطير، أو حتى ماتوا نتيجة تناول هذا النبات".

ورأى المسؤول في هيئة سلامة الأغذية أن "الأمر لا يستحق المخاطرة بهذا النوع من الآثار السلبية الشديدة".

ولا تعارض النظم الأوروبية حاليا استخدام الادعاءات الصحية (التحكم في الوزن، تقليل تخزين الدهون، الشعور بالجوع، التحكم في مستويات السكر في الدم والكوليسترول…) التي تطرحها الشركات المصنعة للمكملات الغذائية القائمة على الغرسنية الصمغية، لكنها قيد المراجعة من قبل الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية.

وبدأت الهيئة الأوروبية أيضا تقويما للمخاطر المرتبطة بتناول حمض الهيدروكسي سيتريك الموجود في ثمار هذا النبات، وهي المادة التي تُنسب إليها خصائص التنحيف.

وقد يؤدي هذا التقويم إلى اتخاذ الهيئة الأوروبية قرارا بتقييد هذه المادة أو حتى حظرها.

وأملت الهيئة الفرنسية في أن ترى النور في أوروبا القوائم التي تحدد النباتات المسموح باستخدامها في المكملات الغذائية، وكذلك القيود والتحذيرات التي تحكم استخدامها، والتي لم يجرِ بعد توحيدها على مستوى الاتحاد الأوروبي.

إعلان

وذكّرت بأن "خسارة الوزن من دون استشارة طبية تنطوي على مخاطر، وخصوصا عندما يتبع الشخص عادات غذائية غير متوازنة وغير متنوعة".

وإذ إن الهيئة لا تمتلك صلاحيات الشرطة الصحية، فإن الحظر المحتمل على المنتجات التي تعتمد على الغرسنية الصمغية ينبغي أن يصدر عن وزارة الزراعة الفرنسية. ولكن هذه الوزارة أجابت عن استفسار من وكالة الصحافة الفرنسية بأنها لا تستطيع "في هذه المرحلة" اتخاذ أي موقف من المسألة.

مقالات مشابهة

  • في شهر رمضان.. 5 مشروبات تساعد على إنقاص الوزن
  • مثبطات الشهية القائمة على نبتة الغرسنية الصمغية قد تنطوي على مخاطر
  • ما هو أفضل نظام غذائي للوصول للوزن المثالي بسهولة.. حسام موافي يوضح
  • 5 طرق للوقاية من مرض السكرى ..تعرف عليها
  • حقن أوزمبيك تثير الجدل بعد الإبلاغ عن تأثير جانبي غير متوقع.. ما الأمر؟
  • حقن إنقاص الوزن.. هل يتسبب "أوزمبيك" في فقدان السمع؟
  • تحذير كندي: الرسوم الأمريكية غير المبررة تهدد بفقدان وظائف وارتفاع أسعار في الولايات المتحدة
  • ليست فقدان الوزن.. دراسة تحدد فوائد جديدة للصيام
  • دراسة تسلط الضوء على فوائد صحية للصيام تتجاوز مجرد فقدان الوزن
  • طريقة عمل كيكة التمر الشهية