هل تحس أنك عشت هذا الموقف من قبل؟.. هناك ما هو أغرب!
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
توصل بحث علمي إلى أن تجربة "deja vu" التي تترك لدى الإنسان إحساسا مخيفا بالماضي لها عكسها وهي تجربة أخرى تدعى "jamais vu" وهي أكثر غرابة.
و "ديجا فو"، أو وهم سبق الرؤية، هو الإحساس الذي يشعر به الفرد بأنه رأى أو عاش الموقف الحاضر من قبل.
وقال البحث الذي نشر على موقع "ذي كونفرسيشن" إن "ديجا فو" في الواقع هي نافذة على أعمال نظام الذاكرة لدينا.
وأشرف على البحث، أكيرا أوكونور، محاضر أول في علم النفس في جامعة سانت أندروز وكريستوفر مولان، أستاذ علم النفس العصبي المعرفي بجامعة غرونوبل ألب.
ووجد البحث أنه عندما ينفصل جزء الدماغ الذي مهمته رصد الألفة مع الواقع، تحدث "ديجا فو" كإشارة تنبهك إلى هذه الغرابة: إنها نوع من "التحقق من الحقائق" لنظام الذاكرة.
ويورد البحث أن عكس "ديجا فو" هو "جامي فو" بالفرنسية، وتعني "أي لم يرى من قبل".
و"جامي فو" هو شعور ينتابك عندما يكون هناك شيء تعرف أنه مألوف لكنه مع ذلك يبدو غير واقعي أو جديد بطريقة ما، كالنظر إلى وجه مألوف والشعور به فجأة بأنه غير عادي أو غير معروف.
وهي تجربة أكثر غرابة وإثارة للقلق، بحسب البحث، وقال الفريق إنه عندما طلب من الناس وصفها في استبيانات من تجارب الحياة اليومية، فإنهم يكتبون أشياء مثل أنه "أثناء الكتابة في ورق الامتحان، أكتب كلمة (بسيطة ومعروفة) بشكل صحيح مثل "الشهية"، لكنني مع ذلك أستمر في النظر إلى الكلمة مرارا وتكرارا لأن لدي شعورا بأنها قد تكون خاطئة".
وفي الحياة اليومية، يمكن أن يحفز التكرار شعور "جامي فو"، إذ خلص البحث إلى أنه إذا طلبت من شخص ما تكرار شيء ما، مرارا وتكرارا ، فغالبا ما يجد أنه يصبح بلا معنى ومربكا، وهو ما قد يحفز شعور "جامي فو".
ويخلص البحث إلى أن "جامي فو" هو إشارة إلى أن شيئا ما أصبح تلقائيا جدا، ومتكررا جدا، ما يدعو إلى إعادة توجيه الانتباه، بدلا من الضياع في المهام المتكررة لفترة طويلة جدا.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
أمنية رجل مريض (2)
د. إبراهيم بن سالم السيابي
أعود هذه المرة إلى المستشفى وأنا مثقل الخُطى، حتى جدران المستشفى وممراته اكتست رأيتها مكتسية بلون قاتم السواد، وأنا الذي كنت أظنها طول هذه السنين مطلية بطلاء شديد البياض، حتى الجدران في الممرات بدت خالية لا توجد عليها تلك الأوراق المعلقة في الحائط؛ بما فيها من تعليمات وإرشادات، وكأنَّ الريح قد اقتلعت تلك الأورق في يوم عاصف.
في ذلك الهدوء، الحراس كأنهم تركوا أماكنهم عند أبواب الحراسة، رغم أن وقت الزيارة لم يحن بعد، والأطباء والكوادر المساعدة من ممرضين وفنيين ومساعدين بدوا وكأنهم يتهامسون على غير العادة وهم بتلك المعاطف، التي بدت هذه المرة أكثر قتامة عن أيام كثيرة، بالرغم مما علق بها من رائحة المحاليل والأدوية التي تزكم الأنوف.
عندما وصلت إلى غرفته لم تكن نفس الغرفة التي تركته فيها في آخر زيارة؛ فالصمت يُخيِّم على المكان، وكأن من في هذه الغرفة لا يعرف الليل من النهار، وكأن عقارب الساعة قد توقفت منذ مدة، أو أن حركة دوران الأرض حول الشمس قد تغيّرت. في الطريق كنت أُمنِّي النفس بمثل تلك الزيارة، وضحكاته تملأ المكان، بأن يعود ليُحدِّثُني عن الذكريات، عن المواقف، عن تلك السنين التي مرّت في اللعب والجد والهزل، لكن مع الأسف هذه المرة قد كان غارقًا في نوم عميق، ولم يعد قادرًا ليُحدِّثُني عن الأحلام وعن الذكريات وعن الطفولة أو عن أيام الصبا والشباب وعن البيت والأسرة والأصدقاء وعن المواقف التي جمعتنا في السفر ولا حتى عن رحلته إلى المدينة وإلى زمزم وإلى البيت العتيق.
توجَّهت إلى أصحاب المعطف الأبيض، عرِف ما أريد وأخذ يبحث في حاسوبه في كل صفحة لعله يجد شيئًا بين السطور، قرأت من وجهه العابس فأشفقت عليه من عبء الاعتذار؛ فلسان حاله يقول إنه لم تعد تجدي مع صاحبك المسجى على السرير تلك العقاقير التي تملأ مخازن الأدوية، ولا تلك المحاليل بمختلف الألون أو حتى مشارط الجراحين ذات الأحجام المختلفة؛ فالشمس قد قاربت على المغيب.. شكرته وانصرفت. ثم عُدتُ مرة أخرى إلى الغرفة، لم أقوْ على البقاء، فنظرت إليه في السرير المسجى عليه، نظرة أخيرة، وكانت كافية، وقفلت راجعًا من حيث أتيت.
وأنا أهمُّ بالخروج من القسم، سمعتُ صرخة أحدهم قد فقد عزيزًا وفي الجانب الآخر في قسم قريب من المكان سمعت صرخة أخرى لطفل يأتي إلى هذه الدنيا؛ فسبحان الله عندما يُولد الإنسان في هذه الدنيا تسمع صراخه يبعث الأمل والفرح، وعندما يودع هذه الدنيا تسمع صراخ أحدهم عليه من الألم والفقد.
وعند خروجي من المستشفى هائمًا لكي أعود من حيث أتيت مثقلًا بالحزن هذه المرة، وأنا الذي قضيت في هذا المستشفى عدة سنين لم يعكر صفوها إلّا الرحيل إلى درب آخر وحلم آخر. عندما خرجت من المبنى كنت أتأمل الشمس وأتوسل إليها، لكي لا تغيب؛ فالليل أخاف أن يكون مُظلمًا عندما يغيب عنه القمر!
وأخذت أحدِّث نفسي، أترحلُ عنَّا دون حتى وداعٍ وتتركني مع قراطيسي وأقلامي وصوري ورسائلي وذكريات لا تحصى ولا تعد.. أترحلُ وتترك كل هذا الأحلام والجري والركض نحو الأمل، فكيف تستسلم وأنت دائمًا من علَّمنا بألا نعرف الياس أو الاستسلام، أم أن ذلك الذي يشغلك ويثقل صدرك والذي لم تشارك فيه أحدًا حتى أنفاسك، قد غلبك، فقررت الرحيل عن أحبتك ورفاقك؟ كيف لهذا القلب العامر بالحب والفرح، والروح العامرة بالألفة بالطيب والتسامح أن يتعطل في تلك الغرفة مع بعض الأجهزة والمحاليل؟
وماذا عن حبيبتك؟ ألم تطلب مني في آخر زيارة أن أكتب لها؟ ماذا عساني أن أكتب لها هذه المرة، فأنا أعرف أنك تريدني أن أكتب لها لكي تقرأ أنك أحببتها حتى قبل أن يُعرف الحب في هذه البسيطة وقبل أن يكتب الشعراء قصائد الحب والغزل أو تُلقى في سوق عكاظ! وأنك قد شغفتها حبًا خالصًا من داخل أعماقك، وكان حبها يزيد مع الأيام طول هذه السنين رغم البُعد والاستحالة، وأنك وُلِدَت في هذه الدنيا فقط لكي تحبها وأن هذا الحب لا يعرف المكان ولا الزمان؛ فهو حبٌ وُلِدَ ليبقى، حتى لو فارقت الروح الجسد.
أتذكر عندما قلت لي إن من تحبها هي نبضات قلبك الذي يتسارع بمجرد أن تذكر اسمها بينك وبين نفسك، وإن كنت ترى الأشياء في هذا العالم بشكل مختلف ويصبح كل شيء أجمل من خلال عينيها، وأن حبها هو الذي يضيء قلبك وسط عتمة الحياة، تمامًا كما يضيء القمر ليل السماء.
كيف لك أن تترك وتُوَدِّعُ كل هذا؟ من سيلهمني الشعر ونظم القصائد؟ من سيعلمني الكتابة عن الحب، فأنت من يقول إن قلمي وحده من يقرأ الخبر في قلبك قبل أن تتحدث؟! أم أن الألمَ دليلُ الحياة، وذوو المعاطف البيضاء قد يعودون ويُغيِّرُون آراءهم وأن المعجزات من الله لن تغيب، حتى لو غَيَّب الموت الرسل!