القدس المحتلة - خاص صفا

لأول مرة يتمكن حراس المسجد الأقصى المبارك من توثيق إقدام مستوطنين متطرفين على "نفخ البوق" داخل المسجد، بعدما حدث ذلك بشكل خاطف وسري دون أي توثيق خلال العامين الماضيين، في خطوة خطيرة تستهدف إعلان "الهيمنة والسيادة الإسرائيلية" عليه.

والأحد، عاش المسجد الأقصى لحظات عصيبة مع اقتحام مئات المستوطنين باحاته، وأداء الطقوس والصلوات التلمودية فيه وعند أبوابه الخارجية، في وقت أخلت قوات الاحتلال المسجد من المصلين الفلسطينيين، واعتقلت عدة شبان.

وأخرجت قوات الاحتلال أكثر من 30 مرابطًا ومرابطة من الأقصى، في مسعى لتكريس التقسيم الزماني، خلال موسم الأعياد اليهودية الذي بدأ بـ"رأس السنة العبرية"، وينتهي بعيد "العرش" في السابع من تشرين أول/ أكتوبر المقبل.

ولم تكتف بذلك، بل اعتدت بالضرب والدفع على المرابطين والمرابطات والطواقم الصحفية في منطقة باب السلسلة، مما أدى لإصابة المرابط أبو بكر الشيمي بجرح في رأسه، والمرابطتين عايدة الصيداوي ونفيسة خويص برضوض.

وللعام الثالث على التوالي، يشهد الأقصى "نفخ البوق" في منطقة باب الرحمة شرقي المسجد بشكل أطول وأكثر تحديًا من المرتين السابقتين، ما سمح للحراس برصده عبر الكاميرا للمرة الأولى.

هيمنة وسيادة

الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات يقول: إن "نفخ البوق داخل الأقصى تم خلال العامين الماضيين بشكل سري، لكنه بالأمس شهد تطورًا نوعيًا خطيرًا، لما له من بعد سياسي يرمز للهيمنة والسيادة على المسجد، ويُؤسس للانتقال من الزمن الإسلامي إلى اليهودي، واقتراب موعد الخلاص".

ويوضح عبيدات في حديثه لوكالة "صفا"، أن "هذا الطقس التوراتي يعني أن يكون المسجد مكانًا خاصًا للعبادة اليهودية"، مشيرًا إلى أنه يجري فقط خلال مناسبتين هما "رأس السنة" و"عيد الغفران" العبري.

ويضيف أن "نفخ البوق" تم لأول مرة من قبل حاخام جيش الاحتلال "شلومو جوريون" على جبال سيناء عند احتلالها عام 1956، وفي تلة المغاربة عند احتلال شرقي القدس عام 1967، ومن ثم تواصل في منطقة حائط البراق.

ووفقًا لعبيدات، فإن "جماعات الهيكل تعمل على تكريس أداء الطقوس التوراتية داخل الأقصى، سواءً عبر اقتحام الحاخامات اليهود للمسجد بلباس الكهنة البيضاء، أو السجود الملحمي، أو محاولة إدخال القرابين النباتية إلى ساحاته، ومحاكاة ذبح قرابين الهيكل داخله".

ويتابع أن "هؤلاء يعتقدون أن ما جري يشكل إحياءً لكامل الطقوس التلمودية المتعلقة بالهيكل داخل الأقصى، وأنا أعتقد أن ما يجري مجرد بروفة لما هو قادم باتجاه العمل على البدء في خطوات عملية لإقامة الهيكل المزعوم".

وخلال "رأس السنة" حرصت "جماعات الهيكل" ومؤيديها على ممارسة كل ما يمكن ممارسته من طقوس توراتية في محيط المسجد الأقصى، مستفيدين من التواجد الإسرائيلي المكثف بالمنطقة.

ومن وجهة نظر الكاتب المقدسي، فإن "المتطرفين يسعون إلى تحويل الأقصى إلى مكان مقدس مشترك، لأنهم لا يريدون فقط تقسيم زماني ومكاني، بل يطمحون لما هو أبعد من ذلك، بما يعني وجود حياة يهودية داخل المسجد، وألا تقتصر الاقتحامات على باب المغاربة فقط".

ووفقًا لتوقعاته، فإن التطورات القادمة المتعلقة بالأقصى ستكون خطيرة، حيث ستعمل حكومة الاحتلال على خلق وقائع جديدة باتجاه السيطرة على كامل المنطقة الشرقية للمسجد، والسماح للمستوطنين باقتحامه من عدة أبواب أخرى.

مرحلة جديدة

وأما المختص في شؤون القدس زياد إبحيص فيقول: إن "نفح البوق يُعد من أخطر الاعتداءات النوعية على الأقصى، إذ يقصد منه إعلان سيادة صهيونية، وانتهاء الزمان الإسلامي في الأقصى وبدء زمان التهويد، ويُكرس تحويله إلى مقدس مشترك على طريق حلم الإحلال الديني فيه، وإلى هيكل بكامل مساحته".

ويضيف أن "النفخ في البوق علامة على بدء مرحلة جديدة من الزمن، فهو يفصل بين السنوات العبرية، وهو بداية يوم القيامة، وبهذا يكون بنظر جماعات الهيكل يفصل بين زمانين: زمان هويته الإسلامية الذي يتوهمون أنه انتهى وزمان تهويده الذي يظنون أنه بدأ".

ويتابع أن "حاخامات الصهيونية الدينية يُعطون لنفخ البوق معانٍ عجائبية، من بينها أنه أحد علامات الخلاص، وإيذانًا بمجيء المخلص وبناء الهيكل الثالث الأسطوري، لذلك يتسابقون لنفخه في الأقصى حتى يكون سببًا بتعجيل ظهور هذا المخلص، وتدخل الرب المباشر لحسم المعركة لصالحهم".

وعدوان "رأس السنة" العبرية- وفقًا لإبحيص- كان بداية لموسم عدوان إسرائيلي سيستمر ٢١ يومًا، يتخلله ثلاث محطات هي "أيام التوبة"، "يوم الغفران"، و"عيد العرش"، ولابد من توجيه كل الأنظار والإمكانات والتحركات إلى المسجد الأقصى للوقوف في وجه هذا العدوان.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: المسجد الأقصى الأقصى القدس تهويد المسجد الأقصى رأس السنة

إقرأ أيضاً:

الشيخ كمال الخطيب يكتب .. في ذكرى الإسراء والمعراج: لا لن نسوّد وجهك يا رسول الله

#سواليف

في #ذكرى_الإسراء_والمعراج: لا لن نسوّد وجهك يا #رسول_الله

أيام قليلة وبضع ليال هي التي تفصلنا عن أنوار الليلة المباركة والذكرى الحبيبة ليلة الإسراء والمعراج ليلة السابع والعشرين من رجب والتي ستكون ليلة الإثنين القريب. إنها الليلة التي فيها اختلّت حسابات المسافات والجغرافيا وقد أكرم الله تعالى فيها حبيبه محمدًا ﷺ بالضيافة المباركة والوصال الميمون في رحلة ابتدأت من مكة المكرمة في محطتها الأولى، وصولًا إلى القدس الشريف في محطتها الثانية، وصولًا إلى السماء السابعة في محطتها الثالثة، ثم الرجوع والعودة إلى مكة، ويحدث كل ذلك وفراشه ﷺ ما يزال دافئًا {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} آية 1 سورة الإسراء، {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ*فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ*فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ*مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ*أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ*وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ*عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ*عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ} آية 8-15 سورة النجم.

جاءت ليلة الإسراء والمعراج ليلة المواساة والمؤازرة من الله تعالى لحبيبه ومصطفاه محمد ﷺ بعد أشجان وأحزان، بعد هموم وبلاء، بعد بكاء ورجاء ودعاء. جاءت بعد مشوار حافل بمحطات من الحزن والوجع امتدت سنة كاملة من حياته ﷺ، كان أبرز هذه المحطات والأوجاع رحيل الزوجة الوفية خديجة رضي الله عنها وموت السند والظهير والنصير عمه أبو طالب. وكانت ذروة الأحزان والآلام بما وقع لرسول الله ﷺ من ظلم أهل الطائف لمّا ذهب إليهم يدعوهم إلى الإسلام، فكانت تلك الزفرات: “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس”.

مقالات ذات صلة توقعات بالإفراج عن زكريا الزبيدي ضمن المرحلة الثانية من التبادل 2025/01/24

عندما يرقص البراق فرحًا

كانت السلوى من الله تعالى لرسوله ﷺ تعويضًا عمّا لاقاه من ذوي القربى في مكة، ومن أهل الطائف الذين تطاولوا عليه وأغلقوا في وجهه الأبواب. وإذا بها القلوب تفتح له في المسجد الأقصى المبارك ممن هم أكرم عند الله وأشرف من أهل الطائف ومكة بل ومن أهل الأرض جميعًا. إنهم رسل الله وأنبياؤه الذين استقبلوه في المسجد الأقصى المبارك، بل الذين تشرّفوا أن يكون هو إمامهم في الصلاة بالمسجد الأقصى المبارك مع أنه كان آخرهم بعثة ورسالة: “فلمّا دخل النبي ﷺ المسجد الأقصى قام يصلي فالتفت ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلّون معه”. وفي رواية أن جبريل عليه السلام سأل رسول الله ﷺ بعد أن قدّمه للصلاة إمامًا: “يا محمد أتدري من صلى خلفك؟ قال: لا يا جبريل. قال: صلى خلفك كل نبيّ بعثه الله”.

ومن دلالات ومعاني إمامة النبي ﷺ بالأنبياء ما أورده الأستاذ مخلص برزق في كتابه “الأقصى قرة عين النبي وأمته”:

اعتراف وإقرار من الأنبياء عليهم السلام بمكانته وفضله ﷺ عند ربه سبحانه، وأنه سيّد المرسلين وأفضل الخلق أجمعين، وأنه إمامهم في التبليغ عن الله وهداية البشر لعبادة الله الواحد جلّ جلاله.

وأن تلك الصلاة التي صلّى بها إمامًا بالأنبياء، فإنها كانت بمثابة صكّ وإعلان براءة الأنبياء من أتباعهم وأقوامهم إذا هم لم يدخلوا في الإسلام ولم يتبعوا محمدًا ﷺ ولم يتّخذوه إمامًا وقائدًا وهاديًا، وإذا لم يتّخذوا كتابه الذي أنزل عليه دستورًا ومنهاجًا وسائقًا إلى الجنة.

ومن الدلالات كذلك، تسليم الأنبياء والمرسلين مفاتيح الأرض المباركة لمحمد ﷺ، فمعظم هؤلاء الأنبياء قد عاشوا في هذه الأرض فكأنهم جاؤوا واجتمعوا في تلك الليلة في المسجد الأقصى لمبايعة رسول الله ﷺ، وليوكلوا أمته من بعده ويعهدوا إليهم ويأتمنوهم على بيت المقدس وأكنافه، وأنها ملك خالص لهم.

فإذا كان هذا هو مشهد استقبال أهل الأرض وهم الأنبياء أشرف خلق الله لرسول الله ﷺ، فكيف سيكون مشهد استقبال وترحيب أهل السماء به ﷺ، فقد ورد في الحديث الشريف: “فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء”.

وقبل استقبال أهل الأرض وأهل السماء فقد كان ذلك اللقاء الذي جمع بين رسول الله ﷺ ومعه البراق، فقد ورد في الحديث الشريف أن النبي ﷺ قد أُتي بالبراق ليلة أسري به ملجمًا مسرجًا فاستصعب عليه -تمنع- فقال له جبريل عليه السلام: أبمحمد تفعل هذا؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه. قال: فارفضّ البراق عرقًا أي تصبب عرقًا إكرامًا وإجلالًا لرسول الله ﷺ. وفي رواية أن البراق أخذ يهرول ويرقص ولا ينقاد ولا يجلس بسكينة لما أصابه من الفرح والطرب لأن الذي سيركبه ليس إلا سيّد الخلق وسيّد ولد بني آدم ﷺ، وهذه حالة تصيب الخيل عندما يصيبها الزهوّ والنشوة، بل إنها تصيب الإنسان عندما يفرح فرحًا شديدًا فيهتزّ ويتمايل نشوة وسرورًا. ولذلك يقال عن فلان أنه يكاد يطير من الفرح، قال رسول الله ﷺ: “فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين”. قال ابن أبي حمزة: “كان بقدرة الله عزّ وجل أن يُصعِد رسوله إليه بنفسه من غير براق ولكن ركوب البراق كان زيادة في تشريفه، لأنه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماش والراكب أعزّ وأكرم من الماشي.

المسجد الأقصى يوقد الشعلة

مثلما أن الله سبحانه كان قادرًا أن يوصل رسوله ﷺ إلى السماوات العلا من غير أن يركب البراق، ولكن الله أراد أن يعزّه ويكرمه بالركوب، فمثلها تمامًا أن الله سبحانه كان قادرًا على وصول حبيبه محمد ﷺ من مكة إلى السماء السابعة من غير أن تكون له محطة هي القدس الشريف.

لكن الله تبارك وتعالى أراد زيادة تكريم ومباركة للمسجد الأقصى ببركة وكرامة محمد ﷺ وأراد سبحانه أن يبارك محمدًا ﷺ ببركة المسجد الأقصى المبارك، لا بل إن الله تعالى أراد أن يجعل من المسجد الأقصى المبارك محطة للتزوّد والشحن لرسول الله ﷺ قبل انطلاق رحلة المعراج، تمامًا مثلما جعل الله تعالى المسجد الأقصى المبارك محطة لشحن الأمة وتزويدها بالروح المعنوية والعزة والكبرياء.

نعم إنه المسجد الأقصى المبارك الذي كلّما نزل بالأمة نازلة وكان الناس يسقطون في أتون الذلّ والهوان واليأس، وإذا بها نفحات المجد والعزّ والكرامة تنبعث من المسجد الأقصى المبارك وما حوله لتنبعث في الأمة الحياة من جديد. قال رسول الله ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، فقال الصحابة: أين هم يا رسول الله؟ قال بأكناف بيت المقدس”. وقال ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرّهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس”. إنهم الذين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم. إنهم مثل أشجار الزيتون تجذّرًا وصلابة، ومثل زيتها ينيرون للأمة ليلها ويبددون عتمتها. كان بشر الحافي يقول: “ما بقي من لذّات الدنيا إلا أن أستلقي على جنبي تحت السماء بجامع بيت المقدس. وقد قيل له: لمَ يفرح الصالحون ببيت المقدس؟ فقال: لأنها تذهب الهمّ ولا تستعلي النفس بها”.

بكى صفرونيوس وسيبكي غيره

إنه المسجد الأقصى المبارك الذي تحددت هويته ونسبه من يوم أن وضعه الله في الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، ثم تأكدت هذه الهوية بإمامة النبي ﷺ إمامًا بالأنبياء فيه، وأكد هذا النسب صفرونيوس بطريرك الروم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد بكى وهو يسلّم المفاتيح لعمر، فسأله عمر عن سبب بكائه، فقال: “والله ما على زوال الملك بكيت ولكنني أبكي لأني أعلم أن ملككم عليه سيظلّ أبد الدهر يرقّ ولا ينقطع”. ومن يومها إلى يومنا هذا فإن هوية القدس كانت واضحة وأنها مدينة يبوسية عربية إسلامية، وكانت دائمًا تحت سيادة المسلمين منذ الفتح الإسلامي إلا في فترتين، الأولى: حينما وقعت تحت الاحتلال الصليبي بين العام 1099-1187، والثانية: لمّا وقعت تحت الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967 وحتى يومنا

هذا كان يومًا حزينًا يوم الجمعة 15 تموز 1099 وفق 23 شعبان 492 هـ، اليوم الذي دخلت فيه جحافل الصليبيين بلاد الشام واحتلوا القدس والأقصى بعد أن انسحبت من القدس الحامية المصرية الفاطمية في موقف خيانة مشبوه وليس أقلّ من ذلك.

قال مجير الدين الحنبلي في وصف ذلك الاحتلال: -قصد الإفرنج بيت المقدس في “ألف ألف مقاتل”- أي مليون من الجنود، وقد حاصروا بيت المقدس لنيّف وأربعين يومًا ودخلوها ضحى يوم الجمعة، وقد قتلوا في ساحات المسجد الأقصى سبعين ألف مسلم، وتوقف الأذان وتعطلت الصلاة ورُفع الصليب بدل الهلال، وحولوا المسجد القبلي اسطبلًا.

استمر هذا الحال على ما هو عليه حتى هيأ الله تعالى للمسجد الأقصى قادة سعوا لنيل شرف تحريره وتطهيره من رجس الصليبيين، فكان عماد الدين زنكي ثم كان ابنه نور الدين محمود زنكي الذي أمر ببناء منبر في مدينة حلب للمسجد الأقصى المبارك ليكون هديته له يوم تحريره، ثم كان صلاح الدين الأيوبي وهو الذي ولد بعد احتلال الأقصى بأربعين سنة ولم يكن قد كحّل عينيه برؤيته من قبل ولا قرّت عيناه بسجدة فيه، لكن ذلك لم يمنعه أبدًا بل إنه الذي زاده إصرارًا وقد حرّم على نفسه الضحك حتى يحرره ويطرد منه فلول الصليبيين، وكان له ما أراد رحمه الله. وكان مشروع تحرير الأقصى قد شارك فيه أبناء الأمة الإسلامية القادمون من المغرب والعراق ومصر والشام. وكان الدور الأبرز قبل التحرير لأهل الموصل في العراق الذين كانوا يسمون بـ “النفّاطة” لأنهم أتوا معهم بتراب من تراب منطقة الموصل وكان مخلوطًا بمادة سريعة الاشتعال، النفط، فكانوا يصنعون منه رمايات يقذفونها بالمنجنيق، ساهمت بشكل مباشر في كسر إرادة الصليبيين وهزيمتهم وفك الحصار عن المسجد الأقصى.

وإذا كان دور أهل الموصل بارزًا قبل الفتح والتحرير، فقد كان الدور بعد التحرير للمغاربة الذين وقفوا أبطالًا حراسًا حول المسجد الأقصى خشية أن يرجع الصليبيون لمحاولة احتلاله، وسُميّ الباب الذي كانوا عنده باب المغاربة.

من سيعطّر ويطيّب المسجد الأقصى

احتل الصليبيون المسجد الأقصى ضحى يوم الجمعة، وشاء الله تعالى أن يتحرر المسجد الأقصى من الاحتلال الصليبي ضحى يوم الجمعة 27 رجب 83 هـ وفق 20/10/1187 م، وقد أمضى صلاح الدين وجنوده أسبوعًا كاملًا في تنظيف وتطهير المسجد الأقصى المبارك من رجس وأدران الصليبيين. وكان صلاح الدين يطيّب بيديه المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة بعطر الورد كانت أرسلته إليه نساء مدينة ديار بكر الكردية وقد أوصينه أن يطيّب به المسجد الأقصى بعد التحرير.

ولقد تشرّفت قبل 14عامًا بزيارة مدينة ديار بكر جنوب شرق تركيا حيث أكثرية سكانها من الإخوة الأكراد، وقد حدثني أحد الإخوة القائمين على النشاطات وترتيب الجولة الدعوية التي قمنا بها، أن مجموعة من النساء هناك قد أعددن كميات من عطر ماء الورد يطيّبن به المسجد الأقصى بعد خلاصه من الاحتلال الصهيوني.

فلمّا كان يوم الجمعة بعد الفتح إلا وصلاح الدين يقدّم لخطبة الجمعة والفتح في المسجد الأقصى القاضي والخطيب ابن الزكي الدمشقي لأنه هو صاحب بشارة فتح المسجد الأقصى لما قال بعد تحرير حلب قبل تحرير القدس بأربع سنوات:

وفتحكم حلبًا بالسيف في صفر مبشّر بافتتاح القدس في رجب

وكان أن حقق الله بشارته وفُتحت القدس والأقصى في ليلة الإسراء والمعراج ليلة 27 رجب، وكانت خطبة ابن الزكي خطبة مؤثرة ومميزة وقد امتلأت ساحات المسجد الأقصى بجموع المسلمين وبكت العيون من شدة الفرح وخشعت الأصوات ووجدت القلوب وقد استهلها الخطيب ابن زكي بقول الله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ۚ وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ}

وها هي حلب الشهباء وقد تحرّرت من حاكم ظالم من طائفة النصيريين العميلة لأعداء الأمة، مثلما تحرّرت يومها من حكامها الفاسدين أعوان الصليبيين.

ومثلما كان تحرير حلب يومها مبشّرًا بافتتاح القدس والأقصى، فبإذن الله تعالى سيكون تحرير حلب هذه الأيام مبشّرًا بخلاص القدس والمسجد الأقصى المباركين.

لن نسوّد وجهك يا رسول الله

ها نحن نعيش أفياء ذكرى الإسراء والمعراج حيث يعيش المسجد الأقصى المبارك محنته الثانية منذ الفتح العمري، وقد كانت محنته الأولى بالاحتلال الصليبي، وها هي محنته الثانية بالاحتلال الصهيوني له. إنه المسجد الأقصى المبارك الذي ما تزال تحاك ضده المؤامرات السوداء التي تهدف إلى هدمه وبناء هيكل مزعوم على أنقاضه.

وليس أننا نحن من حذّرنا فقط من هذه المشاريع السوداء والسياسات الرعناء الطائشة، بل إنها قيادات سياسية وأمنية إسرائيلية حذّرت من هذه السياسات المتطرفة والتي يمكن أن تقود إلى حرب دينية قد تقوّض أركان المشروع الصهيوني برمته، لكن يبدو أن صرخات التحذير هذه لم تلقَ آذانًا صاغية عند حكومة يمينية هي التي تؤجج الصراع الديني، وهي من تصب الزيت على نار الصراع المتأجج أصلًا والتي استغلت أحداث 7 أكتوبر 2023 لفرض مزيد من الحصار والتضييق والتدنيس للمسجد الأقصى المبارك.

إنه المسجد الأقصى المبارك مسرى رسول الله ﷺ ومعراجه أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، هو حق خالص لنا نحن المسلمين وليس لغير المسلمين لا لليهود ولا لغيرهم حق ولو في ذرة تراب فيه.

وإذا كان رسول الله ﷺ قد قال في الحديث الذي رواه ابن ماجة في صحيحه: “ألا وإني فَرطكم على الحوض، مكاثر بكم الأمم فلا تسوّدوا وجهي”. [فرطكم -أي أسير في مقدمتكم]

وكيف نسوّد وجهك يا صاحب الوجه الأبيض والأكرم والأنور، ونحن الذين أحببناك واتبعناك دون أن نراك.

بكل بساطة يهواك قلبي وروحي والهواجس والخواطر

وأعرف أن مثلي ليس أهلًا لمدحك غير أن الوجه ساحر

فحقّ لنا أن نفاخر بك وإننا من أتباعك، وحقّ لك أن تفاخر بنا يا رسول الله ونحن الذين عاهدناك ألا نسوّد وجهك، وأن نظلّ على خطاك، نحافظ على مسراك حتى نلقاك بأبي وأمي أنت يا رسول الله.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات مشابهة

  • 50 ألف مصل يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك
  • نحو 50 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك
  • عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك
  • صورة: 50 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • فتوح يدين قرار إجبار مئات المقدسيين على إخلاء من منازلهم في سلوان
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. في ذكرى الإسراء والمعراج: لا لن نسوّد وجهك يا رسول الله
  • مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى تحت حماية شرطة العدو
  • مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مشددة
  • عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
  • ماذا نعرف عن الهيكل المعدني بـمصيدة قلب مفاعل الضبعة؟