«درنة» تدفع ثمن الانقسام والخلافات الليبية
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
العاصفة الاستوائيَّة «دانيال» التي دمَّرت مدينة درنة الليبيَّة، وخلَّفت آلاف الضحايا، تكوَّنت وسط البحر المتوسط وضربت بلغاريا وتركيا واليونان، وأحدثت أضرارًا مادِّيَّة بالدوَل الثلاث، ولكن حصيلة الضحايا لَمْ تتجاوز 14 حالة وفاة، ورغم عِلْم السُّلطات الليبيَّة بقدومها، وإعلانها حالة الطوارئ، وتعطيل العمل والدراسة في مُدُن الشرق الليبي، ولكنَّها لَمْ تَقُمْ بإجراءات استباقيَّة على الأرض، لمحدوديَّة الإمكانات البَشَريَّة واللوجستيَّة؛ فلَمْ تَقُمْ قوَّات إنفاذ القانون بإجلاء سكَّان المناطق المنخفضة والساحليَّة إجباريًّا، ولَمْ تُنشئ معسكرات إيواء مجهَّزة لاستقبال النازحين في مناطق آمنة، واكتفت بتوجيه نداء إلى المواطنين بالتزام منازلهم وأخذ الحيطة والحذر.
ليلة عصيبة عاشها سكَّان درنة، بعد أن توحَّشت «دانيال» وتحوَّلت إلى إعصار، صاحبه أمطار غزيرة فاقت كُلَّ التوقُّعات وصلت كميَّتها 400 ملم، وسرعة رياح اقتربت من مئة كيلومتر في السَّاعة، تجمَّعت المياه في الوادي الكبير الذي يقسم المدينة والذي يبلغ طوله 50 كيلومترًا وتحدُّه المباني من الجهتين، والتي تعدَّى كثير مِنْها على مسار الوادي، وارتفع منسوب المياه حتَّى شكَّل ضغطًا هائلًا على السدَّيْنِ المائيَّيْنِ اللذَيْنِ يحجزان المياه التي تتساقط على الجبال المحيطة بدرنة، فانهارا وتحوَّلت المياه إلى طوفان من التسونامي، جرَف في طريقه كُلَّ شيء؛ البَشَر والمَرْكبات والجسور والمباني الواقعة على ضفَّتَي الوادي، وألقى بقاطنيها في مياه البحر.
في الصباح تكشفت الكارثة، تحوَّلت درنة لمدينة منكوبة، آلاف الجثث تحت الأرض وفوق الركام، والبحر يلفظ ما ابتلعه ليلًا من أُسَر بأكملها لَمْ تجد مَن يُغيثها.
تحدَّث مسؤولون عن تشغيل سدَّي درنة؛ اللذَيْنِ كانا سببًا رئيسًا في دمار المدينة بدلًا من حمايتها، واشتكوا من غياب الميزانيَّات اللازمة لأعمال الصيانة الدَّوْريَّة للسدَّيْنِ، وسدود ليبيا كُلِّها منذ سنين، جرَّاء حالة عدم الاستقرار، والانقسام والصراع المحتدم بَيْنَ الشرق والغرب، ووجود حكومتيْنِ ومجلسيْنِ تشريعيَّيْنِ، فتاهت المسؤوليَّة، وانعدمت الرقابة والمساءلة، وما زالت فصول الأزمة مرشَّحة للاستمرار. فإعادة إعمار درنة يحتاج ملايين الدولارات، ولا ندري الجهة التي ستدفع تلك المبالغ حكومة الشرق أم الغرب؟ في بلد نفطي يمتلك الموارد الماليَّة.
عاصرتُ الحالات الجوِّيَّة، التي تعرَّضت لها سلطنة عُمان في العشرين سنة الأخيرة، وكان «جونو» أوَّلها وأشدَّها؛ حيث وصلت قوَّته لإعصار من الدَّرجة الخامسة، ورغم محدوديَّة علاقة عُمان بالأعاصير في تلك الفترة، إلَّا أنَّ الإجراءات التي اتِّخذتها الحكومة قلَّلت حجم الخسائر البَشَريَّة التي لَمْ تتجاوز 49 حالة وفاة، رغم حجم الدَّمار الذي أوقعه «جونو» بالبنية التحتيَّة، ويَعُودُ الفضل لسرعة تحرُّك فِرق الجيش والشُّرطة والأجهزة الحكوميَّة، وإجلاء السكَّان من المناطق الأكثر خطورة، باستخدام الطائرات والمَركبات والسُّفن، وتحويل المدارس إلى معسكرات لإيواء القاطنين في أماكن قريبة من البحر.
واستفادت سلطنة عُمان من تجربة «جونو» في تطوير مراكز التنبؤات الجوِّيَّة وإنشاء المركز الوطني للإنذار المبكِّر من المخاطر المُتعدِّدة لمواجهة الحالات الطارئة، كما تمَّ إنشاء عددٍ من السدود الحديثة، وتحديث السدود القائمة، ولمسنا تطوُّرًا كبيرًا في مواجهة الحالات الجوِّيَّة التي تعرَّضت لها البلاد بعد ذلك، «فيت» و»شاهين» و»شابالا»، وقلَّت الخسائر البَشَريَّة إلى الحدِّ الأدنى، وإن كان الوقوف أمام غضب الطبيعة أمرًا مستحيلًا، ولكن يظلُّ الحفاظ على الأرواح هو الهدف الأسمى، فالحجر يُمكِن إعادة بنائه، ولكن الإنسان لا يُمكِن تعويضه.
محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الب ش ر
إقرأ أيضاً:
تصعيد نووي محتمل.. تهديدات ترامب تدفع إيران نحو السلاح النووي.. لاريجاني: إيران لا ترغب في سلوك هذا المسار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حذر علي لاريجاني، المفاوض النووي المخضرم والمستشار البارز للمرشد الأعلى الإيراني، من تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن هجوم على إيران، مشيرًا إلى أنها قد تدفع طهران إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية لضمان دفاعها عن نفسها.
وفي تصريحات بثها التلفزيون الإيراني الرسمي، قدم “لاريجاني” واحدة من أوضح الإشارات حتى الآن من مسؤول سياسي رفيع المستوى تفيد بأن طهران قد تسعى لامتلاك قنبلة نووية في حال تعرضها لضغوط شديدة.
وقال “لاريجاني” في حديثه لقناة “IRIB”: "إذا ارتكبتم خطأً في القضية النووية، فستجبرون إيران على التحرك نحو امتلاك أسلحة نووية؛ لأنها ستضطر للدفاع عن نفسها".
وأضاف: "إيران لا ترغب في سلوك هذا المسار، ولكن عندما تمارسون الضغط عليها، فإن ذلك يمنحها مبررًا ثانويًا ولا يترك لها أي خيار آخر. الشعب نفسه سيدفع باتجاهه، بحجة أن ذلك ضروري لأمن البلاد".
تصاعد الخطاب الإيراني حول امتلاك قنبلة نووية
ويعد لاريجاني شخصية بارزة في السياسة الإيرانية، حيث شغل مناصب مثل رئيس البرلمان، ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، وكبير المفاوضين النوويين، ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون. وتعكس تصريحاته، إلى حد بعيد، توجهات المؤسسة الحاكمة في إيران، لا سيما المرشد الأعلى علي خامنئي.
وفي المقابل، قالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد الأسبوع الماضي إن واشنطن لا تعتقد أن إيران تبني أسلحة نووية حاليًا، لكنها أشارت إلى أن المحظور التقليدي في إيران على مناقشة مسألة الأسلحة النووية علنًا بات يتآكل تدريجيًا.
وأوضحت “غابارد” أن تزايد الخطاب الداعي إلى امتلاك قنبلة نووية في طهران يعزز موقف مؤيدي هذا التوجه داخل دوائر صنع القرار الإيرانية.
إسرائيل تسعى لجر واشنطن إلى صراع مباشر مع إيران
وفي تصريحاته، اتهم “لاريجاني” إسرائيل بمحاولة تصعيد الوضع في المنطقة ودفع الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع طهران.
وقال: "إسرائيل وحدها غير قادرة على مواجهة إيران، وقد تصرفت دائمًا كأداة للولايات المتحدة في المنطقة"، مضيفًا أن "هذا النظام يسعى إلى جر واشنطن إلى صراع مباشر مع إيران عبر تضخيم الموقف الأمني".
توتر متصاعد بين واشنطن وطهران
ويأتي هذا التصعيد الكلامي في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية-الإيرانية توترًا متزايدًا؛ حيث هدد الرئيس دونالد ترامب مؤخرًا بشن ضربات جوية على إيران في حال فشلها في التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
غير أن طهران رفضت الدخول في مفاوضات مباشرة تحت التهديدات الأمريكية، وحذر قائد عسكري إيراني بارز يوم الاثنين من أن إيران قد تستهدف القواعد الأمريكية في المنطقة إذا تعرضت لهجوم عسكري.
إيران بين الضغوط النووية والردع العسكري
رغم تأكيد طهران مرارًا أنها لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، وإصدار المرشد الأعلى علي خامنئي فتوى تحرم ذلك، إلا أن تقريرًا صادرًا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشار إلى أن إيران تمتلك مخزونًا من اليورانيوم المخصب يفوق ما لدى أي دولة لا تمتلك قنبلة نووية.
وفي تطور إستراتيجي لافت، كشف متحدث باسم الجيش الأمريكي لمحطة إيران إنترناشيونال الأسبوع الماضي أن واشنطن نشرت قاذفات بعيدة المدى في قاعدة جوية إستراتيجية بالمحيط الهندي، وهو إجراء سبق شن عمليات قصف كبرى في كل من أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003؛ ما يعزز احتمالات التصعيد العسكري في المنطقة.