قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: "إننا لا نُبالغ عندما نصف ظاهرة التغيُّر المناخي بأنها أزمة القرن الحادي والعشرين، وأنها التحدي الأعظم الذي تواجهه البشريةُ حاليًّا ولعقودٍ قادمة؛ حيث إنها باتت شأنًا إنسانيًّا خالصًا، لا يسعنا فيه أن نقف موقِفَ المتابِع لما تُسْفِر عنه جهودُ مراكز الأبحاث العلمية المعنية، وما تحصيه من آثارٍ حاصلةٍ، وتستشرفه من نتائجَ قادمةٍ.

الشريعة راعت في مقاصدها وأحكامها سائرَ ما يتعلق بالوجود الإنساني 

 

وأضاف فضيلته أنه لا بد أن نتَّخذ موقعنا كجزءٍ من هذه الجهود العالمية تجاه قضية لا تقتصر على التأثير على النهضة والتقدُّم، بل هي قضية تهدِّد الوجودَ الإنساني، وأن نعلم يقينًا أننا جميعًا نقف في صف واحد من أجل معركة واحدة، لا نملك إلا حَشْدَ كاملِ قوتنا وطاقتنا غيرَ منقوصةٍ لأداء دَورنا فيها بفاعلية تامة.

جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها في فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الرابع لكلية الشريعة والقانون بدمنهور، تحت عنوان: "قضايا المناخ والبيئة في ضوء الفقه الإسلامي والقانون"، بالمشاركة مع كليتَي الشريعة والقانون بطنطا وتفهنا الأشراف.

وأكد المفتي في كلمته أن جميعَ المشتغلين بالشريعة الإسلامية والمطَّلعين عليها ليعلَمون أنها قد راعت في مقاصدها وأحكامها سائرَ ما يتعلق بالوجود الإنساني، إمَّا بوضع المبادئ الحاكمة لكيفية التعامل مع ما يواجهه الإنسانُ في هذه الحياة الدنيا، وإما بتفصيلِ ذلك حين يتطلَّبه الأمر.

وأوضح تناول علماء الشريعة ورجالها خلال العقدين الأخيرين مسألةَ التغيُّر المناخي هذا التناولَ الجادَّ الواعي؛ خاصةً بعدما أصبح الجميعُ اليومَ يُعاينون حجمَ تلك الكارثة الإنسانية بشكلٍ أكثرَ واقعيةٍ، ويتيقنون أن الأصلَ فيها أنها قضيةُ وعيٍ في المقام الأول، ويعلمون كيف يمكن أن يكون للدين وللتقنين دورهما البارز وموقعهما المهم في المساهمة في حل تلك المشكلة.

وأشار المفتي إلى أن أول هذه المبادئ أنَّ الإنسان جزءٌ من بيئةٍ حيةٍ متكاملةٍ، كلها تتوجَّه إلى الله تعالى بالتسبيح والخضوع، يقول تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ}، وقال سبحانه: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، وهذا من شأنه أن يحُدَّ من نظرةِ التعالي التي ينظُر بها الإنسانُ إلى بيئته، ويعلَم أن الحيوانَ والنباتَ والجمادَ يتفاعلُ معه ويشاركه في ذلك التسبيح والخضوع، وأن طغيانَه عليها بالإفسادِ يجعله متعديًا على خَلقٍ مُسبِّحٍ ذاكِرٍ لله تعالى.  

أما عن ثاني المبادئ فهو أن الإنسانَ في الشريعة الإسلامية ينطلقُ في تصرفاته وعَلاقته مع الكون المحيط به باعتبار أنه خليفة الله في الأرض؛ قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، وهذا سببُ تسخير كل ما في السموات والأرض له.

وأضاف مفتي الجمهورية أن الخلافة تعني المسئوليةَ عن الكون برعايته والمحافظة عليه، والتسخير يعني الاستفادةَ منه والاستمتاعَ به، وكلاهما يقتضي المشاركةَ والتعاونَ، وهذه المسئوليةُ تقع على الناس جميعًا، كما أن الانتفاع حقٌّ مكفولٌ للجميع ومشترَكٌ بين الناس بصفتهم الإنسانية؛ لم يجعله الله حقًّا لقومٍ أو فئةٍ دون غيرها.

وشدد على أن هذه المسئولية تستدعي بالتبعية أن يحافظ الإنسان على الكون وأن يتعامل مع المشكلات الناجمة عن سوء تعامله معه باهتمامٍ بالغٍ؛ رعايةً للإصلاح وعمران الأرض الذي هو مقتضى الاستخلاف، والذي هو مراد الحق سبحانه وتعالى من خلق الإنسان وجعله خليفته.

وقال المفتي: "إن من الأُطُر الرئيسية التي وضعها الإسلامُ لتنظيم العلاقة بين الإنسان وبيئته هي أن وظيفة الإنسان في هذا الكون تدور حول إعماره، فهو ليس من نوافل الأعمال؛ بل هو واجبٌ ضروريٌّ دينًا ودنيا"، مضيفًا أن هذا الإعمارَ عامٌّ يشمل كل الوجود والمخلوقات، ولم يفرض الشرعُ على الإنسان أسلوبًا أو كيفيةً محددةً يتَّبِعُها في عمليةِ التنميةِ والإعمارِ؛ بل وسَّع عليه في ذلك، وطلب منه الاجتهادَ في تحصيل كل طريق يحقق له المصلحةَ والسعادةَ في حياته، ورسم له منهاجًا عامًّا وضع فيه مناراتٍ تهديه وتُرشده إلى المصالحِ الحقيقيةِ التي تصل به إلى السعادة، وذلك ببيانه المقاصدَ والأهدافَ من وراء إعمار البيئةِ من حولنا؛ مما جعل خطوات الإنسان في بنائه إيجابيةً في جوهرها لا هدَّامةً أو مُطَفِّفَةً، وجعلها لا تُخِلُّ بالعلاقات المُقَدَّرَةِ المُحكمةِ بين عناصر الوجود. وهذا البناءُ والتعميرُ مستمرٌّ إلى آخر لحظةٍ في هذه الحياة، حتى قال صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها».

وشدد على أن تحرُّكَ المؤسسات الدينية والقانونية لا ريب في أنه سيساعد في مواجهة ظاهرة التغير المناخي بما ستُلزم به التقنيناتُ، وبما سينشره الخطاب الديني الرشيد من زيادةٍ كبيرةٍ في الوعي الجمعي بأهمية الحفاظ على البيئة وتمهيدِ الطريق أمام العديد من الخطوات الإصلاحية في هذا الصدد. وقد أظهرت الدراسات العلمية أن دمج رسائل الحفاظ على البيئة في الخُطَب الأسبوعية والفتاوى والبرامج الدعوية والإعلامية المقدَّمة للجمهور زادَ من الوعي العام ومستويات القلق تجاه البيئة.

واختتم مفتي الجمهورية كلمته بالتأكيد على أن هذا المؤتمر ونحوه من المؤتمرات يُبرهن على أن الوعيَ يزداد يومًا بعد يوم بخطورة ظاهرة التغيُّر المناخي، وانعكاساتها السلبية على حياة الإنسان وحقوقه جميعًا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتى الجمهورية الإفتاء شوقي علام الشريعة قضايا المناخ والبيئة الفقه الإسلامي مفتی الجمهوریة ر المناخی على أن

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية يهنئ الرئيس السيسي والأمتين العربية والإسلامية بحلول عيد الفطر

تقدَّم الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- بأصدق التهاني وأطيب التبريكات إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإلى ملوك ورؤساء وقادة الدول العربية والإسلامية، وإلى الشعب المصري العظيم وشعوب الأمتين العربية والإسلامية كافة، بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك.

بعد الجدل المثار.. بيان جديد من دار الإفتاء بشأن موعد عيد الفطر 2025بعد تحديد موعده.. إليك أجمل رسائل تهنئة عيد الفطر 2025تهنئة عيد الفطر

ودعا مفتي الجمهورية، في بيان، الله سبحانه وتعالى أن يجعله عيد خير وبركة وأمن وسلام، وأن يوفق قادة الأمة إلى ما فيه عزتها ونهضتها، ويمنُّ على بلادنا بالمزيد من الرخاء والازدهار.

وفي هذه المناسبة المباركة، جدِّد مفتي الجمهورية التأكيد على ضرورة وحدة الصف والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تمر بها الأمة، داعيًا المولى عز وجل أن يعيد علينا عيد الفطر وقد تحررت فلسطين وعادت القدس الشريف إلى أحضان الأمة الإسلامية، وأن ينصر الحق وأهله، ويكتب لأُمَّتنا النصر والعزة والتمكين.

كيفية صلاة عيد الفطر

صلاة عيد الفطر ركعتان تُصلَّى كسائر الصلوات، مع نية صلاة العيد، ولكن الأكمل في صفتها أن يبدأ الإمام الركعة الأولى بسبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام، ثم يشرع في القراءة، وفي الركعة الثانية يُكبر خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام ثم يكمل الصلاة كالمعتاد.

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في صلاة العيد سبع تكبيرات في الأولى وخمسًا في الثانية، كما روى الدارقطني والبيهقي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين يوم الفطر ويوم الأضحى سبعًا في الأولى وخمسًا في الآخرة، سوى تكبيرة الصلاة".

وبعد أداء الركعتين، يُلقي الإمام خطبة العيد، وهي خطبتان يُفصل بينهما بجلسة قصيرة، ومن المستحب أن يبدأ الخطبة الأولى بتسع تكبيرات، والخطبة الثانية بسبع تكبيرات.

وتتناول الخطبة تذكير الناس بتقوى الله وقراءة القرآن، بالإضافة إلى بيان أحكام زكاة الفطر، والدعوة إلى التراحم والتسامح بين المسلمين.

وقت صلاة عيد الفطر

ويبدأ وقت صلاة العيد بعد طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح، أي بعد حوالي 15 إلى 20 دقيقة من شروق الشمس، ويستمر وقتها حتى قبيل أذان الظهر.

واتفق جمهور الفقهاء على أن أفضل وقت لأدائها هو في الصباح الباكر، حتى يتفرغ المسلمون بعدها للتهنئة وزيارة الأهل والأحباب.

بهذه الكيفية، يجتمع المسلمون في أجواء من البهجة والعبادة، محتفلين بعيد الفطر بالصلاة والتكبير والفرح، مستحضرين معاني الوحدة والتكافل التي يُجسدها هذا اليوم المبارك.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية يهنئ الرئيس السيسي والأمتين العربية والإسلامية بحلول عيد الفطر
  • مفتي الجمهورية: الزكاة ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية «فيديو»
  • مفتي الجمهورية: اختلاف رؤية الهلال بين الدول أمر طبيعي
  • مفتي الجمهورية يعزي دولتي بورما وتايلاند في ضخايا الزلزال المدمر
  • مفتي الجمهورية: تدمير البيئة ظلم للأجيال القادمة واعتداء على حقوق الآخرين
  • مفتي الجمهورية: حماية البيئة واجب ديني وأخلاقي على كل مسلم
  • تشريعات دقيقة.. مفتي الجمهورية: الإسلام وضع قواعد لحل الأزمات البيئية
  • آثاره مدمرة.. مفتي الجمهورية يحذر من الحقد والحسد
  • مفتي الجمهورية: الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب
  • بحضورٍ مهيب.. مفتي الجمهورية يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور محمد المحرصاوي