بقلوبٍ تتنفّس الصعداء وصل ممثلو أكثر من مئة وأربع وثلاثين دولة إلى جزيرة كوبا في تحدٍّ غير مسبوق للحصار الأميركي الظالم الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها على هذه الجزيرة منذ ستين عاماً تقريباً.

بعد قمة البريكس وقمة آسيان وقمة العشرين تشكّل هذه القمة، قمة الـ77 والصين، أكبر تظاهرة عالمية في هذا القرن وأهم تظاهرة بالحضور والدلالات.

فقد حضر هذه القمة ممثلون من إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية بزخم وأفكار ورؤى، وللمرة الأولى تظهر الدول الأوروبية والولايات المتحدة أنها هي المعزولة عن السياق الذي ارتأته واتخذته معظم البشرية.

كيف لا والدول الحاضرة في كوبا تمثل 80 % من سكان البشرية وثلثي أعضاء الأمم المتحدة، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو  غوتيريش.

أكثر من عشر دول حاضرة يزيد عدد سكان كل منها على مئة مليون نسمة ومنها الصين والهند وأندونيسيا، كما أن انضمام الصين إلى هذه المجموعة وغيابها عن قمة العشرين يُري أن ثقل الأسرة الإنسانية اليوم قد انتقل بالفعل من الشمال إلى الجنوب.

لم تكن هذه القمة بروتوكولية ولا شكلية بل كانت قمة حقيقية حضرتها قلوب أثخنتها التجارب المريرة على مدى سنوات وعقود مع الدول الغربية ووصلت إلى استنتاجات لا لبس فيها وتسلّحت بالإرادة الجمعية وتوق الجميع لوضع حدّ للمعاناة المهينة التي فرضتها عليهم دول الشمال وقرّرت القدوم إلى كوبا، هذه الجزيرة التي عانت من أطول حصار عرفته البشرية، كي ترفع صوتها عالياً ضدّ الحصار والظلم والاستعمار والإفقار والعقوبات والتهميش والاستغلال واللاعدالة والعنصرية التي عانت منها هذه الشعوب وبأشكال مختلفة وعلى مدى عقود من المستعمرين الأوروبيين ومن وريثتهم الولايات المتحدة.

ولعلّ حديث الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو العفوي والأخوي والجميل إلى زملائه في القمة كان معبّراً عمّا شعر به الرؤساء ورؤساء الوفود، حيث قال في كلمة ارتجالية ودون ورقة وأفكار معدّة سلفاً: “مجموعة الـ77 والصين اليوم في قلب المقاومة الدولية: كوبا. من بكين إلى الجزائر، ومنها إلى هافانا لنكون بينكم اليوم رفاقي الأعزاء في هذه العائلة. انظروا حولكم لا أحد هنا يحاول إقصاء الآخر أو تهميش الآخر أو إذلال الآخر” في تعبير مختصر ومفيد عن معاناة هذه البلدان وهذه الشعوب الإفريقية، الآسيوية اللاتينية الجنوبية مع دول الشمال الاستعمارية التي فرضت الحروب والهيمنة والفقر على دول الجنوب.

أعاد الرؤساء وأولهم الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل تعريف دول الجنوب فقال: “هي ليست دولاً فقيرة ولكنها دول تمّ إفقارها وخلق الفتن والحروب على أرضها وحرمانها من التكنولوجيا والتقانة والعلوم كي تبقى هامشية، وكي يسهل على دول الشمال نهب مواردها وثرواتها واستقطاب أفضل مواردها البشرية لتخدم تقدم الشمال وتحرم الجنوب من خيرة أبنائه وكوادره البشرية المتميزة”.

ما يميّز طروحات هذه القمة والتي بدأها الرئيس كانيل هو التركيز على العلوم والتكنولوجيا والمعرفة لأن المعرفة هي التي تحقق القيمة المضافة لشعوب هذه البلدان المستضعفَة ولذلك فقد طرحوا تبادل المعلومات والرؤى والأفكار بين دول الجنوب وتبادل التقانة والمخترعات العلمية، وأكدوا على أهمية مبادرات الرئيس الصيني الثلاث: مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، إضافة إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها قبل عقد من الزمن، وعلى أهمية التعاضد والتشاركية بين هذه الدول داخل وخارج الأمم المتحدة، وخاصة أن معظمهم سوف يتوجهون من كوبا إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة.

لقد أكد المتحدثون أن القوانين والإجراءات التي يفرضها الغرب تُفضي إلى استفادته هو من التطوّر التكنولوجي الذي وصلت إليه البشرية وحرمان هذه الدول من التعليم والطاقة والمعرفة والإبداع.

وهكذا فإن انعدام العدالة على المستوى المعرفي والتقني هو السبب الأساس في إفقار دول الجنوب ومنعها من تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

أكد المتحدثون على حاجة هذه القارات المجتمعة هنا وحاجة البشرية بالنتيجة إلى نظام عالمي عادل ومستدام يسمح لأغلبية هذه الدول أن تخرج من الأزمات التي فُرضت عليها.

الأمر الوحيد الذي يتميز بالوفرة في دول الجنوب هو معدلات الفوائد الضخمة جداً والتي فرضتها عليها دول الشمال، وهكذا فإن الأزمات المالية التي تعاني منها دول الجنوب هي نتيجة طبيعية للقوانين المالية والاقتصادية والمعرفية التي فرضتها عليها دول الشمال ولهذا فإن على دول الجنوب التركيز اليوم وبشكل تشاركي وجمعي على الموارد العلمية والبحثية والابتكار وتعزيز القدرات على المستوى العلمي والمعرفي للوصول إلى التنمية المستدامة.

والمفاجئ في الأمر هو أن الأمين العام للأمم المتحدة كان متوافقاً تماماً مع هذا السياق،  وقال: إن مجموعة الـ77 والصين قد تشكلت لمواجهة عقود من التهميش واللاعدالة، وانضمام الصين إلى هذه المجموعة يضعنا أمام فرصة كبيرة لندافع عن تعدديّة الأقطاب، كما أن عناوين العلم والمعرفة والتقانة هي الوحيدة التي تؤدي إلى الازدهار، كما تحدث الأمين العام عن أهمية هذه الكتلة في الأمم المتحدة وأن تتخذ المواقف ذاتها التي تخدم بلدانها، وتحدث هو وآخرون عن ضرورة وضع خريطة طريق لمواجهة التحديات والسير بخطا حثيثة ومدروسة نحو نظام العدالة والمساواة للعالم برمّته.

وكان حضور الرئيس النيكاراغوي دانيال أورتيغا هذه القمة ذا دلالات، فقد تعرّض بلده للحصار والتهميش ولكنه اليوم يقف ليضيف للإنسانية بعداً هاماً من تجربته في المقاومة، وليقول نحن القرن الحادي والعشرون ونحن الذين يجب أن نصنعه قرناً عادلاً ومزدهراً للبشرية جمعاء.

لقد كانت تجربة كوبا في البحث العلمي الطبي مثالاً يحتذى لمقاومة الحصار الذي فرضته الدول الغربية في اللقاحات فأنتجت لقاحها بيد علمائها وأعطت الدول الإفريقية والجنوبية وهذا هو جزء من الحلول المقترحة وهو أن نجترح الحلول والعلوم والتقنيات بأيدي علمائنا وأن نعمل متعاضدين متشاركين إخوة في الإنسانية لتحقيق ازدهار عالمي لمستقبل البشرية جمعاء.

في كوبا كان واضحاً أفول شمس الغرب وفشل سياساته القمعية والاستعمارية وفشل نظام العقوبات اللاشرعية واللاقانونية فشلاً ذريعاً، ويقظة غير مسبوقة لشعوب هذه البلدان وتركيز على القضايا الجوهرية في التقدم العلمي والمعرفي والتقني والذي هو كفيل بدفع عملية التقدم وتحقيق القيمة المضافة وإرساء أسس العدالة على قدم المساواة، والقضاء مرّة وإلى الأبد على الاستعلاء الغربي والعنصرية والهيمنة والحروب.

كوبا التي عملت الولايات المتحدة على عزلها وإفقارها منذ ستين عاماً تجمع القارات الثلاث في هافانا، وتعزل الولايات المتحدة وأوروبا عن الجزء الأكبر من البشرية، وتلهم الشعوب المقاومة المستدامة والتي هي الوحيدة التي تثمر نموّاً وازدهاراً وعدالة مستدامة وحقيقية.

طوبى لكوبا ولكل المقاومين المؤمنين أن الحق دائماً وأبداً يعلو ولا يُعلى عليه.

أ. د. بثينة شعبان كوبا.. دروس مستفادة 2023-09-18anwarسابق إكثار بذار حماة يزود فروع المصرف الزراعي بنحو 2500 طن بذار قمح انظر ايضاً أليس الصبح بقريب؟… بقلم: أ.د.بثينة شعبان

الأشدّ وطأة من الإجراءات القسرية أحادية الجانب واللاشرعيّة واللاقانونيّة على سورية وشعبها هو أن تستمع …

آخر الأخبار 2023-09-18إكثار بذار حماة يزود فروع المصرف الزراعي بنحو 2500 طن بذار قمح 2023-09-18انطلاق فعاليات مهرجان القامشلي الشعري السادس 2023-09-18جامعة البعث تبدأ استقبال طلبات المفاضلة الخاصة بكليات تدمر والتربية الموسيقية 2023-09-18ارتفاع عدد الأسيرات الفلسطينيات في معتقلات الاحتلال إلى 37 2023-09-18صندوق الجفاف يوافق على تعويض 6513 مزارعاً متضرراً في عدة محافظات 2023-09-18زراعة 6 آلاف هكتار بالذرة الصفراء في ريف الرقة المحرر 2023-09-18لقاء شعري نسوي في ثقافي الحسكة 2023-09-18الدفاع الإيرانية: الانفجار في كركان ناجم عن خلل فني خلال اختبار منظومة هجومية 2023-09-18كنعاني: وجود القوات الأمريكية في سورية احتلال وإجراء غير قانوني 2023-09-18الخارجية الفلسطينية: ازدواجية المعايير الدولية تهدد بتعميق أزمات المنطقة

مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً بتعديل تعويضات نهاية الخدمة للعسكريين 2023-09-07 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً ينهي العمل بمرسوم إحداث محاكم الميدان العسكرية 2023-09-03 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بمعالجة أوضاع عدة شرائح من طلاب الجامعات 2023-08-29الأحداث على حقيقتها استشهاد عسكريين اثنين وإصابة ستة آخرين جراء عدوان إسرائيلي على ريفي طرطوس وحماة 2023-09-13 الجيش يتصدى لمحاولات تسلل مجموعات إرهابية بريفي حلب وإدلب ويقضي على معظم أفرادها- فيديو 2023-09-12صور من سورية منوعات الصين تنشر أول صورة التقطها تلسكوب مسح واسع المجال 2023-09-17 علماء مناخ: سخونة المحيطات السبب وراء الفيضانات الكارثية في ليبيا 2023-09-17فرص عمل السورية للاتصالات تعلن عن حاجتها للتعاقد مع مواطنين لشغل وظائف شاغرة بفرعها بدرعا 2023-09-07 التنمية الإدارية تصدر قرارات تعيين بدل المستنكفين في مسابقة التوظيف المركزية 2023-08-23الصحافة كوبا.. دروس مستفادة.. بقلم: أ.د بثينة شعبان 2023-09-18 الغارديان: عدد الشركات المفلسة في بريطانيا يرتفع إلى معدل غير مسبوق 2023-09-17حدث في مثل هذا اليوم 2023-09-1818 أيلول 1851 – الإصدار الأول لجريدة نيويورك تايمز 2023-09-1717 أيلول 1961 – إعدام رئيس وزراء تركيا الأسبق عدنان مندريس 2023-09-1616 أيلول1982- قوات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان 2023-09-1515 أيلول 1982 – قوات الاحتلال الإسرائيلي تجتاح العاصمة اللبنانية بيروت وتحتلها 2023-09-1414 أيلول -1917- إعلان النظام الجمهوري في روسيا 2023-09-1313 أيلول – اليوم العالمي للقانون
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2023, All Rights Reserved

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: الولایات المتحدة دول الشمال دول الجنوب هذه القمة

إقرأ أيضاً:

المبعوث الأممي يؤكد ضرورة تضافر الجهود لمساعدة الشعب السوداني

التقى المبعوث الأممي للسودان، رمطان لعمامرة، مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، لبحث الأوضاع في السودان، حسبما أفادت قناة «القاهرة الإخبارية».

مساعدة الشعب السوداني

وأكد المبعوث الأممي للسودان، خلال لقائه مع رئيس مجلس السيادة في السودان، ضرورة تضافر الجهود من أجل مساعدة الشعب السوداني، لتجاوز الأزمة والعمل على إنهائها.

وأوضح «لعمامرة»، أن مؤسسات الأمم المتحدة مستعدة لتقديم مزيد من التعاون مع السودان، بهدف التوصل لحل الأزمة، ووقف معاناة الشعب السوداني.

وأكدت الأمم المتحدة، في وقت سابق، أن أكثر من 7 ملايين شخص نزحوا بسبب الحرب في السودان.

السودان يدخل حالة من الفوضى منذ أبريل 2023 

ودخل السودان حالة من الفوضى منذ أبريل عام 2023، عندما اندلعت التوترات بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو، في قتال مفتوح بالخرطوم وأماكن أخرى.

مقالات مشابهة

  • بيانات أممية: انخفاض نسبة سكان غزة الذين نستطيع تقديم مساعدات لهم إلى 29%
  • رواية "بثينة".. جديد تيسير النجار عن سلسلة إبداعات قصور الثقافة
  • خلال العام 2025 .. الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والايقاد يحثون قادة دولة الجنوب على تحقيق السلام
  • لتسريع انسحابها من الجنوب..لبنان يدعو باريس وواشنطن للضغط على اسرائيل
  • المبعوث الأممي يؤكد ضرورة تضافر الجهود لمساعدة الشعب السوداني
  • زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب كوبا
  • ميقاتي في الجنوب مجددا اليوم وتراجع زخم الاتصالات السياسية على خط الملف الرئاسي
  • اختتام البرنامج التدريبي من دروس عهد الإمام علي لمالك الأشتر بوزارة الكهرباء
  • في اللغة وأشياء َ غيرها!!بقلم: د. ذوقان عبيدات
  • القبض على أمريكي بكاليفورنيا بعد اتهامه بقتل ابنه بطريقة بشعة