سودانايل:
2024-11-05@23:03:12 GMT

السودان يحتاج إلى عاصمة جديدة بمواصفات عصرية

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

●إن نشأة الدولة السودانية قد لازمها الكثير من الخطل الذي كان بالإمكان تداركه بإقرار مباديء المواطنة المتساوية بين جميع السودانيين عبر الممارسة الفعلية في إدارة الدولة والشأن العام، إلا أن الصفوة السياسية التي ورثت السلطة من المستعمر كان جل همها المحافظة على الكرسي بأي ثمن دون وضع أدنى إعتبار لبناء الدولة والمجتمع وإرساء مباديء التداول المدني الديمقراطي للسلطة عبر صناديق الإنتخابات وإرادة الشعب عوضاً عن صناديق الذخيرة والإنقلابات العسكرية.



●هنالك "شُلة" صفوية صغيرة قد حددت هوية السودان وكيف يُحكم ومن يحكمه دون تفويض شعبي أو عقد إجتماعي بين السودانيين يحددون فيه ماهية الدولة التي يريدونها، فالسودان بحدوده المعروفة "أرض المليون ميل مربع" قد رسمها المستعمر بما يخدم أهدافه، ولم يكن السودان قبل ذلك كياناً سياسياً واحداً، والكل يعلم أن السودان كان عبارة عن دويلات مستقلة، ودارفور كمثال قد ضُمت للسودان عام 1916 بعد هزيمة السلطان علي دينار، فهذه حقيقة تاريخية لا تعني بأي حال من الأحوال تقسيم السودان أو الدعوة لإنفصال أي جزءٍ منه، بقدر ما هي دعوة لإعادة النظر في الوحدة الإستعمارية الزائفة، وأن تكون الوحدة طواعية بين أقاليم السودان لا وحدة قهرية، لجهة أن أي عقد إجتماعي لتأسيس جمهورية سودانية حقيقية سوف تترتب عليه أسس بناء الدولة التي تسع الجميع دون إقصاء.

●كل دول العالم المحترمة تهتم بمناطق الإنتاج وتربطها بشبكة من طرق المواصلات البرية والجوية والنهرية مما ينعكس على تنميتها وتطورها وتطور إنسانها إلا السودان الذي يهمش مناطق الإنتاج وفق سياسة إفقار ممنهجة "جوِّع كلبك يتبعك" وبذلك تسيطر أقلية صفوية على إقتصاد الدولة ومواردها؛ وبالتالي يكون هؤلاء هم المُلّاك الحقيقيون للماشية والصمغ والمشاريع الزراعية ومناجم التعدين وكافة عمليات الإستيراد والتصدير وأصحاب الشأن لا يعدو أن يكونوا مجرد عمال لدي هؤلاء الأوغاد...!!.

●لم يتم تخطيط المشاريع الإقتصادية والإنتاجية في السودان وفق منطق إقتصادي سليم أو رؤية وطنية، مما أحدث خللاً تنموياً وعدم عدالة في تقاسم الثروة بين المركز والأقاليم، وهذا التهميش والإقصاء المتعمد أدى إلى غبن إقتصادي، لازمه غبن إجتماعي، فالصفوة السياسية المستحكمة قد قسمت السودانيين إلى طبقات إجتماعية وإقتصادية وسياسية، وهي ترى في نفسها الطبقة المالكة في السودان وعامة الشعب رعايا في أبشع صور الإقطاع في العصر الحديث ، مما زاد من حدة التباين والإحتقان قاد في خاتمة المطاف إلى الحروب وعدم الإستقرار السياسي.

●إن حرب الخامس عشر من أبريل وما قبلها قد أظهرت عيوب الهندسة السياسية والإقتصادية والإجتماعية المفروضة بقوة السلطة والسلاح؛ التي وجدت مقاومة شرسة من كل هوامش السودان وأطرافه عبر كافة الأدوات والوسائل السلمية والعنيفة.

●إن تمركز المشاريع التنموية والخدمية في الخرطوم "وما جاورها" أثبت عوار السياسات والممارسات التي اتبعتها الصفوة السياسية، وهي نواة بذرة الحروب في السودان منذ عام 1955 التي رفع لواءها " تمرد توريت" من أجل رفع الضيم الذي حاق بهم، ولكن الصفوة السياسية لم تهتم بمعالجة هذا الخطيئة بالطرق السلمية والحوار، وانتهجت الحلول الأمنية والعسكرية لإخضاع أي مقاومة بالقتال وقوة السلاح ، وتمادت في ممارسة كافة أساليب الإستهبال والفهلوة السياسية والتذاكي والهروب للأمام والتحلل من أي إتفاق أو إلتزام يقود إلى تغيير حقيقي في السودان، أُجبر شعب جنوب السودان على تبني خيار تقرير المصير ومن ثم الإنفصال في عام 2011م.

●للأسف بعد ثورة ديسمبر 2018 والتغيير الجزئي الذي حدث، لا تزال الصفوة السياسية السودانية بنفس عقلية الخمسينات والستينيات ولم تتغير مطلقاً، وظلوا يمارسون نفس الممارسات ، ويرتكبون نفس الأخطاء والحماقات، وكأن ساعة السودان قد توقفت عند محطة "لقاء السيدين"...!!.

●لابد من الإعتراف بحقيقة إستحالة استمرار الدولة السودانية بشكلها القديم، الذي بات ضرباً من الخيال والجنون، فلم تعد أقاليم السودان هي تلك الأقاليم التي يُصدر إليها الحكام من الخرطوم، وما عليها إلا السمع والطاعة لما يقوله "حفيد الرسول وسليل الدوحة النبوية" فالكل سادة في بلادهم شاء من شاء وأبي من أبي...!!.

●إن الحرب التي تدور في السودان لا سيما العاصمة الخرطوم قد قضت على معظم المصانع والشركات والمؤسسات وغيرها من المرافق العامة، وفعلياً عاد السودان إلى عهد ما قبل الإستقلال، لأن كل أو جُل هذه المؤسسات والمشاريع قد أُنشئت في منطقة جغرافية واحدة، وهذه المنطقة أضحت ساحة للحرب والمعارك بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة من طائرات ومسيرات وصواريخ ومدافع، وأضحت الخرطوم مدينة أشباح لا تصلح للسكن بأي حال من الأحوال وإن توقفت الحرب اليوم، وأن تكلفة إعادة بناء ما دمرته الحرب من مصانع ومرافق عامة يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات، وهي لا تتوفر للسودان الذي سينهض من الصفر، ومدمراً إقتصادياً وسياسيا ومفككاً إجتماعياً ووجدانياً، وبدلاً عن إعادة بناء عاصمة بها ما بها من عيوب التخطيط العمراني والتنموي، وما خلفته الحرب من دمار للمقدرات الصناعية والمرافق الخدمية والبني التحتية، لزاماً علينا التفكير ومنذ الآن في بناء عاصمة عصرية للسودان على أنقاض هذه العاصمة التي إرتبطت في مخيلة الكثير من السودانيين بالظلم والقهر والتسلط والإستبداد.

●كي تكون لدينا دولة تمثلنا ونعتز بها جميعاً لابد من بناء السودن وفق أسس قومية جديدة، وإعادة هيكلة جميع مؤسساته السياسية والإقتصادية والإجتماعية وفق مبادىء وطنية حقيقية ومشاركة فعلية لجموع السودانيات والسودانيين في صناعة حاضر ومستقبل بلادهم على قدم المساواة والعدالة، بعيداً عن الأنا الشخصي والحزبي والجهوي، بحيث تكون المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق وأداء الواجبات.

●كي تكون هنالك دولة وطنية في السودان لابد أن يرتبط ذلك بهوية السودان الحقيقية دون تزييف، وأن تكون الدولة محايدة تجاه كافة الهويات الثقافية والدينية وخلافها.

17 سبتمبر 2023م

elnairson@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟

ما #الخطر_الذي_يخشاه_الأردنيون؟ د. #منذر_الحوارات

صار الحديث عن الخطر الوجودي الذي يهدد كيان الدولة وهويتها في آن معاً حدثاً يومياً في #نقاشات العديد من #الفئات_الاجتماعية، لقد أخذت هذه المخاوف عدة أبعاد بعضها يرى أن الخطر داخلي والآخر يراه خارجياً فما القصة؟ من يرون أن الخطر خارجي فيركزون على مستقبل القضية الفلسطينية والمشروع الإسرائيلي العامل على تصفيتها ومحاولة الحل على حساب الأردن، وبعض المخاوف تركز على فوضى الإقليم وما يمكن أن تؤول إليه، أما الطرف الآخر فيرى أن الخطر الحقيقي يأتي من الداخل وتداعياته، فالأزمات الاقتصادية وانعكاساتها الخطيرة على المستوى الاجتماعي يمكن أن تكون نقطة انطلاق لفوضى اجتماعية تهدد بخطر جسيم، لكن هناك من يرى أن هذا الخطر قابل للتجاوز والاحتواء، ولكن ما يخيفهم هو الهلامية الهوياتية؛ والمعنى هنا هوية الدولة والكيان السياسي بالإضافة إلى الهوية الثقافية، التي باتت حديث كل مشغول بالشأن العام وبالطبع يرى هؤلاء أن الدولة تحوي بين ثناياها عناصر موترة كثيرة.

لكل هذه المخاوف ما يبررها فلو أخذنا #الخطر_الجيوسياسي سنجد أن الأردن في عين كل #عواصف_الإقليم، وهذه يعرفها القاصي والداني وتحيط بالأردن مثل إحاطة السوار بالمعصم وتهدد بنسف أي إنجاز وطني يمكن تحقيقه، وكلها مدعاة للقلق لكن حتى الآن تنجح الدولة في إيجاد معادلة إقليمية ودولية تمكنها من التملص من التأثيرات المؤلمة لهذه الأحداث، أما عند الذهاب إلى الخطر الاقتصادي فإنه يشكل بؤرة حقيقية لمستقبل غير آمن، فلا شيء أكثر من انعدام الفرص قدرة على إنتاج الغضب والتمرد.

لكن من الواضح أن الخوف على الهوية الوطنية الأردنية بمعناها السياسي والثقافي هو مصدر القلق الحقيقي بسبب ربما تغيرات ديمغرافية مقبلة، كما أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة عَمّق من هذه المخاوف لما رافقه من تهكم بعض الفئات الاجتماعية على موقف الحكومة الأردنية، الذي رأى فيه كثيرون تجاوزاً ونكراناً لمفهوم الانتماء الوطني وفكرة المواطنة، لكن يجب الوقوف مطولاً عند مفهوم الهوية الوطنية الأردنية فالبعض يراها راسخة في القدم، والبعض الآخر يراها وليدة نشوء الدولة الأردنية الحديثة، وبالتالي هي كغيرها من الهويات الوطنية الثقافية لدول المنطقة ما تزال رهن التشكل، لكن يتم إغفال حقيقة جوهرية أن هذه الهوية الأردنية تميزت بذكاء استثنائي، فقد تبنت العديد من المشاريع الكبرى وامتزجت فيها وغاصت في رحابها دون أن تختفي، إبتداء من المشروع القومي العربي وعبوراً بالإسلامي ولا ننسى المشروع الوطني الفلسطيني وهي نفسها تلقت عشرات الهجرات بكل ما تحويه من ثقافات متعددة، ولكنها خرجت في النهاية وهي أكثر غزارة وقوة ومتانة برغم ما يعتقده البعض ويروّج عن ضعفها وهشاشتها، رغم أنها كهوية ثقافية لم تشهد، إلا حديثاً، بداية التركيز عليها وإعطائها بعضا مما تستحق من التظهير والاهتمام، أما قبل ذلك فقد اختفت في سياق تلك المشاريع الكبرى.

مقالات ذات صلة هارس ام ترامب 2024/11/05

مع بدء التركيز هذا ظهر التزاحم بين مشروع التأكيد على الأردنية وبين المشروعين المتبقيين على قيد الحياة؛ المشروع الإسلامي والذي يرى أن أي دولة جزء من مشروعه وليس كل مشروعه، وبالتالي لا يمكن الحديث عن هوية وطنية ناجزة في ظله، والثاني هو المشروع التحرري الفلسطيني المسلح والذي اختفى تقريباً مع أوسلو ولكنه عاد مع ظهور حماس، والأخيرة استطاعت أن تستحوذ على قلوب وعقول كثير من الأردنيين بالذات بعد طوفان الأقصى، مما فجر الكثير من المخاوف بانزلاق الدولة إلى مواجهة تتصاعد مع الأيام بالذات حالة التبني المجتمعي شبه الكلية والتي وضعت (حماس) في موقع المقدس ووضعت الدولة في موقع المتآمر، طبعاً في الجهة الأخرى هناك من رأى في هذا الموقف نكراناً للأردن ولالتزامات المواطنة، وأنه يشكل طعناً بالأردن ومواقفه تجاه القضية الفلسطينية، وهنا بالذات بدأت المواجهة تستعر والتي يرى الكثيرون أنها مصدر الخطر الحقيقي الذي يهدد كيان الدولة على اعتبار أن هذا التناقض الهوياتي لا يمكن السكوت عنه.

يمكن لهذه المواجهة أن تكون خطرة لكنها غير مستدامة، إذ سرعان ما ستهدأ النفوس بالذات مع ظهور نتائج وتداعيات المرحلة الحالية، فعندما سينجلي غبار المرحلة سيرى كل واحد مصداقية قناعاته وموقفه، فهذه المرحلة تميزت بفيض هائل من الانفعالات والأحلام الطوباوية والتي سرعان ما سنصحو منها على واقع أليم وموجع وهذا هو الخطر الحقيقي الذي ينبغي علينا الاستعداد له بشكل جدي، على كل الأحوال لا يجب أبداً المغامرة بالتخلي عن الانفتاح المتبادل؛ لأنه وحده القادر على تهدئة النفوس وإزالة المخاوف للوصول إلى المستقبل بشكل آمن.

الغد

مقالات مشابهة

  • القاعدة تشن هجومًا مفاجئًا على عدن: هل تكون هي البداية الجديدة التي يسعى اليها التحالف؟
  • ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟
  • اكتشفوا نفق الى غزة يمر من صوفان.. نجل حميد الأحمر يسخر من الحوثيين ويحدد لمن تكون المنازل التي ينوون مصادرتها ونهبها
  • مختار: لا ينبغي استمرار انقسام مجلس الدولة الذي يعد الواجهة السياسية للمنطقة الغربية
  • فيديو | محمد بن زايد: الإمارات تواصل نهجها في بناء الشراكات التنموية التي تحقق مصلحة الجميع
  • محمد بن زايد: الإمارات تواصل نهجها الثابت في بناء الشراكات التنموية التي تحقق مصلحة الجميع
  • محمد بن زايد: الإمارات تواصل نهجها في بناء الشراكات التنموية التي تحقق مصلحة الجميع
  • أخبار تكنولوجيا.. بمواصفات وسعر غير مسبوق ساعة ذكية جديدة من كاسيو وبمواصفات جبارة.. ووان بلس تفاجئ عشاقها بهاتف OnePlus 13
  • بمواصفات رائدة.. متجر Google Play يلمح إلى فئة جديدة من أجهزة Android
  • بمواصفات منافسة.. «Lenovo»  تكشف عن ساعة ذكيّة جديدة