يريدنا مقال حديث عن العلاقات بين واشنطن وبكين أن نصدق أن الصعود العالمي للرأسمالية الغربية قد تم تحقيقه من خلال اللعب العادل مع بقية العالم.

هكذا يتحدث مقال للدبلوماسي الإيطالي السابق ماركو كارنيلوس في موقع "ميدل إيست آي"، وترجمه "الخليج الجديد"، تعليقا على نشر وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس والمؤرخ نيال فيرغسون مؤخراً مقالاً في مجلة "إيكونوميست"، حول العلاقات بين واشنطن وبكين.

وتشير أفكار المقال إلى الاختلافات بين الحرب الباردة في القرن العشرين والحرب الثانية التي يُزعم أنها تدور الآن بين الولايات المتحدة والصين، وإن كانت عقلية الحرب الباردة ما زالت تطاردهم.

ويقول كارنيلوس إنهم "ينقلون خطأً الانطباع بأن الصين وحدها هي التي استفادت من انفتاحها على الاقتصاد الدولي، ولم يذكرا الفوائد الضخمة التي حصلت عليها قطاعات الشركات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من نقل جزء كبير من صناعاتها إلى الصين، حيث نقلت في الأساس كل سلاسل التوريد الخاصة بها إلى آسيا، ولم يتحدثا عن الأرباح الفلكية التي حصلوا عليها".

ويضيف: "يدرك رايس وفيرغسون عن حق أن نجاح الصين لا يمكن تفسيره فقط باعتباره سرقة للملكية الفكرية، كما يميل العديد من صناع الرأي والساسة الغربيين غير المطلعين إلى الاعتقاد، ولكن هذا هو أقصى ما يرغبان في تقديمه نحو تقديم تقييم عادل لسياسة الولايات المتحدة والعلاقات الصينية".

وويتابع: "هما يتأسفان لأن الصين كانت تعمل على تقليص القوة الأمريكية لسنوات عديدة، ومن الصعب أن نفهم ما هي وجهة نظرهم، فرايس كانت وزيرة خارجية سابقة، وقد كتب فيرغسون، على وجه الخصوص، كتباً ممتازة عن صعود الرأسمالية الغربية، وينبغي لهم أن يدركا أكثر من أي شخص آخر أن تاريخ البشرية قد اتسم بلا هوادة بقيام الدول باقتطاع السلطة من الدول الأخرى".

اقرأ أيضاً

الممر الاقتصادي.. الهند تدخل على خط صراع الصين وأمريكا

ويشير كارنيلوس، إلى أن "التاريخ في نهاية المطاف، كان عبارة عن سلسلة متتالية من الإمبراطوريات التي استولت على إمبراطوريات أخرى"، متسائلا: "هل يقصد رايس وفيرغسون الإشارة ضمناً إلى أن الولايات المتحدة لديها نوع من المصير الواضح المتمثل في الحفاظ على قيادتها العالمية إلى الأبد، مع عدم وجود دولة أخرى قادرة على القيام بعمل أفضل؟".

ويضيف: "قد يعترض البعض قائلين إن الصين تتحدى الولايات المتحدة من خلال عدم الالتزام بالقواعد، ولكن يظل هذا الموضوع مثيرًا للجدل، ولكن إذا تركنا جانبًا السؤال المثير للجدل أيضًا حول من وضع مثل هذه القواعد؟، وكيف تم تطبيقها في العقود الأخيرة؟".

وبتابع: "هل يريد رايس وفيرغسون منا حقًا أن نصدق أن الصعود العالمي للرأسمالية الغربية قد تحقق من خلال اللعب العادل مع بقية العالم؟".

ويستطرد كارنيلوس: "يخطئ المؤلفان في تقديم الانطباع بأن المشكلة الحقيقية مع الصين بدأت مع وصول الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة في عام 2013، وينسبان إليه خطيئتين كبيرتين، وهو الحديث عن تجاوز أمريكا في التكنولوجيات الحدودية، وتسمية مضيق تايوان بالمياه الوطنية الصينية، رغم أن الاثنين لا يمثلان تهديدا أساسيا للأمن القومي الأمريكي".

ويواصل تعليقه بالقول: "الخطيئة الأولى تقع ضمن نطاق العيب في الذات الملكية، والرسالة الخفية التي ينقلها المؤلفان هي أنه لا ينبغي لأي دولة، وخاصة الصين الشيوعية، أن تجرؤ على تحدي التفوق التكنولوجي الأمريكي".

ويشير إلى أن الغرب وصلوا متأخرين، فقد تجاوزت الصين بالفعل الولايات المتحدة في بعض التقنيات الرائدة في الثورة الصناعية الرابعة، من الجيل الخامس إلى إنترنت الأشياء، في حين تتحرك لسد الفجوة في أشباه الموصلات.

اقرأ أيضاً

هل يرتد الاشتباك الأمريكي-الصيني داخل أمريكا

وكانت الصدمة الأخيرة التي تلقتها واشنطن هي إعلان شركة "هواوي"، أن هاتفها الذكي الجديد (Mate 60 Pro) سوف يعمل بمعالج 7 نانومتر،  وهو مشروع تم تصميمه وتصنيعه في الصين، من دون مكون أمريكي واحد.

يشار إلى أن الشركة الصينية واجهت العقوبات الأمريكية والتنمر لأكثر من 4 سنوات.

وإذا تمكنت شركة "هواوي"، بعد كل هذا، من الكشف عن هاتف محمول يمكن أن يتحدى (iPhone 14)، وربما (iPhone 15) الذي تم إصداره للتو، فربما يرغب القادة الصينيون في وضع قطاعهم التكنولوجي بالكامل تحت العقوبات الأمريكية.

أما الخطيئة الكبرى الثانية، والمتعلقة بتايوان، والتي تمت صياغته بشكل غير مباشر من خلال الإشارة إلى المياه الواقعة بين الجزيرة والبر الرئيسي للصين.

ويقول كارنيلوس: "لا شك أن هذه مياه دولية، لكن القضية الحقيقية هنا هي مطالبة الصين بالسيادة على تايوان، الأمر الذي قد يؤثر على اتساع المياه الدولية في مضيق تايوان".

ويضيف: "هذه القضية لم تكن من صنع شي عندما وصل إلى السلطة قبل عقد من الزمن، وقد أكدت الصين حقوقها تجاه تايوان لعقود من الزمن، ففي عام 1971، صوتت الأمم المتحدة لصالح قبول جمهورية الصين الشعبية (البر الرئيسي للصين) وطرد جمهورية الصين (تايوان)".

اقرأ أيضاً

الصين تعزز وجودها في الشرق الأوسط.. هل تهدد أمريكا؟

ويتابع: "باختصار، هناك صين واحدة فقط، ولكن الولايات المتحدة لا تزال تتظاهر بغطرسة بأنها تقرر متى يمكن ممارسة هذه السيادة بشكل فعال".

ويستطرد: "لم يغير كل زعماء الصين، من ماو تسي تونغ، إلى دنج شياو بينغ، إلى شي جين بينغ، موقفهم، رغم أن الأخير ربما كان ليطالب بحقوق الصين بشكل أكثر حزما، بل على العكس من ذلك، كانت الولايات المتحدة تنأى بنفسها تدريجياً عن سياسة الصين الواحدة، ليس بشكل رسمي، بل من خلال أفعال متعمدة".

أما الشكوى الأكثر سخافة، حسب وصف كارنيلوس، التي وجهها رايس وفيرغسون ضد الصين هي أنها "قامت ببناء شبكة عالمية رائعة من البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية، والكابلات تحت الماء، والوصول إلى الموانئ والقواعد العسكرية"، قبل أن يتساءل: "هل فعلت الولايات المتحدة أي شيء مختلف في العقود الأخيرة؟".

وتدير الولايات المتحدة وعملاؤها في المجال الإنجليزي (المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا) أكبر نظام للاعتراض والسيطرة على جميع الاتصالات على هذا الكوكب، ولا يبقون حتى على حلفائهم، في نظام يطلق عليه 5 عيون.

كما أن لدى الجيش الأمريكي أكثر من 800 قاعدة منتشرة في جميع أنحاء العالم، في حين أن الصين لديها قاعدة عسكرية واحدة فقط خارج حدودها، في جيبوتي.

ويشير رايس وفيرغسون أيضًا إلى أن "النفوذ الصيني تطور من النزعة التجارية البحتة إلى الرغبة في التأثير السياسي"، وهو فعلته الولايات المتحدة عبر تاريخها، وفق كارنيلوس، على الأقل منذ عام 1898 (الحرب الأسبانية الأمريكية).

اقرأ أيضاً

تحليل: أمريكا تخسر نفوذ الشرق الأوسط لصالح الصين

ويلفت إلى أن كل الشكاوى التي يوجهونها ضد الصين هي حالة ضخمة من القدر الذي يطلق على الغلاية اللون الأسود، ويبدو أن كليهما يريد أن تستغل الولايات المتحدة الأخطاء الصينية، ولكن حتى الآن، كانت الصين وحدها هي التي تستغل الأخطاء الأمريكية المتسلسلة.

ويخلص إلى أن الأكاديميين على حق في تأكيدهما أن الولايات المتحدة والصين لابد أن "تتجنبا الحرب العرضية"، كما أنهما على حق في إلقاء اللوم على الصين بسبب عدم رغبتها في مناقشة مسألة منع وقوع الحوادث.

ويتساءل: "لكن في التقاليد الصينية، الشكل هو الجوهر؛ فكيف يمكن أن يتفق البلدان على منع وقوع الحوادث بينما يخضع وزير الدفاع الصيني للعقوبات الأمريكية؟".

علاوة على ذلك، تنشر الولايات المتحدة قوات عسكرية ضخمة على طول السواحل الصينية، ولها قواعد في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، ربما يكون هذا عنصرًا من عناصر السياق الأوسع الذي كان ينبغي لرايس وفيرغسون أن يأخذاه في الاعتبار لجعل حججهما أكثر عدالة من الناحية الأكاديمية، وفق كارنيلوس، الذي تساءل: "من يهدد من حقًا؟".

ويختتم بالقول: "من الأفضل لرايس وفيرغسون أن يتذكرا درسا توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً، والذي ألقى بروسيا إلى أحضان الصين، والتعلم من أخطاء الزعم بأن الديمقراطيات الأمريكية والغربية لا يعلى عليها".

اقرأ أيضاً

النمو العالمي بين قوة الدفع الصينية والشد العكسي الأمريكي

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الصين أمريكا تايوان تكنولوجيا الحرب الباردة الولایات المتحدة اقرأ أیضا من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

الرسوم الجمركية الصينية تشعل الحرب التجارية مع أمريكا.. ماذا قال ترامب؟

الرسوم الجمركية الصينية.. قالت لجنة التعريفات الجمركية بمجلس الدولة الصيني في بيان لها، أمس الجمعة، إن بكين رفعت التعريفات الجمركية الانتقامية على الواردات الأمريكية من 84% إلى 125%.

وأشارت الصين إلى أنها لن تزيد تعريفاتها الجمركية على السلع الأمريكية إلى ما يزيد عن 125٪ الحالية، وفقًا لبيان صادر عن متحدث باسم وزارة التجارة.

الرسوم الجمركية الصينية

وفي هذا الصدد، قال متحدث المجلس الصيني: لقد أصبح فرض الولايات المتحدة المتتالي للتعريفات الجمركية المرتفعة بشكل مفرط على الصين مجرد لعبة أرقام، دون أي أهمية اقتصادية حقيقية، إنها تكشف فقط عن ممارسة الولايات المتحدة المتمثلة في تسليح التعريفات الجمركية كأداة للتنمر والإكراه، مما يحول نفسها إلى مزحة.

الصين وأمريكا

وشدد على أنه، إذا أصرت الولايات المتحدة على مواصلة لعبة الأرقام هذه بـ التعريفات الجمركية، فلن تنخرط الصين لما يحدث، مؤكدا أنه إذا استمرت واشنطن في الإضرار بشكل كبير بمصالح الصين، فستتخذ بكين تدابير مضادة بحزم وتقاتل حتى النهاية.

الرئيس الصيني شي جينبينغ

وتحدث الرئيس الصيني، شي جينبينغ، عن تصاعد الصراع التجاري مع الولايات المتحدة أمس الجمعة، حيث قال إن بلاده ليست خائفة، وذلك في أول تعليق علني له على الموضوع، وفقًا لما نشرته قناة CCTV الرسمية.

ونقلت القناة الصينية على لسان شي جينبينغ، تأكيده أنه لا رابح في حرب الرسوم الجمركية، وأن معارضة العالم لن تؤدي إلا إلى العزلة الذاتية.

وأضاف: لأكثر من 70 عامًا، اعتمدت تنمية الصين على الذات والعمل الجاد ولم تعتمد قط على هبات الآخرين، ولم تخشَ قط أي قمع ظالم، وبصرف النظر عن كيفية تغير البيئة الخارجية، ستظل الصين واثقة، ومركزة، ومُركزة على إدارة شؤونها الخاصة بكفاءة.

الرئيس الصيني وترامب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

وفي السياق، امتدح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نظيره الصيني شي جين بينج، واصفا إياه بالقائد الذكي للغاية رغم رفع بكين للرسوم الجمركية على السلع الأمريكية إلى 125%، وفقا لما نقلته شبكة الـ«CNN» الأمريكية.

وقال ترامب على متن طائرة الرئاسة وهو في طريقه إلى مار آلاجو: الصين دولة كبيرة وعظيمة، إنه قائد جيد للغاية، قائد ذكي للغاية، إنه شكل مختلف من القيادة، إنه شكل مختلف من الحكومة، لكنهم بالتأكيد عظماء.

الرئيس الصيني وترامب

وأضاف ترامب: لطالما كنت على وفاق مع الرئيس شي، وكانت بيننا علاقة جيدة، جيدة جدا»، معبرا عن اعتقاده أن «شيئا إيجابيا» سيخرج من الحرب التجارية مع الصين.

وردًا على سؤال لأحد الصحفيين عما إذا كان يرغب في أن تجلس الصين على طاولة المفاوضات أو ما إذا كان مرتاحا للرسوم الجمركية الحالية، أجاب ترامب: أنا مرتاح للغاية، أعني، بصراحة، أنا مرتاح للغاية الآن

التصعيد الجمركي المتبادل بين الصين والولايات المتحدة

وأدى التصعيد الجمركي المتبادل بين الصين والولايات المتحدة، إلى انهيار الأسواق العالمية، فيما أثيرت المخاوف من وقوع ركود عالمي، وفي حين سارعت عدة دول للتفاوض مع ترامب، ردت الصين بشكل انتقامي، برفع الرسوم على الواردات الأمريكية، في وجه ما وصفته بـ«التنمر الأحادي الجانب» من الولايات المتحدة.

الرئيس الصيني وترامب

وكان الرئيس الصيني، علق أمس الجمعة، على الإجراءات الأمريكية ضد الصين، قائلا إن بلاده ليست خائفة، مؤكدا على أن الحرب التجارية لا يوجد بها رابح، ولن يؤدي السير ضد العالم إلا إلى العزلة الذاتية، على حد تعبيره.

اقرأ أيضاًالصين ترفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية بنسبة 125%

وول ستريت جورنال: إدارة بايدن تناقش رفع الرسوم الجمركية على بعض السلع الصينية

الخارجية الصينية: الرسوم الجمركية الأمريكية نموذج للأحادية والتنمر الاقتصادي

مقالات مشابهة

  • الصين تعلق تصدير معادن مهمة إلى الولايات المتحدة والعالم مع تصاعد الحرب التجارية
  • حرب الرسوم.. ما أكثر السلع الصينية التي يعتمد عليها الأميركيون؟
  • البيت الأبيض: الولايات المتحدة تمتلك أدوات ضغط قوية على الصين
  • الصين تحث الولايات المتحدة على إلغاء "التعريفات المتبادلة"
  • التعاون المربح للطرفين هو المسار الصحيح للعلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية
  • الصين تدعو الولايات المتحدة إلى إلغاء الرسوم الجمركية
  • الولايات المتحدة الأمريكية تعرب عن شكرها لسلطنة عُمان
  • خبراء يحذرون: الحرب التجارية الأمريكية على الصين قد تدمر إفريقيا
  • الرسوم الجمركية الصينية تشعل الحرب التجارية مع أمريكا.. ماذا قال ترامب؟
  • "الخارجية" الصينية: إذا أرادت الولايات المتحدة الحوار فعليها التوقف عن أفعالها