الهدوء في سوق صادرات الحبوب خادع.. كارنيجي: إحياء الصفقة احتمال ضعيف
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
تعول كل من روسيا وأوكرانيا على القدرة على استخدام سوق الحبوب لإلحاق الضرر بالآخر، دون تكبد أي خسائر، ما يعني أن إحياء صفقة الحبوب، هو نتيجة أقل احتمالاً، بكثير من التصعيد.
هكذا يخلص تحليل لمركز "كارنيجي" وترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى أن فرص تجديد اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا ضئيلة للغاية من الناحية الواقعية، على الرغم من الدعوات الصادرة عن جهات متنوعة مثل الغرب والصين، وجهود الوساطة التي تبذلها تركيا والأمم المتحدة.
ويقول التحليل: "لا تملك موسكو ولا كييف الحافز الكافي لإعادة إحياء الاتفاقية التي تسهل صادرات الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البلاد على البحر الأسود، بعد انسحاب روسيا من الصفقة في يوليو/تموز".
ويضيف: "الأرجح بكثير هو حدوث المزيد من التصعيد في منطقة البحر الأسود، وتزايد أسعار الحبوب العالمية، والتي كانت قد انخفضت بشكل حاد حتى وقت قريب".
ويلفت التحليل إلى أن اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 4 سبتمبر/أيلول، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لم يؤت إلى عودة موسكو إلى الاتفاق.
وفي أعقاب الاجتماع، تسربت إلى وسائل الإعلام مقترحات جديدة للأمم المتحدة تهدف إلى إعادة روسيا إلى الاتفاق.
اقرأ أيضاً
أردوغان يفتح ملف اتفاق الحبوب على هامش زيارته لاجتماعات الأمم المتحدة
وفي هذه الوثائق، عرض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عملية تقديم طلب عاجلة لربط إحدى الشركات التابعة للبنك الزراعي الروسي بنظام الدفع الدولي سويفت (تم قطع البنك الأم عن سويفت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022).
كما عرضت الأمم المتحدة إنشاء منصة تأمين للصادرات الزراعية الروسية، للمساعدة في فك تجميد الأصول الأوروبية لمنتجي الأسمدة الروس، واستكشاف السبل الكفيلة بالإفراج عن السفن الروسية التي تحمل الأسمدة العالقة في موانئ الاتحاد الأوروبي.
وردت وزارة الخارجية الروسية على المقترحات ببيان غير متأثر، في حين قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إن أي تدابير تلغي تأثير العقوبات ضد روسيا، لن تؤدي إلا إلى تشجيع موسكو على "قصف المزيد من الموانئ والبدء في ابتزاز العالم بمطالب جديدة".
وبالتالي وفق التحليل، "لا موسكو ولا كييف في عجلة من أمرهما لتعديل موقفهما، لأنه لا يوجد سبب حقيقي يدفعهما إلى القيام بذلك".
فمنذ انهيار صفقة الحبوب، واصلت أوكرانيا تصدير الحبوب عبر الموانئ على نهر الدانوب وبرا إلى المستهلكين الأوروبيين، أو إلى موانئ الاتحاد الأوروبي لمواصلة النقل.
وفي يوليو/تموز وأغسطس/آب، صدرت أوكرانيا نحو 5 ملايين طن من الحبوب، وهو ما يشبه مستويات العام الماضي، عندما تم إبرام الاتفاق.
اقرأ أيضاً
ورقة تركية رابحة وضغوط دولية متزايدة.. هل يعود بوتين لصفقة الحبوب؟
ويبدو من المرجح أن تحقق البلاد كل إمكاناتها التصديرية أو كلها تقريباً، حتى ولو ظلت محطات الحبوب في البحر الأسود معطلة.
وتصر موسكو على أنها مستعدة للعودة إلى صفقة الحبوب بمجرد أن "يفي الغرب بالتزاماته"، في إشارة إلى مذكرة التفاهم "حول ترويج المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية" التي وقعتها روسيا والأمم المتحدة في يوليو/تموز 2022.
ويقول التحليل: "تفسر روسيا الالتزامات الغربية، بموجب الاتفاق بشكل متحرر للغاية، وهناك شخص واحد فقط يمكنه أن يقرر ما إذا كان الغرب يفي بهذه الالتزامات أم لا، وهو بوتين، الذي يبدو أنه قد طور كراهية شخصية قوية للاتفاق".
علاوة على ذلك، فإن صفقة الحبوب ليس لها أي تأثير مباشر على الصادرات الروسية.
فبعد حصاد ممتاز، صدرت روسيا رقما قياسيا بلغ 59 مليون طن من الحبوب في العام الزراعي 2022-2023، وقد يرتفع هذا الرقم هذا العام بشكل أكبر.
فيما انخفضت صادرات الأسمدة الروسية بنسبة 15% العام الماضي، لكن من المتوقع أيضًا أن تنتعش هذا العام.
اقرأ أيضاً
أوكرانيا تعرض على تركيا ممرا جديدا للحبوب بعيدا عن روسيا
وتسير السوق العالمية أيضاً على ما يرام بدون صفقة الحبوب. لقد انخفضت أسعار المواد الغذائية منذ عدة أشهر.
وارتفعت أسعار القمح، الأكثر حساسية للأخبار الواردة من البحر الأسود، بعد انهيار اتفاق الحبوب، ولكنها بدأت بعد ذلك في الانخفاض بسرعة، وهي الآن أقل مما كانت عليه في بداية يوليو/تموز، عندما كان الاتفاق لا يزال قائما.
ويعلق التحليل على ذلك بالقول: "لا تزال حبوب البحر الأسود تصل إلى السوق العالمية، والأسعار في انخفاض، ويبدو أن المخاوف من مجاعة عالمية وشيكة لا أساس لها من الصحة، لكن الوضع يمكن أن يتغير بسرعة".
وبدأت أسعار القمح العالمية في الانخفاض إلى ما دون قيمتها الأساسية بسبب البيع على المكشوف على نطاق واسع من قبل صناديق المضاربة.
وأثبتت هذه الاستراتيجية أنها مربحة للغاية منذ مايو/أيار الماضي، ومن هنا كان الإحجام عن التخلي عنها، ولكن هذه النبوءة ذاتية التحقق، تدفع الأسعار إلى الانخفاض أكثر فأكثر.
كما يؤدي عدم إحراز تقدم في صفقة الحبوب إلى زيادة خطر حدوث المزيد من التصعيد في البحر الأسود.
اقرأ أيضاً
رفض روسيا استئناف نقل الحبوب وتأثيره على تركيا.. ماذا يعني؟
وفي أعقاب قصف المحطات في منطقة أوديسا بأوكرانيا، بدأت روسيا في استخدام الطائرات بدون طيار لمهاجمة الموانئ على نهر الدانوب.
وحتى الآن، لم تنخفض حركة السفن التي تحمل الحبوب من الموانئ الأوكرانية بشكل ملحوظ، على الرغم من أن تكلفة الشحن آخذة في الارتفاع، لكن الوضع قد يتغير إذا استمرت الهجمات بمعدلها الحالي، أو إذا تعرضت السفينة لأضرار.
إلا أن هناك عامل آخر، يمكن أن يكون له تأثير سلبي، وهو احتمال الاستيلاء على السفن من قبل السفن الروسية.
وقالت موسكو مراراً وتكراراً إن السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية هي أهداف عسكرية مشروعة.
وردت كييف بالتحذير من أن الموانئ الروسية معرضة للخطر أيضًا.
وبحسب ما ورد، وصل صاروخ أوكراني إلى مدينة تاغانروغ الساحلية الروسية، في حين كانت روستوف أون دون، وهي مركز نقل رئيسي للحبوب الروسية على بحر آزوف، هدفاً لهجمات الطائرات بدون طيار.
اقرأ أيضاً
تحليل: أردوغان فشل في إقناع بوتين بالعودة لصفقة الحبوب
وفي الوقت نفسه، أصبحت الهجمات ومحاولات الهجوم على جسر شبه جزيرة القرم الذي يربط شبه الجزيرة المضمومة بالبر الرئيسي الروسي حدثاً منتظماً، الأمر الذي قد يؤدي إلى إغلاق الشحن في مضيق كيرتش، الذي يمر عبره نحو 30% من صادرات الحبوب الروسية.
كما تم استخدام الطائرات البحرية بدون طيار لمهاجمة سفينة بحرية روسية على بعد بضعة كيلومترات فقط من نوفوروسيسك، أكبر ميناء لمعالجة الحبوب في روسيا.
وشهد أغسطس/آب أول هجوم على سفينة غير بحرية، وهي الناقلة الروسية سيج، التي كادت أن تغرق بالقرب من مضيق كيرتش.
وبالتالي، لا يوجد نقص في عوامل الخطر، وإذا تمكنت كييف من التأثير على الملاحة في حوض آزوف-البحر الأسود، فإن ذلك سيخلق مشاكل للصادرات الروسية.
وخلافاً لأوكرانيا، فإن روسيا لا تملك حقاً أي طرق بديلة لتصدير حبوبها.
كما أن هناك متغيرا آخر غير معروف في المعادلة، وهو احتمال قيام الكرملين نفسه بتقييد صادراته من الحبوب عمداً لأسباب تكتيكية خاصة به.
اقرأ أيضاً
كاتب يقترح ضم دول الخليج وأفريقيا والهند إلى اتفاقية الحبوب لإنقاذها.. ويؤكد: روسيا لن ترفض
إذا تحقق أي من هذه السيناريوهات، فإن التداعيات ستكون خطيرة، وفق التحليل.
ففي موسم الحبوب هذا، من المقرر أن تزود روسيا السوق العالمية بحبوب تزيد بنسبة 80% عن أوكرانيا، بما في ذلك أكثر من 4 أضعاف كمية القمح.
ومن المتوقع أن تمثل روسيا أكثر من 20% من تجارة القمح في العالم، وهي تجارة معروفة بعدم المرونة.
وأمام ذلك، تعول كل من موسكو وكييف على القدرة على استخدام سوق الحبوب لإلحاق الضرر بالآخر دون تكبد أي خسائر، ما يعني أنه لا يزال من السابق لأوانه الإعلان عن موت ودفن صفقة الحبوب، ولكن في هذه الحالة، فإن إحيائها هو نتيجة أقل احتمالاً بكثير من التصعيد.
وفي حالة حدوث مشكلات خطيرة تتعلق بالصادرات من المنطقة، فمن المرجح أن نشهد انفجارًا في الأسعار نتيجة لانخفاض المعروض من الحبوب والإغلاق الجماعي للمراكز المكشوفة من خلال أموال المضاربة.
ويختتم التحليل بالقول: "قد يكون العالم على بعد هجوم واحد بطائرات بدون طيار، من أن يصبح مثل هذا السيناريو حقيقة واقعة".
اقرأ أيضاً
صفقة الحبوب.. تركيا والأمم المتحدة تجهزان مقترحات جديدة لروسيا
المصدر | كارنيجي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الحبوب صفقة الحبوب روسيا أوكرانيا الأمم المتحدة البحر الأسود البحر الأسود صفقة الحبوب من التصعید یولیو تموز اقرأ أیضا من الحبوب بدون طیار
إقرأ أيضاً:
الرئاسي: اللافي اقترح على “تيته” إحياء مسار برلين للخروج من الأزمة السياسية
استقبل النائب بالمجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، اليوم الأربعاء، المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، حنا تيتيه، في لقاء تناول آخر مستجدات العملية السياسية في البلاد، وسبل معالجة حالة الانسداد السياسي الراهنة، وفقا لبيان المجلس الرئاسي.
وجرى خلال اللقاء بحث عدد من الملفات المحورية، على رأسها توحيد المؤسسة العسكرية، وتداعيات الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب قضايا الهجرة غير النظامية وحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، شدد اللافي على أهمية صون الحقوق والحريات، مؤكداً أن المجلس الرئاسي يواصل جهوده في دعم مبادئ العدالة والمساءلة وسيادة القانون.
كما ناقش الجانبان ما تم إنجازه في ملف حرس الحدود، باعتباره ركيزة أساسية لتعزيز السيادة الوطنية وضبط الأمن.
وأعربت المبعوثة الأممية عن دعم بعثة الأمم المتحدة لهذه الخطوات، مشددة على ضرورة التنسيق الدائم مع الجهات الدولية المختصة.
وتطرق اللقاء إلى ملف المصالحة الوطنية، حيث ثمّنت تيتيه الخطوات التي أُنجزت في هذا الإطار، مؤكدة دعم الأمم المتحدة لمساعي المجلس الرئاسي، واستعدادها لحشد الدعم الدولي بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي، لضمان نجاح هذا المسار المحوري في تحقيق السلم الاجتماعي.
وفي السياق ذاته، اقترح النائب اللافي إحياء مسار برلين كأحد المسارات الواقعية القادرة على دفع العملية السياسية نحو حل شامل، وهو ما لقي ترحيباً من المبعوثة الأممية، التي جددت دعم الأمم المتحدة لأي مبادرة تفضي إلى توافق وطني يلبّي تطلعات الشعب الليبي في الاستقرار والتنمية.
واختُتم اللقاء بالتأكيد على أهمية دور اللجنة الاستشارية في دعم الحوار الوطني، ووضع رؤية توافقية تعالج الخلافات السياسية، وصولاً إلى تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية وإنهاء المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد.