د.رجب العويسي يكتب: التعليم ودوره في تعزيز الوعي المالي
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة
إنّ المتأمل في غايات التعليم وأهدافه وموقعه في التنمية عامة، وحياة الإنسان خاصة، يجد بأنه مصدر إنتاج للوظائف والتنويع في الأنشطة الاقتصادية، كما هو مصدر الوعي، وإلهام الحياة، وذلك من خلال دوره في إكساب المتعلم المهارات والقدرات والاستعدادات التي تعزز فيه فرص العمل وقيم المهنة، وإدارة المشاريع الاقتصادية الاحترافية- وهو المعنى الذي أصلته أبجديات رؤية عمان 2040.
وبالتالي ما يعنيه ذلك من مسؤولية التعليم في منح الوعي المالي حضوره وأهميته كمكون أساسي في الممارسة التعليمية والخطة الدراسية مستفيدا من تعظيم دوره في تعزيز ريادة الاعمال كمدخل إستراتيجي لبناء وترسيخ وتأصيل الثقافة المالية لتشكل جزءا رئيسيا من المسار التعليمي في مختلف مراحل التعليم، حيث توفير المحتوى التعليمي المتفاعل مع التوجهات الحديثة المرتبطة بالتعليم المنتج والتقني والمهني، والعمل الحر، وريادة الأعمال، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأهميتها في بناء الاقتصاد وجذب الاستثمار؛ بالإضافة إلى تثقيف الطلبة في النواحي المالية والمصرفية والائتمانية والقوانين ذات الصلة، ذلك أن تنظيم أبجديات التعامل مع المفاهيم المالية وترسيخها في ثقافة المتعلم؛ سوف يضمن اكساب المتعلم ثقافة مالية متوازنة، ووعي مالي متكامل، يبدأ معه في سن مبكرة، الأمر الذي سيسهم في تكوين شخصية المتعلم، للانطلاق في الحياة بذكاء ومهنية، وجعل بيئة التعليم والتعلم محطة اقتصادية مصغرة لتكوين المشروع الطلابي، وإدارة المشروع الاحترافي، وفرصة تبدأ بها المخرجات مشوارها المهني، وتشكل على مرور الوقت خيارا اقتصاديا منتجا يوفر الملاءة المالية، ويعظّم من فرص المنافسة ويصنع قدرات وقدوات ونماذج طلابية مبهرة.
إن قراءة الوعي المالي يتأكد اليوم في ثقافة التعليم وممارسات الهيئة التعليمية وتعلم الطلبة في إطار إعادة انتاج المتعلم اقتصاديا، والتي يجب أن تبدأ في بيئة التعليم والتعلم بصورة مبكرة، من خلال إدماج المفاهيم الاقتصادية المعنية بإدارة المشاريع الاحترافية في مناهج التعليم أو عبر إيجاد مساقات تدريسية في التعليم المدرسي، لتتدرج مع الطالب في مراحل التعليم الأخرى ويتعرض فيها لمواقف محاكاة للواقع تبرز على شكل إدارة مشاريع ذاتية على مستوى الأسرة والمدرسة والجامعة أو الشركات المتعاونة التي عليها أن تتبنى خطة شراكة مع مؤسسات التعليم في بناء فلسفة إدارة المشروع وتعزيز الاحترافية فيه، وتأصيل مهارات التسويق الذاتي والإدارة الالكترونية والدعاية والإعلان وتعظيم الاستفادة من المنصات التواصلية وغيرها من الفرص التسويقية التي هي بحاجة إلى مهارات نوعية منتجة كما هي بحاجة إلى التزام أخلاقي وتعهّد بالتجديد والتحديث، بما يلقي على عاتق مؤسسات التعليم إعادة رسم ملامح بناء المشروع الاقتصادي والمالي وإدارته في أولويات الخطة الدراسة والبرنامج التعليمي، وفق استراتيجيات واضحة ومنهجيات تفاعلية متدرجة تتجه نحو تأطيره في مناهج التعليم وأساليب التعلم وأنماط التدريس وثقافة البيئة المدرسية وثقافة الصف الدراسي.
ويصبح دوره في تعزيز الإدارة المالية وترسيخ مفاهيم الوعي المالي مرتبط بجملة من الأبعاد، يتعلق الأول بجانب التقنين الذي يحققه في سلوكيات مخرجاته من خلال ترشيد الانفاق ، واكسابهم أبجديات إدارة الحالة الاستهلاكية اليومية ، في التزام مبدأ الأولويات وإنتاج الفرص، وبالتالي أهمية ما يغرسه التعليم في طلابه من مفاهيم الاقتصاد والإدارة المالية، واستنطاق القيم المالية المعززة للادخار وتوظيف الخبرات وقيم العمل والإنتاج والبحث العلمي والابتكار والريادة والاعتماد على النفس باعتبارها ممكنات يعمل التعليم على تحقيقها بوسائل وأدوات واستراتيجيات مختلفة ترافق المتعلم في مختلف مراحله الدراسية سواء في مرحلة التعليم المدرسي أو العالي والجامعي ، وتعظيم مفهوم استنطاق القيم المالية واستنهاض المسؤولية المالية في شخصية الفرد المتعلم، بحيث يتم بناؤها وفق استراتيجيات وأدوات ومرتكزات مهمة ، وأما البعد الثاني فيتعلق بتوظيف مصادره وموارده وممكناته من خلال ورش العمل والمختبرات ومراكز مصادر التعلم والصفوف الدراسة وقاعات التعليم ونماذج المحاكاة التي يستخدمها المعلمون في إيصال المفاهيم المالية وتطبيقاتها في مواقف اليومية لدى الطالب، وما يتيحه في مؤسساته من نماذج المحاكاة والبرامج التطويرية وورش العمل وريادة الأعمال والابتكارات والشركات الطلابية والندوات التعريفية، والزيارات الميدانية للمعارض الاستهلاكية، وحاضنات ريادة الأعمال وحلقات عمل والمشاغل التأهيلية والمسابقات المتنوعة، لما لهذه المكونات من أثر كبير في التكوين المالي للمتعلم وترسيخ العادات وتعظيم الفرص المالية لديه.
وأما البعد الثالث، فيرتبط بتبني مبادرات عملية تجسد بعمق ثقافة الادخار، وضبط المصروفات المالية، وتوظيف الفرص التي أتاحتها منظومة الحماية الاجتماعية، وجملة المنافع ومنها منفعة الطفولة، في بناء نموذج مصغر يبدأ من الصف الدراسي وبيئة المدرسة بشأن الادخار، وما يرتبط به من ممكنات تعزيز الإدارة المالية وترسيخ ثقافة الاستهلاك الرشيد وبناء ثقافة مالية تحفظ الاستحقاق المالي للأسرة وتحافظ على مصادره، وعبر اكسابه مهارة إدارة الحسابات المالية وعمليات الصرف، والتسويق والجرد وغيرها من المفاهيم والمهارات والقيم المرتبطة بالإدارة المالية لتصبح لها مدلولاتها الحية وقيمتها المعنوية في حياة المتعلم ، كما يعبر عن اتقانه لها من خلال ما يتبناه من مشروعات منتجه تظهر في انتاج بعض السلع أو التسويق لها، واستغلال فرص المواسم الاقتصادية والسياحية والمهرجانات وخريف ظفار التي تتيح للطلبة فرص البيع والشراء والتسويق، ونشاط الحركة الشرائية في الأسواق الشعبية التقليدية كما هو الحال في المواسم الاقتصادية والسياحية أو الأعياد الدينية كعيدي الأضحى و الفطر، وهبطات العيد التي تتيح للطلبة فرص أكبر للتعرف على المنتوجات المحلية والتسويق لها.
لذلك، يجب أن يتخذ مسار تعزيز الوعي المالي وترقية الإدارة المالية في بيئات التعليم أكثر من خيار، بدءًا بالبعد التثقيفي وإكساب الطالب المفاهيم المالية المستجدة وتبسيطها دراسيا وفق أفضل النماذج والممارسات العالمية بما يتناسب مع المرحلة العمرية والخصوصية العمانية، بحيث يجد فيها المتعلم مزيدا من المتعة والفائدة التي يعكسها على بناء ذاته، بالإضافة إلى دور التعليم في اكساب المتعلم القوانين ذات الصلة، وإعادة تناولها في محتوى المناهج سواء عبر دورس ومساقات متخصصة ونماذج وقصص ومواقف محاكاة يتعرض لها الطالب في واقعه حياه اليومية، بالإضافة على إكسابه فقه الوقاية من المخاطرات المالية، فإن من شأن تعزيز الثقافة المالية وغرس السلوك المالي الرشيد أن يقلل من حجم المخاطرة المالية التي يواجهها المتعلم، خاصة ما يتعلق منها بالابتزاز وأنواع الاحتيال الالكتروني المختلفة والمحافظة الوهمية والشيكات المرتجعة بلا رصيد وغيرها ، بحيث تتكون لدى المتعلم جاهزية التعامل مع هذه المقلقات عبر دراسة نواتجها في حياته، الأمر الذي يضع مناهج التعليم أمام محطات من المراجعة والتحسين والتطوير في المناهج والخطة الدراسية.
أخيرا يبقى نجاح هذا الدور مرهونا بحجم التفاعلات والفرص التي تمنح للطلبة في المدارس والجامعات في إدارة المسار المالي وتعريضهم لبرامج محاكاة تعكس ما لديهم من قيم ومهارات اقتصادية، وخلق توأمة وادماج من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إعادة انتاج الممارسة المالية في الواقع التعليمي وعبر الورش والفعاليات المرتبطة بالسوق الاستهلاكي للطلبة، ومشاركة الطلبة بأسهم اكتتاب في الجمعية التعاونية بالمدرسة، واستحضار مفاهيم التقرير المالي، والتدقيق الداخلي، والرقابة المالية، وتعريف الطالب بدور جهاز الرقابة الإدارية والمالية للدولة في الرقابة المالية، وإقرار الذمة المالية، والافصاح المالي السنوي ، وتشجيع الطلبة على التعاملات المالية اليومية، وغيرها من النماذج المالية التي تتيح للطلبة هذه المساحة من التعاملات المالية وفق موجهات محددة، وهو الأمر الذي سيكون له نتائجه الإيجابية على قدرة المتعلم على التعامل مع الأولويات المالية وإدارة مصروفاته اليومية، وأولوياته في التقليل الانفاق، وامتلاك ثقافه مالية تتجاوب مع احتياجات الطلبة اليومية، كما يستفيد من منفعة الطفولة والمصروف اليومي المقدم له في حسن استخدامه وتنظيمه وإدارته ؛ فإن من شان تعريض المتعلم لهذه المبادرات البسيطة أن تعيد فيه تقييم الصورة العاكسة التي ينظر من خلالها إلى ما لديه من ملاءة مالية ، فيحافظ على وجوده، وادخاره والتثمير فيه، الأمر الذي سيقلل من معاناة الأسر بشأن زيادة متطلبات الأبناء من المصروف اليومي.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: الوعی المالی التعلیم فی الأمر الذی من خلال
إقرأ أيضاً:
«التعليم العالي» تبحث تعزيز التعاون مع جامعة إيست إنجليا البريطانية
التقى الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بوفد جامعة إيست إنجليا البريطانية، برئاسة الدكتور ستيفن مكجواير، نائب رئيس الجامعة، وحضور الدكتور مصطفى رفعت أمين المجلس الأعلى للجامعات، والدكتور كارين بلاكني، المدير المساعد للتعاون الدولي، ومارك هوارد، مدير المجلس الثقافي البريطاني، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.
عقد شراكات مع الجامعات الدوليةوأكد وزير التعليم العالي تميز العلاقات بين مصر وبريطانيا، مشيرًا إلى أهمية تكثيف جهود التعاون بين الجامعات المصرية ونظيرتها البريطانية في المجالات الأكاديمية والبحثية لتحقيق أقصى استفادة ممكنة لكلا البلدين.
وأشار «عاشور» إلى حرص الوزارة على دعم الجامعات المصرية لعقد الشراكات مع الجامعات الدولية المرموقة، والاستفادة من التجارب الدولية المتميزة بما يعود بالنفع على المنظومة التعليمية والبحثية في مصر.
وأوضح «عاشور» أن الدولة المصرية تدعم إتاحة تعليم جامعي متميز يُسهم في تأهيل الخريجين، وتزويدهم بالمهارات والمعارف المختلفة التي تؤهلهم ليكونوا قادرين على الالتحاق بسوق العمل المحلي والإقليمي والدولي، وذلك بما يتماشى مع أهداف الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي وتحقيق رؤية مصر 2030.
وأشار الوزير إلى ما حققته أفرع الجامعات الدولية العاملة في مصر من نجاح وتزايد في الإقبال على الالتحاق بها، مشيرًا إلى وجود أفرع للجامعات البريطانية في مصر، والتي أحدثت تأثيرًا في منظومة التعليم العالي داخل مصر لما تقدمه من تعليم عالي الجودة، ودرجات معترف بها دوليًا للطلاب المصريين والوافدين، وما تطبقه من معايير في البحث، والابتكار، والتميز الأكاديمي.
وتناول الاجتماع بحث أوجه التعاون في المجالات ذات الاهتمام المُشترك مع الجامعات المصرية، ودعم الجهود المبذولة في مجال التعليم العابر للحدود، وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للتعليم العالي، وتبادل الخبرات الأكاديمية مع الجامعات في مصر.
كما ناقش الاجتماع آلیات تعزيز التعاون بين جامعة إيست إنجليا والجامعات المصرية، خاصة في العلوم الطبية، ومجال الحوسبة، والذكاء الاصطناعي.
ومن جانبه، أشاد الدكتور ستيفن مكجواير بالتقدم الكبير الذي شهدته منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر خلال الفترة الأخيرة، معربًا عن استعداد الجامعة للتعاون مع الجامعات المصرية، وتبادل الخبرات الأكاديمية بما يدعم جهود الارتقاء بالمنظومة التعليمية في كلا البلدين.