الجزيرة:
2025-02-22@20:39:06 GMT

تآكل مقومات القوة الإسرائيلية (2-2)

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

تآكل مقومات القوة الإسرائيلية (2-2)

لم تسهم خطة "التعديلات القضائية" التي طرحتها حكومة نتنياهو، وما نجم عنها من استقطاب سياسي ومجتمعي تمثل في حركة احتجاج آخذة في الاتساع، في فضح الضعف البنيوي وإبراز المعضلات الاجتماعية التي تعاني منها إسرائيل فحسب، بل عملت أيضًا على تعميق هذا الضعف وتوسيع نطاق هذه المعضلات، وتوليد تحديات خطيرة أخرى على الصعد الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية.

لقد طرحت خطة "التعديلات القضائية" لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، وهي: توفير مسار قانوني يعفي نتنياهو من المحاكمة في قضايا الفساد، وتمكين قوى اليمين الديني القومي من إمضاء مخططاتها الهادفة إلى حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بأقل قدر من الممانعة القانونية، وضمن ذلك سن تشريعات واتخاذ قرارات عنصرية تجاه فلسطينيي الداخل. كما رمت الخطة إلى إزالة العقبات التي تحول دون تمكّن الحركات الحريدية من فرض مظاهر الإكراه الديني على المجتمع، وإضفاء شرعية على تحقيقها المزيد من المكاسب المادية لجمهورها في ظل ضمان مواصلة هذا الجمهور التملص من أداء الخدمة العسكرية والإسهام في سوق العمل.

وفجر سعي الحكومة الإسرائيلية لتمرير خطة "التعديلات القضائية" حركة احتجاج جماهيرية غير مسبوقة. فحسب تقديرات المفتش العام لشرطة الاحتلال كوبي شفتاي، فقد شارك في الاحتجاجات الجماهيرية على "التعديلات القضائية" نحو 4 ملايين و700 ألف مستوطن، وهو عدد ضخم بكل المقاييس ويعدل نصف عدد سكان إسرائيل.

أخطر اختبار لشرعية حكومة نتنياهو سيتمثل في القرار الذي ستتخذه قريبا المحكمة العليا بشأن الالتماسات ضد تمرير أول قانون من التعديلات القضائية

وقد ترتب على اندلاع حركة الاحتجاج آثار سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية، أسهمت في حدوث مزيد من التآكل لمقومات القوة التي تحوزها إسرائيل وتحمل في طياتها، إذا تواصلت بهذا الزخم، تهديدًا على مجرد وجود إسرائيل. ويمكن حصر هذه الآثار في التالي:

تآكل شرعية الحكومة

أسهمت حركة الاحتجاجات على "التعديلات القضائية" في تآكل الشرعية السياسية التي تحظى بها حكومة نتنياهو. ولعل ما يدلل على ذلك عدم تردد قيادات إسرائيلية سابقة في الدعوة لرفض قرارات الحكومة وتعليماتها. فقد دعا رئيس الوزراء ورئيس هيئة أركان الجيش السابق إيهود براك صراحة الجيش والقوى الأمنية إلى عدم الإذعان إلى تعليمات الحكومة بوصف قراراتها "غير قانونية".

وتجسد تآكل شرعية الحكومة في بروز ظاهرة رفض أداء الخدمة العسكرية لدى قوات الاحتياط احتجاجًا على تمرير التعديلات القضائية. فقد أعلن الآلاف من ضباط وجنود قوات الاحتياط التوقف عن أداء الخدمة العسكرية، لا سيما ضباط سلاح الجو، الذي يعد القوة الضاربة لإسرائيل. ونظرًا لأن قوات الاحتياط تضطلع بـ70% من الجهد الحربي في إسرائيل، فإن اتساع نطاق ظاهرة رفض الخدمة العسكرية سيهدد قدرة جيش الاحتلال على أداء مهامه الدفاعية والهجومية. وقد أقر رئيس هيئة أركان الجيش هرتسلي هليفي بأن كفاءة الجيش وجاهزيته لخوض الحروب تراجعت بالفعل نتيجة تعاظم ظاهرة رفض الخدمة العسكرية.

ومما لا شك فيه أن أخطر اختبار لشرعية حكومة نتنياهو سيتمثل في القرار الذي ستتخذه قريبًا المحكمة العليا بشأن الالتماسات ضد تمرير أول قانون من التعديلات القضائية، القانون الذي ألغى الرقابة القضائية على قرارات الحكومة. فإذا قبلت المحكمة الالتماسات وألغت القانون، كما يُتوقع على نطاق واسع، ورفضت الحكومة قرار المحكمة كما يهدد عدد من وزرائها، فإن إسرائيل ستواجه أزمة دستورية غير مسبوقة ستترتب عليها تداعيات سياسية وأمنية بعيدة المدى.

ويرجح في هذه الحالة أن يعلن قادة الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى التزامهم بقرار المحكمة، مما يعني عمليًا عدم التزامهم بقرارات الحكومة، وسيسلم إسرائيل إلى حالة من الفوضى ستشلها بشكل كامل. ومن الأمثلة على تهاوي شرعية الحكومة عدم تردد قيادة حركة الاحتجاج على التعديلات القضائية في التوجه للحكومات الأجنبية، ومطالبتها بالتدخل وممارسة الضغوط على نتنياهو لوقف تمرير التعديلات القضائية حتى لو ارتبط الأمر بفرض عقوبات على إسرائيل، كما دعا إلى ذلك صراحة رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت.

تعميق الصدع المجتمعي

أسهمت حركة الاحتجاج على التعديلات القضائية في تعميق الصدع المجتمعي واتساعه لأنها كرست محورًا للمواجهة بين القطاعات الجماهيرية المؤيدة لها، والتي تضم بشكل أساسي: الشرقيين المتدينين بشقيهم القومي والحريدي، والقطاعات الرافضة لها التي تضم بشكل أساسي العلمانيين. ويرى العلمانيون في صراعهم الهادف إلى إحباط التعديلات القضائية معركة مصيرية، مما جعلهم لا يترددون في تحدي مؤيدي التعديلات من خلال تنظيم أنشطة احتجاجية في عقر تجمعاتهم الاستيطانية، كما عكست ذلك مظاهراتهم في مدينة "بني براك"، أكبر المدن الحريدية. ووصل الأمر برافضي التعديلات إلى حد اقتحام الكنس والمحاكم التوراتية، والتشويش على المصلين والمراجعين بوصف مرتاديها من مؤيدي التعديلات القضائية ومن المستفيدين منها.

وقد حدثت في كثير من الأحيان اشتباكات بين مؤيدي التعديلات ومعارضيها، حيث تعرض المشاركون في المظاهرات الرافضة للتعديلات إلى محاولات دهس نفذها مؤيدون لها. وقد حذر الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الداخلية "الشاباك" نداف أرغمان من أن يمهد اتساع الصدع المجتمعي في أعقاب طرح التعديلات القضائية لاندلاع حرب أهلية طاحنة.

شركات التقنية والسايبر الإسرائيلية باتت عرضة للبيع والاستحواذ لعجزها عن تحقيق أرباح بفعل الضائقة التي يمر بها هذا القطاع بعد طرح التعديلات القضائية

في الوقت ذاته فقد أجج طرح التعديلات القضائية الدعوات إلى الهجرة العكسية خارج إسرائيل. وقد أشرف عدد من الأطباء على تنظيم حملات لإقناع زملائهم بمغادرة إسرائيل والعمل في الخارج احتجاجًا على التعديلات القضائية، حيث لاقت هذه الدعوات استجابة كبيرة، في وقت تعاني فيه إسرائيل من نقص كبير في الأطباء والكادر الطبي.

تفاقم الأوضاع الاقتصادية

ألحقت التعديلات القضائية ضررا كبيرًا بالبيئة الاستثمارية في إسرائيل لأنها مست بثقة المستثمرين الأجانب الذين تعتمد الشركات التكنولوجية والسايبرانية على استثماراتهم؛ مع العلم أن صادرات هذه الشركات تمثل نصيبا كبيرا من العوائد التي تجنيها الخزانة الإسرائيلية. فحسب صحيفة "غلوبس" الاقتصادية فإن 80 شركة من شركات التقنية والسايبر الإسرائيلية باتت عرضة للبيع والاستحواذ لعجزها عن تحقيق أرباح بفعل الضائقة التي يمر بها هذا القطاع بعد طرح التعديلات القضائية.

وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، توجه هذا الأسبوع وفد اقتصادي إسرائيلي إلى الولايات المتحدة لمحاولة إقناع صناديق الاستثمار الأميركية بالاستثمار في السوق المحلي. كما طفت على السطح ظاهرة سحب الودائع من البنوك الإسرائيلية إلى الخارج. وأسهم تراجع الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي إلى تراجع قيمة الشيكل بالنسبة للدولار بشكل كبير.

تعاظم تأثير الفعل المقاوم

لقد تزامن طرح خطة "التعديلات القضائية" وإفرازاتها المختلفة مع زيادة وتيرة الفعل الفلسطيني المقاوم، تحديدًا في الضفة الغربية. وقد طرأت تحولات على طابع الفعل المقاوم جعلته أكثر تأثيرًا على الواقع الأمني الإسرائيلي. فقد كانت حصيلة القتلى في صفوف جنود الاحتلال ومستوطنيه خلال عام 2023 نتيجة عمليات المقاومة هي الكبرى منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في العام 2004.

وقد شملت التحولات امتداد الفعل المقاوم إلى جميع مناطق الضفة، وحدوث تطور في أدواته وخضوعه إلى منظومات قيادة وتحكم فاعلة، تحديدًا في مناطق شمال ووسط الضفة الغربية بشكل يسمح لمجاميع المقاومين بإدارة مواجهات شاملة مع جيش الاحتلال بقدر كبير من الكفاءة. وتؤذن محاولات المقاومة الأولية لإنتاج قذائف صاروخية وإطلاقها صوب المستوطنات في الضفة بحدوث تغيير جذري في قواعد الاشتباك مع الاحتلال.

ويتوقع أن تسهم إفرازات التعديلات القضائية في زيادة تأثير الفعل المقاوم. فتراجع كفاءة جيش الاحتلال وجاهزيته القتالية بفعل اتساع ظاهرة رفض الخدمة العسكرية سيقلصان على المدى المتوسط والبعيد من قدرة إسرائيل على مواجهة الفعل المقاوم، تحديدًا إذا اندلعت مواجهة متعددة الساحات.

ومن نافلة القول إن التصدع المجتمعي وتآكل الشرعية الداخلية للحكومة الإسرائيلية يقلصان من قدرة الحكومة على إدارة المواجهة ضد المقاومة الفلسطينية.

ضعف الاستجابة الأمنية

منذ سبع سنوات تشن نخب يمينية حملات تهدف إلى طرد اللاجئين الأفارقة الذين قدموا إسرائيل بطرق "غير شرعية"، لا سيما من خلال التسلل عبر الحدود، حيث برر هؤلاء اللاجئون قدومهم إلى إسرائيل بالمخاطر التي تتهدد حياتهم بفعل الحروب الأهلية التي تشتعل في بلدانهم أو نتاج القمع الذي تمارسه نظم الحكم هناك.

دللت المواجهات الأخيرة بين اللاجئين الإرتيريين وشرطة الاحتلال على مدى تأثير التعديلات القضائية على الواقع الأمني الإسرائيلي بعدما عجزت الشرطة عن التصدي بكفاءة وسرعة لأعمال الشغب

وتقيم الأغلبية الساحقة من اللاجئين الأفارقة في منطقة جنوب تل أبيب، التي تعد من معاقل اليمين الإسرائيلي. وقد رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استقبال هؤلاء الأفارقة كلاجئين، وقبلت ببقائهم مؤقتًا حتى تتمكن من العثور على حل يضمن مغادرتهم إسرائيل. وقد جاهرت النخب السياسية الإسرائيلية الحاكمة بأن التخلص من وجود اللاجئين الأفارقة مطلب حيوي لضمان استمرار التفوق الديمغرافي اليهودي. وقد حاولت إسرائيل توظيف علاقاتها ببعض الدول الأفريقية في محاولة إقناعها باستقبال هؤلاء اللاجئين، دون تحقيق نجاح يذكر.

لكن على الرغم من الضجة التي تثيرها إسرائيل بشأن اللاجئين الأفارقة، لا سيما بعد الاشتباكات التي نشبت مؤخرًا بين اللاجئين الإرتيرييين وعناصر الشرطة، فإن هناك شكوكا إزاء مدى جديتها في التخلص منهم. فنظرًا للنقص الحاد في الأيدي العاملة ورفض اليهود العمل في مجال المهن التي تتطلب جهدا بدنيا، فإن السلطات الإسرائيلية تغض الطرف عن وجود اللاجئين الأفارقة، وتسمح لهم بالعمل في هذه المجالات.

وقد دللت المواجهات الأخيرة بين اللاجئين الإرتيريين وشرطة الاحتلال على مدى تأثير التعديلات القضائية على الواقع الأمني الإسرائيلي. فشرطة الاحتلال التي استنفدت طاقتها في تأمين المظاهرات ضد التعديلات القضائية، بالإضافة إلى مواجهة التحديات الأمنية الأخرى، عجزت عن التصدي بكفاءة وبسرعة لأعمال الشغب التي نظمها اللاجئون الإرتيريون، رغم محدودية نطاقها الجغرافي، ورغم توفر معلومات استخبارية مسبقة بشأنها.

لقد سمحت حركة الاحتجاج الواسعة على خطة التعديلات القضائية بتسليط الأضواء على مظاهر تآكل مقومات القوة الإسرائيلية العسكرية والاقتصادية والاجتماعية. وتدل كل المؤشرات على أن مواصلة التشبث بهذه الخطة ستقود إلى بروز تهديدات قد تطال وجود إسرائيل ذاته.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التعدیلات القضائیة فی اللاجئین الأفارقة الخدمة العسکریة حکومة نتنیاهو تأثیر ا

إقرأ أيضاً:

كيف انهارت منظومة الردع الإسرائيلية في قطاع غزة؟

#سواليف

أكد خبيران في الشأن الفلسطيني أن ” #الاحتلال #الصهيوني مُني بفشل استراتيجي في حربه على #غزة، حيث لم يقتصر الإخفاق على الجانب العسكري، بل امتد ليشمل انهيارا واضحا في مفاهيم #الردع التي اعتمد عليها لعقود”. وأوضحا أن #المقاومة_الفلسطينية نجحت في فرض معادلات جديدة أعادت رسم موازين القوى في المنطقة، مما دفع محللين إسرائيليين إلى الإقرار بأن “اللعبة لم تعد كما كانت”.

تحول إستراتيجي

وشدد الخبير المصري في التطوير الاستراتيجي، محمد تهامي، على أن ” #الاحتلال الصهيوني تعرض لفشل ذريع في حربه على غزة”، معتبرا أن “هذا الإخفاق لا يقتصر على البعد العسكري، بل يعكس تحولا استراتيجيا أفضى إلى تآكل منظومة الردع التي شكلت لعقود ركيزة السياسة الإسرائيلية”.

مقالات ذات صلة العالم لا يرى إلا بعين واحدة.. هكذا تعامل جيش الاحتلال مع جثامين الشهداء الفلسطينيين 2025/02/20

وأشار تهامي في حديثه إلى أن “المقاومة الفلسطينية فرضت واقعا جديدا قلب #معادلة_الصراع التقليدية، حيث لم يعد #التفوق_العسكري كافيا لحسم #المعركة”.

ولفت إلى تصريحات رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، غيورا إيلاند، التي أقرّ فيها بأن ” #حماس نجحت في فرض إرادتها، وأن الاحتلال فشل فشلا ذريعا”، مؤكدا أن “هذا الاعتراف يتجاوز مجرد تحليل عسكري ليعكس تغيرا جوهريا في قواعد اللعبة”.

وأوضح تهامي أن “التاريخ أثبت أن الحروب لا تُحسم فقط بالتفوق العسكري، بل بالإرادة السياسية والصمود والتخطيط الاستراتيجي. فمن فيتنام إلى الجزائر، لم يكن النصر حكرا على من يمتلك الدبابات والطائرات، بل كان حليفا لمن امتلك القدرة على الثبات. واليوم، يعيد المشهد الفلسطيني إنتاج هذه المعادلة، حيث بات قطاع غزة، رغم حصاره لسنوات، منصة لإعادة تعريف الصراع في الشرق الأوسط”.

وأضاف أن ” #الفشل_الإسرائيلي في غزة يتجاوز حدود الإخفاق العسكري، إذ يعكس انهيارا لمفاهيم الردع، فإطالة أمد المواجهة وفرض قواعد تفاوضية جديدة وإجبار الاحتلال على تقديم تنازلات جوهرية كلها مؤشرات على تحول عميق في طبيعة الصراع”.

وأشار إلى دلالة تصريح غيورا إيلاند حين قال: “لم يعد الأمر مجرد حماس، بل دولة غزة”، في إشارة إلى الواقع الجديد الذي فرضته المقاومة.

هشاشة الصورة الإسرائيلية عالميا

وأكد تهامي أن “الاحتلال طالما سعى إلى ترسيخ صورته كقوة لا تُهزم، لكن الأحداث الأخيرة كشفت هشاشة هذه السردية، خاصة مع مشاهد الإجلاء العسكري والتقارير الغربية التي تحذر من فشل الأهداف المعلنة للحرب. وهنا، لعب الإعلام المقاوم دورا محوريا، حيث لم يقتصر على توثيق الأحداث، بل نجح في تقديم رواية مضادة تحدّت السردية الصهيونية في الأوساط الدولية”.

وأشار إلى أن “القوة العسكرية لا تزال عنصرا مهما في الحروب، لكن في عصر الإعلام الرقمي والحروب غير المتكافئة، بات الانتصار يُقاس بالقدرة على التحكم في السردية وتحويل الوقائع العسكرية إلى مكاسب سياسية ومعنوية”.

واعتبر تهامي أن “اعتراف الاحتلال بالفشل يعكس أزمة عميقة في المنظومة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، حيث أصبح مضطرا للقبول بشروط فرضتها المقاومة، ما يعني أن (اللعبة لم تعد كما كانت)”.

اختبار نظريات السياسة الدولية

وفي سياق أوسع، أشار تهامي إلى أن “الصراع في فلسطين لطالما كان اختبارا لنظريات السياسة الدولية، إذ ساد الاعتقاد بأن ميزان القوة التقليدي سيحسم الأمور لصالح الاحتلال، لكن العقود الأخيرة أثبتت أن الإرادة قادرة على قلب المعادلات. فمن فيتنام إلى الجزائر وجنوب إفريقيا، تؤكد التجارب أن الشعوب التي ترفض الهزيمة تفرض شروطها في النهاية، وهو ما تعيد غزة إنتاجه اليوم، حيث لم تعد المواجهة مجرد صراع مسلح، بل إعادة صياغة لمفهوم الردع في المنطقة”.

وختم تهامي بالتساؤل عن مستقبل الحروب غير المتكافئة في ظل تغير أدوات القوة والتأثير، قائلاً: “إلى أي مدى يمكن للقوى الكبرى أن تستمر في استخدام أدوات القوة التقليدية في عالم أصبح فيه الإعلام والسردية السياسية بنفس أهمية الصواريخ والدبابات؟ وهل بات مفهوم النصر العسكري أمرا نسبيا خاضعا للتأويل أكثر من كونه حقيقة مطلقة؟”.

معركة السردية والتأثير العالمي

من جهته، أكد الباحث الكويتي المتخصص في الشأن الفلسطيني، عبد الله الموسوي، أن “الجيش الصهيوني، بمساندة آلته الإعلامية، نسج على مدى عقود سلسلة من الأساطير والمبالغات، أبرزها ادعاء أنه “الجيش الذي لا يُقهَر” وتسميته بـ”جيش الدفاع”، إضافة إلى الترويج لصورة الجندي الصهيوني ذي العقيدة القتالية الصلبة”.

وفي حديثه لـ”قدس برس”، أوضح الموسوي أن “هذه الادعاءات تهاوت أمام صمود المقاومة الفلسطينية، التي كشفت زيفها عبر سنوات من المواجهة، وكان أبرزها عملية “طوفان الأقصى”، التي ضربت عمق العقيدة العسكرية الصهيونية، وأحدثت شرخاً عميقًا في ثقة الجمهور الإسرائيلي بمؤسساته الأمنية والعسكرية، وعرّت نقاط الضعف التي حاول الاحتلال إخفاءها لعقود تحت غطاء الدعاية الحربية والتفوق التكنولوجي”.

وأشار إلى أن “الممارسات الوحشية التي يرتكبها الاحتلال، من استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية في غزة، ليست سوى تعبير عن ارتباك عسكري وسياسي، وهو ما يعكس فشل استراتيجيته في احتواء المقاومة”.

وأضاف الموسوي أن “هذه الجرائم تتعارض بشكل صارخ مع القوانين الدولية، لا سيما اتفاقيات جنيف التي تنص على حماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة، ما يزيد من عزلة الاحتلال سياسيًا ويضعف شرعيته أمام الرأي العام الدولي”.

وتابع الموسوي قائلًا: “من الضروري التذكير بما قاله ديفيد بن غوريون، قائد عصابة الهاغاناه وأول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، عام 1950: (إسرائيل وُلدت من رحم الانتصارات، وعند أول هزيمة ستبدأ مرحلة تآكلها وتفككها، لذا يجب ألا نصل إلى هذه المرحلة، وعلينا أن نحافظ على قوتنا في المنطقة)”.

وأضاف أن “ما تشهده الساحة اليوم قد يكون بداية لهذه المرحلة، حيث تتزايد الأصوات داخل الاحتلال التي تحذر من خطر التفكك الداخلي، خاصة في ظل تزايد الانقسامات السياسية والاجتماعية. فالاحتجاجات ضد حكومة الاحتلال، والانتقادات الموجهة للمؤسسة العسكرية، والاتهامات المتبادلة بين القيادات السياسية، كلها مؤشرات على أزمة وجودية تهدد المشروع الصهيوني من الداخل”.

وأكد أن “المقاومة الفلسطينية، رغم إمكانياتها المحدودة، استطاعت أن تتحول إلى معادلة صعبة في المنطقة، وأن تكسر قواعد اللعبة التي حاول الاحتلال فرضها”.

وقال: “إسرائيل اليوم ليست إسرائيل الأمس، والقدرة على التعايش مع الفشل لم تكن يوما جزءا من عقيدتها، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع قد تتجاوز ما شهدناه في العقود الماضية”.

وشدد الموسوي على أن “الصراع اليوم لا يدور فقط في ميادين القتال، بل أيضا في ميدان السردية الإعلامية والتأثير على الرأي العام. فبينما يحاول الاحتلال الترويج لروايته عبر أدواته الإعلامية والدبلوماسية، نجحت المقاومة في قلب المعادلة عبر منصات الإعلام البديل، التي فضحت انتهاكات الاحتلال ونقلت صورة المعاناة الفلسطينية إلى العالم”.

وأشار إلى أن “التحولات في المشهد الإعلامي باتت تمثل تحديا حقيقيا للاحتلال، حيث أصبح من الصعب التغطية على جرائمه وسط تصاعد الوعي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية”.

وأكد أن “الحرب اليوم ليست فقط حرب صواريخ وطائرات، بل هي حرب روايات، ومن يملك القدرة على السيطرة على السردية، يملك زمام المبادرة في المعركة السياسية والدبلوماسية”.

مستقبل الصراع.. إلى أين؟

وختم الموسوي حديثه بالتأكيد على أن ما يجري في فلسطين اليوم ليس مجرد جولة قتالية أخرى، بل هو لحظة مفصلية في مسار الصراع مع الاحتلال. وقال: “نحن أمام مرحلة جديدة، حيث بات الاحتلال عاجزًا عن فرض شروطه، والمقاومة تزداد قوة رغم كل الضغوط، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المشروع الصهيوني في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية”.

وأضاف: “المعادلات تتغير، والمقاومة أثبتت أنها ليست مجرد رد فعل، بل مشروع استراتيجي يمتلك رؤية وقدرة على الصمود، مما يجعل من القادم أكثر تعقيدا بالنسبة للاحتلال. فهل يستطيع الاحتلال التأقلم مع هذا الواقع الجديد؟ أم أن لحظة التآكل التي حذر منها بن غوريون قد بدأت بالفعل؟”.

مقالات مشابهة

  • «المشاط»: مصر تمتلك مقومات تنافسية تعزز قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية
  • جيش الاحتلال يتعرف على جثة الأسيرة الإسرائيلية شيري بيباس
  • إذاعة الاحتلال: تم التعرف على جثة الأسيرة الإسرائيلية شيري بيباس
  • حماس: سنفحص ادعاءات إسرائيل بشأن جثة الأسيرة الإسرائيلية شيري بيباس
  • انفجارات تهزّ تل أبيب.. إسرائيل تعلن: إحدى الجثث التي تم تسليمها «مجهولة الهوية» وتتوعد!
  • الجزيرة نت تكشف التعديلات الدستورية التي أجازتها حكومة السودان
  • كيف انهارت منظومة الردع الإسرائيلية في قطاع غزة؟
  • إسرائيل تؤكد هوية أحد الجثامين التي استلمتها من حماس
  • العمامي: تآكل الصفائح المعدنية والردم العشوائي يهددان كورنيش طرابلس
  • الكشف عن عدد الجثامين التي تحتجزها إسرائيل