جريدة الوطن:
2024-11-23@14:22:13 GMT

كوبا: دروس مستفادة

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

كوبا: دروس مستفادة

بقلوب تتنفَّس الصعداء وصلَ ممثِّلو أكثر من مئة وأربع وثلاثين دَولة إلى جزيرة كوبا في تحدٍّ غير مسبوق للحصار الأميركي الظالم الذي فرضته الولايات المُتَّحدة وحلفاؤها على هذه الجزيرة منذ ستين عامًا تقريبًا. بعد قمَّة (بريكس) وقمَّة (آسيان) وقمَّة (العشرين) تُشكِّل هذه القمَّة، قمَّة الـ77 والصين، أكبر تظاهرة عالَميَّة في هذا القرن وأهمَّ تظاهرة بالحضور والدلالات.

فقَدْ حضر هذه القمَّة ممثِّلون من إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبيَّة بزخم وأفكار ورؤى، وللمرَّة الأولى تظهر الدوَل الأوروبيَّة والولايات المُتَّحدة أنَّها هي المعزولة عن السِّياق الذي ارتأته واتَّخذته معظم البَشَريَّة. كيف لا؟ والدوَل الحاضرة في كوبا تُمثِّل 80% من سكَّان البَشَريَّة وثلثَي أعضاء الأُمم المُتَّحدة، وبحضور الأمين العام للأُمم المُتَّحدة أنطونيو جوتيريش.
أكثر من عشر دوَل حاضرة يزيد عدد سكَّان كُلٍّ مِنْها عن مئة مليون نسمة ومِنْها الصين والهند وإندونيسيا، كما أنَّ انضمام الصين إلى هذه المجموعة وغيابها عن قمَّة العشرين يُري أنَّ ثقل الأُسرة الإنسانيَّة اليوم قَدِ انتقل بالفعل من الشمال إلى الجنوب.
لَمْ تكُنْ هذه القمَّة بروتوكوليَّة ولا شكليَّة، بل كانت قمَّة حقيقيَّة حضرتها قلوب أثخنتها التجارب المريرة على مدى سنوات وعقود مع الدوَل الغربيَّة، ووصلت إلى استنتاجات لا لبس فيها، وتسلَّحت بالإرادة الجمعيَّة وتوق الجميع لوضع حدٍّ للمعاناة المهينة التي فرضتها عليهم دوَل الشمال وقرَّرت القدوم إلى كوبا، هذه الجزيرة التي عانت من أطول حصار عرفته البَشَريَّة، كَيْ ترفعَ صوتها عاليًا ضدَّ الحصار والظلم والاستعمار والإفقار والعقوبات والتهميش والاستغلال واللاعدالة والعنصريَّة التي عانت مِنْها هذه الشعوب وبأشكال مختلفة وعلى مدى عقود من المستعمرين الأوروبيِّين ومن وريثتهم الولايات المُتَّحدة.
وعلَّ حديث الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو العفوي والأخوي والجميل إلى زملائه في القمَّة كان مُعبِّرًا عمَّا شعر به الرؤساء ورؤساء الوفود حيث قال في كلمة ارتجاليَّة ودُونَ ورقة وأفكار مُعدَّة سلفًا: «مجموعة الـ77 والصين اليوم في قلب المقاومة الدوليَّة: كوبا. من بكين إلى الجزائر ومِنْها إلى هافانا لِنكونَ بَيْنَكم اليوم رفاقي الأعزَّاء في هذه العائلة. انظروا حَوْلَكم لا أحد هنا يحاول إقصاء الآخر أو تهميش الآخر أو إذلال الآخر» في تعبير مختصر ومفيد عن معاناة هذه البلدان وهذه الشعوب الإفريقيَّة، الآسيوية اللاتينيَّة الجنوبيَّة مع دوَل الشمال الاستعماريَّة التي فرضت الحروب والهيمنة والفقر على دوَل الجنوب. أعاد الرؤساء وأوَّلهم الرئيس الكوبي ميجيل دياز كانيل تعريف دوَل الجنوب فقال: «هي ليست دوَلًا فقيرة ولكنَّها دوَل تمَّ إفقارها وخلق الفِتن والحروب على أرضها وحرمانها من التكنولوجيا والتقانة والعلوم كَيْ تبقى هامشيَّة وكَيْ يسهلَ على دوَل الشمال نهب مواردها وثرواتها واستقطاب أفضل مواردها البَشَريَّة لِتخدمَ تقدُّم الشمال وتحرمَ الجنوب من خيرة أبنائه وكوادره البَشَريَّة المتميزة». ما يميِّز طروحات هذه القمَّة والتي بدأها الرئيس كانيل هو التركيز على العلوم والتكنولوجيا والمعرفة؛ لأنَّ المعرفة هي التي تُحقِّق القِيمة المضافة لشعوب هذه البلدان المستضعفَة، ولذلك فقَدْ طرحوا تبادل المعلومات والرؤى والأفكار بَيْنَ دوَل الجنوب وتبادل التقانة والمخترعات العلميَّة وأكَّدوا على أهمِّية مبادرات الرئيس الصيني الثلاث: مبادرة التنمية العالَميَّة ومبادرة الأمن العالَمي ومبادرة الحضارة العالَميَّة، بالإضافة إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها قَبل عقدٍ من الزمن، وعلى أهمِّية التعاضد والتشاركيَّة بَيْنَ هذه الدوَل داخل وخارج الأُمم المُتَّحدة، خصوصًا وأنَّ معظمهم سوف يتوجَّهون من كوبا إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعيَّة العامَّة. لقَدْ أكَّد المتحدِّثون أنَّ القوانين والإجراءات التي يفرضها الغرب تُفضي إلى استفادته هو من التطوُّر التكنولوجي الذي وصلت إليه البَشَريَّة وحرمان هذه الدوَل من التعليم والطَّاقة والمعرفة والإبداع. وهكذا فإنَّ انعدام العدالة على المستوى المعرفي والتقني هو السبب الأساس في إفقار دوَل الجنوب ومنعها من تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
أكَّد المتحدِّثون على حاجة هذه القارَّات المُجتمِعة هنا وحاجة البَشَريَّة بالنتيجة إلى نظام عالَمي عادل ومستدام يسمح لأغلبيَّة هذه الدوَل أن تخرجَ من الأزمات التي فُرضت عليها. الأمْرُ الوحيد الذي يتميَّز بالوفرة في دوَل الجنوب هو معدَّلات الفوائد الضَّخمة جدًّا والتي فرضتها عليها دوَل الشمال، وهكذا فإنَّ الأزمات الماليَّة التي تعاني مِنْها دوَل الجنوب هي نتيجة طبيعيَّة للقوانين الماليَّة والاقتصاديَّة والمعرفيَّة التي فرضتها عليها دوَل الشمال. ولهذا فإنَّ على دوَل الجنوب التركيز اليوم وبشكلٍ تشاركي وجمعي على الموارد العلميَّة والبحثيَّة والابتكار، وتعزيز القدرات على المستوى العلمي والمعرفي للوصول إلى التنمية المستدامة.
والمفاجئ في الأمْرِ هو أنَّ الأمين العامَّ للأُمم المُتَّحدة كان متوافقًا تمامًا مع هذا السِّياق وقال إنَّ مجموعة الـ77 والصين قَدْ تشكلت لمواجهة عقود من التهميش واللاعدالة. وانضمام الصين إلى هذه المجموعة يضعنا أمام فرصة كبيرة لِندافعَ عن تعدُّديَّة الأقطاب كما أنَّ عناوين العِلم والمعرفة والتقانة هي الوحيدة التي تؤدِّي إلى الازدهار. كما تحدَّث الأمين العامُّ عن أهمِّية هذه الكتلة في الأُمم المُتَّحدة وأن تتَّخذَ المواقف ذاتها التي تخدم بلدانها، وتحدَّث هو وآخرون عن ضرورة وضع خريطة طريق لمواجهة التحدِّيات والسَّير بخطًى حثيثة ومدروسة نَحْوَ نظام العدالة والمساواة للعالَم بِرُمَّته. وكان حضور الرئيس النيكاراجوي دانيال أورتيجا هذه القمَّة ذا دلالات؛ فقَدْ تعرَّض بلده للحصار والتهميش ولكنَّه اليوم يقف لِيضيفَ للإنسانيَّة بُعدًا مهمًّا من تجربته في المقاومة، ولِيقولَ نحن القرن الحادي والعشرين، ونحن الذين يجِبُ أن نصنعَه قرنًا عادلًا ومزدهرًا للبَشَريَّة جمعاء.
لقَدْ كانت تجربة كوبا في البحث العلمي الطبِّي مثالًا يحتذى لمقاومة الحصار الذي فرضته الدوَل الغربيَّة في اللقاحات فأنتجت لقاحها بِيَدِ علمائها، وأعطت الدوَل الإفريقيَّة والجنوبيَّة وهذا هو جزء من الحلول المقترحة، وهو أن نجترحَ الحلول والعلوم والتقنيَّات بأيدي علمائنا، وأن نعملَ متعاضدين متشاركين أخوة في الإنسانيَّة لتحقيق ازدهار عالَمي لمستقبل البَشَريَّة جمعاء. في كوبا كان واضحًا أُفول شمس الغرب وفشل سياساته القمعيَّة والاستعماريَّة، وفشل نظام العقوبات غير الشرعيَّة وغير القانونيَّة فشلًا ذريعًا، ويقظة غير مسبوقة لشعوب هذه البلدان وتركيز على القضايا الجوهريَّة في التقدُّم العلمي والمعرفي والتقني والذي هو كفيل بدفع عمليَّة التقدُّم وتحقيق القِيمة المضافة وإرساء أُسُس العدالة على قدم المساواة، والقضاء، مرَّة وإلى الأبد، على الاستعلاء الغربي والعنصريَّة والهيمنة والحروب.
كوبا التي عملت الولايات المُتَّحدة على عزلها وإفقارها منذ ستين عامًا تجمع القارَّات الثلاث في هافانا وتعزل الولايات المُتَّحدة وأوروبا عن الجزء الأكبر من البَشَريَّة، وتُلهم الشعوب المقاومة المستدامة والتي هي الوحيدة التي تثمر نُموًّا وازدهارًا وعدالة مستدامة وحقيقيَّة.
طوبى لكوبا ولكُلِّ المقاومين المؤمنين أنَّ الحقَّ دائمًا وأبدًا يعلو ولا يُعلى عليه.

أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الولایات الم ت ة التی التی ت الدو ل

إقرأ أيضاً:

منافسات الزوجي.. ميار شريف تقتحم ربع نهائي بطولة كوبا تشيلي للتنس

صعدت البطلة المصرية ميار شريف رفقة الصربية نينا ستوجانوفيك إلى الدور الربع النهائي ببطولة كوبا "ل بي" تشيلي للتنس، ذات 125 نقطة، وذلك بمنافسات زوجي السيدات.

جاء ذلك عقب فوز الزوجي المصري والصربي على ثنائي إسباني وسويسري بمجموعتين دون رد بواقع (6-4) و(7-6) بمباراة الدور الأول "16"، التي أقيمت اليوم واستغرقت ساعة و43 دقيقة.
وتواجه ميار ونينا في الدور المقبل الثنائي الإيطالي الكولومبي.


وفي منافسات فردي السيدات بالبطولة، صعدت البرتغالية فرانشيسكا جورجي، المصنفة رقم 187 عالميا، إلى الدور الربع النهائي على حساب البرازيلية لاورا بيجوسى، المصنفة رقم 129 عالميا، بمجموعتين بواقع (7-5) و(7-5) بمباراة الدور الثاني.


وتواجه اللاعبة البرتغالية، في الدور المقبل، نظيرتها ميار شريف، المصنفة رقم 100 على مستوى العالم، التي صعدت اليوم بسهولة على حساب الكولومبية ايميلينا ارانجو، المصنفة رقم 178 ، بمجموعتين بواقع (6-2) و(6-3) في مباراة استغرقت ساعة و21 دقيقة.


يذكر أن اللاعبة المصرية كانت تغلبت في الدور الأول "32" على الروسية اليفتينا ابراجيموفا، المصنفة رقم 318 عالميا، بمجموعتين بواقع (6-4) و(6-1).


وتقام البطولة بدولة تشيلي خلال الفترة من 17 وحتى 24 من شهر نوفمبر الجاري.
 

مقالات مشابهة

  • ميار شريف تتوج بلقب بطولة كوبا «ل بى» تشيلى للتنس بمنافسات الزوجى
  • دروس من نساء رائدات في قطاع البنوك والخدمات المالية
  • مصطفى بكري: سنواصل التصدي للفساد والخونة بكل قوة (فيديو)
  • ميار شريف تعبر إلى نصف نهائي بطولة "كوبا تشيلي" للتنس
  • ميار شريف تتأهل لنصف نهائي بطولة كوبا تشيلي للتنس
  • باراجواي تتأهب لاحتضان نهائي كوبا سود أمريكانا
  • منافسات الزوجي.. ميار شريف تقتحم ربع نهائي بطولة كوبا تشيلي للتنس
  • ميار شريف تقتحم ربع نهائي بطولة كوبا تشيلي للتنس
  • ميار شريف تعبر إلى ربع نهائي بطولة كوبا «ل بي» تشيلي للتنس
  • التفرقة والوحدة: دروسٌ من توحد اليهود وصراعات الأُمَّــة