عملياً هل يمكن للميليشيا تشكيل حكومة في السودان؟
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
لنراجع الأحداث من بدايتها : خطة الميليشيا كانت السيطرة على البلاد بإسلوب الضربة الخاطفة عبر أسر أو قتل رأس الدولة ومن ثم تشكيل حكومة من حاضنة الميليشيا السياسية وضباط من الجيش متواطئين معها وفي سبيل ذلك حشدت أغلب قواتها من الولايات إلى العاصمة في الأيام التي سبقت صباح ١٥ أبريل ، فشل هذا المخطط منذ الساعات الأولى لصباح ١٥ أبريل لثلاثة أسباب رئيسية : أساءت الميليشيا تقدير العقيدة القتالية لضباط القوات المسلحة حيث لم تحسب الميليشيا حساب ٣٥ فرد من الحرس الجمهوري قاتلوا بهذه الشراسة واستطاعوا إخراج القائد العام إلى مكان آمن، أيضاً أساءت الميليشيا تقدير قوة سلاح الجو السوداني ، أخيراً فإن ضباط الجيش المتواطئين مع الميليشيا خذلوها بعد أن فشلت في قتل القائد العام.
لم تتحسب الميليشيا لاحتمال فشل الإنقلاب وتحول المعركة المحدودة في القيادة العامة إلى حرب إستنزاف شاملة ومستمرة مما أنتج واقعاً لم يكن ضمن حسابات الميليشيا وهو بالتأكيد ليس في مصلحتها وسيوصلها إلى خسارة محتومة، لذلك ومنذ نهاية الأسبوع الأول للحرب توقفت هجمات الميليشيا المتواصلة على القيادة العامة بعد أن إقتنعت بإستحالة السيطرة عليها ويئست فعلياً من مشروع إبتلاع الدولة فأعادت تعريف النصر لديها بأن تستطيع إجبار الجيش على تفاوض يعيد لها وضعها الدستوري إلى ما قبل ١٥ أبريل، وفي سبيل ذلك أصبحت تتخذ إستراتيجية الإنتشار في الأعيان المدنية ومن ثم مهاجمة معسكرات الجيش من داخلها كوسيلة للهرب من الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة للجيش بعد الضربات الموجعة التي تلقتها وفشلها في جلب سلاح نوعي مضاد مما أجبر جناح الميليشيا السياسي ( شلة عنتيبي) على أن يهرعوا إلى الإتحاد الأفريقي وقوات الإيساف لتحييدهما في آخر محاولة لمعادلة الكفة على الأرض ولكنها فشلت في ذلك لتجد نفسها في معركة إستنزاف لم تعد لها العدة.
معركة الإستنزاف الطويلة تسببت في أضرار لا يمكن للدعم السريع تعويضها بسهولة : الأول فقدان الدعم السريع لأغلب قواته المنظمة القادرة على القتال بصورة إحترافية، والثاني في إنقطاع موارد الدولة عنه وإيقاف صرف مرتبات أفراده مما جعله يستنفر قبائل عرب النيجر وتشاد وأفريقيا الوسطى ومؤخراً مرتزقة الجنوب الليبي للقتال ضن صفوفه مقابل تركهم يستبيحون بيوت الخرطوم ويأخذون ما بداخلها. والأهم فقدان غطاءه السياسي لعملية ابتلاع الدولة الذي كان يقوم على تصوير نفسه كقوة إحترافية غير مؤدلجة تقوم بمحاربة الإسلاميين من فلول النظام البائد وجلب الديموقراطية.
هذه الأضرار تسببت في تغيير بنيوي [ Structural change ] للدعم السريع حيث حولته عملياً من قوات نظامية شبه عسكرية إلى أكبر تجمع للميليشيات المسلحة المكونة من المرتزقة واللصوص الذين لن يستطيعوا العيش إذا لم يسرقوا وينهبوا ويقاتلون بلا أي سقف أخلاقي ويمارسون كافة الفظائع الموثقة من قتل على أسس عرقية وتهجير العديد من سكان المدن كما حدث في الخرطوم والجنينة وغيرها والإغتصاب وبيع السودانيات في أسواق الرقيق . لهذا السبب تحديداً تنعدم مظاهر الدولة في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع ويهجرها سكانها ولا توجد فيها خدمات ، مثلاً : لا يمكن لتاجر أن يضع بضاعته في سوق تسيطر عليه الميليشيا لإنه من الممكن أن يفقدها هكذا ببساطة إذا قرر أحد مقاتلي الميليشيا أخذها، أيضاً لا يمكن للبنوك أن تعمل وسط مجموعة من السارقين ولا يمكن كذلك للنيابات والمحاكم والشرطة أن تعمل في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا. لذلك لايمكن لأي شخص أن يعيش مع قوات كهذه وفي مناطقها تنعدم جميع الخدمات وحياته خاضعة للمزاج الشخصي لـ الميليشياوي الذي أمامه . كذلك تسببت هذه الأضرار في إعادة تعريف الدعم السريع كقوات مجرمة أمام المجتمع الدولي والذي تحرك سريعاً بفرض عقوبات على قائد ثاني الميليشيا.
خلاصة ما أردت قوله يتمثل في أمرين :
الأمر الأول : أنه من الخطأ الكبير أن تتم المقارنة بين ما يحدث في السودان وبين ما حدث في ليبيا لإنه هناك إختلافاً جوهرياً في الحالة الليبية عن السودان، في ليبيا فإن الجنرال حفتر يسيطر على عدة على محافظات وحكومة طرابلس تسيطر أيضاً على عدة محافظات وحفتر يمثل بشرعية برلمان طبرق وحكومة طرابلس بشرعية الانتخابات التنفيذية. في السودان لم يستطيع حميدتي أن يسقط أي حامية للجيش في مدن دارفور الكبرى [ الفاشر – الجنينة – نيالا – زالنجي – الضعين]، وحتى في الخرطوم فإن قواته تنتشر في مناطق العاصمة دون أن يسيطر على أي مقر أساسي للجيش ودون جدوى تذكر والدليل على ذلك هو خروج القائد العام للجيش دون أن تستطيع الميليشيا إعتراض موكبه رغم إعتمادها على دعاية ” البدروم” منذ بداية الحرب والتي حطمها الجيش بنجاح. كما أن حميدتي لم تأتِ به شرعية إنتخابية.
الأمر الثاني : أن تكوين حكومة للميليشيا هو خطوة إنتحارية منها لإنها ببساطة ستكشف خوارها وضعفها وستولد ميتة ، إذ أنها لن تجد أحداً لتحكمه أساساً عدا المكونات الإثنية التي ينتمي إليها مقاتلو الميليشيا وستفشل في إدارة التناقضات بينهم لإن المجموعات المحلية المتنافسة حول الأراضي الرعوية و مناطق التعدين ستحاول الاستقواء بالانتماء للميليشيا لإزاحة منافسيها ، مناطق غرب كردفان و جنوب و شرق دارفور شهدت و تشهد صراعات مسلحة فعلياً بين مجموعات تنتمي لنفس الإثنية و أحياناً نفس (القبيلة). وستعجز عن تقديم الخدمات الضرورية كالتعليم والصحة بسبب شح الموارد الناتج من تضرر إنسياب التجارة الخارجية والخدمة الأهم وهي بسط الأمن في مناطق سيطرتها لإن عناصر و قيادات الدعم السريع ستسعى للبحث عن موارد بديلة كتعويض لفطام الميليشيا من موارد الدولة ، وبعد نضوب ما يمكن نهبه في الخرطوم سيتوجه سلاحهم لخزائن التجار المحليين.
تحليلي أن سرعة تلقى الحاضنة السياسية للجنجويد ( قحت ) لخطاب قائد الميليشيا وإنطلاقها في الميديا للتحذير من هذا الأمر والتلويح بالسيناريو الليبي يدل على وجود تنسيق عالي بينها وبين قائد الميليشيا للدفع بسرعة نحو تفاوض يعيد للميليشيا وضعها السابق للحرب وهو ما لن يحدث.
شادي علي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
قالت مجلة إيكونوميست إن قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش النظامي في السودان، كانت قبل عام تبدو في حالة جيدة بعد أن استولت على جزء كبير من العاصمة الخرطوم، وبسطت سيطرتها على كل دارفور تقريبا، واستعد زعيمها محمد حمدان دقلو (حميدتي) للقيام بجولة في العواصم الأفريقية يستقبل خلالها باعتباره الرئيس المنتظر للسودان.
وأوضحت الصحيفة أن الحديث عن نصر عسكري واضح لقوات الدعم السريع في هذه الأيام لم يعد قويا كما في البداية، بل إنها في وضع حرج لأنها شهدت انتكاسات في أماكن عديدة بعد أن توغل الجيش في أجزاء من الخرطوم كانت تسيطر عليها، مع أنها قريبة من الاستيلاء على الفاشر عاصمة إقليم دارفور.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحيفتان بريطانيتان: قرار الجنائية الدولية زلزال هز العالمlist 2 of 2التايمز: هل أدرك ترامب أخيرا محدودية شعاره "الخوف هو المفتاح"؟end of listوقد أدت تلك الأحداث مع انشقاق أحد كبار قادة قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة إلى موجة من الهجمات الانتقامية ضد المدنيين، كانت وحشية للغاية لدرجة أن المراقبين شبهوها بالتطهير العرقي في الأجزاء التي احتلتها قوات الدعم السريع في غرب دارفور العام الماضي.
لا مفاوضاتوذكرت المجلة بأن التفاوض في سويسرا على إنهاء الحرب التي تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فشل لأن القوات المسلحة السودانية رفضت الحضور، مشيرة إلى أن قوات الدعم السريع "تعتقد أنه لا يوجد مخرج من هذه الحرب من خلال النصر الكامل لجانب واحد"، ولكن المحللين يشككون في كون طلب المجموعة للمفاوضات حقيقيا.
ورأت الإيكونوميست أن ادعاء قوات الدعم السريع أنها تشن حربا من أجل الديمقراطية غير مقنع، لأنها نشأت من الجنجويد، وهي مليشيات سيئة السمعة، اتهمت باغتصاب المدنيين وذبحهم في دارفور في العقد الأول من القرن الـ21، ولا يوجد ما يشير إلى أنها تغيرت بشكل أساسي.
وهناك أسباب -كما تقول الصحيفة- تدعو إلى أخذ التزام قوات الدعم السريع بوحدة السودان على محمل الجد، لأن دارفور، المنطقة غير الساحلية التي تعاني من ندرة المياه لا تستطيع إقامة دولة مستقلة.
تصور الدعم السريعونقلت المجلة عن القيادي بالدعم السريع عز الدين الصافي قوله إن فكرة قوات الدعم السريع للتوصل إلى تسوية تفاوضية، تبدأ بوقف الأعمال العدائية وتجميد خطوط القتال الحالية، مع انسحاب الجانبين من "المنشآت المدنية".
وذلك إلى جانب احتمال فرض منطقة عازلة منزوعة السلاح من قبل قوات حفظ السلام الأفريقية، ليبدأ "حوار وطني" يضم جميع القوى السياسية في البلاد باستثناء الإسلاميين والحزب الحاكم السابق.
وأكدت المجلة أن معظم القوى الخارجية بما فيها الأمم المتحدة، تعتقد أن القوات المسلحة السودانية تتمتع بشرعية أكبر في نظر معظم السودانيين، مع أن رفض الجيش العنيد الانخراط بجدية في المفاوضات أضعف مكانته الدولية، وخاصة بين الدبلوماسيين الغربيين، ولذلك تحاول قوات الدعم السريع أن تضع نفسها في موقف الشريك الأكثر موثوقية من أجل السلام.