ليس عمر الإنسان بأطول من أعمار البنايات، يفنى الإنسان وتظل البنايات والمنازل شاهدة على رحيل ساكنيها، إذ لطالما رحل أهل الديار وبقيت الديار شاهدة على أناس قطنوا فيها وعمروها، لكن إن بدت الأمور واستدارت بعكس صيرورتها، أضحت الكلمات أقسى مرارة وتعبيرا؛ لأن البنايات الشاهدة على أحلام الصبا وسنوات العمر التى انقضت قد حطمت، فأضحت طللا، هذا الطلل الذى استوقف الشاعر العربى منذ بواكير الشعر العربى فى أدبيات المعلقات التى افتتح بها قصائده ينعى هذا الطلل، «قفا نبك على ذكرى حبيب ومنزل.

...»

استفاقت أمتنا العربية على نبأ زلزال وهزة أرضية بلغت ضراوتها بأن دكت الأرض فانهارت مبانيها وتراكم الطلل على أرواح ساكنيها، ضرب الزلزال الدولة العربية التى تحفل بطلتها على الأطلسى، وشوهد البكاء والنواح استجداءً للأرض أن تخرج بقايا أجساد بشرية واراها الطلل. وحملت صور الشبكة العنكبوتية على فضاء الانترنت وعوالم التواصل الافتراضى تحول الفن المعمارى المغربى إلى حطام، العمارة الإدريسية، نقوش دولة المرابطين على جدران الأمكنة، الزخرفة المرويسكية فى تداول أحجار البناء، استحال كل هذا إلى حطام وطلل، مصحوبا بصرخات الذين فقدوا ذويهم أو صرخات رحلة البحث عن مفقودين.

العمارة المغربية.. تنقيب فى الطلل

وقد وجدتنى أتخيل نفسى شخصا يحاول جاهدا الاستمساك ببعض الطلل المتراكم جراء الانهيار، محاولا كما نفعل فى محاضرات النقد الأدبى التى نلقيها على طلابنا، أن نفتت ونحلل النص أو البنية الحجرية للطلل، محاولا استنطاق هذا الحجر لمعرفة ماضيه وتاريخه وأى من الذين وفدوا لهذه الأرض قد شارك فى تدشينه وبنائه، هذا الفن المعمارى الذى يراه الدكتور محمد مزيان فى بحثه الأكاديمى المعنون بـ«المؤثرات الأندلسية فى الفن المعمارى المغربى»: «قد شكل سمة بارزة فى التطور الحضارى المغربى مستفيدا من موقعه الجغرافى بكونه مجالا للتفاعل الحضارى ولمرور العديد من التيارات الثقافية على مر العصور، ومن ذلك الحضارة الأندلسية، فالمغرب قد تأثر بعمق ومازال بهذه الحضارة، ومازالت فنون هذه المدن تعيش فى تراث ذلك الفن الاسبانى المغربى منذ عصور المرابطين والمرينيين. حتى صار اسم الحضارة الأندلسية يذكر مقرونًا بالحضارة المغربية؛ لأن الأشكال المطروحة هي ضرورة وضع تأثير الأندلس فى المغرب فى موقعه الصحيح، وتجنب كل أشكال الغلو والمبالغة فى تقديره.

الفن الأمازيغى.. الأصل الذى استوعب ما تلاه:

إن المسيرة الفريدة لتاريخ المغرب وكذا الموقع الجغرافى والطبيعى وطبيعة الشعب المغربى جعلت المغرب مجال تلاقح حضارى متنوع، إلا أنه احتفظ بمميزاته التى استمدها من طبيعة البلد، حيث تأصلت الحضارة المغربية منذ كانت، فى المزاوجة بين الجانب المادى الذى تمثله مظاهر الحضارة العمرانية والمدنية وبين الجانب الروحى الذى تستمد منه اتجاهاتها الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية.

وقد تأثر الفن الأمازيغى -وفقا للمبحث التاريخى للدكتور مزيان- منذ أكثر من ألفى عام بمدنيات مختلفة ومزج عناصره المحلية بأخرى استمدها من القرطاجيين والرومان والبزنطيين... إلى أن انصهر أخيرا فى بوتقة الفن العربى الإسلامى وتمثل «القصُور» ما تبقى للمغرب من تراث هذه العمارة القديمة وبخاصة فى الجنوب هى بحق قلاع مشيدة بـ«الآجُر الطيني» وكانت محاطة بجدران عالية ترتفع فى تخوم الصحراء مكونة من تجمعات ضخمة فريدة للغاية بمساكنها المنبسطة السقوف المزينة بالعقود والجدران ذات التخاريم تحف بها أبراج مربعة، تحوط قممها الشرفات، فهناك من جهة بعض المنشآت المحصنة المشيدة من الأحجار دون استخدام الملاط. ومن جهة أخرى نجد فى كل مكان فى تخوم الصحراء ومقابل الأطلس وسوس والأطلس الأعلى وحتى الأطلس المتوسط أبنية مصممة بطريقة أفضل تشبه القلاع القوية وتستغل بذكاء التضاريس وتحلى أجزاءها العليا زخارف ملونة وأشكال هندسية ناشئة وتسمى هذه الأبنية «إغرم أو تغرمت، يرتكز «تغرمت» على برج مشيد من الحجر يمثل موقع الدفاع عنه، والبرج مربع القاعدة هرمى الشكل يضيق فى اتجاه القمة وتجلب الحجارة التى تستخدم فى البناء عادة من الأودية المجاورة.

النموذج الإدريسي

وينتقل الباحث الأكاديمى الدكتور محمد مزيان إلى المرحلة التالية وهى مرحلة النموذج الإدريسى فى العمارة والبناء فيرصد عبر بحثه الأكاديمى ملامح هذا النموذج بقوله :«كان لموقع المغرب الأقصى وللظروف التى مر بها دور واضح فى تأثره بالطرق المختلفة فى التشييد والبناء، فمنذ أن صار إقليما إسلاميا وتأسست على أرضه دولة الأدارسة (172هـ ـ375ه/ 990.785م) حتى أصبح مقصدا للأسر العربية الوافدة من القيروان، بالإضافة إلى الوافدين من مدن المشرق وقد حمل الوافدون معهم خبراتهم فى طريقة البناء، ثم ظهرت المؤثرات الشرقية فى عمليات البناء هذا، وتبقى أهم سمة للعمارة المغربية مشخصة فى العصر الإدريسى الذى خلف لنا تراثا معماريا كبيرا بمدينة فاس. حاضرة المغرب التى وضع نواتها الأولى إدريس الأكبر منذ 172ه بتأسيس مدينة بالعدوة الشرقية أسست على الطراز الأمازيغى وطورها إدريس الثانى وأدار حولها الأسوار وبنى بها جامع الأشياخ من ست بلاطات، كما شرع فى بناء العدوة الغربية على الطراز الشرقى عام 193ه فأدار حولها الأسوار وبنى مسجد الشرفاء من ثلاث بلاطات لصق داره المعروفة «بدار القيطون» ثم أنزل الوافدين عليه من الأندلس، وفى أيام محمد بن إدريس كثرت العمارة بفاس وقصد إليه الناس من الأندلس وإفريقية وجميع بلاد المغرب فضاقت بسكانها، فبنى الناس الأرباض بخارجها. وبنى الأمير يحيى الحمامات والفنادق للتجار وغيرهم.

ويبقى الأدب الإنسانى...

ضرب الزلزال أرض المغرب الشقيق، هدم المبانى وأسقط العمارة الأندلسية والمغربية فأضحت طللا أو تبقى منها ما يشير إلى تواجدها يوما، لكن تبقى الكلمة هى المنافح والمواجه لهذا التدمير وهذا الأثر الذى كاد أن يطوى. ومثلما لا يذكر الأدب المغربى أو الرواية المغربية إلا ويذكر معها رواية الخبز الحافى للأديب محمد شكر رحمه الله، فإن الكلمة والعمل الأدبى هو ما سيقاوم الفناء والحطام.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المرابطين

إقرأ أيضاً:

فلادمير بوتين .. لأمريكا.. بصرك اليوم حديد .. وفيتو جديد

بقلم طه احمد ابوالقاسم ..

نكتب اليوم ونعيد
بوتين يعيد مجد الديار الروسية القيصرية والبلشفية .. ويرسم روسيا اليوم ..

تحدث ساعات واظهر براعة وذاكرة سياسية .. هز العالم الذى تسمر امام الشاشات لسماع الخطاب التاريخى .. قنبلة بطعم اخر ..وانذار مبكر .. واخذ المبادرة ..
ان النظام العالمى الجديد بدأ من موسكو .. وليس من امريكا التى ادعت النبوة وسيطرت على العالم .. وجعلته امبراطورية خاضعة لها ..

امريكا اليوم ..بصرها حديد تحدق باجفان جامدة .. على مصيرها .. وان التفكيك قادم اليها ..
امريكا الترليونية افلست .. انهكتها الكرونا .. ولا احد يشترى اف 16 والباترويت فى ظل طائرات مسيرة ..

امريكا هبطت إلى الدرجة الثالثة.. فضيحتها بجلاجل .. سرقت فى وضح النهار .. من حليفتها فرنسا .. صفقة الغواصات الاسترالية..

صرخت فرنسا ..طعنة نجلاء من الحليف ..
اهتزت صورة فرنسا امام دول الفرانكفونية .. انها كانت تستخدم المساحيق وتتجمل .. وتستخدم البوتكس لتكبير الشفاة والارداف ..
امريكا من مخازيها تفكيك الدول .. ضربت النسيج الأوروبي فى مقتل ..

واخذت حليفتها بريطانية .. التى غابت عنها الشمس .. وكانت تتغذى من المستعمرات .. أصابها السحت .. فضلت بورصة الدوري الانجليزى وبيع اللعيبه .. ووسط لندن للاثرياء
اختفت عبارة made in England ..
...
وهى صاحبة المناطق المقفولة .. لحجز المدنيين فى دهاليز الفقر.. والعوز ودعم التمرد منذ العام 1955 ..
تقدم مشروعا لحماية
المدنيين من الجيش السودانى الذى حفظ لها ماء وجهها فى الحرب العالمية .. تود اليوم ان تفككه

امريكا التى تعودت أن تدفع المال للمعارضين ليعملوا ضد بلادهم .. وتجردهم من الكبرياء .. وتتركهم فى قارعة الطريق ..

اليوم ثورة بطعم اخر .. داخل الولايات المتحدة .. تحرق قلبها وكبدها .. ويتصاعد الراى لكبح الطموح الخطر ..

امريكا التى استرقت البشر .. واهانت كرامتهم داخل حدودها .. كما فى حالة الهنود الحمر .. والزنوج ..

وحادثة الزنجى جورج فلويد .. الذى انقطعت أنفاسه بجلسة الشرطى ..
على رقبته .. هزت العالم .

بوتين .. جعل العالم يقرأ غزوات امريكا..بعين مفتوحة .. التى بلغت أكثر من مائة وعشرون ..

واستخدمت السلاح الذرى لتسحق اليابان .. وتتهمها روسيا اليوم .. بان جعلت أوكرانيا .. معملا للفيروسات ..
مكان تخرج رؤساء إسرائيل.. وضيعة عائلة روتشليد ..
لن ينسى العالم .. منظر الجندى الامريكى يغطى تمثال الرئيس العراقى بالعلم الامريكى وتنصيب حاكما مدنيا .. وفظائع سجن ابوغريب ..

الحاكم المدنى الأمريكى يترك المجتمع المدنى العراقى حتى اللحظة فى بؤرة الفقر وتدمير امكاناته العلمية .. وبنيته التحتية ..
ويحل الجيش .. ويضع العراق فى البند السابع ..

رسبت امريكا فى امتحان الشفوى .. ولم يستطع خبراء الدعاية والفوتشوب تغطية فظائع امريكا فى أرجاء المعمورة ..

اليوم يعلن فلادمير بوتين .. من موسكو ان تتحرر اليابان .. والمانيا من القيد الذى يعض على القدمين ..

ليكونوا فى مجلس الأمن .. بديلا لدول سايكس بيكو .. الذين شاركوا فى إرهاب الشعوب واكل مالهم وقوتهم ..

أمريكا مازالت تنوى بقانون جاستا الظالم ..الصاق تهم 11 سبتمبر .. و سرقة الصندوق السيادى للسعودية ..

العالم اليوم فى حالة توتر وقلق .. وحقائق ومظالم العالم الثالث فى سطح مكتب كمبيوتر الأمم المتحدة. ...
وانذار للأمم المتحدة ان تصلح من شانها وتكون اكثر قربا من الغلابا والمقهورين ..
خليفه حفتر الليبى.. يقذف عاصمة بلاده والأمين العام فى داخلها ..؟؟؟
ويزور قصر الاليزية ويتحدث مع الأمريكان..

روسيا يحكمها اليوم بوتين رجل الاستخبارات منذ أن كان يافعا .. فى ذاكرته روسيا الثقافة والعلم ورائدة الفضاء
Sent from Yahoo Mail on Android

tahagasim@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • رفعت عينى للسما
  • «جمال الغيطانى»
  • «الغيطانى» حكاء الماضى.. سردية الوجع الإنسانى
  • مهرجان القاهرة السينمائي.. أحلام وقضايا الشعوب العربية تتلاقى في رحلة من السعادة والمتعة
  • محافظ أسوان والأزهر يبحثان سبل مكافحة تفشي الطلاق وحلوله
  • محافظ أسوان يلتقى بالأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية.. شاهد
  • محافظ أسوان يلتقى الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية
  • عادل حمودة يكتب: سفير ترامب الجديد فى إسرائيل: لا شىء اسمه فلسطين
  • لقاء سويدان لـ الوفد: كتاب فن الخيال يثقل الفن بخبرات ميرفت أبو عوف
  • فلادمير بوتين .. لأمريكا.. بصرك اليوم حديد .. وفيتو جديد