سكان تحت الصدمة يروون اللحظات الأولى لكارثة درنة
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل في درنة، والعاصفة دانيال تضرب بقوة في شرق ليبيا، عندما سمع عبد المنعم عوض الشيخ (73 عاما) صراخا، فقفز من سريره ليفاجأ بالمياه وقد غمرت المكان، وأمواجا تخلع أبواب بيته وتُغرق كل شيء.
كان الشيخ يروي قصة نجاته وعائلته من الكارثة التي أدت لمقتل وفقدان الآلاف، بينما كان يجلس على درج مبنى بيته المحطّم متأملا الدمار الممتد أمام ناظريه، وآثار الصدمة لا تزال بادية على وجهه.
يروي الشيخ في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الفرنسية، أنه كان في سريره عندما تناهى إلى سمعه صراخ قادم من الخارج، ويقول، "خرجت من المنزل ولم آخذ معي أي شيء سوى نظارتي وهاتفي الجوال، وعندما خرجت وجدت المياه تُزلزل أبواب البيوت الحديدية" في المبنى.
شاهد الرجل السبعيني باب أحد البيوت في المبنى وهو يُخلع بفعل تدفّق المياه. كان الشيخ يقطن في شقة بالطابق الأول مع زوجته، وكان اثنان من أبنائه يسكنان مع عائلتيهما في المبنى نفسه في طابقين أعلى. صعد مع زوجته إلى الطابق الرابع طلبا للنجاة. وما هي إلا دقائق، حتى بدأت المياه في الانحسار والتوجه نحو مجرى الوادي القريب، حسب قوله.
لكن ذلك لم يكن نهاية الكابوس.
يقول عبد المنعم الشيخ، "بعد حوالى ثلث ساعة، صاح ابني من الطابق الأعلى يقول، إن موجة أخرى قادمة، وهي أكبر من الأولى، وارتفاعها يبلغ نحو 20 مترا".
في الليلة التي يتحدث عنها عبد المنعم الشيخ، كانت الأمطار الغزيرة التي تساقطت بكميات هائلة على مناطق في شرق ليبيا ليل الأحد ويوم الاثنين 11 أيلول/سبتمبر الجاري، جراء العاصفة "دانيال" قد تسببت في انهيار سدّين في درنة، مما أدى إلى تدفّق أطنان من المياه بقوة كبيرة في مجرى وادي درنة، لتجرف معها أجزاء من المدينة بأبنيتها وبناها التحتية. وبلغ ارتفاع المياه التي تدفقت من السدود لأمتار عدة، مما جعل بعض المنكوبين يصف ما حدث بأنه "تسونامي"، دمر كل ما جاء في طريقه، وحطّم الجسور التي تربط شرق المدينة بغربها.
درنة لا تزال تلملم جراحها وتبحث عن قتلاها في البحر وتحت ركام المباني المهدمة بعد أسبوع من الكارثة (الصحافة الفرنسية) نجاة بسلم خشبييوضح عبد المنعم الشيخ، أنه صعد مع عائلته بعد التحذير الذي أطلقه ابنه، إلى الطابق الخامس وانتقلوا جميعا إلى سطح منزل جاره الذي كان ابن عمه. ويضيف "وضعنا سلّما خشبيا وانتقلنا إلى السطح الثاني، وجلسنا إلى ما بعد الفجر، عندما جاء إلينا شباب وساعدونا"، مشيرا الى أن أحد الشباب المتطوعين الذين أنقذوه وعائلته فقد كل عائلته في الكارثة.
قصة هذا الناجي السبعيني تشبه حال كثير من الناجين في مختلف أنحاء درنة، ممن عادوا إلى بيوتهم بعد الفرار إلى أماكن قريبة، لتفقّد الأضرار الجسيمة التي لحقت ببيوتهم.
من الناجين الذين عاشوا ليرووا لحظات الفاجعة المريرة، المواطن الليبي محمد الزاوي (25 عاما) الذي يقول، عندما عدنا إلى البيت كانت أغراضنا الشخصية وأثاثنا كله يطفو فوق المياه.
ويوضح أن الموجة الأولى لم تتجاوز مستوى الرصيف ولم تدخل إلى المنازل، لكن الموجة الثانية كانت قوية للغاية، ووصلت مياهها المندفعة إلى الطابق الثاني في المبنى الذي كان يسكنه. ويوضح أن طوفان المياه المتدفقة "جلبت معها سيارات وأغراضا وأشخاصا داخل سيارات، ثم قذفت كل شيء في البحر".
ويواصل محمد الزاوي استرجاع ما حصل في ذلك اليوم العصيب فيقول، "تلقّينا تحذيرات قبل ذلك بيوم واحد من أن أمطارا قوية متوقعة، وأنه يجب أن نبقى في المنازل، لكن لا شيء غير ذلك".
كان محمد يتحدث وهو جالس في الشارع أمام منزله يتأمل مشهد الدمار، وملامحه تشي بحجم الصدمة التي لا يزال تحت تأثيرها، وقد نجا هو وعائلته المكونة من 9 أفراد بعدما تمكنوا من الصعود إلى سطح منزلهم المكوّن من طابقين، الذي لا يمكن الخروج منه سوى عبر الطابق الأول، بعد أن انخفض مستوى المياه، فنزلوا إلى الشارع.
يقول الزاوي، إنه شاهد ما بين 25 و30 جثة قرب منزله عندما انحسرت المياه وخرج من بيته. انشغل بالبحث عن أغطية لتلك الجثث، قبل أن ينطلق لتفقد جيرانه في الحي، وما إذا كانوا يحتاجون إلى مساعدة.
فرق الإنقاذ لا تزال تواصل عملها رغم تضاؤل الآمال في العثور على ناجين واستمرار انتشال الجثث (الفرنسية) "رأيتُ الموت"في ظل الصعوبات التي تكتنف الوصول إلى بعض الأماكن في درنة المنكوبة، وضعف الاتصالات واكتظاظ المكان بفرق الإغاثة والفوضى التي سادت المدينة جراء الكارثة وتداعياتها، لا تزال المعلومات متضاربة بشأن حصيلة الضحايا الذين سقطوا في درنة. وقد أشارت مصادر رسمية -مساء أمس الأحد- إلى أن عدد القتلى جراء فيضانات درنة بلغ 3283 قتيلا، في حين حذّرت منظمات إنسانية دولية ومسؤولون ليبيون من أن الحصيلة النهائية قد تكون أعلى بكثير؛ بسبب عدد المفقودين الكبير الذي يقدّر بالآلاف، حيث تقدر الأمم المتحدة أعداد القتلى بنحو 11300 إضافة لأكثر من 10 آلاف مفقود.
قصة ناج آخر، هو اللبناني محمد عبد الحفيظ (50 عاما)، الذي يقطن في الحي نفسه مجاورا محمد الزاوي منذ عقود. ويقول، "رأيت الموت، لكن لا يزال في العمر بقية".
يقول محمد عبد الحفيظ، إنه كان نائما عندما شعر أن الأرض قد اهتزّت، فاعتقد للوهلة الأولى أن ما يحدث هزة أرضية. ونادى شقيقته ووالده داعيا إياهما للنزول إلى الشارع، لكنه سرعان ما عدل عن ذلك عندما خرج إلى شرفة بيته في الطابق الثالث، ورأى أن المياه قد وصلت إليها.
صعد الثلاثة إلى الطوابق العلوية في المبنى، وجلسوا ساعة ونصف الساعة بانتظار انخفاض مستوى المياه.
بين جدران متشققة، يحمل محمد عبد المنعم "جلابيته" بيد ويتكئ على جدار مكسور، ويمشي بصعوبة بين الحطام متوجّها إلى إحدى غرف البيت الذي تحطّمت نوافذه، وسقطت بعض جدرانه.
أمام نافذة مخلّعة، لم يبق منها سوى هيكلها الإسمنتي، يشير بيده إلى مشهد الدمار في الخارج، ثم يقول، "المساحة هذه من بيتي حتى الوادي، كانت فيها 3 أو 4 عمارات، الآن ليس هناك أي شيء، الأرض تراب وكأنه لم تكن هناك يوما مبانٍ".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عبد المنعم فی المبنى فی درنة لا تزال
إقرأ أيضاً:
أسرى محررون يروون ما يجري داخل سجون الاحتلال
سرايا - لم يكن الأسير المحرر خليل البراقعة يعلم أنه من بين المدرجين ضمن صفقة التبادل التي جرى تنفيذها بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، وذلك بسبب العزلة الكاملة المفروضة على الأسرى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وحتى عندما تم إخراجه إلى سجن عوفر بعد منتصف ليل الجمعة الماضية، تمت معاملته بطريقة سيئة جدا من مصلحة السجون التي أكد في مداخلة مع قناة الجزيرة أنها لا تتوقف عن التنكيل بالأسرى.
وأفرج الاحتلال الإسرائيلي أمس السبت عن 200 أسير فلسطيني من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية مقابل إفراج المقاومة عن 4 مجندات أسيرات.
وفق ما قاله البراقعة إنه نتيجة التعذيب والإهمال الطبي الممنهج، لقي 53 أسيرا حتفهم داخل السجون، الذي أكد انتشار مرض الجرب بين الأسرى بشكل واسع.
الأمر نفسه أكده الأسير المحرر محمد الرجبي بقوله إن الاحتلال منعهم من الزيارة تماما وحظر عليهم حتى مقابلة المحامين وعندما كان يقبل بهذا كان يشترط على المحامين عدم نقل أي خبر عما يدور في الخارج للأسرى.
ولا يحصل الأسرى إلا على كميات قليلة جدا من الطعام والشراب وهم محرومون تماما من الحصول على شيء من الخارج بعد أن تم تجريدهم من كل ما لديهم، وفق الرجبي.
ووفقا للرجبي، فقد كان الأسرى أحيانا يجبرون على السير لمسافات طويلة وهم مكبلو اليدين والرجلين ومعصوبو العينين كنوع من التعذيب.
أما الأسير المحرر زيد بسيسي فوصف الشهور الـ15 الماضية بأنها تعادل 22 عاما لكثرة ما عايشوه من حرمان وتجويع وتعرية، وقال إن المنظمات لو اطلعت على الأسرى في السجون فستكتشف كم كانوا يعاملون بطريقة خالية تماما من الأخلاق.
ولم يكن بإمكان أي أسير التواصل مع أي من المنظمات الحقوقية أو القانونية بسبب الحرمان الكامل للزيارات الذي فرضته مصلحة السجون عليهم، حسب تأكيد بسيس.
ووصل الأمر بالأسير المحرر أسعد زعرب للقول إن السجون الإسرائيلية تحولت إلى مقابر للأحياء، بعدما فرضوا عزلة كاملة على الأسرى ولم يسمحوا حتى بزيارة المحامين أو الخروج من الزنزانة إلا كل 6 أو 7 أشهر مثلا.
وتعمد سلطات الاحتلال لقطع المياه أسبوعا عن الأسرى، وخلع النوافذ وتركهم يواجهون البرد القارس بعد تجريدهم من الملابس والأغطية، وفق زعرب الذي أكد أنهم يقطعون الكهرباء تماما ويطلقون الغاز بشكل يومي على الأسرى.
لذلك، ناشد زعرب المقاومة بالضغط لحين إطلاق سراح كافة الأسرى لأن السجون تحولت إلى جحيم حسب وصفه بعد الحرب، لدرجة أنه هو شخصيا لم يعد قادرا على الوقوف من شدة الإنهاك.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #ترامب#الاحتلال#محمد
طباعة المشاهدات: 1973
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 26-01-2025 08:51 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...