يتمتع السودان بموقع جيوسياسي مميز بين جيرانه في شمال شرق أفريقيا بمساحة مليون و822 ألف كيلومتر مربع، وهو بذلك ثالث الدّول من حيث المساحة في أفريقيا ومن الـ20 دولة الأكبر مساحة في العالم، فهو يمثل موقع القلب لجسد القارة الأفريقية بتمتعه بساحل طويل على امتداد الجانب الغربي من البحر الأحمر يبلغ 853 كيلومترا.

لقد حبا الله السودان بموقعه المميز الذي تمت الإشارة إليه، وقد شحت موارد الأرض الطبيعية وأصبحت مشكلة الغذاء في المستقبل هاجسا يؤرق العالم المعاصر، فإن السودان يتربع في محيطه الأفريقي والعربي بامتلاك أراض زراعية شاسعة تبلغ 200 مليون فدان في القطاعات المروية والمطرية، ولم يتمكن من استغلال ربعها لعدم الاستقرار السياسي ولعدم وجود الإمكانيات المالية والفنية اللازمة.

وتكشف المعلومات الصادرة عن وزارة الري والموارد المائية (مركز الإحصاء والمعلومات) أن للسودان ثروة مائية تقدر بـ433.5 مليار متر مكعب بواقع 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، و10 مليارات من روافده، و400 مليار من مياه الأمطار، و5 مليارات من المياه الجوفية، وتقول المعلومات الرسمية إن مشروع الجزيرة الزراعي يعد أكبر المشاريع في أفريقيا وأكبر مزرعة في العالم بإدارة واحدة، ويقع المشروع وسط السودان بين النيلين الأزرق والأبيض في السهل الطيني الممتد من منطقة سنار إلى جنوب الخرطوم والذي تم إنشاؤه في عام.

وفي واحدة من أهم الميزات العديدة الأخرى، وفق آخر إحصائية لوزارة الثروة الحيوانية في السودان عام 2008، فإن السودان يمتلك 150 مليون رأس من الماشية (أي نحو 4 أضعاف ما تملكه هولندا من الأبقار والأغنام والإبل) تعد من أجود أنواع اللحوم الطبيعية في العالم لاعتمادها على آلاف الأفدنة من المراعي الطبيعية.

إن البلاد تتمتع باحتضانها العديد من المعادن، مما أسال لعاب عديد من الدول في الجوار الإقليمي والدولي، وفي مقدمة هذه المعادن المعدن الأصفر، ويحتل السودان المركز 13 عالميا والثالث أفريقيا في إنتاج الذهب، إذ ينتج نحو 80 طنا سنويا في حين تقدر الاحتياطات غير المستغلة بنحو 1550 طنا، وحسب إحصاءات وزارة المالية والاقتصاد الوطني، فإن الذهب يمثل نصف صادرات السودان، فبلغت عائدات التصدير في النصف الأول من العام 2022 نحو 1.3 مليار دولار، وحسب المعلومات، فإن نسبة الذهب المهرب تبلغ نحو 80% من الإنتاج.

فضلا عن معادن أخرى عديدة تحتضنها أرض السودان، فالذهب الأسود (النفط) يوجد بكميات واحتياطات مقدرة في عديد من المربعات النفطية المنتشرة في كافة مناطق البلاد ويبلغ احتياطي السودان من النفط المؤكد 6.8 مليارات برميل (2010) أي قبل انفصال جنوب السودان، وهو بهذا يحتل الرقم 20 في العالم، ويمتلك السودان احتياطات مؤكدة من النفط تبلغ 1.5 مليار برميل بنهاية 2020، من دون تغيير منذ انفصال جنوب السودان عام 2011، وذلك وفقا لبيانات شركة “بي بي” البريطانية.

ومن الواقع السوداني المشهود والمرير، فإن القوى السياسية السودانية لم تحفل بما يمتلكه السودان من مقومات ضخمة تؤهله للنهوض التنموي والاقتصادي، لكن تلك القوي على مختلف مشاربها وتوجهاتها ظلت في عراك وتجاذب واستقطاب سياسي حاد وسالب منذ الاستقلال والفكاك من الاستعمار البريطاني للسودان (1899-1956).

لقد وفرت الحرب العظة والاعتبار لمن يعتبر، إن الدرس الذي توفر ينبغي أن يتمثل في الاستعداد لبناء دولة المؤسسات والقانون والتخلي عن الاستقطابات السياسية غير المجدية والابتعاد عن الارتباطات الخارجية التي لا تعير أدنى اهتمام للسودان وأهله فهي تريد “ذهب المعز وسيفه”.

ولا بد من صياغة الضوابط التي تجرم الأحزاب والجماعات والكيانات الأشخاص الذين يرتبطون بأي تحالفات أو علاقات مشبوهة أو كانت سببا في قيام الحرب فعلا أو تصريحا أو تلميحا.

لقد فتح الواقع السياسي السوداني المعقد الباب واسعا أمام الافتكاك من ارتهان التوازنات الداخلية بين شركاء الحكم في السودان لتوجهات القوى الخارجية الكبرى، والتي قد تشهد تغيرات جوهرية في المستقبل استجابة لمتغيرات داخلية أو إقليمية أو دولية متعددة ويحتاج السودان لبناء علاقات راسخة عنوانها الاحترام المتبادل للمنافع السياسية والاقتصادية والتجارية.

إن بعض السودانيين يتمزق ألما لحال وضعنا في تعاطي الدولة مع البعثات الدبلوماسية المقيمة في الخرطوم، وقد أطلقت العنان لتحركاتها وأنشطتها داخل بلادنا بلا حسيب أو رقيب، خاصة في الفترة التي أعقبت التغيير منذ أبريل/نسيان 2019، بل إن بعض السفراء تجاوزت فترة تمثيلهم بالبلاد 12 عاما، ولعل السودان سمح فقط لتمديد فترة بقاء السفير لأطول فترة ممكنة لسفراء محددين كان نشاطهم وتمثيلهم إيجابيا أو أن لبلادهم علاقات راسخة مع السودان كالسفير الكويتي عميد السلك الدبلوماسي العربي بالخرطوم الراحل السفير عبد الله السريع، الذي عمل دبلوماسيا لبلاده في السودان متنقلا بين الخرطوم وجوبا بين عامي (1974-1990) والذي يحفظ له ولبلاده الكويت تنفيذ عديد من المشروعات التنموية الإستراتيجية بالسودان أو السفير الفلسطيني أبو رجائي الذي امتدت فترة عمله إلى 21 عاما بالسودان (1985-2006)، وذلك للمكانة الخاصة للقضية الفلسطينية في نفوس أهل السودان، وكان ذلك مفهوما ومقبولا.

وعهدنا بالدبلوماسية السودانية أنها طردت دبلوماسيين من قبل تجاوزوا النظم الدبلوماسية المرعية، كالسفير البريطاني الأسبق بالخرطوم ألن قولتي عام 1999، وكانت الحكومة السودانية قد طردت من قبل عام 2007 كلا من ممثل المفوضية الأوروبية بالخرطوم السويدي كينت ديغرفيلت والقائمة بالأعمال الكندية نوالا لولور، بحجة تدخلهما في الشؤون الداخلية للبلاد، وغيرهم من الدبلوماسيين، كما أنها وبخت السفيرة البريطانية المغادرة للسودان روزاليند مارسدن عام 2010، وأنها استدعت ولفتت نظر عديد منهم ووبخت وأنذرت آخرين.

وأنا أكتب في هذا المقال عن الحال الذي آلت إليه السياسة الخارجية السودانية، استدعت ذاكرتي قصيدة رمزية للشاعر السوري عمر أبو ريشه تشابه أو تماثل حال السياسية الخارجية السودانية، وعنوان القصيدة “العقاب الهرم” التي يقول أبو ريشه في بعض أبياتها:

أصبح السفحُ ملعبا للنسور.. فاغضبي يا ذرى الجبال وثوري

إن للجرح صيحة فابعثيها.. في سماع الدنا فحيح سعير

واطرحي الكبرياء شلوا مدمى.. تحت أقدام دهرك السكير

إنه لم يعد يُكحلُ جفنَ النجم.. تيها بريشه المنثور

هجر الوكر ذاهلا وعلى عينيه.. شيء من الوداع الأخير

هبط السفح طاويا من جناحيه.. على كل مطمح مقبور

لا تطيري جوابة السفح فالنسرُ.. إذا ما خبرته لم تطيري

فهل أضحى حال دبلوماسيتنا كحال العقاب الهرم كما صورها عمر أبو ريشه؟ والسؤال هنا لم غابت هذه الروح وهذا الحق عن الدبلوماسية السودانية؟ وهل خف وزن البلاد السياسي نتيجة للواقع السياسي والأمني المضطرب بالبلاد؟ وهل أن الخارجية السودانية لا تستطيع استدعاء سفراء بعض الدول أو تطلب منهم مغادرة البلاد؟ وما النتائج المترتبة على استباحة السفارات الأجنبية البلاد بطولها وعرضها، ومن يتحمل المسؤولية في كل ذلك؟

وهل من الممكن أن تضع الخارجية السودانية حدا لما يحصل وتعيد للبلاد حقها ووزنها ومكانتها الدبلوماسية التاريخية المرموقة على الساحتين الإقليمية والدولية والتي بناها على مدي سنوات دبلوماسيون وسفراء سودانيون سابقون حفروا عميقا أسماءهم في الذاكرة الوطنية والدولية.

مامون عثمان – الجزيرة نت

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الخارجیة السودانیة فی العالم

إقرأ أيضاً:

عثمان جلال: مالك عقار هذه مساهمتنا في مشروع النهضة السودانية

(١). تستمد بضاعة حركة الاسلام في السودان صلاحيتها من الالهام التاريخي لأدوارها في صناعة المواقف الوطنية الكبرى منذ المشاركة في التدافع ضد الاستعمار وهي زغب الحواصل في محاضن التعليم الحديث الثانوي وكلية غردون، وكذلك دور اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بقيادة الاسلامي دفع الله الحاج يوسف في انجاز عملية السودنة ، ودورها في التصدي لانقلاب عبود عبر اتحاد ج الخرطوم بقيادة الاسلامي جعفر شيخ ادريس (ان اقيموا الدنيا وارجعوا الجيش الى الثكنات).

ثم دورها في صناعة ثورة اكتوبر التي اطاحت بنظام عبود عام ١٩٦٤ حيث كان في طليعة اتحاد طلاب ج الخرطوم حافظ الشيخ الزاكي وربيع حسن احمد ، وكان الدكتور الترابي ايقونة الثورة وهو يشخص بنيويا جذور ازمة الجنوب ويردها لغياب النظام الدستوري الديمقراطي .وايضا دورها في منازلة دكتاتورية النميري عندما كانت حمراء فاقع لونها تسيء الناظرين عبر اتحاد طلاب ج الخرطوم بقيادة الاستاذ علي عثمان محمد طه وانتفاضة شعبان ١٩٧٣ بقيادة احمد عثمان مكي وكان شعارها (ود المكي بطل منا )، ثم دورها في انتفاضة ١٩٨٥ التي اطاحت بالرئيس نميري ، ثم دورها خلال الديمقراطية الثالثة ١٩٨٦ الى ١٩٨٩م في دعم واسناد القوات المسلحة بالمال والرجال والتعبئة المعنوية للوقوف في وجه مشروع الحركة الشعبية العنصري التصفوي بقيادة الدكتور قرنق وذلك عندما خذلها اليسار وثبطت عزائمها الاحزاب التقليدية
(٢).

تستمد بضاعة حركة الاسلام صلاحيتها بدورها في التلاحم مع الجيش الوطني وهزيمة المشروع العسكري والقومي للحركة الشعبية والذي كان ينزع لاختطاف وابتلاع السودان وعلمنته وإلغاء الهوية العربية والاسلامية .حيث قدمت اكثر من عشرين ألف شهيد من اصفياء شبابها وطلابها وشيوخها وعلمائها الافذاذ ،وقيادات الدولة

وتستمد بضاعة حركة الاسلام صلاحيتها من ملاحم وانجازات ثورة التعليم العام والعالي التي حررت الانسان السوداني من ولاءات الخرافة والصنمية الطائفية الى ولاءات الافكار والقيم والبرامج ، والنظام الفيدرالي حيث المجتمع كله من الحي حتى اعلى جهاز تشريعي وتنفيذي في الدولة له سهم في صناعة مشروع النهضة، وثورة الاتصالات ، والطرق القارية ، والكباري والمطارات وثورة النفط والبترول ، ومدينة جياد الصناعية ، ومنظومة الصناعات الدفاعية التي تصنع من الطلقة الى الدبابة ، وصافات لتصنيع الطائرلت ،وسد مروي.واذا كانت الموجات الحضارية الكبرى والتي احدثت تغييرا بنيويا في السودان بدأت بالحضارة الكوشية ثم المروية ، ثم الممالك المسيحية الثلاثة،ثم الممالك الاسلامية في السودان الشرقي القديم وفي طليعتها مملكة سنار ،ثم النهضة الحديثة في العهد الاستعماري، فان تجربة الانقاذ هي الموجة الحضارية المعاصرة في السودان.

(٣).
هذه حركة بدأت صفوية طلابية في قلاع الحداثة والاستنارة، ثم جماعة ضغط سياسي ، ثم تكثف انتشارها في كل قطاعات المجتمع، وجغرافية السودان حتى بلغت القوى السياسية الثالثة في انتخابات ١٩٨٦، وقفزت بعد مرحلة الدولة لتملك الان اكبر قاعدة مجتمعية في السودان ،وأمهر الخبراء والمهنيين في كل الحقول فهي حركة راسخة الوجود في كل الحواضر والبوادي والبيوت والقطاطي السودانية.

حركة الاسلام تستمد قوتها في تماهيها مع قضايا الامة السودانية المصيرية والوجودية فحيثما تجد مواقف العزة والكرامة والشرف الوطني تجد حركة الاسلام فهي من المجتمع والى المجتمع تحيا لحياة السودان ، وتغضب لغضب السودان، وتثأر لجرح السودان وتتصدى لغاشيات الاستلاب الثقافي والهوياتي ، وتقف مع الجيش والشعب في خندق واحد ضد الاستهداف الاجنبي حتى يتكسر، وتموت وتفنى ويبقى السودان حرا وعزيزا. ثم تنهض من جديد جيلا بعد جيل.ونحن اكفاء لما مر بنا بل اكبر ، تاجنا الابقى وتندك العروش ، ولمن ولى حديث يؤثر ولمن ولى حديث يذكر .

(٤).
القائد مالك عقار ،اذا كان ثبات الاشجار يقاس بمدى عمق جذورها فان حركة الاسلام في السودان هي الاكثر رسوخا في التربة السودانية، فهي حركة سودانية البضاعة والفكرة والثقافة والتدين والمزاج والدين ومن هذه العناصر الخلاقة والالهام التاريخي تستمد مشروعيتها واستمرارها المطلق في دورات الزمان والمكان.

والقصة الطريفة والتليدة عندما قدم اليهودي من الشام ورأى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم متلفحا بعمامته السوداء يسقي ويقري الحجيج الطعام ويعزم على ذلك بتصميم نبيل حتى انبهر اليهودي وسأل: أهذا نبيء اخر الزمان ؟ فقالوا له هذا هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، هاشم الذي هشم الثريد واطعم الحجيج واستدرك اليهودي قائلا: هذا هو الكرم وليس مثل كرم اهل الشام اهل الجفنة .

القائد مالك عقار هذه بعض انجازات وملاحم وبطولات وصنائع حركة الاسلام في السودان، ولنا ارث من الحكمة والحلم وحب الاخرين وولاء حينما يكذب اهليه الامين ولنا في خدمة الشعب عرق وهكذا نحن ففاخر بنا.
(٥).
القائد مالك عقار لن نجاريك في تمييز مدى ملائمة بضاعتكم السياسية مع المواصفات المعيارية للقضايا الوطنية حاليا لاننا في معركة وجودية تقتضي الاصطفاف والتراص الوطني والتحرر عن الانا الذاتية والحزبية والايديولوجية وبعد ازالة الخطر الوجودي والمتمثل في امبراطورية ال دقلو العسكرية والاقتصادية ، على كل الاحزاب السياسية تقديم بضاعتها القديمة والجديدة للمجتمع السوداني فهو قوام المشروعية في القضايا التأسيسية والمرجعية في البازار الانتخابي والديمقراطي .

مالك عقار اعرض عن هذا وتحلى بعقل وسلوك القادة الكبار عند المنحنيات الوطنية الكبرى ولك في مواقف ملوك الشمس والظل عمارة دونقس، وبادي ابوشلوخ، وابولكيلك ومحمد ود عدلان نماذج إلهام وعزة وفخار ،فكن حيث كانوا ومعاندة التاريخ حماقة وقلة عقل.

عثمان جلال

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الخارجية السودانية: الهجوم على محطة توليد الكهرباء بسد مروي يؤكد أن المليشيا تستهدف بالأساس تدمير الدولة
  • آلاف يفرون من بلدتين في دارفور بسبب المعارك
  • وزير الخارجية المصري يؤكد ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السودانية
  • وزير الخارجية المصري يتوجه إلى السودان
  • افتتاح مقر جديد للسفارة السودانية بالقاهرة
  • عثمان جلال: مالك عقار هذه مساهمتنا في مشروع النهضة السودانية
  • الخارجية السودانية: انقطاع الكهرباء جراء هجوم ميليشيا الدعم السريع على محطة سد مروي
  • أكثر من 120 قتيلا بقصف على أم درمان السودانية  
  • ميدل إيست آى: مصر متورطة في معارك على الحدود السودانية مع المهربين
  • المعارك تحتدم في السودان.. ماذا بعد حديث “القتال 21 عاما”؟