واحد من الأسماء التى طبعت مرحلة نضج الفن التشكيلى فى المغرب، تميزت أعماله بحضور مركزى للهم الوجودى والقضايا الإنسانية. عرف مساره تجديدا متواصلا نِشدانا لحداثة وحرية قصوى فى اللوحة وخارجها، فتح حوارًا بين التشكيل والشعر من خلال تجارب مشتركة مع شعراء مغاربة.

المولد والنشأة

ولد محمد القاسمى يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 1942، فى مدينة مكناس وترعرع فى أزقتها القديمة وساحاتها التاريخية وفتح عينيه على مشاهدها العمرانية وطقوس أضرحتها الغريبة.

الدراسة والتكوين

تميز مسار تكوينه بالطابع العصامى، فلم يحظ بدراسة أكاديمية للفن التشكيلى، لكنه استفاد أساسا من تردده على ورشة للرسم لفنانة أوروبية مقيمة فى مكناس.

شارك عام 1959 فى دورة تدريبية للفن التشكيلى، نظمتها وزارة الشباب والرياضة، واستفاد بعدها من دورات خارج المغرب ابتداء من 1963، وكان أول حضور فنى له فى مسقط رأسه عام 1965.

الوظائف والمسئوليات

كان عضوا نشطا فى الجمعية المغربية للفنون التشكيلية، والتحق منذ الستينيات باتحاد كتاب المغرب، باعتباره كاتبا وشاعرا أيضا.

انخرط فى حركة الدفاع عن حقوق الإنسان فى المغرب، واختير ضمن نخبة من الشخصيات الفكرية والفنية والعلمية لعضوية اللجنة التى أعدت الميثاق الوطنى لإصلاح نظام التربية والتكوين.

التجربة الفنية التشكيلية

أقر الفنان الراحل فى مناسبات عديدة بالتأثير الذى مارسته على مساره الفنى مكونات المحيط الثقافى الذى نشأ فيه بمكناس.

تحدث عن ذاكرته البصرية التى سكنتها أجواء وطقوس الطائفة «العيساوية» التى تلتئم حول ضريح الولى الصالح بالمدينة، ومواكبها الحاملة لرايات متعددة الألوان، وعلاقتها الخاصة باللون الأسود الذى أصبح خلفية مفضلة للوحاته، فضلا عن حضور الطابع الروحى وتوتر البحث عن الخلاص والحرية فى جانب كبير من أعماله.

ولعل ذلك يفسر التوتر العنيف فى ريشة القاسمى، ورغبته الجامحة فى التحرر والانعتاق من أسر الجسد والزمن، وبحثه الدائب عن آفاق جديدة للحرية والإبداع، فى انشغال مزمن بقضايا الإنسان والعدالة والسلام ومصير الحضارة البشرية.

وفى غمرة ذلك البحث اللامتناهى عن الحرية -التى قد يضيق بها فضاء اللوحة- تنوعت إبداعاته بين فروع فنية مختلفة، لم يتردد فى مزجها ضمن حوارات فنية ذات نفس تجريبى متعدد الألوان، فمارس النحت والتصوير وكتب الشعر، وطَرَق فن الإنشاءات، واشتغل على القماش التقليدى.

قال عنه الناقد الفنى فريد الزاهي: إنه عرف «كيف يعدد المسارات الخصيبة لعمله الإبداعى. كان فوّارا بالأفكار المبتكرَة بحيث لم يفتأ منصتا لجذوته المبدعة، ممارسا الفن باعتباره حركة مفتوحة نحو الآخر وصاغية للصخب الهادر لزمننا».

المعارض

منذ أول معرض له بمكناس عام ١٩٦٥، تواترت مشاركات القاسمى داخل وخارج المغرب، فكان معرض الرواق المركزى بجنيف 1982، ومعرض «مغارة الأزمنة الآتية» بالمركز الثقافى الفرنسى بمدينة الرباط 1993.

كما نظم معرض «الإبداع فى مواجهة الدمار والتخريب» عام ٢٠٠٣ بالدار البيضاء، الذى ناهض الحرب الأميركية على العراق، وتنقلت لوحاته من البحرين إلى تونس وبلجيكا والعراق والولايات المتحدة والكويت. وقد شارك فى بينالات تونس وساو باولو ودكار والبينالى الدولى الخامس بالقاهرة.

وفى حوار الشعر والتشكيل، أصدر مع الشاعر حسن نجمى ديوان «الرياح البنية» ولم يكتب له أن ينهى مشروعا مماثلا مع الشاعر عبداللطيف اللعبى.

الأوسمة والجوائز

حصل القاسمى على جائزة الإبداع الكبرى بالمغرب عام ٢٠٠١، حيث كان أول تشكيلى يفوز بهذه الجائزة، وتوج فى البينالى الدولى الخامس فى القاهرة بالجائزة الأولى ١٩٩٥.

حصد نفس الجائزة بنفس البينالى فى دورته السابعة عام ١٩٩٨، ونال الجائزة الشرفية لبينالى دكار عام ١٩٩٦، وفى عام ١٩٩٩ وشّحه العاهل المغربى بوسام الاستحقاق الوطنى.

الوفاة

توفى محمد القاسمى يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2003 بالمستشفى العسكرى فى الرباط.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مدينة الرباط الدار البيضاء

إقرأ أيضاً:

مستر ترامب.. العالم ليس ولاية امريكية

فى عالم يتجه نحو التعددية القطبية واحترام سيادة الدول، يبدو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ما زال يعيش فى حقبة مختلفة، حيث يتصور نفسه «حاكماً بأمره» فى شئون دول أخرى. ترامب، الذى يعتقد أن بإمكانه فرض إرادته على الشعوب والحكومات، يغفل حقيقة أساسية: أن العالم لم يعد يتقبل منطق التهديدات والاستعلاء، وأن عهد الاستعمار والهيمنة المطلقة قد ولى منذ زمن طويل.
ترامب، الذى يعمل وفقاً لسياسة «أمريكا أولاً»، يتصرف كأن العالم ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية. لكنه ينسى أن لكل شعب حقاً فى تقرير مصيره، ورفض ما لا يتوافق مع مصالحه الوطنية. الشعوب اليوم ليست مستعدة للخضوع لإملاءات خارجية، خاصة عندما تأتى بشكل تهديدات واستعلاء.
فى قضية غزة، حاول ترامب فرض رؤيته الشخصية على مصر والأردن، متصوراً أن بإمكانه إجبارهما على استقبال لاجئين من غزة. لكن الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى كان واضحاً فى رفضه القاطع لهذا الطرح. السيسى أكد أن مصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين، ولن تكون طرفاً فى أى مخطط يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. هذا الموقف يعكس إرادة شعبية راسخة، ترفض الانصياع لضغوط خارجية، مهما كان مصدرها.
ترامب، الذى اعتاد أسلوب التهديد، يبدو أنه لم يستوعب بعد أن هذا الأسلوب لم يعد يجدى نفعاً مع الشعوب التى تتمسك بسيادتها وكرامتها. مصر، كدولة ذات تاريخ عريق وإرادة قوية، لن تنكسر أمام تهديدات، ولن تسمح لأحد أن يفرض عليها ما يتعارض مع مصالحها الوطنية.
ترامب، الذى بدأ ولايته الرئاسية بموجة من القرارات المثيرة للجدل، لم يحصد سوى كراهية الشعوب حول العالم. من المكسيك إلى بنما، ومن الدنمارك إلى كولومبيا، توالت ردود الأفعال الرافضة لسياساته التهديدية والاستعلائية.
فى المكسيك، رفضت الحكومة استقبال طائرة محملة بالمهاجرين، وهددت بالتعامل مع الولايات المتحدة بالمثل. وفى بنما، رفض الرئيس خوسيه راؤول مولينو تصريحات ترامب التى طالبت بتبعية قناة بنما للولايات المتحدة، مؤكداً أن بنما دولة مستقلة ولن تقبل أى مساس بسيادتها.
أما فى الدنمارك، فقد رفضت رئيسة الوزراء ميتى فريدريكسن بشكل قاطع أى محاولة لشراء جزيرة جرينلاند، مؤكدة أن «جرينلاند ليست للبيع». وفى كولومبيا، وصف الرئيس جوستافو بيترو ترامب بأنه يمثل «عرقاً أدنى»، ورفض مصافحة «تجار الرقيق البيض»، فى إشارة إلى سياسات ترامب العنصرية.
حتى القضاء الأمريكي، رفض العديد من قرارات ترامب، خاصة تلك المتعلقة بالهجرة والمهاجرين. العالم بأسره، لأول مرة، يتفق على رفض سياسات ترامب، ما يعكس مدى العزلة التى يعيشها الرئيس الأمريكي.
ترامب، الذى يعتقد أنه قادر على فرض إرادته على العالم، يغفل حقيقة أن الشعوب لم تعد تقبل منطق التهديدات والاستعلاء. العالم اليوم مختلف، والسيادة الوطنية لم تعد مجرد شعارات، بل واقع يعيشه كل شعب. ترامب، الذى يحصد العداء من كل حدب وصوب، عليه أن يعيد النظر فى سياساته، وأن يدرك أن العالم ليس ملكاً لأحد، وأن الشعوب لن تقبل بأن تكون مجرد أدوات فى لعبة القوى العظمى.
فى النهاية، العالم يتجه نحو التعددية واحترام السيادة، وترامب، إن أراد أن يترك إرثاً إيجابياً، عليه أن يتكيف مع هذا الواقع الجديد، بدلاً من الاستمرار فى سياسات عفا عليها الزمن.

مقالات مشابهة

  • ترامب وحلم السطوة
  • حزن عليه..أب يلحق بابنه بعد وفاته بساعات فى قرية المراشدة بقنا
  • عمر العبد اللات يشعل حماس جمهوره فى الأدرن
  • وفاة الفنان السعودي محمد الطويان
  • مستر ترامب.. العالم ليس ولاية امريكية
  • الرئيس المقاول
  • «ترامب».. لا بد منه!
  • قضية القضايا
  • جاليري المشهد يفتتح معرض الفنان الراحل محمد رياض سعيد أيقونة السيريالية المصرية (صور)
  • لغز قصيدة كتبها عن الموت.. خالد الحلفاوي يكشف أسرارا عن والده