تجارب أطفال التبني في كوريا الجنوبية.. صدمات وفساد ومساءلة
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
تواجه كوريا الجنوبية، تاريخها المؤلم باعتبارها المصدر الرئيسي للأطفال المتبنين على مستوى العالم، فعلى مدار العقود الماضية، تمّ إرسال 200 ألف طفل كوري إلى الخارج للتبني وكانت العواقب دائمة، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تهدف الجهود الأخيرة التي قادها المتبنون العائدون، بالتعاون مع الباحثين وصانعي السياسات، إلى تسليط الضوء على إرث كان مخجلًا في السابق ومحاسبة قواعد التبني الفاسد.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، تلخص قصة ميا لي سورنسن تجربة التبني في كوريا الجنوبية، إذ نشأت في الدنمارك، واعتقدت أنَّ عائلتها قد عرضتها عن طيب خاطر للتبني بسبب الظروف الاقتصادية، لكنها عند تحديد مكان والديها في كوريا الجنوبية في عام 2022، علمت أن والدتها توفيت أثناء الولادة، ما يكشف عن خداع شاب عملية التبني.
تاريخ التبنيكوريا الجنوبية هي رائدة على مستوى العالم في عمليات التبني بين البلدان، وذلك بحسب «نيويورك تايمز»، ومنذ نهاية الحرب الكورية في عام 1953، أرسلت البلاد عددًا أكبر من الأطفال إلى الخارج للتبني أكثر من أي دولة أخرى، وخاصة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، ويستمر هذا الاتجاه حتى في الوقت الذي تواجه فيه كوريا الجنوبية أحد أدنى معدلات المواليد في العالم.
جذور المشكلةويقدم السياق التاريخي نظرة ثاقبة لماذا أصبح التبني على المستوى الدولي ضرورة، إذ أنَّ سنوات الفقر في كوريا الجنوبية بعد الحرب، وعدم كفاية الرعاية الصحية، والحد الأدنى من دعم الرعاية الاجتماعية، كانت تعني أن التبني في الخارج ظهر كحل للأطفال الأيتام، أو المتخلى عنهم، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ومع ذلك، أدى هذا الاندفاع لتشجيع التبني في الخارج إلى انتشار الفساد والممارسات غير الأخلاقية داخل الصناعة، وذلك بحسب الصحيفة الأمريكية.
بدأت كوريا الجنوبية أول تحقيق حكومي لها في صناعة التبني ردًا على مزاعم الفساد وسوء الممارسة، وقد لعب المتبنون الذين عادوا إلى كوريا الجنوبية في السنوات الأخيرة دورًا محوريًا في الضغط من أجل المساءلة، وقد تعاون هؤلاء المتبنون، المسلحون بالموارد والتصميم، مع الباحثين والسياسيين الراغبين في مواجهة الإرث المؤلم.
تصدير الأطفالبدأت ممارسة تصدير الأطفال الكوريين بالترويج لسياسة كراهية الأجانب ضد الأطفال ثنائيي العرق في سنوات ما بعد الحرب، وغالبًا ما تواجه أمهات الأطفال ثنائيي العرق خيارًا قاسيًا، إما إرسال أطفالهن إلى الخارج للتبني أو تربيتهم في حالة من الفقر والعار.
الأمهات غير المتزوجاتومع نمو أعمال التبني، فقد استهدفت بشكل متزايد الأطفال المولودين لأمهات غير متزوجات، والذين تعرضوا للوصم في المجتمع الكوري، وكان هؤلاء الأطفال في بعض الأحيان غير مسجلين، مما يجعلهم أهدافًا أسهل لوكالات التبني.
ازدهار في أعمال التبنيفي عام 1985، تمّ إرسال عدد مذهل من الأطفال الكوريين إلى الخارج يبلغ 8837 طفلاً للتبني، واستفادت الوكالات ماليا بشكل كبير من هذه العملية، وتضاعفت رسوم التبني، ورسوم التسهيل، وتكاليف السفر جوًا، إذ سعت الأسر من الخارج إلى تبني أطفال كوريين.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الحرب الكورية فی کوریا الجنوبیة إلى الخارج
إقرأ أيضاً:
مع استمرار الحرب..التهاب السحايا مأساة جديدة تهدد حياة أطفال غزة
صراخ وبكاء داخل قسم الأطفال المكتظ بالمرضى، أطفال يتشاركون ذات الأسرّة يعانون من ارتفاع حاد بدرجة الحرارة، تستخدم الأمهات قطع القماش المبللة بالماء للتخفيف من الحمى، ولكن دون جدوى في ظل نقص الأدوية والمستلزمات الطبية وانقطاع التيار الكهربائي بسبب نفاد الوقود داخل المستشفيات.
تحتضن كفاح سالم ذات الـ23 عامًا رضيعها يزن الذي يبلغ من العمر خمسة أشهر، يبكي فتحاول أن تهدهده بين ذراعيها، في محاولة منها للتخفيف من أوجاعه إثر إصابته بمرض التهاب السحايا.
توصف كفاح النازحة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة والتي تعيش في أحد مخيمات النزوح بالقرب من منطقة الجامعات ما حدث مع طفلها قائلة:" أصبح ابني كثير الصراخ والبكاء، تفاجأت بأن حرارته مرتفعة كنت اعتقد في البداية أن ما أصابه كان نتيجة تواجدنا داخل الخيمة وارتفاع درجة الحرارة فيها، حاولت تبريد جسده باستخدام الماء، ولكن دون جدوى، توجهت بعدها إلى النقطة الطبية داخل المخيم وبعد فحص الطبيب لطفلي أخبرني أن حرارته مرتفعة ولابد من الذهاب إلى مستشفى الرنتيسي فورًا، خرجت بسرعة وهنا قرر الأطباء دخولي إلى قسم المبيت بعد أن تأكدوا من إصابة طفلي بالحمى الشوكية أو ما يعرف بالسحايا، أتواجد هنا منذ أسبوع تقريبًا، يأتي عشرات الأطفال بشكل يومي لديهم نفس الأغراض، يتاقسم ابني سريره مع طفل آخر بسبب قلة الأسرة داخل المستشفى".
يعتبر يزن واحدًا من بين مئات الحالات، جلهم من الأطفال الرضع الذين سجلت مستشفيات قطاع غزة إصابتهم بهذا المرض، وسط تحذيرات أطلقتها وزارة الصحة من انتشاره السريع وأمراض معدية أخرى، في ظل مكوثهم في بيئة غير آمنة وسط منظومة صحية منهارة ناجمة عن تداعيات الحرب والحصار.
هذا ويتشابه واقع الأطفال رغم اختلاف مكان تواجدهم في كافة أنحاء قطاع غزة لأنهم يعيشون نفس الظروف القاسية واللاإنسانية.
في غرفة ممتلئة بالأطفال المصابين بالتهاب السحايا داخل مستشفى العودة الصغير والوحيد في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة والذي يخدم مئات الآلاف من السكان والنازحين في المحافظة الوسطى من القطاع ترافق سوسن ياسين (32) عامًا وهي أم لثلاثة أطفال، رضيعها محمود والقلق يتملكها على مصيره بعد استشهاد والده قبل أسبوعين أثناء محاولته الحصول على المساعدات الأمريكية بالقرب من وادي غزة، أدى إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استشهاده أثناء انتظاره لشاحنات المساعدات فأصبحت الأسرة دون معيل.
تحتضن سوسن رضيعها محمود المصاب بالتهابات السحايا وتقول:" لقد لاحظت ارتفاعا شديدا في درجة حرارة طفلي بعد استشهاد والده بأيام، توجهت فورا برفقة أخي إلى المستشفى، وبعد إجراء الفحوص الطبية وأخذ العينات منه وتحليلها، أكد الطبيب بأنه مصاب بالتهاب السحايا أو ما تعرف بـ"الحمى الشوكية، أخبرني الطبيب أن حالته تستدعى المتابعة المستمرة، أحاول بكافة الطرق البدائية خفض حرارته المرتفعة التي لا تقل عن 39 درجة".
لم تخض سوسن تجربة مماثلة مع أطفالها السابقين، حيث كانت الأمور قبل الحرب مستقرة من حيث الحصول على الطعام والشراب، انتابها البكاء عندما أخبرتني قائلة: " كانت حياتنا مستقرة، زوجي يعمل في أحد المطاعم، يجلب لنا كل ما لذ وطاب من أطعمة، كنا نسكن بيتًا جميلًا، اليوم فقدنا كل شيء بسبب الحرب، استشهد زوجي ودمر بيتى ولا أجد طعاما لأطفالي الذين يعانون من مجاعة صعبة، حتى الماء النظيف لا يمكن الحصول عليه بسهولة، لقد تحولت حياتنا إلى جحيم في ظل استمرار الحرب".
هذا وقد أشارت البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة إلى ارتفاع عدد إصابات الأطفال بمرض السحايا، حيث تم تسجيل 337 إصابة بمرض السحايا بينها 259 حالة فيروسية والأعداد في ارتفاع سريع محذّرة من ارتفاع مقلق في عدد الإصابات اليومية في ظل تدهور الأوضاع الصحية والمعيشية في القطاع المحاصر.
وأوضحت الوزارة أن هذا التفشي الخطير يأتي في وقت يعاني فيه القطاع من اكتظاظ شديد في مراكز الإيواء، ونقص حاد في المياه النظيفة ومستلزمات النظافة الشخصية، ما يهيئ بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية والأوبئة، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفًا وأقل مناعة.
ودعت وزارة الصحة، ومعها الطواقم الطبية، المنظمات الدولية والإنسانية إلى تحرك عاجل لتوفير المياه الصالحة للشرب، والأدوية والمضادات الحيوية، ودعم وحدات الكشف والعزل في محاولة لاحتواء انتشار المرض قبل خروجه عن السيطرة.
وأكدت الوزارة أنها تتابع الوضع الصحي ضمن الإمكانيات المتاحة، محملة المجتمع الدولي مسؤولية التدهور الصحي الحاد، ومطالبة بتدخل فوري أمام ما وصفته بـ"الكارثة الصحية والإنسانية" في قطاع غزة وقال مدير عام وزارة الصحة في غزة، د. منير البرش، في بيان صحفي عبر صفحة الوزارة: إن المرافق الصحية تواجه ضغوطًا غير مسبوقة نتيجة الحصار والتدمير الإسرائيلي الممنهج، مشيرًا إلى أن أكثر من 1.5 مليون مواطن يعيشون في ظروف معيشية خانقة بعد الإخلاء القسري.
وأكد البرش إن ما يجري "هو محاولة ممنهجة لنشر الأوبئة في القطاع"، محذرًا من أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد دفع الأوضاع نحو الانفجار الصحي من خلال منع تدفق الأدوية والتطعيمات، والتسبب بانتشار أمراض مثل الإسهال المدمم الحاد، والتهاب السحايا، وأمراض منقولة أخرى، بالتزامن مع حرمان السكان من الأمن المائي، حيث يعاني 90% من سكان القطاع من انعدام الأمن المائي.
من جانبه، أكد رئيس قسم الأطفال في مستشفى "النصر الرنتيسي" للأطفال بغزة، الدكتور راغب ورش أغا أن المستشفى سجل مئات الإصابات بمرض التهاب السحايا، محذرًا من تصاعد انتشاره في ظل الانهيار المستمر للقطاع الصحي والظروف المعيشية الكارثية.
وأضاف أن من أبرز أعراض المرض ارتفاع درجات الحرارة وتصلب عضلات الرقبة وظهور طفح جلدي، مشيرًا إلى أن هذه العلامات تدل على تقدم العدوى إلى مراحل خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة..
وأوضح أغا قائلا: "نشهد زيادة يومية في عدد الإصابات وسط عجز كبير في توفير المياه النظيفة ومستلزمات النظافة، ما يعزز من فرص تفشي الأوبئة، خصوصًا داخل مراكز الإيواء المكتظة والتي تفتقر لأدنى شروط الصحة العامة".
ووفقا له، فإن كل حالة مصابة تحتاج من أسبوع إلى 10 أيام من العزل الطبي والمتابعة والعلاج بالمضادات الحيوية الدقيقة، في ظل شح شديد بهذه المضادات، نتيجة الحصار المشدد وإغلاق المعابر.
هذا وترتكب "إسرائيل" منذ 7 أكتوبر 2023 وبدعم أمريكي، إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
ويفرض الاحتلال حصارا محكما، ويغلق المعابر كافة منذ الثاني من مارس الماضي، ويمنع إدخال الإمدادات الإنسانية، بما فيها الطبية والوقود للمستشفيات التي تواجه خطر الانهيار نتيجة قلة الإمكانيات والاكتظاظ الشديد من جرحى ومرضى.
وحسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية فقد خلفت الإبادة نحو 190 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات الآلاف من النازحين ومجاعة أزهقت أرواح الكثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع للبنى التحتية والمباني والمدارس والجامعات والمرافق الصحية والمستشفيات.