موقع النيلين:
2025-04-30@21:06:11 GMT

عادل عسوم: لكيلا تأسوا على مافاتكم

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

عادل عسوم: لكيلا تأسوا على مافاتكم


توقفت مليا بين يدي هاتين الآيتين الكريمتين من سورة الحديد خلال تلاوتي اليوم:
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(23)}
فلم استطع مبارحتهما قبل أن اقرأ شيئا مما كُتِب في تفسيرهما، فإذا بي أجد هذا الجمال
في نداء الإيمان:
إن هذا الوجود من الدقة والتقدير بحيث لا يقع فيه حادث إلا وهو مقدر من قبل في تصميمه، محسوب حسابه في كيانه .

. لا مكان فيه للمصادفة .. وقبل خلق الأرض وقبل خلق الأنفس كان في علم الله الكامل الشامل الدقيق كل حدث سيظهر للخلائق في وقته المقدور .. وفي علم الله لا شيء ماض، ولا شيء حاضر، ولا شئ قادم .. وهذا الكون وما يقع فيه من أحداث وأطوار منذ نشأته إلى نهايته كائن في علم الله جملة لا حدود فيه ولا فواصل من زمان أو مكان. ولكل حادث موضعه في تصميمه الكلي المكشوف لعلم الله. فكل مصيبة – من خير أو شر فاللفظ على إطلاقه اللغوي لا يختص بخير ولا بشر – تقع في الأرض كلها وفي أنفس البشر أو المخاطبين منهم يومها .. هي في ذلك الكتاب الأزلي من قبل ظهور الأرض وظهور الأنفس في صورتها التي ظهرت بها .. (إن ذلك على الله يسير) .. وقيمة هذه الحقيقة .. قيمتها في النفس البشرية أن تسكب فيها السكون والطمأنينة عند استقبال الأحداث خيرها وشرها. فلا تجزع الجزع الذي تطير به شعاعا وتذهب معه حسرات عند الضراء. ولا تفرح الفرح الذي تستطار به وتفقد الاتزان عند السراء: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم) .. فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه ويزلزله، ولا يفرح بحاصل فرحا يستخفه ويذهله. ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى. رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون! وهذه درجة قد لا يستطيعها إلا القليلون. فأما سائر المؤمنين فالمطلوب منهم ألا يخرجهم الألم للضراء، ولا الفرح بالسراء عن دائرة التوجه إلى الله، وذكره بهذه وتلك، والاعتدال في الفرح والحزن. قال عكرمة – رضي الله عنه – “ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا” .. وهذا هو اعتدال الإسلام الميسر للأسوياء.
إنتهى.
قال ابن الجوزي في كتابه الطب الروحاني: العاقل لا يخلو من الحزن؛ لأنه يتفكر في سالف ذنوبه، فيحزن على تفريطه… فأما إذا كان الحزن لأجل الدنيا وما فات منها، فذلك الحزن… فليدفعه العاقل عن نفسه، وأقوى علاجه أن يعلم أنه لا يرد فائتًا، وإنما يضم إلى المصيبة مصيبة، فتصير اثنتين، والمصيبة ينبغي أن تخفف عن القلب وتُدفَع، فإذا استعمل الحزن والجزع، زادت ثقلًا. اهـ.
وقال أيضًا: من اغتمَّ لما مضى من ذنوبه، نفعه غمه على تفريطه؛ لأنه يثاب عليه، ومن اهتم بعمل خير، نفعته همته، فأما إذا اغتم لمفقود من الدنيا، فالمفقود لا يرجع، والغمَّ يؤذي، فكأنه أضاف إلى الأذى أذى. اهـ.
والإيمان بالقضاء والقدر يزيل ندم العبد على ما فاته من الدنيا، وإلا فإنه يخففه، ويضبطه، فلا يخرج معه العبد إلى حد التسخط، والجزع المحرم، وقد سبق لنا بيان أن الصبر والرضا بقضاء الله لا يتعارضان مع وجود التألم والحزن،
وبحسب كمال الإيمان يزول التحسر، والندم على الفائت من الدنيا، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
وليس في هذه الآية نفي لوجود الحزن، أو الندم بالكلية، وإنما فيها النهي عما يضاد الصبر من ذلك، قال الزمخشري في الكشاف: إن قلت: فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به، ولا عند منفعة ينالها، أن لا يحزن، ولا يفرح!
قلت: المراد الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر، والتسليم لأمر الله، ورجاء ثواب الصابرين، والفرح المطغي الملهي عن الشكر، فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه، مع الاستسلام، والسرور بنعمة الله، والاعتداد بها، مع الشكر: فلا بأس بهما. اهـ.
وتبعه على هذا المعنى جماعة من المفسرين، كالبيضاوي، والنيسابوري، والسمعاني، وقال القرطبي: الحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز. اهـ.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز، وتبعه الثعالبي في الجواهر الحسان، والعُلَيْمي في فتح الرحمن: قوله تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ـ يدل على أن الفرح المنهي عنه إنما هو ما أدى إلى الاختيال، والفخر، وأما الفرح بنعم الله، المقترن بالشكر، والتواضع، فأمر لا يستطيع أحد دفعه عن نفسه، ولا حرج فيه. اهـ.
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: أما قوله تعالى: لكي لا تأسوا على ما فاتكم ـ فالمراد منه الأسف مع الصياح، والفرح مع الصياح، نقل عن ابن مسعود موقوفًا ومرفوعًا. اهـ.
والله أعلم.
أقول:
ما أجمل هذه السياحة الإيمانية!
ياااااه
ما أجمل وقع الآيات على النفس وقد خامرت شغاف القلب، فيزداد اليقين بإحاطة الله صاحب الملكوت بكل هدأة فيه وحراك!
لعمري إن الذي يقرأ هذه الآيات ثم يتوقف مليا بين سرابات أسطر تفسيرهما؛ فإنه لامحالة واصل إلى تصالح عجيب مع النفس، تصالح يهون دونه كل الغيب مهما كان، فيُخبِتُ إلى الله طائعا محبا، راضيا بكل مايصيبه، والوجدان منه في كامل التسليم لرب العالمين.
كل شئ سيأتيك أوانه، وظيفة كانت، أو مالا، أو زواجا، أو ذرية،
ومافاتك لم يكتبه الله لك أصلا، وما اخترته خلال ماضيك هو نصيبك المقرر والمحتوم، ولان استقبلت من عمرك ما استدبرت فلن تجد أفضل مما اخترته تبعا لقدر الله، فلاتندم أبدا على مافات، (فما أصابك لم يكن ليخطئك، و ما أخطأك لم يكن ليصيبك)
اللهم لك الحمد والشكر حتى ترضى، ولم الحمد والشكر إذا رضيت، ولك الحمد والشكر بعد الرضى.
ألا رحم الله الإمام الشافعي وقد قال:
دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا
وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ
يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً
فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ
فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي
وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ
فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ
وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا
فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن
إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
دَعِ الأَيّامَ تَغدِرُ كُلَّ حِينٍ
فَما يُغني عَنِ المَوتِ الدَواءُ.

عادل عسوم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: على ما

إقرأ أيضاً:

تكوين عادل بشرى.. رواية تدشن مجالاً جديدًا في السرد الأدبي

كتب - مصراوي:

صدرت للكاتب المصري عادل بشرى أولى رواياته "تكوين" عن دار الأدهم للطباعة والنشر- القاهرة- 2025.

تمكن الكاتب بحرفية شديدة، من تطويع الحوادث العلمية (والحوادث هنا من الحادثات أي جديد العلم) عبر لغة راقية غاية في السلاسة، وبمفردات بسيطة موحية، تمكن من الإمساك بموضوع وأسئلة الرواية التي قد تهاجم حتى الأشخاص العاديين، ما الذي كان قبل البدايات الأولى للخلق؟!، وما الذي صارت إليه تلك الأمور الغامضة؟!، وكيف تدخل العلم في كشف الكثير من الألغاز؟!

وهذا مقطع من افتتاحية الرواية:

"في ليلة هادئة، بينما كان بقية الفريق يغطُّون في نوم عميق، قامت "إيلينا" بتفعيل البروتوكول السري؛ كتبت الكود في جهازها، ويداها ترتعشان، استهدفت عدسة التلسكوب نحو جزء من الفضاء كانوا قد تجنبوه ليس لأنه فارغ؛ بل لأنه لم يكن فارغًا، أعادت المرايا اصطفافها، ألواحها الذهبية تميل بدقة، بدأت الأنظمة تعمل بصوت أعلى من المعتاد وكأنَّ الآلة نفسها تتوقع ما سيحدث على شاشتها، بدأت "إيلينا" ترى الصور الأولى تتجسد.

في البداية، كان ذلك النسيج الكوني المألوف عناقيد من المجرات تمتد عبر مسافات لا يمكن تصورها، لكن بعد ذلك، تعمقت الصورة، وانقشعت الطبقات كما لو أن التلسكوب كان يحفر عبر الزمن، ظهر انفجار عظيم على شاشتها، عاصفة متوهجة من الضوء والمادة. حبست أنفاسها. كانت تنظر إلى ولادة الكون نفسه.

ثم ذهبت الصورة أبعد..

أصبحت الرؤية أوضح، تتعمق ليس فقط عبر الفضاء ولكن نحو اللحظات، رأت النجوم الأولى تشتعل والكواكب الأولى تتشكل، لم يكن التلسكوب يعرض لها الماضي البعيد فقط؛ بل كان يتحرك للأمام مجددًا، مسرعًا عبر العصور مثل شريط فيلم يُعرض بشكل عكسي".

اقرأ أيضا:

النهار تعلن عودة محمود سعد إلى شاشتها ببرنامجه "باب الخلق"

أمطار وأتربة ورياح.. الأرصاد تحذر من تقلبات جوية ومنخفض خماسيني الأربعاء المقبل

وكيل نقابة الأطباء البيطريين يحذر من تفاقم أزمة الكلاب الضالة: "كارثة صحية وشيكة"

بيان عاجل من "السياحة" بشأن موسم حج 2025

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

الكاتب المصري عادل بشرى تكوين السرد الأدبي

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الخبر التالى: وزير الصحة يشهد تكريم شهيدي معهد القلب ويطلق جائزتين سنويتين بقيمة 100 ألف جنيه

إعلان

إعلان

أخبار

"تكوين" عادل بشرى.. رواية تدشن مجالاً جديدًا في السرد الأدبي

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

الدولار ينخفض تحت الـ51 جنيها في بنوك مصر.. فما الأسباب؟ عواصف وأمطار وسرعة الرياح تصل لـ80كم/ س.. تحذير جوي من "الأرصاد" كاميرا "تيك توك" تشعل معركة في جامعة سوهاج وإصابة طالب بـ 29 غرزة.. ما القصة؟ للإعلان كامل للإعلان كامل 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • مديرية التضامن بمطروح تحتفل بيوم اليتيم في أجواء من الفرح والدعم المجتمعي
  • فستان لافت.. شيري عادل تستعرض جمالها
  • ماذا فعل النبي عند العواصف الترابية والرياح .. تأسوا بسنته الشريفة
  • كيف نفهم الحزن عند موت أحد الأحباء
  • عادل البطي: الهلال ظهر بشكل سئ والأهلي فرض شخصيته
  • تكوين عادل بشرى.. رواية تدشن مجالاً جديدًا في السرد الأدبي
  • محمد عادل: كأس مصر تتويج لموسم كبير
  • سيدات يد الأهلي يتوج ببطولة كأس مصر بعد الفوز على سموحة
  • في الجناح. توقيف سارق وهذا ما ضبط بحوزته
  • عشاء انتخابي والدفع بالدولار