مع الصين.. عقلية الحرب الباردة لا تزال تطارد الولايات المتحدة
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
يريدنا مقال حديث عن العلاقات بين واشنطن وبكين أن نصدق أن الصعود العالمي للرأسمالية الغربية قد تم تحقيقه من خلال اللعب العادل مع بقية العالم.
هكذا يتحدث مقال للدبلوماسي الإيطالي السابق ماركو كارنيلوس في موقع "ميدل إيست آي"، وترجمه "الخليج الجديد"، تعليقا على نشر وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس والمؤرخ نيال فيرغسون مؤخراً مقالاً في مجلة "إيكونوميست"، حول العلاقات بين واشنطن وبكين.
وتشير أفكار المقال إلى الاختلافات بين الحرب الباردة في القرن العشرين والحرب الثانية التي يُزعم أنها تدور الآن بين الولايات المتحدة والصين، وإن كانت عقلية الحرب الباردة ما زالت تطاردهم.
ويقول كارنيلوس إنهم "ينقلون خطأً الانطباع بأن الصين وحدها هي التي استفادت من انفتاحها على الاقتصاد الدولي، ولم يذكرا الفوائد الضخمة التي حصلت عليها قطاعات الشركات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من نقل جزء كبير من صناعاتها إلى الصين، حيث نقلت في الأساس كل سلاسل التوريد الخاصة بها إلى آسيا، ولم يتحدثا عن الأرباح الفلكية التي حصلوا عليها".
ويضيف: "يدرك رايس وفيرغسون عن حق أن نجاح الصين لا يمكن تفسيره فقط باعتباره سرقة للملكية الفكرية، كما يميل العديد من صناع الرأي والساسة الغربيين غير المطلعين إلى الاعتقاد، ولكن هذا هو أقصى ما يرغبان في تقديمه نحو تقديم تقييم عادل لسياسة الولايات المتحدة والعلاقات الصينية".
وويتابع: "هما يتأسفان لأن الصين كانت تعمل على تقليص القوة الأمريكية لسنوات عديدة، ومن الصعب أن نفهم ما هي وجهة نظرهم، فرايس كانت وزيرة خارجية سابقة، وقد كتب فيرغسون، على وجه الخصوص، كتباً ممتازة عن صعود الرأسمالية الغربية، وينبغي لهم أن يدركا أكثر من أي شخص آخر أن تاريخ البشرية قد اتسم بلا هوادة بقيام الدول باقتطاع السلطة من الدول الأخرى".
اقرأ أيضاً
الممر الاقتصادي.. الهند تدخل على خط صراع الصين وأمريكا
ويشير كارنيلوس، إلى أن "التاريخ في نهاية المطاف، كان عبارة عن سلسلة متتالية من الإمبراطوريات التي استولت على إمبراطوريات أخرى"، متسائلا: "هل يقصد رايس وفيرغسون الإشارة ضمناً إلى أن الولايات المتحدة لديها نوع من المصير الواضح المتمثل في الحفاظ على قيادتها العالمية إلى الأبد، مع عدم وجود دولة أخرى قادرة على القيام بعمل أفضل؟".
ويضيف: "قد يعترض البعض قائلين إن الصين تتحدى الولايات المتحدة من خلال عدم الالتزام بالقواعد، ولكن يظل هذا الموضوع مثيرًا للجدل، ولكن إذا تركنا جانبًا السؤال المثير للجدل أيضًا حول من وضع مثل هذه القواعد؟، وكيف تم تطبيقها في العقود الأخيرة؟".
وبتابع: "هل يريد رايس وفيرغسون منا حقًا أن نصدق أن الصعود العالمي للرأسمالية الغربية قد تحقق من خلال اللعب العادل مع بقية العالم؟".
ويستطرد كارنيلوس: "يخطئ المؤلفان في تقديم الانطباع بأن المشكلة الحقيقية مع الصين بدأت مع وصول الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة في عام 2013، وينسبان إليه خطيئتين كبيرتين، وهو الحديث عن تجاوز أمريكا في التكنولوجيات الحدودية، وتسمية مضيق تايوان بالمياه الوطنية الصينية، رغم أن الاثنين لا يمثلان تهديدا أساسيا للأمن القومي الأمريكي".
ويواصل تعليقه بالقول: "الخطيئة الأولى تقع ضمن نطاق العيب في الذات الملكية، والرسالة الخفية التي ينقلها المؤلفان هي أنه لا ينبغي لأي دولة، وخاصة الصين الشيوعية، أن تجرؤ على تحدي التفوق التكنولوجي الأمريكي".
ويشير إلى أن الغرب وصلوا متأخرين، فقد تجاوزت الصين بالفعل الولايات المتحدة في بعض التقنيات الرائدة في الثورة الصناعية الرابعة، من الجيل الخامس إلى إنترنت الأشياء، في حين تتحرك لسد الفجوة في أشباه الموصلات.
اقرأ أيضاً
هل يرتد الاشتباك الأمريكي-الصيني داخل أمريكا
وكانت الصدمة الأخيرة التي تلقتها واشنطن هي إعلان شركة "هواوي"، أن هاتفها الذكي الجديد (Mate 60 Pro) سوف يعمل بمعالج 7 نانومتر، وهو مشروع تم تصميمه وتصنيعه في الصين، من دون مكون أمريكي واحد.
يشار إلى أن الشركة الصينية واجهت العقوبات الأمريكية والتنمر لأكثر من 4 سنوات.
وإذا تمكنت شركة "هواوي"، بعد كل هذا، من الكشف عن هاتف محمول يمكن أن يتحدى (iPhone 14)، وربما (iPhone 15) الذي تم إصداره للتو، فربما يرغب القادة الصينيون في وضع قطاعهم التكنولوجي بالكامل تحت العقوبات الأمريكية.
أما الخطيئة الكبرى الثانية، والمتعلقة بتايوان، والتي تمت صياغته بشكل غير مباشر من خلال الإشارة إلى المياه الواقعة بين الجزيرة والبر الرئيسي للصين.
ويقول كارنيلوس: "لا شك أن هذه مياه دولية، لكن القضية الحقيقية هنا هي مطالبة الصين بالسيادة على تايوان، الأمر الذي قد يؤثر على اتساع المياه الدولية في مضيق تايوان".
ويضيف: "هذه القضية لم تكن من صنع شي عندما وصل إلى السلطة قبل عقد من الزمن، وقد أكدت الصين حقوقها تجاه تايوان لعقود من الزمن، ففي عام 1971، صوتت الأمم المتحدة لصالح قبول جمهورية الصين الشعبية (البر الرئيسي للصين) وطرد جمهورية الصين (تايوان)".
اقرأ أيضاً
الصين تعزز وجودها في الشرق الأوسط.. هل تهدد أمريكا؟
ويتابع: "باختصار، هناك صين واحدة فقط، ولكن الولايات المتحدة لا تزال تتظاهر بغطرسة بأنها تقرر متى يمكن ممارسة هذه السيادة بشكل فعال".
ويستطرد: "لم يغير كل زعماء الصين، من ماو تسي تونغ، إلى دنج شياو بينغ، إلى شي جين بينغ، موقفهم، رغم أن الأخير ربما كان ليطالب بحقوق الصين بشكل أكثر حزما، بل على العكس من ذلك، كانت الولايات المتحدة تنأى بنفسها تدريجياً عن سياسة الصين الواحدة، ليس بشكل رسمي، بل من خلال أفعال متعمدة".
أما الشكوى الأكثر سخافة، حسب وصف كارنيلوس، التي وجهها رايس وفيرغسون ضد الصين هي أنها "قامت ببناء شبكة عالمية رائعة من البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية، والكابلات تحت الماء، والوصول إلى الموانئ والقواعد العسكرية"، قبل أن يتساءل: "هل فعلت الولايات المتحدة أي شيء مختلف في العقود الأخيرة؟".
وتدير الولايات المتحدة وعملاؤها في المجال الإنجليزي (المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا) أكبر نظام للاعتراض والسيطرة على جميع الاتصالات على هذا الكوكب، ولا يبقون حتى على حلفائهم، في نظام يطلق عليه 5 عيون.
كما أن لدى الجيش الأمريكي أكثر من 800 قاعدة منتشرة في جميع أنحاء العالم، في حين أن الصين لديها قاعدة عسكرية واحدة فقط خارج حدودها، في جيبوتي.
ويشير رايس وفيرغسون أيضًا إلى أن "النفوذ الصيني تطور من النزعة التجارية البحتة إلى الرغبة في التأثير السياسي"، وهو فعلته الولايات المتحدة عبر تاريخها، وفق كارنيلوس، على الأقل منذ عام 1898 (الحرب الأسبانية الأمريكية).
اقرأ أيضاً
تحليل: أمريكا تخسر نفوذ الشرق الأوسط لصالح الصين
ويلفت إلى أن كل الشكاوى التي يوجهونها ضد الصين هي حالة ضخمة من القدر الذي يطلق على الغلاية اللون الأسود، ويبدو أن كليهما يريد أن تستغل الولايات المتحدة الأخطاء الصينية، ولكن حتى الآن، كانت الصين وحدها هي التي تستغل الأخطاء الأمريكية المتسلسلة.
ويخلص إلى أن الأكاديميين على حق في تأكيدهما أن الولايات المتحدة والصين لابد أن "تتجنبا الحرب العرضية"، كما أنهما على حق في إلقاء اللوم على الصين بسبب عدم رغبتها في مناقشة مسألة منع وقوع الحوادث.
ويتساءل: "لكن في التقاليد الصينية، الشكل هو الجوهر؛ فكيف يمكن أن يتفق البلدان على منع وقوع الحوادث بينما يخضع وزير الدفاع الصيني للعقوبات الأمريكية؟".
علاوة على ذلك، تنشر الولايات المتحدة قوات عسكرية ضخمة على طول السواحل الصينية، ولها قواعد في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، ربما يكون هذا عنصرًا من عناصر السياق الأوسع الذي كان ينبغي لرايس وفيرغسون أن يأخذاه في الاعتبار لجعل حججهما أكثر عدالة من الناحية الأكاديمية، وفق كارنيلوس، الذي تساءل: "من يهدد من حقًا؟".
ويختتم بالقول: "من الأفضل لرايس وفيرغسون أن يتذكرا درسا توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً، والذي ألقى بروسيا إلى أحضان الصين، والتعلم من أخطاء الزعم بأن الديمقراطيات الأمريكية والغربية لا يعلى عليها".
اقرأ أيضاً
النمو العالمي بين قوة الدفع الصينية والشد العكسي الأمريكي
المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الصين أمريكا تايوان تكنولوجيا الحرب الباردة الولایات المتحدة اقرأ أیضا من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
بريطانيا تعرب عن قلقها إزاء الأنشطة الصينية في بحر الصين الجنوبي (شاهد)
أعرب وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، يوم الاثنين، عن قلق بلاده إزاء ما وصفه بالأنشطة "الخطيرة والمزعزعة للاستقرار" التي تمارسها الصين في بحر الصين الجنوبي.
وقال لامي، في منشور على منصة "إكس"، إن "اقتصاد المملكة المتحدة والعالم يعتمد على سلامة وأمن طرق التجارة في هذه المنطقة"، مشيرًا إلى التحديات المتزايدة التي تواجهها الفلبين بسبب هذه الأنشطة. كما أكد، في مقطع فيديو مرفق بمنشوره، أن الفلبين تتعرض لتحديات متكررة تتعلق بحرية الملاحة والقانون الدولي.
We are concerned by dangerous and destabilising activities by China in the South China Sea.
The UK and world economy depends on these trade routes being safe and secure. pic.twitter.com/YUg2m88hHl
وتأتي هذه التصريحات عقب زيارة لامي إلى الفلبين، التي تسعى إلى تعزيز شراكاتها الأمنية مع عدد من الدول، بما فيها بريطانيا، وسط تصاعد التوترات في المنطقة. وخلال الزيارة، وقّعت لندن ومانيلا اتفاقية إطارية لتعزيز التعاون في مجالات الدفاع والأمن الإقليمي والعمل المناخي.
يُذكر أن التوترات في بحر الصين الجنوبي تصاعدت مؤخرًا، إذ أدانت الولايات المتحدة الشهر الماضي مناورات "خطيرة" قامت بها مروحية تابعة للبحرية الصينية، معتبرة أنها عرضت سلامة طائرة حكومية فلبينية للخطر أثناء دورية في منطقة متنازع عليها.
وتتميز العلاقات بين بريطانيا والصين بتاريخ طويل ومعقد، شهد مراحل من التعاون الاقتصادي والدبلوماسي، إلى جانب فترات من التوترات السياسية والتجارية.
وتعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتشكل شريكًا تجاريًا مهمًا لبريطانيا. وفي السنوات الأخيرة، سعت بريطانيا إلى تعزيز الاستثمارات الصينية، خاصة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا.
مع ذلك، فرضت لندن قيودًا على بعض الاستثمارات الصينية، لا سيما في مجالات حساسة مثل شبكات الجيل الخامس، بسبب مخاوف أمنية.
إلا أن توترات تصاعدت بين البلدين بسبب قضايا مثل هونغ كونغ، حيث انتقدت بريطانيا سياسات الصين التي حدّت من الحريات هناك، معتبرة أنها تنتهك الاتفاقيات الدولية.
ويشكل ملف حقوق الإنسان في شينجيانغ نقطة خلاف أخرى، حيث أعربت بريطانيا عن قلقها إزاء معاملة الصين للأقلية الأويغورية.
كما أن قضية بحر الصين الجنوبي وتزايد النفوذ العسكري الصيني في المنطقة أثارت أيضًا مخاوف بريطانية، كما عبر عنها وزير الخارجية ديفيد لامي مؤخرًا.
ورغم الخلافات، تواصل بريطانيا والصين التعاون في قضايا عالمية مثل التغير المناخي والتجارة الدولية. وتحاول لندن تحقيق توازن بين الحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع بكين وحماية مصالحها الأمنية والاستراتيجية.
إقرأ أيضا: الصين ترد على اتهام لندن لها بشن هجمات إلكترونية على مشرعين بريطانيين