الحوثي يصف من لا يشارك في احتفال جماعته بالمولد النبوي بالجاهليين
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
تتحرك قيادات المليشيا الحوثية هذه الأيام في سباق محموم مع الزمن لحشد المواطنين في مناطق سيطرتها لحضور فعالية احتفال الجماعة بذكرى المولد النبوي الشريف.
وفي زيارة إلى مديرية سنحان وبني بهلول، الأحد، قال القيادي في المليشيا الانقلابية، محمد علي الحوثي، إن عدم الاحتفال بذكرى المولد النبوي يعتبر "جاهلية معاصرة عظمى"، داعياً قبائل سنحان وبني بهلول إلى حضور الفعالية التي تقيمها المليشيا في ميدان السبعين في 12 ربيع الأول الجاري، الموافق 27 سبتمبر الجاري.
وبلهجة من يدعو الناس لدخول الإسلام لأول مرة، راح القيادي الحوثي يحث المواطنين في سنحان وبني بهلول على اتباع سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، "والاقتداء والالتزام بما جاء به"... و"العودة إلى الله عز وجل"، مكرراً حديثه عن "الجاهلية العظمى" وطرق مواجهتها من خلال حضور فعالية السبعين، ومعتبراً أن عدم الاحتفاء برسول الله أمر معيب.
وتستنفر القيادات الحوثية منذ أكثر من أسبوع لحشد المواطنين في مناطق سيطرتها لحضور الفعاليات المخصصة للاحتفال بالمولد النبوي ولا سيما ما يسمونها الفعالية المركزية في ميدان السبعين. ويأتي هذا الاستنفار في ظل أوضاع معيشية صعبة يعيشها الناس على مستوى الافتقار للقمة العيش والاحتياجات الأساسية، لكن محمد علي الحوثي طالب القبائل بالاحتفال بالمولد وحضور الفعالية المركزية في السبعين، من منطلق أن التحرك لهذه الاحتفالات يجب أن يكون بدافع حب رسول الله والإيمان به دون الحاجة إلى المادة، في إشارة إلى أن على مشايخ القبائل تحشيد أفرادهم إلى السبعين على نفقتهم الخاصة.
وكرر الحوثي الأسطوانة التي اعتادت القيادات الحوثية ترديدها، بمن فيهم زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، حول دور اليمنيين في نصرة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ونصرة آل بيته. وهو الأمر الذي يعتبره نشطاء ورجال دين ابتزازًا دينيًا تمارسه الجماعة على اليمنيين باسم الإسلام ورسول الإسلام، رغم اعتناق جميع اليمنيين الدين الإسلامي في وقت مبكر من بعثة النبي وتخليهم عن الأديان الأخرى السابقة.
ويعتبر النشطاء ورجال الدين المعتدلون أن سلوك المليشيا الحوثية في استخدام الدين الإسلامي ومكانة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، مسيئ للدين وللنبي على السواء، وأن أقوالها وسلوكها في التعامل مع المواطنين وإدارة البلاد أصبح منفرًا للناس ويعزز الاحتقان في نفوسهم ضد هذه الجماعة الظلامية، خاصة في ظل تدهور أوضاع المواطنين المعيشية وحياة البذخ التي يعيشها قادة الجماعة والمقربون منهم، والإنفاق الخيالي على الفعاليات الطائفية التي تذكّر اليمنيين بالماضي الأسود لحكم الأئمة.
ونتيجة لهذا الاحتقان يتخوف قادة المليشيا من نفور الناس حتى من فعالية المولد النبوي رغم حبهم لرسول الله واتباعهم لسيرته والتزامهم بتعاليم الإسلام أفضل من التزام قادة المليشيا الذين أصبحوا يستشعرون احتقان الناس ضدهم بشكل واضح.
وفي إطار الحشد للفعالية التي تعتزم المليشيا إقامتها في ميدان السبعين وملعب الثورة في صنعاء العاصمة، خرج زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، يوم السبت الماضي، في خطاب تعبوي يحث الناس على حضور الفعالية كما حضروا في الأعوام الماضية، مكرراً أحاديثه المعتادة التي ملّ الناس من سماعها عن "قوى الطاغوت والاستكبار" و"اللوبي الصهيوني" وغيرها من الشعارات التي تعتمد عليها الجماعة في تضليل الناس وحشدهم إلى صفوفها.
المصدر: نيوزيمن
إقرأ أيضاً:
المليشيا والدولة في السودان
عبد الله علي إبراهيم
(استغرب بعضهم قولي على الجزيرة مباشر أن من حق الجيوش توظيف مليشيات لأغراضها دون أن تتخلى عن احتكارها للسلاح الذي هو خصيصتها في الدولة الحديثة. والترخص في احتكار السلاح هو ما ارتكبه نظام الإنقاذ لا بخروج الدعم السريع من رحمه كما يذاع، بل لأنه جعله جيشاً ثانياً شريكا في حمل السلاح باستقلال. فكانت المليشيات قبله تنشأ بجانب الجيش ثم تنفض متى فرغت من مهمتها ليومها. ولكن الإنقاذ تعاقدت مع الجنجويد لا فكاك. ولو كانت القراءة عادة فينا لما استغرب هذا البعض مني قولي. فكنت نظرت في مادة المليشيا منذ 56 عاماً خلال عرضي لكتاب "مذبحة الضعين" (1987) لسليمان بلدو وعشاري أحمد محمود. وحررت هذه المادة في باب من كتابي "الثقافة والديمقراطية" (1996) في فصل عنوانه "أخرجت البادية أثقالها وقالت الصفوة مالها!" بعنوان جانبي هو "جدل القبيلة والدولة". وأنشر هنا طرفاً من الفصل عن سيرة الدولة المركزية السودانية والمليشيا في التاريخ).
وصفت بلين هاردن استخدام الدولة السودانية لـ "المليشيات القبلية"، في حربها ضد قوات الحركة الشعبية، بأنها الحرب بأدنى تكلفة. وليس هذا صحيحاً وحسب، بل أن هذه الحرب الرخيصة أيضاً ظلت أداة تاريخية تلجأ لها الدولة السودانية مع قوى البادية السودانية الخارجة على سلطانها. فغالباً لم يكن في مقدور هذه الدولة أن تطال تلك القوى في بواديها المستغلقة المستعصية. وكثيرًا ما وجدت تلك الدولة نفسها مضطرة للتحالف مع جماعات أخرى في نفس البادية لها خصومة مؤكدة مع تلك القوى الخارجة على الحكومة. وهذه الخصومة هي التي تجعل حلفاء الحكومة حريصين على ملاحقة الخارجين على الحكومة وترويعهم في بيئة لا قبل للدولة لشقها وفرض أدوات سيطرتها عليها.
وأستطيع من خبرتي بتاريخ عرب الكبابيش بشمال إقليم كردفان أن أدلل على رسوخ نسق تحالف الدولة القاصرة مع نظم اجتماعية وسياسية أدنى مثل القبيلة والطائفة لتصفية معارضيها في بيئات البادية والهوامش المستعصية. فقد طلبت الإدارة التركية في السودان (1821-1881) من بعض فروع الكبابيش أن لا يهبطوا مع بقية الكبابيش إلى النهر في موسم الصيف ليبقوا بجهات الصافية ونواحيها بشمال كردفان لردع أعراب دارفور، وبني جرار، خاصة الذين كانوا يقطعون طرق القوافل بين كردفان ودارفور. وواضح أنه لم يكن خافٍ على تلك الإدارة قوة إغراء هذا العرض على الكبابيش. فبين الكبابيش وبني جرار عداء مستحكم انتهي بتجريد بني جرار من دارهم بشمال كردفان، واحتلال الكبابيش لها ولياذ بني جرار بدارفور. والأكثر إغراءً في هذ العرض هو إباحة الإدارة التركية لفروع الكبابيش المأمورة بمطاردة بني جرار الغنائم التي تجنيها من قتالها لبني جرار وقبائل دارفور.
ووظفت دولة المهدية (1881-1898) خصومات الكبابيش في حملتها لإخضاع الكبابيش وكسر ثورتهم. فقد استخدم الخليفة عبد الله زعماء وقوى من قبائل حمر ودار حامد والكواهلة وبني جرار، وهي القبائل ذات الثارات على الكبابيش، في طور أو آخر من أطوار حربه وملاحقته للشيخ صالح فضل الله، زعيم الكبابيش المعارض، حتى قضى عليه وعلى ثورته.
وتحالفت الحكومة الإنجليزية مع الكبابيش خلال العقدين الأولين من هذا القرن، حين تطابقت استراتيجية الحكومة في حصر وضبط السلطان علي دينار، سلطان دارفور، مع استراتيجية الكبابيش للتوسع غرباً حتى مطالع حدود دارفور الشرقية. ولأن الكبابيش كثيرًا ما يخاطرون في نواحي دارفور المعادية، أصبحوا في نظر الحكومة حراس الأحراش الغربية، والمصدر الرئيسي للمعلومات الرسمية لما يجري هناك. فحين يغزو الكبابيش قبائل دارفور فمن الممكن تسويغ ذلك على أنه انتقال لما يكون قد وقع عليهم من تلك القبائل. ولم تشجع الحكومة السودانية غزوات الكبابيش في العلن ولكنها متواطئة في تفهم دوافعها ونفعها له على أية حال. ولذا لم تجد الحكومة السودانية نفسها بحاجة إلى اتخاذ خطوات حاسمة لزجر الكبابيش وهو زجر كان سيصعب على الحكومة ومؤكد أنه قليل الأثر.
وحين قررت حكومة السودان إزاحة السلطان علي دينار عن حكم دارفور وضم دارفور للسودان كان للكبابيش موقع في خطة الإبعاد والضم. وقد زودت الحكومة فرسان الكبابيش بالسلاح والعتاد. ومع أن دور الكبابيش لم يكن كبيرًا في الحملة إلا أن فرسانهم فتحوا دارفور منن الشمال بينما دخلت قوات حكومة السودان من الوسط.
ومن المهم التذكير أن استخدام الدولة للمؤسسة القبلية العسكرية في حربها للحركة القومية الجنوبية تكتيك حكومي قديم. فقد عبأت حكومة الفريق عبود (1958-1964) قبائل المورلي في الجزء الجنوبي الشرقي من السودان لقطع الطريق أمام وصول قوات الأنانيا الأولى إلى مناطق القبائل النيلية من مركز قوتها في شرق الاستوائية.
ibrahima@missouri.edu