جريدة الوطن:
2025-03-26@06:48:44 GMT

كوبا: دروس مستفادة

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

كوبا: دروس مستفادة

بقلوب تتنفَّس الصعداء وصلَ ممثِّلو أكثر من مئة وأربع وثلاثين دَولة إلى جزيرة كوبا في تحدٍّ غير مسبوق للحصار الأميركي الظالم الذي فرضته الولايات المُتَّحدة وحلفاؤها على هذه الجزيرة منذ ستين عامًا تقريبًا. بعد قمَّة (بريكس) وقمَّة (آسيان) وقمَّة (العشرين) تُشكِّل هذه القمَّة، قمَّة الـ77 والصين، أكبر تظاهرة عالَميَّة في هذا القرن وأهمَّ تظاهرة بالحضور والدلالات.

فقَدْ حضر هذه القمَّة ممثِّلون من إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبيَّة بزخم وأفكار ورؤى، وللمرَّة الأولى تظهر الدوَل الأوروبيَّة والولايات المُتَّحدة أنَّها هي المعزولة عن السِّياق الذي ارتأته واتَّخذته معظم البَشَريَّة. كيف لا؟ والدوَل الحاضرة في كوبا تُمثِّل 80% من سكَّان البَشَريَّة وثلثَي أعضاء الأُمم المُتَّحدة، وبحضور الأمين العام للأُمم المُتَّحدة أنطونيو جوتيريش.
أكثر من عشر دوَل حاضرة يزيد عدد سكَّان كُلٍّ مِنْها عن مئة مليون نسمة ومِنْها الصين والهند وإندونيسيا، كما أنَّ انضمام الصين إلى هذه المجموعة وغيابها عن قمَّة العشرين يُري أنَّ ثقل الأُسرة الإنسانيَّة اليوم قَدِ انتقل بالفعل من الشمال إلى الجنوب.
لَمْ تكُنْ هذه القمَّة بروتوكوليَّة ولا شكليَّة، بل كانت قمَّة حقيقيَّة حضرتها قلوب أثخنتها التجارب المريرة على مدى سنوات وعقود مع الدوَل الغربيَّة، ووصلت إلى استنتاجات لا لبس فيها، وتسلَّحت بالإرادة الجمعيَّة وتوق الجميع لوضع حدٍّ للمعاناة المهينة التي فرضتها عليهم دوَل الشمال وقرَّرت القدوم إلى كوبا، هذه الجزيرة التي عانت من أطول حصار عرفته البَشَريَّة، كَيْ ترفعَ صوتها عاليًا ضدَّ الحصار والظلم والاستعمار والإفقار والعقوبات والتهميش والاستغلال واللاعدالة والعنصريَّة التي عانت مِنْها هذه الشعوب وبأشكال مختلفة وعلى مدى عقود من المستعمرين الأوروبيِّين ومن وريثتهم الولايات المُتَّحدة.
وعلَّ حديث الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو العفوي والأخوي والجميل إلى زملائه في القمَّة كان مُعبِّرًا عمَّا شعر به الرؤساء ورؤساء الوفود حيث قال في كلمة ارتجاليَّة ودُونَ ورقة وأفكار مُعدَّة سلفًا: «مجموعة الـ77 والصين اليوم في قلب المقاومة الدوليَّة: كوبا. من بكين إلى الجزائر ومِنْها إلى هافانا لِنكونَ بَيْنَكم اليوم رفاقي الأعزَّاء في هذه العائلة. انظروا حَوْلَكم لا أحد هنا يحاول إقصاء الآخر أو تهميش الآخر أو إذلال الآخر» في تعبير مختصر ومفيد عن معاناة هذه البلدان وهذه الشعوب الإفريقيَّة، الآسيوية اللاتينيَّة الجنوبيَّة مع دوَل الشمال الاستعماريَّة التي فرضت الحروب والهيمنة والفقر على دوَل الجنوب. أعاد الرؤساء وأوَّلهم الرئيس الكوبي ميجيل دياز كانيل تعريف دوَل الجنوب فقال: «هي ليست دوَلًا فقيرة ولكنَّها دوَل تمَّ إفقارها وخلق الفِتن والحروب على أرضها وحرمانها من التكنولوجيا والتقانة والعلوم كَيْ تبقى هامشيَّة وكَيْ يسهلَ على دوَل الشمال نهب مواردها وثرواتها واستقطاب أفضل مواردها البَشَريَّة لِتخدمَ تقدُّم الشمال وتحرمَ الجنوب من خيرة أبنائه وكوادره البَشَريَّة المتميزة». ما يميِّز طروحات هذه القمَّة والتي بدأها الرئيس كانيل هو التركيز على العلوم والتكنولوجيا والمعرفة؛ لأنَّ المعرفة هي التي تُحقِّق القِيمة المضافة لشعوب هذه البلدان المستضعفَة، ولذلك فقَدْ طرحوا تبادل المعلومات والرؤى والأفكار بَيْنَ دوَل الجنوب وتبادل التقانة والمخترعات العلميَّة وأكَّدوا على أهمِّية مبادرات الرئيس الصيني الثلاث: مبادرة التنمية العالَميَّة ومبادرة الأمن العالَمي ومبادرة الحضارة العالَميَّة، بالإضافة إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها قَبل عقدٍ من الزمن، وعلى أهمِّية التعاضد والتشاركيَّة بَيْنَ هذه الدوَل داخل وخارج الأُمم المُتَّحدة، خصوصًا وأنَّ معظمهم سوف يتوجَّهون من كوبا إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعيَّة العامَّة. لقَدْ أكَّد المتحدِّثون أنَّ القوانين والإجراءات التي يفرضها الغرب تُفضي إلى استفادته هو من التطوُّر التكنولوجي الذي وصلت إليه البَشَريَّة وحرمان هذه الدوَل من التعليم والطَّاقة والمعرفة والإبداع. وهكذا فإنَّ انعدام العدالة على المستوى المعرفي والتقني هو السبب الأساس في إفقار دوَل الجنوب ومنعها من تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
أكَّد المتحدِّثون على حاجة هذه القارَّات المُجتمِعة هنا وحاجة البَشَريَّة بالنتيجة إلى نظام عالَمي عادل ومستدام يسمح لأغلبيَّة هذه الدوَل أن تخرجَ من الأزمات التي فُرضت عليها. الأمْرُ الوحيد الذي يتميَّز بالوفرة في دوَل الجنوب هو معدَّلات الفوائد الضَّخمة جدًّا والتي فرضتها عليها دوَل الشمال، وهكذا فإنَّ الأزمات الماليَّة التي تعاني مِنْها دوَل الجنوب هي نتيجة طبيعيَّة للقوانين الماليَّة والاقتصاديَّة والمعرفيَّة التي فرضتها عليها دوَل الشمال. ولهذا فإنَّ على دوَل الجنوب التركيز اليوم وبشكلٍ تشاركي وجمعي على الموارد العلميَّة والبحثيَّة والابتكار، وتعزيز القدرات على المستوى العلمي والمعرفي للوصول إلى التنمية المستدامة.
والمفاجئ في الأمْرِ هو أنَّ الأمين العامَّ للأُمم المُتَّحدة كان متوافقًا تمامًا مع هذا السِّياق وقال إنَّ مجموعة الـ77 والصين قَدْ تشكلت لمواجهة عقود من التهميش واللاعدالة. وانضمام الصين إلى هذه المجموعة يضعنا أمام فرصة كبيرة لِندافعَ عن تعدُّديَّة الأقطاب كما أنَّ عناوين العِلم والمعرفة والتقانة هي الوحيدة التي تؤدِّي إلى الازدهار. كما تحدَّث الأمين العامُّ عن أهمِّية هذه الكتلة في الأُمم المُتَّحدة وأن تتَّخذَ المواقف ذاتها التي تخدم بلدانها، وتحدَّث هو وآخرون عن ضرورة وضع خريطة طريق لمواجهة التحدِّيات والسَّير بخطًى حثيثة ومدروسة نَحْوَ نظام العدالة والمساواة للعالَم بِرُمَّته. وكان حضور الرئيس النيكاراجوي دانيال أورتيجا هذه القمَّة ذا دلالات؛ فقَدْ تعرَّض بلده للحصار والتهميش ولكنَّه اليوم يقف لِيضيفَ للإنسانيَّة بُعدًا مهمًّا من تجربته في المقاومة، ولِيقولَ نحن القرن الحادي والعشرين، ونحن الذين يجِبُ أن نصنعَه قرنًا عادلًا ومزدهرًا للبَشَريَّة جمعاء.
لقَدْ كانت تجربة كوبا في البحث العلمي الطبِّي مثالًا يحتذى لمقاومة الحصار الذي فرضته الدوَل الغربيَّة في اللقاحات فأنتجت لقاحها بِيَدِ علمائها، وأعطت الدوَل الإفريقيَّة والجنوبيَّة وهذا هو جزء من الحلول المقترحة، وهو أن نجترحَ الحلول والعلوم والتقنيَّات بأيدي علمائنا، وأن نعملَ متعاضدين متشاركين أخوة في الإنسانيَّة لتحقيق ازدهار عالَمي لمستقبل البَشَريَّة جمعاء. في كوبا كان واضحًا أُفول شمس الغرب وفشل سياساته القمعيَّة والاستعماريَّة، وفشل نظام العقوبات غير الشرعيَّة وغير القانونيَّة فشلًا ذريعًا، ويقظة غير مسبوقة لشعوب هذه البلدان وتركيز على القضايا الجوهريَّة في التقدُّم العلمي والمعرفي والتقني والذي هو كفيل بدفع عمليَّة التقدُّم وتحقيق القِيمة المضافة وإرساء أُسُس العدالة على قدم المساواة، والقضاء، مرَّة وإلى الأبد، على الاستعلاء الغربي والعنصريَّة والهيمنة والحروب.
كوبا التي عملت الولايات المُتَّحدة على عزلها وإفقارها منذ ستين عامًا تجمع القارَّات الثلاث في هافانا وتعزل الولايات المُتَّحدة وأوروبا عن الجزء الأكبر من البَشَريَّة، وتُلهم الشعوب المقاومة المستدامة والتي هي الوحيدة التي تثمر نُموًّا وازدهارًا وعدالة مستدامة وحقيقيَّة.
طوبى لكوبا ولكُلِّ المقاومين المؤمنين أنَّ الحقَّ دائمًا وأبدًا يعلو ولا يُعلى عليه.

أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الولایات الم ت ة التی التی ت الدو ل

إقرأ أيضاً:

انقلاب صامت.. بين دستوبيا الشركات العالمية ومقاومة الجنوب

في قلب واشنطن، أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في شارع "كيه ستريت" الشهير بجماعات الضغط وشبكات النفوذ، خاضت السلفادور معركة قانونية شرسة بين عامي 2009 و2016 ضد شركة التعدين الكندية "باسيفيك ريم". لم تكن القضية مجرد نزاع على ترخيص منجم، بل عكست صراعًا أوسع على سيادة الدول في مواجهة نفوذ الشركات العابرة للقارات.

من هذه القضية، ينطلق كتاب "انقلاب صامت: كيف أطاحت الشركات بالديمقراطية"، للصحافيَين البريطانيين كلير بروفوست ومات كينارد، الذي صدر بترجمة أيمن حداد عن "منتدى العلاقات الدولية". ويغوص عبر 20 فصلًا في صراعات مشابهة، مرتكزا على بحث ميداني في 25 دولة وعلى أرشيف مكثف كان الوصول إليه معبّدا بالصعوبات.

في عملهما الاستقصائي هذا، يتتبع المؤلفان قصة تشكل نظام قانوني دولي يمنح الشركات العالمية حق مقاضاة الدول أمام هيئات دولية بعيدًا عن محاكمها الوطنية، ويفرض عليها تغيير قوانينها لصالح المستثمر الأجنبي.

قاد المحتجون حراكًا تحت شعار "لا للتعدين، نعم للحياة"، واجهوا خلاله العنف والترهيب، حتى دفع بعضهم حياته ثمنًا (الفرنسية) قصة مقاومة سلفادورية

بدأ النزاع بين "باسيفيك ريم" (أوشيانا غولد حاليًا) والحكومة السلفادورية عندما أقامت الأولى دعوى تطالب بتعويض قيمته 250 مليون دولار. ادعت الشركة الكندية أن السلفادور انتهكت قوانين الاستثمار إذ رفضت منح ترخيص لتعدين الذهب في منجم "إل دورادو" وحرمتها من الفوائد الاقتصادية المتوقعة. في حين أكدت الحكومة أن الشركة لم تستوفِ الشروط المطلوبة، وأن الموافقة كانت ستشكل خطرًا بيئيا جسيمًا، لا سيما على موارد المياه.

رغم انتصار السلفادور قانونيا، كشفت القضية عن التوتر المستمر بين اتفاقيات "التنمية" الاقتصادية والسيادة الوطنية. تحوّل "إل دورادو" إلى رمز للصراع ضد المصالح الأجنبية، حيث اعتبر السلفادوريون الشركات العابرة شكلاً جديدا من الاستعمار.

قاد المحتجون حراكًا تحت شعار "لا للتعدين، نعم للحياة"، واجهوا خلاله العنف والترهيب، حتى دفع بعضهم حياته ثمنًا. ومع ذلك، استمرت المقاومة، وأثمرت في 2017 حظر التعدين، لتصبح السلفادور أول دولة في العالم تتخذ هذا القرار.

إعلان

لا شك في أن هذه قصة مثالية للبدء في كتاب يغرق قارئه تاليًا في دستوبيا رأسمالية، فرغم أن قضية السلفادور تصوّر ترهيب الشركات للحكومات لا سيّما في دول الجنوب، وصعوبة وصول الباحثين والصحافيين إلى وثائق بشأن نفوذ هذه الشركات، فإنها تقول أيضًا إن المقاومة ممكنة وإن إخفاقها ليس حتميًا.

المصرفي الألماني هيرمان جوزيف آبس (غيتي) لحظة تأسيس نظام التحكيم الاستثماري

يعود كتاب "انقلاب صامت" إلى تأسيس نظام التحكيم الاستثماري التابع للبنك الدولي، مستعيدًا لحظة قلق الدول الاستعمارية على مصالحها بعد تهاوي كولونيالياتها تباعًا. أصبح فندق فيرمونت في سان فرانسيسكو، في أكتوبر/تشرين الأول 1957، نقطة تجمع لبعض من أقوى رجال المال والأعمال في العالم.

كان من بين أولئك الرجال المصرفي الألماني هيرمان جوزيف آبس، الذي وُصف بأنه نجم الحدث، بعد أن دعا إلى "ماجناكارتا رأسمالية" تحمي المستثمرين الأجانب في وقت كانت فيه حركات إنهاء الاستعمار والقومية الاقتصادية تكتسب زخمًا. يمثل آبس صورة المصرفي المثالي المستفيد من سياسات أي نظام يعمل تحته من النازية خلال الحرب إلى نشاطة لإعادة الإعمار والتعويضات بعد الحرب.

كانت أنباء التأميم تصل تباعًا من مستعمرات سابقة بعد استقلالها، كوامي نكروما في غانا، إلى عبد الناصر يؤمم قناة السويس، وغواتيمالا التي وضعت يدها على الحقول والمزارع التي كانت تحت سيطرة شركة "شيكيتا".

وسط هذه التحولات، استخدم آبس المؤتمر منصة لإنشاء إطار يحمي المستثمرين الأجانب من تأميم أصولهم. وتبلورت إستراتيجية النخب الاقتصادية الغربية في الحفاظ على السيطرة على تدفقات رأس المال العالمية حتى مع انهيار الهياكل الاستعمارية القديمة، مما جعل اقتراح آبس محوريًا في مؤتمر سان فرانسيسكو، وكان طموحه ممثلا في إنشاء نظام قانوني دولي يسمح للمستثمرين بمقاضاة الحكومات مباشرة، وهو ما تجسد لاحقًا في اتفاقية "آبس-شوكروس" التي شكلت أساسًا للبنية القانونية لمنازعات المستثمرين والدول اليوم.

إعلان تجارة المساعدات للدول النامية

في مشهد سريالي آخر، داخل قاعة مهندسة بفخامة هذه المرة، يقف مؤلفا الكتاب بين رجال أعمال مجتمعين ببدلاتهم الباهظة، يبحثون عن الفرص المتاحة في مجال "بزنس" المساعدات للدول النامية والمنكوبة، التي تعد أسواقًا لفرص استثمارية ضخمة تقدّر قيمة الأعمال المرتبطة بها بين 70 و100 مليار دولار، وهو رقم يوازي حجم صناعة الأمن السيبراني أو صناعة النشر الصحفي عالميًا.

على المنصة هناك من يخطب عن التنمية والشعوب، في وقت يعكس فيه الحدث واقعًا مختلفا: هذه شبكة من الشركات الخاصة تبحث عن نصيبها من عقود المساعدات الممولة من الحكومات والمنظمات الدولية.

مئات الشركات تعرض منتجاتها من الخيام إلى الخدمات الأمنية، في بيئة ترويجية لا تختلف عن معارض السيارات أو التكنولوجيا، ولا يبدو أن هناك اهتمامًا حقيقيا بقضايا الفقر أو التنمية. هذه هي أجواء معرض "إيدإي إكس" (AidEx) الذي عقد في بروكسل عام 2014.

يستعرض الكتاب الواقع المعقد للمساعدات الدولية، التي تُقدَّم للجمهور على أنها تحويلات نقدية مباشرة من الدول الغنية إلى الفقيرة، لكنها في الواقع تخضع لعمليات وسيطة معقدة تستفيد منها الحكومات والشركات الكبرى، وتصل نسبة صغيرة فقط مباشرة إلى المجتمعات المحتاجة. أما الجزء الأكبر، فيمر عبر شبكات من المتعاقدين والمنظمات الدولية، مع استخدامه في أغراض أخرى.

يضرب المؤلفان بفضيحة "سد بيرغاو" التي كانت مارغريت تاتشر عرابتها. فحين تبنى مهاتير سياسة "التوجه شرقًا" مفضلًا التعامل مع دول شرق آسيا، سعت تاتشر إلى كسب ود ماليزيا. وأشادت خلال زيارتها الرسمية لكوالالمبور عام 1985 بسياسات مهاتير محمد الاقتصادية، قائلة: أنا معجبة بشعارك "ماليزيا شركة مساهمة"، وسأقنعك بجودة شركاتنا.

آنذاك توصلت حكومة تاتشر إلى توقيع عقد مع حكومة مهاتير كان ظاهره مساعدات بريطانية لتمويل سد كهرومائي، وحقيقته عقد كلف ماليزيا شراء الأسلحة والطائرات العسكرية من شركة بريطانية، أدّت هذه الفضيحة إلى تحقيقات قانونية وصحافية وإصلاحات كبيرة في السياسات البريطانية.

يأتي البيض اليوم متظلمين بشأن من يحدد متى يكون العدل ظلمًا (الفرنسية) تظلّم البيض

في فصل آخر بعنوان "التأمين السري"، يكشف المؤلفان عن قضية رفعها مستثمرون إيطاليون ضد جنوب أفريقيا عام 2006 اعتراضًا على قوانين التمكين الاقتصادي للسود، التي أجبرت الشركات الأجنبية على تخصيص 26% من ملكيتها للمواطنين السود. رأى المستثمرون في ذلك "مصادرة غير عادلة" وطالبوا بتعويض 350 مليون دولار.

إعلان

كانت جنوب أفريقيا تحاول تصحيح إرث الفصل العنصري. بعد سنوات من المرافعات، قرر المستثمرون سحب دعواهم، لكن ليس قبل أن يعقدوا صفقة سرية غير مسبوقة مع الحكومة: تخفيض نسبة الملكية المنقولة إلى 5% فقط بدلاً من 26%.

آثرت حكومة جنوب أفريقيا "البراغماتية" لإنقاذ المنظومة الاقتصادية، وربما نجحت في تفادي هزيمة قانونية، لكنها خسرت معركة أكبر بكثير، معركة العدالة الاقتصادية والمساواة التي كانت جوهر نضالها بعد الفصل العنصري.

تتردد أصداء هذه الهزيمة المعنوية اليوم في خلفية جدلٍ سياسي على لسان إيلون ماسك الذي يصف تمكين السود بالتمييز العكسي، وترامب الذي يروّج لفكرة اضطهاد البيض. سرديات تتجاهل أن التغيير لم يكن عقوبة، بل محاولة لتصحيح تاريخ طويل من غياب العدالة. ثم يأتي البيض اليوم متظلمين بشأن من يحدد متى يكون العدل ظلمًا.

وسط هذه الصورة القاتمة لعالم تديره أذرع الشركات العابرة للقارات، يسلط كتاب "انقلاب صامت" الضوء على حركات المقاومة والاحتجاج في أنحاء العالم التي أتت أكلها؛ هنا عمّال يعيدون تشغيل فنادق وشركات في الأرجنتين، وهناك رؤية إيفو موراليس في بوليفيا لمحاربة الهيمنة الاقتصادية الغربية على الموارد الطبيعية.

ويدعو الكتاب إلى أن تستعيد الصحافة دورها في محاسبة السلطة ومراقبة الشركات والوصول إلى الوثائق والمعلومات، مثلما فعل المؤلفان الصحافيان هنا، فهذا الكتاب تجربة استثنائية في التحقيق الاستقصائي.

مقالات مشابهة

  • السعودية تدين العدوان الإسرائيلي على بلدة كوبا وتجدد تضامنها مع سوريا
  • مطران بنها: الصوم مدرسة لتقويم السلوك وضبط النفس
  • دروس في التعليم
  • سماع صوت قوي في أرجاء النبطية.. هذه طبيعته
  • أين الحزب الشيوعي؟
  • معلومة جديدة عن صواريخ الجنوب
  • انقلاب صامت.. بين دستوبيا الشركات العالمية ومقاومة الجنوب
  • تحذير.. كيف علّق جعجع على حادثة صواريخ الجنوب؟
  • الخروج من الحلقة الجهنمية من أهم دروس الانتفاضة
  • ما هو أبعد من منصّات صواريخ بدائية الصنع