لنراجع الأحداث من بدايتها : خطة الميليشيا كانت السيطرة على البلاد بإسلوب الضربة الخاطفة عبر أسر أو قتل رأس الدولة ومن ثم تشكيل حكومة من حاضنة الميليشيا السياسية وضباط من الجيش متواطئين معها وفي سبيل ذلك حشدت أغلب قواتها من الولايات إلى العاصمة في الأيام التي سبقت صباح ١٥ أبريل ، فشل هذا المخطط منذ الساعات الأولى لصباح ١٥ أبريل لثلاثة أسباب رئيسية : أساءت الميليشيا تقدير العقيدة القتالية لضباط القوات المسلحة حيث لم تحسب الميليشيا حساب ٣٥ فرد من الحرس الجمهوري قاتلوا بهذه الشراسة واستطاعوا إخراج القائد العام إلى مكان آمن، أيضاً أساءت الميليشيا تقدير قوة سلاح الجو السوداني ، أخيراً فإن ضباط الجيش المتواطئين مع الميليشيا خذلوها بعد أن فشلت في قتل القائد العام.

لم تتحسب الميليشيا لاحتمال فشل الإنقلاب وتحول المعركة المحدودة في القيادة العامة إلى حرب إستنزاف شاملة ومستمرة مما أنتج واقعاً لم يكن ضمن حسابات الميليشيا وهو بالتأكيد ليس في مصلحتها وسيوصلها إلى خسارة محتومة، لذلك ومنذ نهاية الأسبوع الأول للحرب توقفت هجمات الميليشيا المتواصلة على القيادة العامة بعد أن إقتنعت بإستحالة السيطرة عليها ويئست فعلياً من مشروع إبتلاع الدولة فأعادت تعريف النصر لديها بأن تستطيع إجبار الجيش على تفاوض يعيد لها وضعها الدستوري إلى ما قبل ١٥ أبريل، وفي سبيل ذلك أصبحت تتخذ إستراتيجية الإنتشار في الأعيان المدنية ومن ثم مهاجمة معسكرات الجيش من داخلها كوسيلة للهرب من الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة للجيش بعد الضربات الموجعة التي تلقتها وفشلها في جلب سلاح نوعي مضاد مما أجبر جناح الميليشيا السياسي ( شلة عنتيبي) على أن يهرعوا إلى الإتحاد الأفريقي وقوات الإيساف لتحييدهما في آخر محاولة لمعادلة الكفة على الأرض ولكنها فشلت في ذلك لتجد نفسها في معركة إستنزاف لم تعد لها العدة.

معركة الإستنزاف الطويلة تسببت في أضرار لا يمكن للدعم السريع تعويضها بسهولة : الأول فقدان الدعم السريع لأغلب قواته المنظمة القادرة على القتال بصورة إحترافية، والثاني في إنقطاع موارد الدولة عنه وإيقاف صرف مرتبات أفراده مما جعله يستنفر قبائل عرب النيجر وتشاد وأفريقيا الوسطى ومؤخراً مرتزقة الجنوب الليبي للقتال ضن صفوفه مقابل تركهم يستبيحون بيوت الخرطوم ويأخذون ما بداخلها. والأهم فقدان غطاءه السياسي لعملية ابتلاع الدولة الذي كان يقوم على تصوير نفسه كقوة إحترافية غير مؤدلجة تقوم بمحاربة الإسلاميين من فلول النظام البائد وجلب الديموقراطية.

هذه الأضرار تسببت في تغيير بنيوي [ Structural change ] للدعم السريع حيث حولته عملياً من قوات نظامية شبه عسكرية إلى أكبر تجمع للميليشيات المسلحة المكونة من المرتزقة واللصوص الذين لن يستطيعوا العيش إذا لم يسرقوا وينهبوا ويقاتلون بلا أي سقف أخلاقي ويمارسون كافة الفظائع الموثقة من قتل على أسس عرقية وتهجير العديد من سكان المدن كما حدث في الخرطوم والجنينة وغيرها والإغتصاب وبيع السودانيات في أسواق الرقيق . لهذا السبب تحديداً تنعدم مظاهر الدولة في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع ويهجرها سكانها ولا توجد فيها خدمات ، مثلاً : لا يمكن لتاجر أن يضع بضاعته في سوق تسيطر عليه الميليشيا لإنه من الممكن أن يفقدها هكذا ببساطة إذا قرر أحد مقاتلي الميليشيا أخذها، أيضاً لا يمكن للبنوك أن تعمل وسط مجموعة من السارقين ولا يمكن كذلك للنيابات والمحاكم والشرطة أن تعمل في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا. لذلك لايمكن لأي شخص أن يعيش مع قوات كهذه وفي مناطقها تنعدم جميع الخدمات وحياته خاضعة للمزاج الشخصي لـ الميليشياوي الذي أمامه . كذلك تسببت هذه الأضرار في إعادة تعريف الدعم السريع كقوات مجرمة أمام المجتمع الدولي والذي تحرك سريعاً بفرض عقوبات على قائد ثاني الميليشيا.
خلاصة ما أردت قوله يتمثل في أمرين :

الأمر الأول : أنه من الخطأ الكبير أن تتم المقارنة بين ما يحدث في السودان وبين ما حدث في ليبيا لإنه هناك إختلافاً جوهرياً في الحالة الليبية عن السودان، في ليبيا فإن الجنرال حفتر يسيطر على عدة على محافظات وحكومة طرابلس تسيطر أيضاً على عدة محافظات وحفتر يمثل بشرعية برلمان طبرق وحكومة طرابلس بشرعية الانتخابات التنفيذية. في السودان لم يستطيع حميدتي أن يسقط أي حامية للجيش في مدن دارفور الكبرى [ الفاشر – الجنينة – نيالا – زالنجي – الضعين]، وحتى في الخرطوم فإن قواته تنتشر في مناطق العاصمة دون أن يسيطر على أي مقر أساسي للجيش ودون جدوى تذكر والدليل على ذلك هو خروج القائد العام للجيش دون أن تستطيع الميليشيا إعتراض موكبه رغم إعتمادها على دعاية ” البدروم” منذ بداية الحرب والتي حطمها الجيش بنجاح. كما أن حميدتي لم تأتِ به شرعية إنتخابية.
الأمر الثاني : أن تكوين حكومة للميليشيا هو خطوة إنتحارية منها لإنها ببساطة ستكشف خوارها وضعفها وستولد ميتة ، إذ أنها لن تجد أحداً لتحكمه أساساً عدا المكونات الإثنية التي ينتمي إليها مقاتلو الميليشيا وستفشل في إدارة التناقضات بينهم لإن المجموعات المحلية المتنافسة حول الأراضي الرعوية و مناطق التعدين ستحاول الاستقواء بالانتماء للميليشيا لإزاحة منافسيها ، مناطق غرب كردفان و جنوب و شرق دارفور شهدت و تشهد صراعات مسلحة فعلياً بين مجموعات تنتمي لنفس الإثنية و أحياناً نفس (القبيلة). وستعجز عن تقديم الخدمات الضرورية كالتعليم والصحة بسبب شح الموارد الناتج من تضرر إنسياب التجارة الخارجية والخدمة الأهم وهي بسط الأمن في مناطق سيطرتها لإن عناصر و قيادات الدعم السريع ستسعى للبحث عن موارد بديلة كتعويض لفطام الميليشيا من موارد الدولة ، وبعد نضوب ما يمكن نهبه في الخرطوم سيتوجه سلاحهم لخزائن التجار المحليين.

تحليلي أن سرعة تلقى الحاضنة السياسية للجنجويد ( قحت ) لخطاب قائد الميليشيا وإنطلاقها في الميديا للتحذير من هذا الأمر والتلويح بالسيناريو الليبي يدل على وجود تنسيق عالي بينها وبين قائد الميليشيا للدفع بسرعة نحو تفاوض يعيد للميليشيا وضعها السابق للحرب وهو ما لن يحدث.

شادي علي

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

مجلس السلم الأفريقي يرفض قيام حكومة موازية في السودان

مجلس السلم الأفريقي حذر من أن تشكيل حكومة موازية في السودان ينطوي على خطر كبير يتمثل في تقسيم البلاد.

التغيير: وكالات

أعرب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، عن قلقه العميق وإدانته الصريحة للتطورات الأخيرة في السودان، لا سيما إعلان قوات الدعم السريع والقوى السياسية والاجتماعية المتحالفة معها عن تشكيل حكومة موازية في جمهورية السودان.

وحذر المجلس من أن هذا الإجراء ينطوي على خطر كبير يتمثل في تقسيم البلاد.

ووقعت كيانات سياسية ومسلحة بجانب قوات الدعم السريع بالعاصمة الكينية نيروبي في أواخر فبراير الماضي، ما سمي ميثاق تحالف السودان التأسيسي الذي يُمهِّد الطريق أمام «حكومة سلام ووحدة» في مناطق سيطرة الدعم السريع.

مجلس السلم الأفريقي حفظ السيادة والوحدة

ودعا مجلس السلم والأمن الأفريقي في بيان يوم الثلاثاء، جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بأي حكومة موازية أو كيان يسعى إلى تقسيم السودان أو حكم أي جزء من أراضي السودان أو مؤسساتها.

كما دعا جميع الدول الأعضاء والمجتمع الدولي إلى الامتناع عن تقديم أي دعم أو مساعدة لأي جماعة مسلحة أو سياسية تسعى إلى إنشاء حكومة موازية أو كيان دولة داخل السودان.

وأكد المجلس أنه لا يعترف بالحكومة الموازية المزعومة أو أي كيان مماثل في جمهورية السودان.

وجدد المجلس التزامه بالحفاظ على سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، وحل النزاع المدمر الحالي سلمياً، وهو النزاع الذي تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، مما أدى إلى نزوح أكثر من 12 مليون مدني سوداني.

وقف إطلاق النار

ودعا المجلس جميع الأطراف إلى الاستجابة لدعوات وقف إطلاق النار وضمان الوصول الإنساني غير المقيد خلال شهر رمضان المبارك، والالتزام بإجراء محادثات سلام شاملة لإنهاء الصراع بشكل نهائي واستعادة وحدة الدولة السودانية.

كما أكد المجلس التزام الاتحاد الأفريقي الثابت بالتعاون مع جميع الأطراف السودانية المعنية لإيجاد حلول قابلة للتطبيق ودائمة تهدف إلى تحقيق السلام الدائم في السودان، وذلك استنادًا إلى خارطة طريق الاتحاد الأفريقي لحل النزاع في السودان، والتي تم تبنيها من قبل المجلس على مستوى رؤساء الدول والحكومات في 27 مايو 2023.

كما شدد على الحاجة إلى استئناف عملية استعادة النظام الديمقراطي الدستوري من خلال الحوار السياسي الذي ينظمه الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، بمشاركة الجهات الفاعلة السياسية والمدنية، وتنفيذ ‎إعلان جدة الذي وقعته ‎القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 11 مايو 2023.

وشدد المجلس على ضرورة إعطاء الأولوية للأركان الستة لخارطة طريق الاتحاد الأفريقي، ولا سيما الدعوة إلى وقف شامل لإطلاق النار، وضمان الوصول الإنساني، والتوصل إلى حل سياسي سريع للنزاع.

الوسومأديس أبابا إعلان جدة الاتحاد الأفريقي الحكومة الموازية الحوار السياسي السودان القوات المسلحة قوات الدعم السريع كينيا مجلس السلم والأمن الأفريقي نيروبي

مقالات مشابهة

  • مقتل امرأة وإصابة آخرين جراء قصف الدعم السريع الأبيض لليوم السابع
  • مجلس السلم الأفريقي يرفض قيام حكومة موازية في السودان
  • البرلمان الأوروبي يصوت لفرض عقوبات على قيادات في الدعم السريع ودرع السودان
  • الاتحاد الأفريقي قلق من تشكيل حكومة موازية في السودان
  • الاتحاد الإفريقي يحذر من خطر "تقسيم" السودان بعد تشكيل حكومة موازية  
  • السودان: الدعم السريع يقصف مدينة الأبيض لليوم السادس توالياً
  • قائد الجيش السوداني يضع شرطا صارما للسلام مع الدعم السريع
  • الجيش السوداني يبتدر عملية عسكرية كبيرة لاستعادة آخر جسر في الخرطوم من الدعم السريع
  • الجيش السوداني يكشف أسباب التصعيد في نيالا بين فصائل قوات الدعم السريع
  • النوبة بكشفون سبب تحالف الحلو الدعم السريع