القدس المحتلة- عكست مداولات المحكمة العليا الإسرائيلية بشأن التعديلات التي تجريها حكومة بنيامين نتنياهو على قانون القضاء مستوى الصدام بين سلطات الحكم التشريعية والتنفيذية والقضائية، حيث تهدف هذه التعديلات إلى إلغاء "ذريعة المعقولية" وتقويض صلاحيات هذه المحكمة.

ويرى المحللون أنه -وإن بدا أن المحكمة العليا تعكس حالة من التوازن بين الأيديولوجيات الليبرالية والمحافظة- لكنها لا تعكس ولا تمثل كافة الأطياف السياسية وكافة شرائح المجتمع الإسرائيلي والتعداد السكاني، إذ لا يوجد بالمحكمة سوى قاضييْن يهوديين من أصول شرقية، علماً بأن اليهود الشرقيين يشكلون 50% من تركيبة هذا المجتمع، ويشكل المتدينون "الحريديم" 13% من المجتمع اليهودي، ولكن يوجد قاضٍ حريديٌ واحد.

إضافة لذلك، يشكل العرب (الفلسطينيون) ما نسبته 21% من التعداد السكاني، ويمثّلهم قاض واحد فقط. بينما سكان المستوطنات الذين يشكلون ما نسبته 8.5% من السكان لديهم قاضيان منتدبان، بينما النساء اللواتي يشكلن أكثر من 50% من السكان يتقلدن 6 مقاعد بالمحكمة العليا.

وتؤجج تركيبة المحكمة العليا عمق الشرخ بين سلطات الحكم والمجتمع الإسرائيلي، وجاء تفاقم الأزمة الدستورية مؤشرا عليها، وهو ما عبر عنه غالبية قضاة هذه المحكمة المؤلفة من 15 قاضيا، بتحفظهم على التعديلات القضائية، حيث دلت مداخلات 8 قضاة منها على معارضتهم للتعديلات القضائية ولتقويض صلاحيات المحكمة.

القاضية إستير حيوت تترأس المحكمة العليا الإسرائيلية وتنتمي للمعسكر الليبرالي (الأوروبية) المعسكر الليبرالي

استمرت المداولات في المحكمة العليا على مدار 13 ساعة، بتوجيه من رئيستها القاضية إستير حيوت التي تتصدر المشهد القضائي، لكنها ستنهي منصبها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بعد 20 عاماً من أداء مهامها.

وتقود حيوت ما يوصف بـ "المعسكر الليبرالي" بهيئة المحكمة العليا، ويضم 8 قضاة بينهم الرئيسة، بحسب تقديرات صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي تشير إلى أن معتقداتهم علمانية، وذات توجه سياسي ما بين اليسار الصهيوني ومعسكر المركز بالخارطة السياسية الإسرائيلية، وغالبيتهم من أصول يهودية غربية (الأشكناز) باستثناء قاضٍ عربي (فلسطيني).

ووفقا لتقديرات مقدمي الالتماس، فإن حيوت تؤيد إلى جانب 7 من قضاة المحكمة شطب التعديلات على "قانون أساس: القضاء" ورفض إلغاء "حجة المعقولية" يدعمها بذلك كل من يتسحاق عَميت الذي سيخلف حيوت، وعنات برون التي ستنهي مهام منصبها الشهر المقبل، إضافة إلى روت رونين وعوفر غروسكوبف وعوزي فوغلمان ودافنا باراك-إيرز، وأخيراً الفلسطيني خالد كبوب.

وستعمل حيوت على تجنيد أغلبية شاملة وإقناع 3 قضاة آخرين، من أجل ضمان أغلبية ساحقة لشطب القانون والتعديلات للحد من صلاحيات العليا، حيث بدت "غير متحمسة" لشطب القانون بتأييد 8 قضاة مقابل 7 بين معارض أو ممتنع، وستبذل جهوداً لإقناع بعض القضاة للتصويت لصالح شطب القانون، خاصة من بدت مواقفهم ضبابية أو أبدوا تحفظات على التعديلات ووجهوا انتقادات للحكومة.

الساحة الإسرائيلية شهدت انقساماً الأشهر الأخيرة بسبب التعديلات القضائية التي أقرتها الحكومة مؤخراً (رويترز) المعسكر المحافظ

في المقابل، يحمل "المعسكر المحافظ" معتقدات ذات توجه ديني وتوراتي، وأيديولوجية تتجه إلى معسكر اليمين بالخارطة السياسية الإسرائيلية، متمثلاً بـ 7 قضاة هم: غيلا كنافي- شتاينيتس التي التزمت الصمت خلال المداولات ولم تشارك بأي مداخلة، ياعيل فيلجر خريجة معهد ديني توراتي، بالإضافة إلى كل من يحيئيل مائير كاشير، يوسف ألرون، إليكس شطاين.

وينضم إليهم أيضاً القاضي نوعم سولبرغ الذي يقطن مستوطنة "غوش عتصيون" بالضفة الغربية، ويدعم تقليص صلاحيات العليا ويعارض الاستعانة بـ "حجة المعقولية" من أجل إلغاء قرارات الحكومة، والقاضي دافيد مينتش الذي يقطن مستوطنة "دوليب" بالضفة، ويعارض إلغاء المحكمة لأي قانون أساس يشرعه الكنيست والحكومة.

ورغم التحفظات التي أبداها غالبية القضاة من المعسكر "المحافظ" خلال المناقشات على التعديلات القضائية، فإن موقفهم النهائي من إلغاء "حجة المعقولية" وشطب "قانون أساس: القضاء" مبهم وضبابي.

المحكمة العليا الإسرائيلية تعتبر الهيئة القضائية الأعلى ومقرها القدس قرب مبنى الكنيست (رويترز) تباين وتوازن

وحيال هذا التباين بالمواقف لدى قضاة المحكمة العليا، وجهل الجمهور الإسرائيلي الواسع بالفلسفة القانونية، والأدبيات القضائية لكل واحد من القضاة، قد تجد هيئة المحكمة نفسها منقسمة على ذاتها دون أغلبية ساحقة للقرار الذي ستتخذه بشأن الالتماسات، رغم الاعتقاد السائد أنها ذات أغلبية ليبرالية ويسارية، إذ بدا "التيار المحافظ "من القضاة أكثر حضورا بالمشهد عما كان عنه بالسابق.

وقد تعزز حضور "التيار المحافظ" مؤخراً، وهو الذي كان غالباً ما يشكل حالة من التوزان في الالتماسات التي تتعلق بالعلاقة بين "الدين اليهودي والدولة" وتجنيد اليهود الحريديم، والقضايا المصيرية والحساسة بالمجتمع الإسرائيلي، خصوصاً عندما تتعلق المناقشات بـ "يهودية الدولة" أو السياسات الإسرائيلية الاحتلالية والاستيطانية بالضفة والقدس المحتلتين.

وحيال ذلك، رجحت تقديرات صحيفة "هآرتس" أن تعزيز الأيديولوجية المحافظة -لدى القضاة بالمحكمة العليا- من شأنه أن يحول دون تكوين أغلبية ساحقة للتيار الليبرالي الذي يدفع نحو شطب التعديلات على "قانون أساس: القضاء" والإبقاء على "حجة المعقولية".

وتعتقد الصحيفة أن ذلك يشير إلى أن تركيبة هيئة المحكمة -المؤلفة من 15 قاضيا- تعكس حالة من التوازن على المستوى السياسات والأيديولوجيات بالمجتمع الإسرائيلي، وهو ما يدحض مزاعم معسكر اليمين الإسرائيلي أن جهاز المحاكم والمحكمة العليا على وجه الخصوص ذات توجه ليبرالي ويساري وعلماني.


ترحيل الأزمة

من السابق لأوانه تقييم ما ستصدره هيئة المحكمة العليا، المنقسمة بالأساس بين أيديولوجيات ليبرالية ومحافظة، بحسب ما خلص إليه تقدير موقف صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب.

وأشار المركز إلى أنه من الممكن أن يتم تقديم الحكم بحلول منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، حيث يتوقع أن تصدر المحكمة قرارها، حتى لو تم التوصل إلى حل وسط بين الحكومة والمعارضة يتضمن تنقيح وتعديل القانون.

ومع ذلك، يؤكد مركز الأبحاث أن "سبب المعقولية ليس جوهر الخلاف الكبير الذي يقسم إسرائيل ويعمق شرخ المجتمع الإسرائيلي" ويعتقد أن القرار الذي سيتم اتخاذه من قبل المحكمة العليا، سواء بالموافقة على التعديل أو رفضه، ينبغي ألا ينظر إليه على أنه نهاية العاصفة السياسية والاجتماعية، بل عكس أزمة دستورية تم ترحيلها بعدم صياغة دستور لإسرائيل حتى الآن.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المحکمة العلیا الإسرائیلیة التعدیلات القضائیة المجتمع الإسرائیلی حجة المعقولیة

إقرأ أيضاً:

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (31)

تحقيق: ناصر أبوعون
يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(وبِظَفَارِ (حَجَرٌ) يُعَدُّ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْجَارِ الصَّالِحَةِ لِلْبِنَاءِ يُحْفَرُ عَنْهُ قَدْرَ (ذِرَاعَيْنِ) فَيَظْهَرُ، وَأَغْلَبُ أَبْنِيَتِهِمْ مِنْهُ وَهَذَا مِمَّا (يُغْبَطُونَ) عَلَيهِ. وَبِظَفَارِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْحَشَرَاتِ الّتِي تَمْنَعُ النَّائِمَ مِنَ (الالْتِذَاذِ) بِنَومِهِ، وَنَوعٌ مِنْهَا يُسَمّى (الذَّرَارِيحِ) وَهِيَ أَصْغَرُ حَجْمًا مِنَ النَّمْلِ، وَلَا يُمْكِنُ (التَّوَقِّي) مِنْهَا، نَاهِيْكَ عَنِ (الْبَرْغُوثِ) و(الْبَعُوضِ)، فَلَا تَذُوقُ فِيْهَا النَّومَ إِلَّا (غِرَارًا) وَ(خُلْسَةً)، وَلَا يُمْكِنُ النَّومُ فِيهَا إِلَّا فِي (سَرِيْرٍ مَرْفُوعٍ) دَرْءًا لِهَذِه الْحَشَرَاتِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعٍ وَلَا مَانِعٍ وَلَا وَاقِ مِنْ أَذَاهَا وَشَرِّهَا، وَقَدْ أَجَادَ الشَّاعِرُ فِي وَصْفِ الْبَرْغُوثِ بِقَولِهِ: [لِا تَكْرَهُوا الْبُرْغُوثَ إِنَّ اِسْمَه/(بِرٌ) وَ (غَوْثٌ) لَكَ لَوْ تَدْرِي][ فَـ(بِرُّهُ) مَصُّ دَمٍ فَاسِدٍ/ وَ(غَوْثُهُ) إِيْقَاظُكَ لِلْفَجْرِ].وَلِنِسَاءِ ظَفَارِ عَادَةٌ؛ وَهِيَ (حَلْقُ مَفَارِقِ رُؤُوسِهِنَ)، وَقَطْعُ الْجِلْدِ مِنْهَا بِالْمُوْسَى حَتَّى يَتَعَذَّرَ نَبَاتُ الشَّعْرِ فِيْهَا؛ فَتَرَى مَفْرِقَ الْمَرْأَةِ أَصْلَعَ أَجْرَدَ لَا شَعْرَ فِيْهِ. وَمِنْ عَادَاتِهِمْ إِبْرَازُ (بَنَاتِهِن الصِّغَارِ) فِي أَحْسَنِ زِيْنَةٍ وَأَجَمَلِ لِبَاسٍ، وَقَدْ زَجَّجَنَ الْحَوَاجِبَ وَكَحَّلْنَ الْعُيُونَ وَخَضَّبْنَ الْأَطْرَافِ، وَيَرْقُصْنَ وَسْطَ الْهَبُّوت، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَنَدَهُمْ وَقْتَ الْأَعْرَاسِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمُنَاسَبَاتِ الَّتِي فِيْهَا سُرُورٌ. فَقُلْتُ لِبَعْضَ أَعْيَانِهِمْ: "لِمَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِكَرَائِمِكُمْ؟ فَقَالَ: لِيَرَاهُنَ (الخُطَّابُ)؛ لَأِنَّ الزَّوَاجَ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْخَاطِبِ (غَرَرٌ) قِيَاسًا عَلَى شِرَاءِ السِّلْعَةِ لَأنَّ شِرِاءَ السِّلْعَةِ قَبْلَ الْوقُوفِ عَلَيْهَا وَإِمْعَانُ النَّظَرِ فِيْهَا جَهَالَةٌ تُوْجِبُ (النَّقْضَ)". وَمِنْ خُصُوصِيَّاتِ نِسَائِهِن شَمُّ الطِّيْبِ، وَهُوَ يَزِيْدُ فِي جَوْهَرِ الدِّمَاغِ. قَالَ الشَّاعِرُ: [مَنْ شَمَّ طِيْبًا وَهُوَ بِالصَّبَاحِ/ لَمْ يَفْقِدِ الْعَقْلَ إلَى الرَّوَاحِ].
نُدْرة أحجار ظفار الرخاميّة
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وبِظَفَارِ (حَجَرٌ) يُعَدُّ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْجَارِ الصَّالِحَةِ لِلْبِنَاءِ يُحْفَرُ عَنْهُ قَدْرَ (ذِرَاعَيْنِ) فَيَظْهَرُ، وَأَغْلَبُ أَبْنِيَتِهِمْ مِنْهُ)].
[(حَجَرٌ ظَفار) يُعَدُّ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْجَارِ، وَهَذَا مِمَّا (يُغْبَطُونَ) عَلَيهِ)]، و"يُطلق عليه (خام غدية)، ويوجد على طريق (طوي أعتير)؛ وهو حجر جيري رُخاميّ عالي الصلابة ودقيق الحبيبات، وتفوق مواصفاته (الصلابة الانضغاطية)، ومقاومة الخدش، وقابلية الصقل والصنفرة، ويتميز بكثافته عالية ويتوفر بأحجام تفوق المتر المكعب، وهو في غاية التناسق، ولا يوجد به انفصام أو تكثُّف" وهو أيضًا من "الصخور الصُلبة المتحولة عن (صخور القاعدة)، وعادةً ما تكون ذات ألوان فاتحة، وتكون متطابقة على هيئة شرائح، وتصل مساحة الواحدة منها إلى نصف متر مربع وبسمك يتراوح من 2-4 سم، وتُستخدم في الإنشاءات لتزيين واجهات المنازل والأسوار والجدران"(01). [(يُحْفَرُ عَنْهُ قَدْرَ (ذِرَاعَيْنِ)]؛ والذِّراع مقياسٌ يُقَدَّر بذراع الإنسان، وتُقاس به الأرض والثياب. ومقياس الذِّراع نوعان: (أ) الذراع الهاشمية: وهو مقياس تُقَدَّر به المساحة، ومقداره ذراع وثُلث بذراع اليد. قال ابن الفقيه الهمذانيّ: "الفرسخُ بالذراع الهاشمية تسعة آلاف ذراع"(02) (ب) الذراع العُمريّة: وهو قياس أرسله عمر بن الخطاب لقياس أرض السواد(العراق)، ومقدارُه ذراع اليد بقبضة وإبهام قائمة. قال علي بن الحسين المسعوديّ متحدثًا عن طول السمك الموجود في بحر الزنج: "طول السمكة نحوٌ من أربعمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع بـ(الذراع العُمريّة)"(03).وقوله: [(يُغْبَطُونَ) عَلَيهِ)]؛ أيْ: يتمنّى الناس مثل هذه النِّعمة التي أنعم الله بها على أهل ظَفار، بأنْ تكون في بلادهم مثل هذه الأحجار، دون أن يحسدوهم أو يتمنّوا زوالها عنهم. يقول الحارث بن أسد المُحاسبيّ واصفًا من أحوال الناس يوم القيامة: "وَقَدْ شَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ إِلَيْكَ؛ (غِبْطةً) لَكَ، وَتَأَسُّفًا عَلَى أَنْ يَنَالُوا مِنَ اللهِ – عَزَّ وَ جَلَّ – مَا نِلْتَ"(04).
لا وقاية من ذراريح ظفار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ [(وَبِظَفَارِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْحَشَرَاتِ الّتِي تَمْنَعُ النَّائِمَ مِنَ (الالْتِذَاذِ) بِنَومِهِ، وَنَوعٌ مِنْهَا يُسَمّى (الذَّرَارِيحِ) وَهِيَ أَصْغَرُ حَجْمًا مِنَ النَّمْلِ، وَلَا يُمْكِنُ (التَّوَقِّي) مِنْهَا)].
فقوله: [(الالْتِذَاذِ) بِنَومِهِ)]؛ أيْ:الإحساس بنعمة ولذَّة النوم ومتعته. يقول عمر بن أبي ربيعة:(فَإِذَا مَا اِنْصَرَفْتِ، لَمْ أَرَ لِلْعَيْشِـ/(اِلْتِذَاذًا)، وَلَا لِشَيءٍ جَمَالَا). و[(الذَّرَارِيحِ)؛ مفردها:(الذَّراح)، وجمعها: (ذَرَارِح - ذَرَارِيح)، وهي "دُوَيْبَة أعظم من الذُّباب شيئا، ومُجَزّع ومُبَرْقش بحُمْرة وسَواد وصُفرة، ولها جناحان تطير بهما"(05). قال الشماخ بن ضرار الذُّبيانيّ:(وَلَمْ أَكُ مِثْلَ الْكَاهِلِيّ وَعِرْسِهِ/سَقَتْهُ عَلَى لَوْحٍ دِمَاءَ (الذَّرَارِحِ)(06). وقوله: [(التَّوَقِّي)]، أيْ: الحذر منها وتجنُّب أذاها. قال عَدِي بن زيد العبادي، يُشبِّه نساءً بظِبَاءٍ تمشي رُويدًا على حَذَرٍ:(وَالرَّبْرَبِ الْمَكْفُوفِ أَرْدَانُهُ/ تَمْشِي رُوَيْدًا كَـ(تَوَقِّي) الرَّهِيْصِ).(07)
الناموسية وقاية من براغيث ظفار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ [(نَاهِيْكَ عَنِ (الْبُرْغُوثِ) و(الْبَعُوضِ)، فَلَا تَذُوقُ فِيْهَا النَّومَ إِلَّا (غِرَارًا) وَ(خُلْسَةً)، وَلَايُمْكِنُ النَّومُ فِيهَا إِلَّا فِي (سَرِيْرٍ مَرْفُوعٍ) دَرْءًا لِهَذِه الْحَشَرَاتِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعٍ وَلَا مَانِعٍ وَلَا وَاقِ مِنْ أَذَاهَا وَشَرِّهَا)].
[(نَاهِيْكَ)]، أيْ: يكفيك أو حَسْبُكَ أو فضلا عمَّا يُحدثه البُرغُوث والبعوض من غاية الأذى والألم. وكلمة (ناهيك) لا تأتي بعدها "عن" وإنما "من". يقول الأخطل:(تَمَّتْ، لِمَنْ نَعَتِ النِّسَاءَ وَأُكْمِلَتْ/(نَاهِيْكَ) مِنْ حُسْنٍ لَهَا وَجَمَالِ)(08). و[(الْبُرْغُوثِ)]: حشرة صغيرة قافزة، تتطفل على الإنسان وغيره من الثدييات وتغتذي بامتصاص دمها. وبعض أنواعها ينقل أمراضا خطيرة، كالطاعون، والتيفوس(09). أمّا(الْبَعُوضِ)؛ فهو عدة أجناس من الحشرات الصغيرة المُضرة، من الفصيلة البعوضيّة، ومن رُتبة ثنائيات الأجنحة، وتغتذي الإناث منها بدم الإنسان، وتنقل إليه عدة أمراض، وتغتذي الذكور برحيق الأزهار، وهو نوع من الناموس. وواحدته: بعوضة(10). وقوله:(غِرَارًا)؛ و(الغِرار من النوم)أيْ: القليل منه. قال تأبَّط شَرًّا الفهميّ يُخبر عن امرأة خطبها فَأَبتْ الزواج منه خوفًا من تأيُّمِها/ترمّلها بسبب فروسيته:(قَلِيْلِ (غِرَارِ) النَّوْمِ، أَكْبَرُ هَمِّهِ/دَمُ الثَّأْرِ أَوْ يَلْقَى كَمِيًّا مُقَنَّعَا)(11). وقوله:(خُلْسَةً)؛ أي: يستَرِق النوم في نُهْزةٍ ومُخَاتلة ويحتال ليَأخَذ قسطا. قال الطُّفيل بن عوف الغَنويّ يتحدث عن رَاعِيي نُوقٍ يَتَرَاميان لَحْمًا نَضيجًا شَهوةً له، وسعادةً به:(إِذَا رَاعِيَاهَا أَنْضَجَاهُ تَرَامِيًا بِهِ/(خُلْسَةً) أَوْ شَهْوَةَ المُتَقَرّمِ)(12). وقوله: [(النَّومُ فِي (سَرِيْرٍ مَرْفُوعٍ)؛ أي: (الناموسيّة) بالمصطلح الحديث، وهو سرير تعلوه غُلالة من "نَسِيجٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ عَلَى السَّرِيرِ وِقَايَةً مِنَ النَّامُوسِ أَوِ الذُّبَابِ؛ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى السَّرِيرِ، الفِرَاشِ.(13).
من فوائد البراغيث
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ [(وَقَدْ أَجَادَ الشَّاعِرُ فِي وَصْفِ الْبَرْغُوثِ بِقَولِهِ: [لِا تَكْرَهُوا الْبُرْغُوثَ إِنَّ اِسْمَه/ (بِرٌ) وَ(غَوْثٌ) لَكَ لَوْ تَدْرِي] [فَـ(بِرُّهُ) مَصُّ دَمٍ فَاسِدٍ/ وَ(غَوْثُهُ) إِيْقَاظُكَ لِلْفَجْرِ].
وبالبحث عن البيتين في تراثنا العربيّ وجدنا فيهما تصحيف، وعثرنا على أصلهما من وزن (البحر السريع)؛ فقوله: (لِا تَكْرَهُوا) أصله: (لا تَسُبَّ)، وقوله: (إِيْقَاظُكَ لِلْفَجْرِ)أصله: (الإِيْقَاظ في الفَجْرِ)(14).
المنصروت عادة نساء ظفار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَلِنِسَاءِ ظَفَارِ عَادَةٌ؛ وَهِيَ (حَلْقُ مَفَارِقِ رُؤُوسِهِنَ)، وَقَطْعُ الْجِلْدِ مِنْهَا بِالْمُوْسَى حَتَّى يَتَعَذَّرَ نَبَاتُ الشَّعْرِ فِيْهَا؛ فَتَرَى مَفْرِقَ الْمَرْأَةِ أَصْلَعَ أَجْرَدَ لَاشَعْرَ فِيْهِ)].
فقوله: [(حَلْقُ مَفَارِقِ رُؤُوسِهِنَ)]، فيه وصفٌ لعادة قديمة انقرضت تُسمى بـ(المنصروت)؛ وهي: "إزالة الشعر من مفرق الرأس مع قليل من الجلد لتقسيم شعر الرأس إلى خُصلتين"(15)، وذكرها برترام توماس مُفيضا في شرحها: "وأما تسريحات الشعر في ظفار فإنها مرتبطة بالنواحي التجميلية، ومن أبرز هذه التسريحات خصلة الشعر التي تتدلّى على رؤوس الرجال. ولا تقل غرابة إلا (تسريحات النساء)، فيُحْلَق شعر الفتاة على شكل خطوط في الرأس وتُتْرك منه خُصلة متدلية على الجبهة؛ بينما يُحلَق شعر مؤخرة الرأس حلقًا كاملا فيما عدا ثلاث أو أربع خصلات رفيعة، وتحتفظ الفتاة بهذه التسريحة حتى حين زواجها الذي يتمُّ في الثالثة عشرة من عمرها، وبعد ذلك تُتْرَك لها حُرية التصرف في شعرها، وبعد مضي شهر على الزواج يُحْلَق جزءٌ من شعر الزوجة 3/8 بوصة. ويتمُّ الحلق بالموسى في وسط الرأس بحيث لا يمكن للشعر أن ينمو مرةً أخرى. وقد يؤدي ذلك إلى إزالة جزء من قشرة الرأس"(16).
تعريم البنات بمخيخ الغنم 
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَمِنْ عَادَاتِهِمْ إِبْرَازُ (بَنَاتِهِن الصِّغَارِ) فِي أَحْسَنِ زِيْنَةٍ وَأَجَمَلِ لِبَاسٍ، وَقَدْ زَجَّجَنَ الْحَوَاجِبَ وَكَحَّلْنَ الْعُيُونَ وَخَضَّبْنَ الْأَطْرَافِ، وَيَرْقُصْنَ وَسْطَ الْهَبُّوت، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَنَدَهُمْ وَقْتَ الْأَعْرَاسِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمُنَاسَبَاتِ الَّتِي فِيْهَا سُرُورٌ].
فقوله:(بَنَاتِهِن الصِّغَارِ)، أي: اللائي لم يبلغن الْحُلُمَ. (فِي أَحْسَنِ زِيْنَةٍ)؛ فقبل "ظهور أدوات التجميل الحديثة، كان من جُملة الأدوات في ظفار (الصبر، والكركم، والرنج، والنيلة، وبعض الدُّهنيّات التي تُوضع على الوجه واليدين والرجلين. وقديمًا كانوا يخلطون (مُخيخ الغنم) لتلميع الجسم"(17). ويُسمى في الدارجة الظَّفارية بـ(التعريم)، وهذا التوصيف ذكره برترام توماس وزاد قائلا: "وفي المناسبات الهامة فإن هذا الطلاء يجمع بين اللون الأسود والأبيض والأخضر، ويُستخرج من جُذوع بعض الأشجار التي تنمو في ظفار. كما ترسم المرأة الظفارية/ المَهْريّة خطوطا سوداء عريضة حول عنقها. ومن العادات المنتشرة بين نساء المناطق الجبلية وضع (وَشْم) على ذقونهن في صورة نقطتين يتوسطهما خط فاصل. هكذا: (●│●). وقد شاهدتُ امرأة ترتدي ثوبا فضفاضًا أسود تلامس أطرافه الأرض وتَعْصُب رأسها بقطعة قماش من (الموزالين) يتدلَّى طرفاها على كتفيها"(18). وقوله:(زَجَّجَنَ الْحَوَاجِبَ)، أي: يُدَقّقنها، ويَسْحبنها يُطوّلنها. قال جميل بثينة واصفا (الغانيات) من النساء، - والمرأة الغانية ليست بمعنى (الفاسقة)؛ كما هو شائع بين الجاهلين بلغة العرب- فالعرب الأقحاح يقولون: المرأة الغانية اِمْرأة حَسناء اسْتَغنت بِجمالها عن الزِّينة:(إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا/ وَ(زَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ) وَالْعُيُونَا).(19)
وأمّا قوله: (وَكَحَّلْنَ الْعُيُونَ)؛ ومعنى الكُحْل أي: كل ما يُوضع في العين من (إِثْمِد) ونحوه، تَزَيُّنًا أو استشفاءً. قال حسّان بن ثابت الخَزْرجيّ الأنصاريّ: (فَنَاغِ لَدَى الْأَبْيَاتِ حُوْرًا نَوَاعِمَا/وَ(كَحِّلْ) مَآقِيْكَ الْحِسَانِ بِإِثْمِدِ)(20). 
رقصة المشعير والبرعة
وقول شيخنا عيسى الطائيّ:(وَيَرْقُصْنَ وَسْطَ (الْهَبُّوت)]؛ فيه مراجعة وبالبحث وجدنا أنّ (الْهَبُّوت) فنٌ رِجاليٌ خالص لا تشترك فيه النساء، وربّما قصد به الشيخ عيسى فن (المشعير)؛ وهو فنٌ ظفاريّ نسائيّ، يشاركهن الرجال فيه بـ(التَّبَرُّع). ووصف مؤرخو الفنون التقليدية (المشعير) بأنه "رقصة ظفارية قديمة متوارثة تؤدّيها النساء في أرياف ظَفار دون طبل وتشترك فيها مجموعة كبيرة من النساء، وفي كل جولة ترقص اثنتان منهن معًا. وتعتمد هذه الرقصة على حركة القدمين المندفعة إلى الأمام بحركة ثابتة موزونة على أنغام أغنية تتكون من مقطعين، وكل مجموعة من النساء يُردّدن شطرا من الأغنية بلحنٍ جميل جذاب يُصاحبه فن (البرعة) بالخناجر بمشاركة الرجال.(21) وقوله: (وَخَضَّبْنَ الْأَطْرَافِ) من (التَّخْضِيبُ) وهو "تلوين الجسم - وأكثره يكون في الأيدي والأرجل-، والشَّعر بالصبغ، والحِنَّاء، ونحوها"(22). قالت امرأة من العرب: "(خَضَّبُونِي)، كَحِّلُونِي، زَوُّجُونِي، رَجِّلُونِي".(23)
عدم رؤية الخاطِب للعروس (غَرَرٌ)
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(فَقُلْتُ لِبَعْضَ أَعْيَانِهِمْ:

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل عن الأهداف التي قصفها للحوثيين باليمن
  • عاجل | مصدر بالداخلية السورية للجزيرة: الجيش الإسرائيلي انسحب من البلدات التي دخلها في ريف درعا
  • وزارة الخارجية: المملكة تدين وتستنكر استمرار الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي لباحة المسجد الأقصى وتوغل قواتها في الجنوب السوري
  • وزير التراث الإسرائيلي: إقالة المستشارة القضائية للحكومة أهم من إعادة المحتجزين
  • العليمي يصدر قرارا بتعين أعضاء في المحكمة العليا
  • كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (31)
  • المحكمة الإدارية العليا: التعويض عن خطأ جهة الإدارة بحق الموظف واجب
  • مسلحون مجهولون يغتالون 3 قضاة في ريف حماة الغربي
  • وهبي يكشف عن أهم التعديلات التي جاءت بها مراجعة قانون الأسرة
  • تفاصيل التعديلات ال16 في مدونة الأسرة تضمنت تقييد الاعتراف بزواج الفاتحة