في مطلع شهر يوليو عام 2007، شيّعت الجموع في مصر، جثمان، د.أشرف مروان (مدير مكتب الرئيس للمعلومات، مسئول الاتصالات الخارجية، ورئيس الهيئة العربية للتصنيع في عهد الراحل محمد أنور السادات) بعد 3 أيام من سقوطه من شرفة شقته (بالطابق الخامس، عمارة، ستيوارت، شارع، كارلتون هاوس تيراس، بحي وستمنستر، القريب من ميدان، بيكاديلي) في العاصمة البريطانية، لندن.

وفيما غاب الرئيس محمد حسني مبارك، آنذاك، عن تشييع الجثمان، بسبب مشاركته في فعاليات القمة الإفريقية في العاصمة الغانية (أكرا)، فقد أصدرت رئاسة الجمهورية، نعيًا رسميًا، يجدد تأكيد «الدور الوطني لأشرف مروان، وأنه كان رجلًا مخلصًا لبلده، ونفذ مهمات وطنية، لم يحن الوقت للكشف عنها، ولم يكن جاسوسًا على الإطلاق لأي جهة».

بعدها، بـ3 سنوات (منتصف يوليو 2010) استبعدت محكمة للطب الشرعي في لندن أن يكون «أشرف مروان» قد «انتحر بإلقاء نفسه من شرفة منزله، ولا يوجد دليل كافٍ على قتله» بحسب النتائج النهائية للتحقيقات البريطانية، التي لم تنه الجدل حول دوره كـ«عميل مزدوج» ضمن خطة «الخداع الاستراتيجي» التي نفذتها مصر، قبل حرب أكتوبر عام 1973، فيما كل الشواهد تكّذب «الرواية الإسرائيلية» التي تحاول الإيحاء بأنه «عَمِل لصالحها»!

المشهد الأول

مختصون في إعداد وتجهيز عناصر جمع المعلومات، يؤهلون، أشرف مروان، للعمل كـ«عميل مزدوج» بعدما اختمرت الفكرة في عقول الجهات المعنية في مصر، بعد انضمام (صهر الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر) لفريق الرئيس، السادات.. كانت الخطة تعتمد على أن يكون، أشرف مروان، أداة مهمة في خطة «الخداع الاستراتيجي» المصرية، وتضليل الجانب الإسرائيلي، إدراكا من المخططين المصريين بأهمية دوره في «الحرب الصامتة» سواء عبر جمع المعلومات، أو تمرير التفاصيل المطلوبة منه، كغيره من الجنود المجهولين داخل إسرائيل، آنذاك، اعتمادا على صفات، أشرف مروان، المحفزة لترشيحه كـ«عميل مزدوج» فهو شخصية مركبة، معقدة، وغامضة، تجمع بين المكر والدهاء، وقد نجحت الجهود المصرية في توظيف هذه الآلية في خداع إسرائيل.

المشهد الثاني

غرفة العمليات الرئيسة المجهزة لإدارة حرب أكتوبر، حيث يتوسط الرئيس، السادات، قادة المعركة، وأركانها.. الفريق المكلف بالتخطيط لـ«موعد الهجوم»، أقسم، بعدم البوح بأي معلومة تتعلق بالمهام العسكرية، بالتزامن مع نشاط عمليات الخداع: السلبية (السرية والمأمونية، والعمل على حرمان العدو من الحصول على معلومات حقيقية عن القوات، عبر إنشاء مواقع ومعدات، تحاكى القوات الحقيقية أمام وسائل الاستطلاع البصري والحراري والراداري، كإقامة مواقع هيكلية لمختلف الأسلحة) أو الإيجابية (اختراق وسائل جمع وتحليل المعلومات المعادية، ولفت انتباهها إلى أهداف خادعة، ما يؤدي إلى بناء تقديرات وقرارات خاطئة).

يعتمد نجاح وسائل الخداع في تحقيق الأهداف مع الإعداد الجيد، والمنسِّق لكل الإجراءات التي تتخذ لمراقبة العدو، ومتابعة قدراته، وإمكاناته وطبيعة معتقداته، ومستواه الإدراكي مع إسباغ الصدق على المعلومات المرسلة للخصم (على النحو الذي قام به الراحل أشرف مروان) لكي تتفق إجراءات الخداع مع الخط الطبيعي المحتمل للأحداث، وذلك بأن تكون واقعية، مع عدم المبالغة، وأن تصل الإجراءات إلى العدو عن طريق القنوات الطبيعية للمعلومات ولو أدى ذلك للإفصاح عن بعض الحقائق بما لا يضر بالخطة الأساسية.. وصولها للعدو بأكثر من وسيلة، يجعله يقوم ببناء تقديراته الخاطئة.. كانت القوات المسلحة المصرية، ترغب في اختبار سرعة رد فعل الجيش الإسرائيلي، وطبيعته، لذا لجأت لعمليات تضليل متنوعة (استخباراتية، وعامة) والتي كان من بينها إعلان، السادات، أكثر من مرة، نيته القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل، كما زوّد أشرف مروان إسرائيل بالكثير من المعلومات المضللة، التي تعاملت معها الجهات المعنية في تل أبيب باعتبارها معلومات هامة.

المشهد الثالث

صفارات الإنذار تدوي فجأة، داخل إسرائيل، ظُهر السادس من أكتوبر عام 1973، إثر هجوم كاسح على الجبهتين المصرية- السورية، فيما رئيسة الحكومة، جولدا مائير (التي كانت تجتمع، حينها، بعدد محدود من الوزراء) لا تصدق ما يحدث في جبهة سيناء، التي اقتحمتها القوات المسلحة المصرية، على طول خطوط المواجهة، في الوقت الذي كان يجهز فيه ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي للاحتفال بـ«عيد الغفران»!

لم تكن الدهشة والذهول من نصيب، جولدا مائير، وحدها، لكن الحالة نفسها، كانت بادية على قسمات، وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه ديان، ورئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، ديفيد إليعازر.. كانت أجواء ما يحدث، تكشف عن طبيعة الموقف الإسرائيلي المعلوماتي- الميداني، لاسيما، فشل التفكير والاستعداد، وتدني التقييم الواقعي لحجم وإمكانات القوات المسلحة المصرية، ويوضح حجم التجهيز المصري (دقة الإعداد والتخطيط وقوة الأداء واحترافية التنفيذ، وقدرة المقاتل المصري على تغيير المعادلات العسكرية، والإبداع في إعداد الدولة للحرب وخطة الخداع الاستراتيجية، ثم هدم نظرية الأمن الإسرائيلي).

لقطات من حرب أكتوبرالمشهد الرابع

لجنة «أجرانات» (21 نوفمبر 1973) المكلفة بالتحقيقات الرسمية في فضيحة الإخفاق الإسرائيلي (عسكريا، وأمنيا) في توقُّع موعد حرب أكتوبر عام 1973، تصدر قراراتها الصادمة، التي تحرج الجيش الإسرائيلي (وقادته التنفيذيين، وأجهزة معلوماته) كرد فعل مباشر للإخفاق المعلوماتي، الذي تسبب في هزيمة الجيش الإسرائيلي، خلال الحرب.

جاء ذلك بعد أكثر من 140 جلسة، استمعت خلالها لجنة «أجرانات» لعشرات الشهود، وتسلمت مئات الشهادات المكتوبة، ثم أصدرت قرارها (30 يناير 1975) في 1500 صفحة (لاتزال 1458 صفحة منها محاطة بالسرية التامة، كونها تكشف الخلل العسكري الضخم في جيش الاحتلال، وتؤكد براعة العسكرية المصرية، وإجهاضها لنظرية الأمن الإسرائيلية، خاصة عنصري القوة فيها: سطوة القوات الجوية، والمخابرات).

حمَّلت اللجنة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ديفيد إليعازار، مسئولية الهزيمة، بسبب دوره السلبي في شئون تقييم الوضع واستعدادات الجيش، وأنه كان يجب أن يوصي بالاستنفار الجزئي مطلع شهر أكتوبر 1973، وألا يتأخر لليوم الخامس منه، مع إعفاء كل من رئيس الأركان، ورئيس قسم الاستخبارات، إلياهو زعيرا، من منصبه، وألا يُعهد للقائد العام لجبهة سيناء خلال حرب أكتوبر، شموئيل جونين، أي دور فعال في الجيش، مع إنهاء خدمات قيادات عسكرية أخرى، غير أن قرارات لجنة أجرانات لم ترضِ الإسرائيليين، فانطلقت الاحتجاجات، التي انتهت باستقالة جولدا مائير (بصفتها، رئيس الحكومة، القائد الأعلى للقوات المسلحة الإسرائيلية) وموشيه ديان (وزير الدفاع، القائد العام للقوات الإسرائيلية).

المشهد الخامس

صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، تطلب إجراء حديث مع رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الأسبق «إيلى زعيرا».. يتمسك الرجل (خلال الحديث) بموقفه التقليدي، عبر إلقاء اللوم على قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية.. يحملها مسئولية ارتكاب «أخطاء عدة، تسببت في هزيمة إسرائيل خلال حرب أكتوبر عام 1973، مع نجاح خطة الخداع الاستراتيجي المصرية» في إشارة غير مباشرة إلى مساهمة عناصر بشرية مصرية في إسقاط نظرية الأمن الإسرائيلية، ما يؤكد براعة مصر في «التغرير الاستخباراتي» بالجانب الإسرائيلي، لاسيما جهاز الاستخبارات الخارجية (موساد).

لم ينكر «إيلي زعيرا» (في مذكراته: حرب يوم الغفران) دور الراحل، أشرف مراون كـ«عميل مزدوج» بل واعترف بـ«ولائه» لمصر، وأنه كان أحد أهم الأدوات في خطة الخداع المصرية، التي عصفت بسمعة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

المشهد السادس

قاعة الندوات الكبرى في مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب (6 أكتوبر عام 2013)، حيث نظم المركز ندوة موسعة لبحث قضية الفشل في توقع حرب أكتوبر عام 1973.. تصدر الحضور، رئيس جهاز الموساد خلال حرب أكتوبر، تسفي زمير (98 عامًا) ورئيس جهاز الاستخبارات العسكريّة، آنذاك، إيلي زعيرا (94 عامًا) تبين أن العداء بين الرجلين لايزال على أشده، رغم مرور كل تلك السنوات، وما إن بدأت فعاليات الندوة، حينها، حتى راح كل منهما يكيل الاتهامات للآخر، ويتهمه، مجددا، بأنه السبب فيما حدث!

لا يتوقف رئيس الموساد الأسبق (تسيفي زمير) عن تحميل شُعبة الاستخبارات العسكريّة «مسئولية الفشل في تزويد المستوى السياسيّ -رئاسة الحكومة- بالمعلومات المتعلقة باستعدادات الجيشين المصريّ والسوري قبل الحرب، وأن شعبة الاستخبارات العسكريّة ارتكب عدّة أخطاء، فيما يتعلق بصحة وتدقيق المعلومات الكافية والوافية، حيث تبين أنّ فرضيّة الشعبة كانت خاطئة، وعبّرت عن استهتار وفوقية واستعلائيّة تجاه عدو يملك إصرارًا كبيرًا وقوة كبيرة».

المشهد السابع

رئيس أركان الجيش، ديفيد إليعازر، يبدو الأعلى صوتا، والأكثر غضبا وحنقا خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية برئاسة، جولدا مائير (3 إبريل 1974) يبدي اعتراضه الشديد على «محاولة تحميل المستوى العسكري الإسرائيلي مسئولية الهزيمة، دون باقي الجهات المعنية في إسرائيل، لاسيما المستوى السياسي»، لكن المهم في كلام «ديفيد إليعازر» (بحسب ما أورده راديو إسرائيل، حينها) أنه «لم يكن هناك إنذار من الاستخبارات، وبالتالي لست مخطئا»!

حاول «إليعازر» أن يتفرق «دم المسئولية العسكرية» فقال (خلال الاجتماع نفسه): «كانت هناك خطة معروفة، تم التدريب عليها، لصد أي هجوم محتمل.. هذه الخطة كانت لدى قيادة المنطقتين الجنوبية والشمالية.. دعوت القائدين لاجتماع ظهر يوم الغفران للتأكد من استعدادهما للقتال.. كان الخلاف بيني وبين وزير الدفاع، موشيه ديان، يوم السادس من أكتوبر، حول القوات الضرورية للدفاع.. الوزير لم يقر أي تجنيد للاحتياط يوم الغفران، بل صادقت عليه رئيسة الحكومة، استناداً إلى اقتراحي.. لماذا أتحمل المسئولية، رغم أن المعلومات نفسها كانت لدى وزير الدفاع»؟!

المشهد الثامن

شقته صغيرة (دور أرضي) بالعمارة رقم 25، شارع أمين الرافعي، تواجه مبنى مجلس الدولة، بمنطقة الدقي، محافظة الجيزة، حيث ينكب المفكر الكبير، د.جمال حمدان، فور انتهاء حرب أكتوبر عام 1973، على مسودة كتابه «أكتوبر في الاستراتيجية العالمية» (صدرت طبعته الأولى منه عام 1974) ضمن جهود المفكر الراحل، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، حتى رحيله في إبريل 1993، لتفنيد أكاذيب إسرائيل، بالأدلة المنهجية.

يقول «حمدان» إن «انتزعت القيادة المصرية المفاجأة النسبية والتكتيكية بدرجة حققت كل أهدافها المباشرة وغير المباشرة وتركت العدو في حالة تامة من العمى ثم التخبط، ثم الذهول واللوعة، ومازال الجميع يتساءلون في كل الدنيا عن ذلك السر الغامض والمحير الذي أعمى الإسرائيليين عن كل علامات المعركة ومؤشراتها ونذرها.. كان عامل السرية المطلقة مكفولا بدرجة فذة، كما سارت عمليات الخداع الاستراتيجى للعدو حسب تخطيط كفء طويل المدى».

المشهد التاسع

يقف فندق «دورشستر» المملوك لسلطان بروناي، الحسن بلقية، شامخا، في لندن، بين حي «مايفير» و«بارك لين» ويطل على حديقة «هايد بارك» الشهيرة.. تحدث الأستاذ محمد حسنين هيكل، عام 2012، عن واقعة معبرة حدثت في بهو الفندق (كتاب: مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان) قائلا: «مد أشرف مروان، يده إلى الجيب الداخلى لـچاكته، وأخرج منه ورقة ناولها لي.. كانت قُصاصة من جريدة الأهرام نشرت نص ما قاله الرئيس السادات فى تكريم أشرف مروان عندما ترك منصبه فى رئاسة الجمهورية، والتحق بالهيئة العامة للصناعات العسكرية -الهيئة العربية للتصنيع، التي أنشأتها مصر، السعودية، والإمارات، لتصنيع السلاح، قبل أن تئول إلى مصر- نظرت في القصاصة ثم طويتها وناولتها لأشرف.. سألني: ألا تكفيك شهادة أنور السادات، حين يقول إنني قدمت خدمات كبيرة لمصر؟!!».

المشهد العاشر

الدور الرابع، برج «جوهرة النيل» رقم 92 بشارع النيل، العجوزة، محافظة الجيزة، حيث يقع مكتب ومنزل الأستاذ، محمد حسنين هيكل، الذي ظل حتى رحيله (17 فبراير 2016) أحد أهم الأمناء على سيرة ومسيرة الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر (15 يناير 1918 - 28 سبتمبر 1970) الذي يتعرض، حتى الآن، لحملات تشويه تستهدف إهالة التراب على دوره في إعادة بريطانيا العظمي (الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، بحكم المناطق التي تحتلها، عالميا) إلى داخل حدودها، تباعا، من خلال إنهاء مصطلح «الاستعمار» عالميا، كنتيجة طبيعية، لأفكار وأدوار ثورة 23 يوليو عام 1952 التي انطلقت من مصر إلى العالم.

تصطف إسرائيل (وكل من يتحالفون مع قوى المصالح الدولية) في محاولات مفضوحة للنيل من الرئيس جمال عبد الناصر، طوال الـ70 عاما، وحتى بعد وفاة الزعيم الراحل، ضمن «معركة ثأرية» لا تعترف بحرمة الموت وقدسيته، خاصة في ظل سطوة «الإعلام الجديد» (العابر للحدود، والولاءات) بعدما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، تغذي التغييب، وتشوه الرموز، وتفكك المجتمعات.. وتفتيت دولها!

جزء من حملة الأكاذيب الإسرائيلية المفضوحة حول أشرف مروان (تنشط فيها جماعات وقوى سياسية، وأحزاب أسسها الاحتلال البريطاني، وظلت تتعايش معه طوال الـ74 عاما التي قضاها في مصر) تستهدف الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كان الفاصل بين عهدين متناقضين، ومن ثم، فإن الزج بأحد المحسوبين على أسرته (زوج ابنته، منى) في محاولات التشويه، المستمرة، حتى الآن، تستهدف تشويه ثورة 23 يوليو، ومساندة زعيمها (عبد الناصر) لحركات التحرر الوطني في أكثر من 45 دولة، حول العالم، ما تسبب في تعرض بريطانيا لحالة انكشاف، من الهند شرقا، حتى أمريكا الجنوبية، غربا، فضلا عن إجهاض الزعيم الراحل للمؤامرة الأوروبية، التي كانت تستهدف ابتلاع دول المغرب العربي، وتحريره لقناة السويس، وبناء السد العالي، وتمصير الاقتصاد المصري، وترسيخه للثورة الاجتماعية الكبرى.

وفق الأستاذ، محمد حسنين هيكل: «جمال عبد الناصر، ليس له خلفاء، ولا صحابة، يتقدمون باسمه أو يفسرون نيابة عنه.. خلفاؤه وصحابته الحقيقيون هم كل الشعب».. يعترف «هيكل» بأن «هناك الكثير من الأساليب التي اتخذتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في مجال توجيه الرأي العام، عالميا، منذ الحرب العالمية الثانية، خاصة في مجالات الصحافة والنشر، والإعلام بصفة عامة، لكي تضمن تحقيق أغراضها. أنشأت، سرا، دُورا صحفية، ووكالات أنباء وصورا، وقسما خاصا لتزييف الكتب، وآخر للتشويه الإخباري، مهمته صنع قصص إخبارية تخترع بالتلفيق».

هذه الملابسات تفضح الدوائر التي حاولت اختلاق دوافع نفسية، لتبرير الرواية الإسرائيلية الكاذبة عن ولاء، الراحل أشرف مراون، لإسرائيل، ومساعدته لها والجسور الممدودة بينه بين استخباراتها.. تحاول الدوائر الإسرائيلية الإيحاء بأن «أشرف مروان، دفعه الجشع، وأغراه المال في العمل لصالح الموساد، وأن ما قام به يستهدف الانتقام من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي لم يكن يظهر له الاحترام» (!!!) وغيرها من الأكاذيب، التي تكشف عن طبيعة عمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وابتلاعها لـ«الطعم المصري» بعد تأهيل وتجهيز أشرف مروان، وتحميله بالرسائل المصرية المطلوبة.

ويبقى، أن إسرائيل تحاول التلاعب بالمنطق، لكنها تفشل في التحايل على الأدلة والقرائن، وعنوان الحقيقة (الانتصار المصري المؤزر في حرب أكتوبر، والمحطات التي سبقته، صمودا، وتجهيزا، وقرارا) وبالتالي تبدو الرواية الإسرائيلية حول، أشرف مروان، مهلهلة.. دعائية، تسويقية (للحفاظ على ماء الوجه) أكثر منها معلوماتية.. تحاول التمويه على فشل استخباراتها، رغم أنها بادرت بعد الحرب بمحاولة علاج هذه الثغرة، من خلال توثيق العلاقات بين الأجهزة الأمنيّة، عبر تشكيل مجلس الأمن القوميّ.

وعليه، فإن كل الروايات الصادرة عن مؤرخين ومحللي معلومات سابقين في الاستخبارات الإسرائيلية، ومعلقين سياسيين وعسكريين، يرتبطون بهذه الأجهزة، وكذلك كل محاولات التأصيل «المهترئة» التي تستهدف تشويه الدور الاستخباراتي الوطني، الذي قام به الراحل، أشرف مروان، لصالح مصر، خلال حرب أكتوبر، تسقط أمام السؤال الكاشف: إذا كان الراحل يعمل لصالح إسرائيل، وأمدها (بحكم قربه من دائرة صنع القرار في مصر) بالمعلومات الحقيقية حول التجهيزات العسكرية، وموعد اندلاع المعركة، فلماذا تعرضت إسرائيل للهزيمة النكراء في الحرب؟!

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: نصر أكتوبر السادات جمال عبد الناصر حرب اكتوبر أشرف مروان الجیش الإسرائیلی خلال حرب أکتوبر جمال عبد الناصر جولدا مائیر وزیر الدفاع أشرف مروان أکثر من فی مصر

إقرأ أيضاً:

نتائج تحقيقات الجيش الإسرائيلي: فشل كارثي في 7 أكتوبر

نشر الجيش الإسرائيلي نتائج تحقيقاته في إخفاقاته التي قادت إلى فشله: في توقع الهجوم الفلسطيني يوم 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2023 من غزة، والاستعداد له، والأهم في طريقة مواجهة الأمر بعد حدوثه.

وتظهر التحقيقات إقرارا عسكريا بفشل ذريع على كل المستويات واعترافا بأن الفشل كان أعمق من أن يلخص بإهمال في يوم الهجوم، وأن الجيش يتحمل مسؤوليته بشكل كامل رغم أن الذنب في ما جرى أوسع من حصره في الجيش فقط. وركزت التحقيقات على الجوانب العملياتية للفشل من جهة وعلى المواضع الاستخبارية والمفهوماتية التي حكمت سلوك الجيش في تعامله مع 7 أكتوبر/تشرين الأول.

ووفق معاريف الإسرائيلية فإن الجيش "أجرى 77 تحقيقاً في الحرب. وقد تم تقسيمها إلى 4 مجموعات: التحقيقات العامة والتحقيقات الاستخباراتية، اتخاذ القرارات ليلة 6-7 أكتوبر، عمليات الجيش الإسرائيلي، التحقيق في المعارك.

وكان محور التحقيقات هو السؤال المركزي: كيف وصلت دولة إسرائيل إلى حالة تتعرض فيها للهجوم بطريقة قاتلة من دون أن تنجح كافة أنظمة الاستخبارات في توفير تحذير منها "وكيف سمحت إسرائيل لوحش إرهابي أن ينمو ويتطور على الحدود على بعد أمتار قليلة من منازل سكان منطقة بأكملها".

إعلان عائلات القتلى

وتضاربت تقديرات المعنيين بشأن ما إذا كان الجيش قد وضع إصبعه على كل مواضع الخلل ومواقع الفشل، أم أنه حاول تغطية بعض الأمور ولم يكشف عنها. وأثار نشر التحقيقات ردود فعل غاضبة من جانب عائلات الضحايا من جهة، ومن جانب بعض الجهات السياسية خصوصا في رئاسة الحكومة. فقد اتهم نتنياهو الجيش بعدم إطلاعه على التحقيقات قبل نشرها خصوصا في ما يتصل بالجانب المفهوماتي حيث رأى الجيش أن نتنياهو كان معنيا بعدم التصعيد مع غزة لاعتبارات سياسية. وتشكل هذه الزاوية مظهرا من مظاهر التصادم بين المستويين السياسي والعسكري بشأن الحرب وإدارتها والعبر المستخلصة منها والمسؤولية عنها.

الجيش الإسرائيلي يرى أن نتنياهو كان معنيا بعدم التصعيد عشية 7 أكتوبر (الفرنسية)

وقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية نتائج التحقيقات بإسهاب كبير مظهرة اعتراف الجيش بالكثير من المثالب وإقراره أن 7 أكتوبر كان "حدثا كارثيا لا يمكن تغطيته بأية إنجازات ميدانية". وتحدثت العناوين حتى عن أن "دمار إسرائيل" -وفق التحقيقات- "لم يكن مهمة مستحيلة" في ضوء ما تبدى من إخفاقات ينبغي ألا تتكرر في المستقبل.

وبحسب التحقيقات فإن كل التدابير -التي اتخذتها إسرائيل حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول قبالة غزة لمواجهة احتمالات وقوع هجمات من هناك- فشلت على أرض الواقع، وأن الاستعدادات كانت صفرا. كما أن إسرائيل -وفق معاريف- تصرفت بشكل أعمى ضد حماس في غزة لأكثر من عقد من الزمان، وأن التحقيقات الكاملة ترسم "صورة مخيفة وغير مسبوقة" حيث إن الفشل كان في البر والبحر والجو على حد سواء. بل إن الجيش نفسه بعد نشره التحقيقات أقر بأن "الفشل تاريخي ويتطلب التعلم لأجيال" وأن "التحقيقات لا تقدم تفسيرات مرضية".

59 مسارا

وتظهر التحقيقات مقتل 1320 مدنياً وعسكرياً، بينهم 457 عسكرياً وعنصراً من قوات الأمن والإنقاذ، و"اختطاف 251″ وإصابة الآلاف، واقتحام نحو 5500 مقاتل فلسطيني الحدود الإسرائيلية في 3 موجات خلال 6 ساعات. وقد اقتحم المقاتلون الفلسطينيون السور الأمني الحدودي في 114 نقطة اختراق، وتحركوا على طول 59 مسار هجوم في طريقهم إلى المدن الجنوبية والوسطى.

إعلان

وفي الوقت نفسه، حاولت 7 قوارب تحمل 50 مقاتلا اختراق الحدود البحرية في طريقها إلى مراكز إستراتيجية، وفي الجو تعرضت إسرائيل لهجوم من قبل 63 طائرة، بما في ذلك 6 طائرات شراعية و57 طائرة بدون طيار.

مقاتلو القسام خلال عبورهم الحدود صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (الصحافة الأجنبية)

وتشير التحقيقات إلى أن الموجة الأولى في الاقتحام الفلسطيني شملت 1175 مقاتلا فلسطينيا تحت تغطية صاروخية ومدفعية تمثلت في 1400 صاروخ وقذيفة، في حين كانت القوة الإسرائيلية الموكلة بحماية الحدود من فرقة غزة تتألف فقط من 767 جنديا. كما لم تكن هناك من الدبابات الجاهزة للقتال إلا 14 دبابة و3 مركبات استطلاع جوي.

وواضح أن قوات حماس والمقاومة المشاركة في الموجة الأولى أفلحت في تدمير بنية القيادة والسيطرة في فرقة غزة خلال الدقائق الأولى من الهجوم مما سهل عليها قتل معظم القادة العسكريين الإسرائيليين في المنطقة على مستوى الفصائل والسرايا والكتيبة و3 من قيادات الألوية. وحسب التحقيقات، قتل خلال الساعات الأولى من الهجوم 157 جنديا في معارك الجدار الأمني وفي المستوطنات الحدودية.

وينقل المراسل العسكري لصحيفة معاريف عن التحقيقات إشارتها إلى "عدم جاهزية كافة التشكيلات، بما في ذلك انهيار الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن العام (الشاباك)". وقد هُزمت فرقة غزة في أول ساعتين من الحرب. ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي من وقف الهجوم الفلسطيني إلا الساعة 12 ظهراً ـبعد 6 ساعات ونصف الساعة من بدء الحملة. ومر يوم آخر قبل أن تعلن القيادة الجنوبية عن نجاحها في "السيطرة على كامل المنطقة التي اخترقتها القوات الإرهابية من البلاد."

فرقة غزة

كما أن المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت" يوآف زيتون كتب أنه "منذ عام 2016، وبالتوازي مع بناء الجدار الأمني، طور الجناح العسكري لحماس تدريجياً خطة لكسر دفاع فرقة غزة" عبر هجوم واسع النطاق لسحق الفرقة، واحتلال الأراضي في الغلاف، وتنفيذ عمليات داخلها ومنها، بما في ذلك عمليات القتل والخطف. وقد تم تسريع الاستعداد بشكل كبير قبل عملية "حارس الأسوار". وقد أسمت إسرائيل التصدي لفكرة الهجوم لفلسطيني من غزة بخطة "أسوار أريحا". وفي نظره "كان هذا هو المفترق المركزي والمصيري، وفقًا أيضًا لتحقيقات أخرى أجراها الجيش الإسرائيلي".

إعلان

وعند هذه النقطة، تباعدت الطرق التي رأى بها الجانبان الصراع: كانت إسرائيل مقتنعة بأن حماس تعرضت لضربة قاتلة، بما في ذلك أنفاقها القتالية (عملية الخداع التي نفذتها القيادة الجنوبية والتي فشلت). وكدليل على ذلك، استنتجت خطأً أن حماس ردعت عن الانضمام إلى جولتي القتال المستمرتين منذ ذلك الحين (فجر، الدرع والسهم") تاركة الجهاد الإسلامي بمفرده".

إسرائيل كانت على قناعة بأن حماس وأنفاق غزة تعرضت لضربة قاتلة (رويترز)

وفي كل حال أظهرت التحقيقات أن حماس كانت تخطط لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول منذ أكثر من عقد من الزمان، وبإيمان أن هذا سيقود إلى انهيار إسرائيل. وأنها ألمحت إلى ذلك عبر إشارات واضحة أهملتها العين الإسرائيلية، وهذا موضوع آخر يتعلق بالفشل الاستخباري. كما أن إخفاق إسرائيل في إلحاق ضرر قاتل بحماس في حرب 2016 شجع حماس على الاعتقاد بقدرتها على هزيمة إسرائيل. وهنا بدأت حماس ببناء القوة التنفيذية لتنفيذ الخطة الإستراتيجية للهجوم عبر عملية الخداع الإستراتيجي والتي وصفها الجيش في تحقيقاته بأنها "واحدة من أكبر الخطط في التاريخ العسكري. وتكشف تحقيقات جيش الدفاع الإسرائيلي أن حماس كانت على وشك تنفيذ الخطة مرتين قبل السابع من أكتوبر، وأرجأت تنفيذها مرتين قبل وقت قصير من تنفيذها: المرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول من العام السابق خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022، ثم في أبريل/نيسان 2023 خلال عطلة عيد الفصح. وفي كلتا الحالتين السابقتين -وكذلك القضية الحقيقية التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول- فشلت شعبة الاستخبارات وجهاز الأمن العام (الشاباك) في التنبؤ بهذا الأمر وتقديم تحذير".

تسلسل الأحداث

عموما، فاجأ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجيش الإسرائيلي بطريقة لم يكن أحد في هيئة الأركان العامة أو الجيش بأكمله مستعدًا لها على الإطلاق. وحسب "معاريف" فإن "الصور من مقر القيادة في هكريا في الدقيقة 06:29 تحكي القصة كاملة. وفي "المرصد" يجلس ضابط برتبة رائد ورقيب عمليات. وبعد 30 دقيقة، الساعة 07:05، اضطر رئيس قسم العمليات في هيئة الأركان العامة إلى الإعلان -بمبادرة منه- في مجموعة واتساب لضباط اتصالات الجنرالات "نحن في حالة حرب". وفقط الساعة السابعة و3 دقائق تصدر طلبات لقائد سلاح الجو بإطلاق الطائرات للتصدي من دون أن تتوفر لها أية معلومات. وحوالي الساعة الثامنة، يطلب رئيس شعبة العمليات استدعاء 100 ألف جندي من قوات الاحتياط للخدمة تحسبا أيضا لانفجار الوضع على الحدود مع لبنان. وفي التاسعة إلا ربع، يبدأ وزير الحرب أول تقييم لموقف، ويجري أول حوار مع رئيس الحكومة الساعة العاشرة إلا ربع صباحا.

إعلان

وفي هذه الأثناء، كان الفشل جليا ليس فقط في مستوطنات غلاف غزة وليس في المواقع العسكرية هناك، وإنما في كل مكان وصل إليه المقاتلون الفلسطينيون. وحدث هذا مثلا عندما عجزت البحرية الإسرائيلية عن اعتراض زوارق هجومية فلسطينية هاجمت مواقع في زيكيم. وظهر أن قوات من لواء غولاني أرسلت لمواجهة القوة البحرية عند زيكيم "تجنبت الاشتباك مع المخربين وفرت من المكان. وعلى شاطئ زيكيم قتل 17 مدنيا".

العملية قبالة قاعدة زيكيم مفاجأة تركت انطباعا كبيرا (الجزيرة)

وعموما، تؤكد التحقيقات الإسرائيلية أنه كانت لقوات المقاومة اليد العليا والسيطرة شبه التامة على الميدان في الساعات الست الأولى، وأن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق سيطرة على الموقف إلا ساعات الليل، وأن عملية تطهير منطقة الغلاف من المهاجمين الفلسطينيين استمرت عدة أيام. ويعود نجاح قوات المقاومة وفشل الدفاعات الإسرائيلية بشكل أساسي إلى توفر 3 عوامل: المفاجأة التامة وغياب التحذير الاستخباري، الهجوم الواسع النطاق على طول الجبهة وعدم جاهزية القوات الإسرائيلية، تفاقم الإحساس الإسرائيلي الأولي بالفشل جراء العجز عن تكوين صورة للموقف بفعل انهيار المنظومة الدفاعية بانهيار بنية وهياكل فرقة غزة. وهذا ما قاد حتى إلى غارات إسرائيلية على سيارات من دون تمييز بين مهاجمين فلسطينيين ومدنيين إسرائيليين. كما قصف الجيش برا وجوا أماكن يوجد فيها "رهائن" ضمن مبدأ هانيبعل لمنع الوقوع في الأسر.

نظرية جديدة

وقادت صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول الجيش الإسرائيلي إلى صياغة نظرية حرب جديدة تقوم على مبدأ حظر السماح بتطور أي تهديد بالقرب من الحدود، ووجوب أن يكون الجيش مستعدًا لمواجهة أي هجوم مفاجئ وواسع النطاق من منظور متعدد السيناريوهات. وطبعا هذا يتطلب توسيع القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي بشكل كبير، وإجراء تغييرات جذرية في شعبة الاستخبارات. وفضلا عن ذلك، الاهتمام بالاستعداد الدائم، وتوفير قوة كافية على أهبة الاستعداد، وخطط جاهزة على الدوام لتنفيذ هجوم حاسم في أي من الجبهات.

مقالات مشابهة

  • أشرف بن شرقي يكشف عن اللاعب الذي شجعه للانتقال للأهلي
  • نتائج تحقيقات الجيش الإسرائيلي: فشل كارثي في 7 أكتوبر
  • الجيش الإسرائيلي يعترف رسميا بالفشل الذريع في 7 أكتوبر
  • الجيش الإسرائيلي ينشر نتائج التحقيق في هجوم 7 أكتوبر
  • انهيار سريع للدفاعات.. الجيش الإسرائيلي ينشر نتائج التحقيق بهجوم 7 أكتوبر
  • كيف سقطت منظومة الأمن الإسرائيلية في 7 أكتوبر؟ جيش الاحتلال يروي تفاصيل هزيمته
  • الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاق تام" في 7 أكتوبر
  • مشاهد صعبة للحالة الصحية التي خرج عليها أسرى غزة جراء التعذيب (شاهد)
  • أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية.. الأسطورة التي يتداولها الفكر السياسي العربي!
  • ما الدروس التي استخلصتها شعبة الاستخبارات الإسرائيلية من فشل السابع من أكتوبر؟