هل يعمق زلزال المغرب الصدع في العلاقات مع فرنسا؟
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
الرباط- رغم أن بؤرة زلزال المغرب كانت في إقليم الحوز، إلا أن هزاته السياسية وصلت فرنسا؛ فمباشرة بعد إعلان الرباط الاستجابة لعروض الدعم من 4 دول فقط، هي إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات، شن الإعلام الفرنسي وجزء من الطبقة السياسية حملة ضد المملكة بدعوى رفضها مساعدة باريس.
وحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنهاء الجدل باعتبار تنظيم المساعدات الدولية مسألة سيادية، إلا أنه زاد الشرخ وأشعل جدلا جديدا عندما اختار توجيه رسالة مصورة للشعب المغربي في تجاوز للحكمة والأعراف الدبلوماسية، حسب توصيف محللين سياسيين مغاربة.
ولم يكد هذا الجدل يخبو، حتى أعلنت وزيرة خارجية فرنسا كاثرين كولونا -في تصريحات متلفزة- عن زيارة ماكرون للمغرب بدعوة من الملك محمد السادس، وهو ما سارعت الرباط إلى نفيه عبر وكالة المغرب العربي للأنباء نقلا عن مصدر وصفته بالمصدر الحكومي الرسمي.
وفي هذا السياق، اعتبر مصدر حكومي تصرف فرنسا غير مقبول، مشيرا إلى أن الإعلان عن زيارة رسمية من جانب واحد من دون التشاور مع المغرب، أمر يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح المصدر أن زيارة رئيس دولة لبلد آخر تقتضي تنظيم لقاءات قبلية واتفاقات، ثم الإعلان عنها بطريقة رسمية، وليست بالطريقة التي تصرفت بها فرنسا.
وأكد أن الخبر الذي نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء يعكس الموقف الرسمي للمملكة المغربية، والذي جاء فيه أن زيارة الرئيس الفرنسي "ليست مُدرجة في جدول الأعمال ولا مُبرمجة"، ونقلت استغراب مصدر حكومي رسمي اتخاذ وزيرة خارجية فرنسا "هذه المبادرة الأحادية الجانب، ومنحت لنفسها حرية إصدار إعلان غير مُتشاور بشأنه، بخصوص استحقاق ثنائي هام".
استغلال الأزمة
في هذا الإطار، يرى أستاذ العلوم السياسية محمد العمراني بوخبزة أن الأزمة بين البلدين معلنة منذ فترة طويلة، خاصة مع ضغط فرنسا على البرلمان الأوروبي لاتخاذ قرارات ضد المصالح المغربية، فضلا عن الحملات التي يشنها الإعلام الفرنسي ضد الرموز المغربية.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر بوخبزة أن باريس تحاول استغلال الأزمة التي تعيشها الرباط بسبب تبعات زلزال الحوز والضغط أكثر عليها لتحقيق مكاسب، مشيرا إلى وجود انقسام في الطبقة السياسية الفرنسية، إذ إن بعضهم يفهم خصوصية العلاقات بين البلدين وعمقها وتشابكها، ولم ينجر وراء الحملة.
وقال المتحدث ذاته إن الرئيس الفرنسي يزيد -في كل خطوة له وفي كل موقف يعلنه- من تعميق الأزمة بين البلدين، وظهر ذلك من الرسالة المصورة التي وجهها ماكرون مباشرة للشعب المغربي، والإعلان الأحادي عن زيارة محتملة له إلى المغرب، وهي في نظر المتحدث أخطاء فادحة وغير مبررة.
واعتبر بوخبزة أن الجدل في فرنسا بشأن المساعدات الأجنبية له أهداف وغايات غير أخوية وغير صادقة، وبدت باريس كأنها تحاول الاصطياد في الماء العكر لتأليب الرأي العام ضد السلطات وخلق أزمة داخلية، عبر جعل الأمر يبدو وكأنه سوء تدبير.
بوخبزة: باريس تحاول استغلال تبعات زلزال الحوز والضغط أكثر على الرباط (الجزيرة)من جهته، يرى محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، أن المقاربة الفرنسية في التعامل مع المغرب في أزمة الزلزال هي مقاربة متخبطة ومرتبكة وبعيدة عن الهدوء.
وأضاف بودن "كانت باريس تتوخى تحقيق بعض النقاط السياسية عبر أخذ زمام المبادرة في موضوع الزلزال، لكن المغرب كان له موقف واضح بخصوص تدبير أزمته".
ووصف محمد بودن المواقف الفرنسية بغياب الرؤية، مما وضع فرنسا في موضع البلد العريق الذي افتقر -بسبب قيادته الحالية- إلى الحس الدبلوماسي السليم والتقدير الذي يضع الأمور في مواقعها.
وتشهد العلاقات بين الرباط وباريس توترا منذ وصول إيمانويل ماكرون إلى الرئاسة عام 2017، وازدادت حدة التوتر خلال السنتين الأخيرتين، وهو ما ظهر عبر وقف الزيارات بين مسؤولي البلدين وتجميد قنوات التواصل، والذي توج بإنهاء مهام السفير المغربي لدى باريس فبراير/شباط الماضي من دون تعيين آخر مكانه.
وتتهم الرباط باريس بممارسة سلوكيات متعارضة مع مصالح المغرب، وبعدم وضوح موقفها من وحدته الترابية، كما زادت حدة التوتر القيود التي فرضتها باريس على التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة، فضلا عن اتهام الإعلام الفرنسي المغرب بالتجسس على مسؤولين فرنسيين.
رأب الصدع
وفي نظر المحللين السياسيين، إن السياسة الماكرونية في المغرب سببت شرخا غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، مما يكشف أن الرئيس الفرنسي ومحيطه غير مدركين لطبيعة العلاقات بين البلدين وأهميتها بالنسبة لمستقبل فرنسا في أفريقيا على الخصوص.
ويرى بوخبزة أن العلاقات بين البلدين لن تعود إلى مسارها الطبيعي، إلا إذا سعت باريس إلى إعادة بنائها وفق أسس جديدة تراعي تغير معادلات كثيرة، فمغرب الأمس ليس هو اليوم وفرنسا الأمس ليست هي اليوم، وفق تعبيره.
وأضاف "على الفرنسيين أن يدركوا أنهم يتعاملون مع دولة لها وضعها الخاص وموقعها الجيوستراتيجي، ثم يجب اتخاذ مبادرات فعلية وليست مجرد كلمات ليست لها معنى".
ودعا باريس إلى أن تحذو حذو إسبانيا وألمانيا وغيرها من الدول التي سعت لبناء علاقات جدية مع المغرب قائمة على الوضوح في المواقف، سواء في قضية الصحراء أو غيرها من الملفات.
وخلص المتحدث إلى أن فرنسا خسرت كثيرا مع ماكرون الذي لا يدرك الواقع الحالي في العلاقات الدولية ويرتكب أخطاء قاتلة مست بتاريخ هذا البلد وبموقعه، لذلك يشدد على ضرورة تصحيح المسار على المستوى الداخلي لفرنسا.
بودن: المقاربة الفرنسية في التعامل مع المغرب متخبطة ومرتبكة وبعيدة عن الهدوء (الجزيرة)بدوره، يرى محمد بودن أنه لا يمكن تجاوز الصدع بين الرباط وباريس، إلا إذا تخلت فرنسا عن نظرتها غير المتكيفة مع متغيرات العلاقات الدولية والتحولات التي تحدث في القارة الأفريقية.
ولفت إلى أن فرنسا لم تستوعب بعد أن المغرب يمتلك شبكة متنامية من الأصدقاء والشركاء، ولديه رؤية واضحة بخصوص ملف وحدته الترابية، الذي يمثل النظارة التي ينظر بها إلى العالم وإلى صدق الصداقات وجودة الشراكات، كما أكد ذلك الملك محمد السادس سلفا.
ويعتبر بودن أن أي إجراءات أحادية في العلاقات المغربية الفرنسية لا يمكنها أن تقدم إضافات لمسيرة هذه العلاقات وتحسن من مناخها وتطور مضمونها، موضحا أن الصدع لن يلتئم إلا بالتعامل مع المغرب بمنطق يعتمد على الشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات، والابتعاد عن منطق اللعب على الحبلين، وتفعيل فرنسا دورها كشاهد تاريخي على حقائق المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: العلاقات بین البلدین الرئیس الفرنسی فی العلاقات مع المغرب إلى أن
إقرأ أيضاً:
تقرير: صراع النفوذ الإقليمي يعمق الشرخ الطائفي في لبنان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ذكرت قناة “سي بي سي” الكندية أن لبنان، المعروف بتنوعه الديني والطائفي الغني، بات يعاني من أزمة سياسية واجتماعية، تؤدي إلى تفاقم الانقسام بين مجتمعيه الإسلاميين الرئيسيين، الشيعة والسنة.
وبينت القناة في تقرير مصور أنه على الرغم من أن التوترات الطائفية كانت جزءا من تاريخ لبنان منذ فترة طويلة، إلا أن التطورات الأخيرة داخل لبنان ومحيطها، زادت من الشرخ، مما يثير مخاوف بشأن استقرار النسيج الاجتماعي الهش في البلاد.
ولفتت القناة إلى أن الانقسام بين الشيعة والسنة في لبنان لا يعدان ظاهرة جديدة، فجذوره متأصلة في صراعات النفوذ السياسي، والتأثيرات الإقليمية، والاختلافات الدينية. منذ تأسيس لبنان الحديث عام 1943، واجهت الأمة انقسامًا طائفيًا عميقًا، تفاقم بسبب الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وقد شرّع اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب، الطائفية، وأرساها في الإطار السياسي للبلاد، وقد ترك ذلك التوترات الكامنة تتصاعد، على استعداد للعودة إلى السطح خلال أوقات الأزمات الوطنية.
تبين القناة أنه في الأشهر الأخيرة، أصبح هذا الانقسام أكثر وضوحًا. أدت أحداث مثل الاشتباكات في معقل السنة في طرابلس إلى تجدد المخاوف من اضطرابات أوسع نطاقًا.
واتهمت الجماعات السنية الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله، الفصيل الشيعي المهيمن، مما زاد من سوء الثقة والعداء كما سلطت الهجمات على وسائل الإعلام، مثل الهجوم على محطة تلفزيون "الجديد" بعد بثها انتقادات لحزب الله، الضوء على صعوبة تعزيز الحوار المفتوح والبناء بين المجتمعات.
تتابع القناة بالقول إنه وراء حدود لبنان، غذت الديناميات الإقليمية نيران الفتنة. أدى النفوذ المتزايد لإيران في لبنان من خلال حزب الله إلى استياء العديد من أبناء الطائفة السنية، الذين يرون في الجماعة وكالة مصالح إيرانية.
في الوقت نفسه، أدى دعم السعودية للفصائل السنية إلى إضافة طبقة أخرى من التعقيد، وتحويل لبنان إلى ساحة معركة للتنافس الجيوسياسي الأوسع بين طهران والرياض.
وقد تفاقم هذا الانقسام بسبب الانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد. أدى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية وارتفاع معدلات البطالة وانهيار الخدمات العامة إلى انتشار اليأس في جميع المجتمعات.
ومع ذلك، يشعر العديد من السنة بأنهم متضررون بشكل غير متناسب، معتقدين أن حزب الله يستفيد من الدعم المالي الخارجي بينما يكافحون مع الفقر المتزايد وعدم المساواة، وفق القناة.
يقوض هذا الوضع المتقلب الثقة ليس فقط بين القادة السياسيين ولكن أيضًا بين المواطنين العاديين.
يتزايد انعدام الثقة الطائفي، مما يؤدي إلى زيادة وتيرة العنف، خاصة في الأحياء المختلطة. كما أصبح تسييس الدين عقبة كبيرة، حيث غالبًا ما تطغى الهويات الطائفية على المصالح الوطنية وتعوق الجهود المبذولة لإيجاد حلول شاملة لتحديات لبنان.
تنوه القناة أنه رغم هذه التحديات، هناك جهود مبذولة لرأب الصدع، إذ يعمل الزعماء الدينيون ومنظمات المجتمع المدني على تعزيز الحوار والتأكيد على الهوية اللبنانية المشتركة، ففي حين أن هذه المبادرات تبعث على بعض الأمل، إلا أن الطريق نحو المصالحة لا يزال محفوفًا بالصعوبات.
واختتمت القناة بالقول إن لبنان يواجه اختبارًا حاسمًا لمرونته ووحدته. إن الانقسام المتزايد بين الشيعة والسنة أكثر من مجرد مسألة طائفية؛ إنه يعكس فشلًا نظاميًا أوسع في معالجة الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد بدون تدخلات ذات مغزى والتزام جماعي بالتماسك الوطني، فإن لبنان يواجه خطر الانزلاق أكثر في عدم الاستقرار، مما يهدد مستقبله كدولة ذات سيادة وموحدة.