جريدة الوطن:
2024-07-04@13:06:32 GMT

«درنة» تدفع ثمن الانقسام والخلافات الليبية

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

«درنة» تدفع ثمن الانقسام والخلافات الليبية

العاصفة الاستوائيَّة «دانيال» التي دمَّرت مدينة درنة الليبيَّة، وخلَّفت آلاف الضحايا، تكوَّنت وسط البحر المتوسط وضربت بلغاريا وتركيا واليونان، وأحدثت أضرارًا مادِّيَّة بالدوَل الثلاث، ولكن حصيلة الضحايا لَمْ تتجاوز 14 حالة وفاة، ورغم عِلْم السُّلطات الليبيَّة بقدومها، وإعلانها حالة الطوارئ، وتعطيل العمل والدراسة في مُدُن الشرق الليبي، ولكنَّها لَمْ تَقُمْ بإجراءات استباقيَّة على الأرض، لمحدوديَّة الإمكانات البَشَريَّة واللوجستيَّة؛ فلَمْ تَقُمْ قوَّات إنفاذ القانون بإجلاء سكَّان المناطق المنخفضة والساحليَّة إجباريًّا، ولَمْ تُنشئ معسكرات إيواء مجهَّزة لاستقبال النازحين في مناطق آمنة، واكتفت بتوجيه نداء إلى المواطنين بالتزام منازلهم وأخذ الحيطة والحذر.

ونظرًا لغياب أنظمة حديثة للتنبؤات الجوِّيَّة والإنذار المبكِّر من المخاطر، لَمْ يتمَّ تحديد مسار العاصفة بدقَّة ولا المكان الذي ستضرب فيه اليابسة، بل تمَّ إعلان الطوارئ في كافَّة مُدُن الشرق الليبي مترامية الأطراف.
ليلة عصيبة عاشها سكَّان درنة، بعد أن توحَّشت «دانيال» وتحوَّلت إلى إعصار، صاحبه أمطار غزيرة فاقت كُلَّ التوقُّعات وصلت كميَّتها 400 ملم، وسرعة رياح اقتربت من مئة كيلومتر في السَّاعة، تجمَّعت المياه في الوادي الكبير الذي يقسم المدينة والذي يبلغ طوله 50 كيلومترًا وتحدُّه المباني من الجهتين، والتي تعدَّى كثير مِنْها على مسار الوادي، وارتفع منسوب المياه حتَّى شكَّل ضغطًا هائلًا على السدَّيْنِ المائيَّيْنِ اللذَيْنِ يحجزان المياه التي تتساقط على الجبال المحيطة بدرنة، فانهارا وتحوَّلت المياه إلى طوفان من التسونامي، جرَف في طريقه كُلَّ شيء؛ البَشَر والمَرْكبات والجسور والمباني الواقعة على ضفَّتَي الوادي، وألقى بقاطنيها في مياه البحر.
في الصباح تكشفت الكارثة، تحوَّلت درنة لمدينة منكوبة، آلاف الجثث تحت الأرض وفوق الركام، والبحر يلفظ ما ابتلعه ليلًا من أُسَر بأكملها لَمْ تجد مَن يُغيثها.
تحدَّث مسؤولون عن تشغيل سدَّي درنة؛ اللذَيْنِ كانا سببًا رئيسًا في دمار المدينة بدلًا من حمايتها، واشتكوا من غياب الميزانيَّات اللازمة لأعمال الصيانة الدَّوْريَّة للسدَّيْنِ، وسدود ليبيا كُلِّها منذ سنين، جرَّاء حالة عدم الاستقرار، والانقسام والصراع المحتدم بَيْنَ الشرق والغرب، ووجود حكومتيْنِ ومجلسيْنِ تشريعيَّيْنِ، فتاهت المسؤوليَّة، وانعدمت الرقابة والمساءلة، وما زالت فصول الأزمة مرشَّحة للاستمرار. فإعادة إعمار درنة يحتاج ملايين الدولارات، ولا ندري الجهة التي ستدفع تلك المبالغ حكومة الشرق أم الغرب؟ في بلد نفطي يمتلك الموارد الماليَّة.
عاصرتُ الحالات الجوِّيَّة، التي تعرَّضت لها سلطنة عُمان في العشرين سنة الأخيرة، وكان «جونو» أوَّلها وأشدَّها؛ حيث وصلت قوَّته لإعصار من الدَّرجة الخامسة، ورغم محدوديَّة علاقة عُمان بالأعاصير في تلك الفترة، إلَّا أنَّ الإجراءات التي اتِّخذتها الحكومة قلَّلت حجم الخسائر البَشَريَّة التي لَمْ تتجاوز 49 حالة وفاة، رغم حجم الدَّمار الذي أوقعه «جونو» بالبنية التحتيَّة، ويَعُودُ الفضل لسرعة تحرُّك فِرق الجيش والشُّرطة والأجهزة الحكوميَّة، وإجلاء السكَّان من المناطق الأكثر خطورة، باستخدام الطائرات والمَركبات والسُّفن، وتحويل المدارس إلى معسكرات لإيواء القاطنين في أماكن قريبة من البحر.
واستفادت سلطنة عُمان من تجربة «جونو» في تطوير مراكز التنبؤات الجوِّيَّة وإنشاء المركز الوطني للإنذار المبكِّر من المخاطر المُتعدِّدة لمواجهة الحالات الطارئة، كما تمَّ إنشاء عددٍ من السدود الحديثة، وتحديث السدود القائمة، ولمسنا تطوُّرًا كبيرًا في مواجهة الحالات الجوِّيَّة التي تعرَّضت لها البلاد بعد ذلك، «فيت» و»شاهين» و»شابالا»، وقلَّت الخسائر البَشَريَّة إلى الحدِّ الأدنى، وإن كان الوقوف أمام غضب الطبيعة أمرًا مستحيلًا، ولكن يظلُّ الحفاظ على الأرواح هو الهدف الأسمى، فالحجر يُمكِن إعادة بنائه، ولكن الإنسان لا يُمكِن تعويضه.

محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الب ش ر

إقرأ أيضاً:

مصلحة التخطيط العمراني تبحث مشروع التجديد الحضري للبلديات الليبية

الوطن| رصد

عقد رئيس مجلس إدارة مصلحة التخطيط العمراني بالحكومة الليبية أكرم الحاسي، أمس الاثنين ، اجتماع ضم رؤساء فروع ومكاتب المصلحة لمناقشة خطة المصلحة للعام الحالي 2024.

ويذكر أن الخطة متمثلة في مشروع التجديد الحضري للمخطط العمراني في مختلف البلديات الليبية ولمعالجة البناء العشوائي وتضمينه لمنظومة المخططات العمرانية المعتمدة تماشيا مع الوتيرة المتسارعة لمشروعات الإعمار بمختلف البلديات الليبية.

وأكد رئيس المصلحة على أهمية معالجة مختلف المشاكل المتعلقة بالمخططات العمرانية بما يتوافق مع مشروع المصلحة للتجديد الحضري واتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن تنفيذ الخطة بما يواكب حركة البناء المتسارعة التي تشهدها مختلف البلديات والمدن الليبية.

يشار أن الاجتماع حضره مدراء فروع ومكاتب المصلحة ببلديات اجدابيا وطبرق والجبل الأخضر ووادي الشاطئ وسبها والجفرة وسرت وبنغازي والمرج ووادي الآجال وغات.

الوسوم#مصلحة التخطيط العمراني البلديات الليبية المدن الليبية ليبيا

مقالات مشابهة

  • حالة الطقس.. ارتفاع ملموس على درجات الحرارة
  • الجامعة العربية: ماضون قدماً بجهود إقرار الدستور وإجراء الانتخابات الليبية
  • “حماد” يطلع على سير عمل وزارة العدل خلال لقاءه وزيرها
  • نباتات تمتص حرارة الجو المرتفعة داخل المنزل
  • “الموار المائية الليبية” تستورد شحنة مواد لمحطة تحلية طبرق
  • اليسير: مع مرور الوقت سيجد الليبيون أنفسهم أقلية في بلادهم أمام موجات المهاجرين
  • اقتران القمر بالمشترى.. أشرف شاكر: ظاهرة ليست نادرة وتُرى بالعين المجردة
  • كركوك.. مشاكل عائلية تدفع بطالب الى الانتحار في ثاني حالة خلال 48 ساعة
  • 4 عوامل تدفع بإسرائيل إلى التراجع عن شن حربها على لبنان.. تقرير يكشفها
  • مصلحة التخطيط العمراني تبحث مشروع التجديد الحضري للبلديات الليبية