الائتلاف الوطني السوري.. تجربة تستنسخ النظام
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
تابعت كما تابع كثير من السوريين ما آل إليه وضع الائتلاف الوطني السوري من انتخابات صورية ذكرتنا بانتخابات مجلس الشعب السوري، وذكرتنا معها بصورة الاستهانة برأي الشعب وقراره، وذكرتنا بالعنجهية التي ظننا أنها حكر على البعث السوري، فوجدنا أن فيروس البعث قد تسلل حتى إلى بعض أطياف المعارضة السورية، التي لم نرَ لها وجوداً منذ سنوات، لا في الواقع السوري العملي ولا الافتراضي، إلاّ حين يحين استحقاق انتخاب هنا أو هناك، بينما الوجود في الواقع السوري مغيّب تماماً، في ظل معاناة تتكرر، وتتضاعف وتتراكم لأهلنا السوريين في الشمال المحرر، فضلاً عن مخيمات الشتات.
الائتلاف الوطني السوري الذي محّضه الشعب السوري دعمه وتأييده وسكت عن الكثير من التجاوزات التي ارتكبها، يواصل يوماً إثر يوم وسنة بعد سنة أخطاءه، وابتعاده عن الشعب السوري، ظاناً أنه بقربه من الدول يستطيع أن يفرض نفسه على الشعب السوري الثائر إلى ما لا نهاية، وهو الذي ثار ضد أخطر وأحقر منظومة بعثية مجرمة في سوريا، تتمتع وتحظى بعلاقات دولية واقليمية قلّما حظي بها نظام في المنطقة، ومع هذا لا يزال الشعب السوري يكافح ويقدم التضحيات من أجل التخلص من هذا النظام المجرم. ولكن يبدو أن من تسلل فيروس البعث إلى جسده السياسي والاجتماعي لا يزال يعيش على عقلية البعث من أن السياسي هو المدعوم خارجياً، والمقيم خارجياً، والمنبتّ والمنقطع عن شعبه وهموم أمته، ولو تخلى عنه شعبه.
من المعيب أن تتحكم مجموعة بقرار الائتلاف، وهذا التحكم مستمر ومتواصل وباق منذ سنوات، والكل يعلم ذلك ويسكت عنه رغباً ورهباً، ومن المعيب فرض مجموعة منقطعة عن الشعب السوري، وأتحدّى أن يعرف السوريون أسماء قادة الائتلاف، في حال أُجري استطلاع حقيقي وعلمي لشريحة عشوائية، ولكن مع هذا لا تزال هذه القيادات التي نصّبت نفسها على الثورة السورية تُصر على البقاء في السلطة، بطرق ملتوية وبعنجهية وكلام سوقي يتداولون ويهددون به منافسيهم، كلام يعفّ اللسان عن ذكره.
المطلوب ليس من هذه القيادات التوقف عن غيّها، والتخلص من وهمها السياسي، وانفصالها عن الواقع، لأن مثل هذه القيادات أدمنت ذلك، ولا شفاء لها من هذه الأمراض التي ابتليت بها، وإنما المطلوب اليوم ممن تبقى من قيادات واعية وصادقة في الائتلاف الوطني الذي هو بحق مظلة سياسية للسوريين دفعوا ثمنا باهظاً من دمائهم، أن يتحركوا، ويرصّوا صفوفهم بشكل حقيقي وواقعي وجريء، يرفضون من خلاله الواقع المريض الذي تديره مثل هذه المجموعة، فالمسألة اليوم مسألة دم ومعاناة وتشرد، لا مجال فيها للمجاملات، ولا مجال معها للصمت والتأخير والتسويف، فدماء الشهداء تستصرخ، وعويل المعتقلين والمعتقلات ينادي الجميع، وهناك عذابات المشردين والمشردات في خيام بالية لا تقي برداً ولا حراً.
أما القيادات السورية المؤثرة والرموز النخبوية خارج الائتلاف الوطني السوري فعليىها أن تتداعى بسرعة، وتأخذ على أيدي هذه المجموعة التي جيّرت المظلة السياسية الثورة لمصالحها ومصالح دول يعملون لها ويشتغلون عندها، فالشعب السوري وأنا أقيم الآن في الشمال المحرر يرفض مثل هذه الإملاءات، ويرفض هذه الشخصيات التي ثبت أنها امتداد لمصالح الآخرين، بل وتسعى لسنوات ضد المصلحة الثورية، وما تحركاتها منذ الأستانة وما قبلها وما بعدها إلا تأكيد على هذه السياسة المضادة والمتعارضة مع الثورة السورية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الائتلاف الوطني سوريا الثورة سوريا الائتلاف الوطني الثورة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب السوری
إقرأ أيضاً:
الدولة اللبنانية والسّيادة: واقع وتطلّع: ورقة عمل في شراكة بين ملتقى التأثير المدني ومؤسَّسة كونراد آديناور
نشر "ملتقى التأثير المدني" ومؤسسة "كونراد آديناور - لبنان"، في إطار التعاون بينهما في مسار "لبنان وتحديات إصلاح السياسات: نحو رؤية متكاملة"، ورقة عمل بعنوان " الدولة اللبنانية والسيادة: واقع وتطلع". أعد الورقة الدكتور وجيه قانصو وصدرت باللغتين العربية والإنكليزية جاء فيها: "هذه السيادة، بالنسبة لبودان، هي جوهر خالص غير قابل للتجزئة، موجودة هناك دائماـ مثلما أن الله موجود. سلطة سامية أصيلة وأولى لا تأخذ شيئا من الغير ولا تخضع للغير بأي صلة تبعية. سلطة غير مسؤولة تجاه أي سلطة أخرى على وجه الأرض، ولا مفوضة من أي كان. سلطة لديها قوة سن القوانين للجميع، أي الأمر بما تريد أو النهي عنه دون أن يكون بالإمكان استئناف أوامرها أو حتى معارضتها. سلطة تمنع الآخرين من إقرار السلام وشن الحرب وجباية الضرائب وتأدية يمين الولاء بدون إذنها. سلطة تملك حق إكراه أي عضو من أعضاء الجسم السياسي، دون أن تكون قابلة للتعرض لأي إكراه إنساني خارجها. إنها سلطة تحتفظ لنفسها بالكلمة الأخيرة". أضاف: "لذلك، ورغم أن الدستور اللبناني مرتكز في خلفيته إلى الأصول النظرية لمفهومي الدولة والسيادة المتداولين في المجال الغربي، إلا أنه بهيكليته وصياغاته التشريعية مسكوب بذاتية لبنانية تشدد على الكيانية النهائية للبنان، وتتمسك بتركيبتها الاجتماعية، وتراعي هشاشة وحساسية مكوناتها الفرعية، وتتموضع في العالم على أساس الشرعية الدولية وموجبات الانتماء والهوية العربيين. كل هذا جعله دستوراـ يقوم على معادلة دقيقة وفي غاية الحساسية بين ذهنية شرق متروحن وذهنية غرب متعقلن، عقد اجتماعي وتضامنات عضوية، حداثة ليبرالية وأطر تقليدية صلبة، مبادئ كلية ومحددات جزئية". تابع: "ذكرت السيادة في موضعين في مقدمة الدستور، ما يجعلها تعبر عن روح الدستور ومبدأ أوليا ثابتا يشرط باقي نصوص الدستور ويفسرها . فقد نص الدستور على أن لبنان "دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة". هذا النص يستوفي كامل شروط السيادة، التي تشدد على أن الدولة كيان واحد لا يقبل التجزئة، وأن مساحة سلطته في إدارة شؤون الحياة العامة تامة وشاملة. كذلك فقد نص الدستور على أن "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية". وهو نص لا يلغي النص الأول أو يعارضه، بل يقع في طريقه، لجهة أن الدولة هي الكيان الذي يجسد إرادة الشعب ويجعله ملموساـ وظاهراـ، ما يجعل السيادتين: سيادة الدولة وسيادة الشعب واحدة. ولذلك أكد النص أن الشعب يمارس سيادته عبر الدولة حصراـ، بحيث تنتفي صلاحية أو سيادة أية مؤسسة أو كيان مدني أو أمني ينشأ خارج الدولة وبموازاتها، ويدـعي لنفسه صلاحية تمثيل أو التعبير عن الشعب أو عن جزء منه". أضاف: "مدار فعلية السيادة هو الواقع السياسي نفسه، الذي يتجلى في التضامنات والتحالفات وموازين القوى من جهة، وفي الممارسات والتأويلات والخطاب من جهة أخرى. فإذا كان الدستور حاسماـ في مبدأ السيادة، فإنه يبقى افتراضياـ لا يتحقق إلا بالممارسة والتقيد الصارم به في جميع مجالات الحياة العامة. ورغم أن الدستور مرجعية لأي شرعية أو معنى سياسي، فقد كان عرضة لسوء التفسير، وقابلاـ للتعطيل مع وجود موازين قوى تنزع إلى فرض عرف سياسي وتقديم تفسيرات مشوهة للسيادة، تكون بمثابة دستور رديف غير مدون لتوزيع لسلطة وممارستها. لنكون بالتالي أمام فجوة لا يمكن ردمها بين السيادة المفترضة دستورياـ من جهة وبين مجريات الواقع من جهة أخرى. يمكن القول أن الواقع السياسي في لبنان، منذ اتفاق الطائف، شكل انتكاسة لسيادة الدولة، التي تعرضت إلى سوء تفسير حيناـ، وتعطيل متعمد حيناـ آخر، تمثل ذلك بمستويات ثلاث: وصاية خارجية، خارجي، فائض قوة داخلي، عرف سياسي رديف للدستور ". وختم: "أخطر مقوضات السيادة هو خلق عرف سياسي رديف للدستور، يقوم على تفسيرات استنسابية ومشوهة للدستور وتتنافى مع روحه وثوابته. هذا العرف يصبح مع تكرار ممارسته بمثابة قاعدة أصلية بعدما كانت ثانوية، وثابتة بعدما كانت موقتة. ليصبح هو المرجعية في ممارسة السلطة وتوزيع الموارد بدلا من النص الدستوري نفسه. وهو ما حصل زمن الوصاية السورية، وحصل أيضاـ حين فرضت قوى الأمر الواقع فائض قوتها على ترسيخ عرف سياسي يكون بمثابة دستور رديف غير مكتوب، وغايته ترسيخ قواعد لعبة تعكس موازين القوى وسلطات الأمر الواقع ".