مشهدان تقشعر لهما الأبدان بالسُّودان، إذ أوقف سائقٌ، عربته وترجّل مُسرعاً ليهوى إلى النيل، وسط ذهول المارّة، وقبلها بساعات قليلة اعلتى شابٌ مبنىً شاهقاً، مُهدِّداً بالسقوط إن لم تُستجب لمطالبه، ليبقي السؤال المُؤرِّق: ثُـمّ ماذا بعد في السُّودان؟!

حكاياتٌ مُبكيةٌ!

الحكايتان الحزينتان وقعتا تباعاً في غضون الأيام الماضية بحادثتين مُنفصلتين، الأولى جرت بمدينة ود مدني مركز ولاية الجزيرة بوسط السُّودان، والأخرى شهدتها مدينة بورتسودان الساحلية بشرق السُّودان.

شاحنة الرجل المنتحر بمدينة ود مدني مادة اعلانية

واقعة الانتحار بمدينة ود مدني، التي تبعد كلم 181 تقريباً بالاتجاه الجنوبي للخرطوم بدأت تفاصيلها المُؤلمة عندما فُوجئ سائقو المركبات والمارة بسائق شاحنة يُوقف عربته بجسر حنتوب على النيل الأزرق الذي يربط شرق الجزيرة بغربها. وفي غمضة عين تخطّى الرجل، الجميع مُسرعاً لا يلوي على شئٍ ليلقي بنفسه في جوف النيل الأزرق مُباشرةً دون سابق إنذار، بينما تَسـمّر أصحاب المركبات وعابرو الجسر الذين أصابتهم حالة من الرُّعب والهلع، في أماكنهم تحت هول الصدمة والذهول.

عناصر الشرطة المحلية التي خفت إلى المكان - حينها - عادت بخفي حنين، حيث بدا الرجل كأنه فص ملح وذاب، وفشلت جُهُود البحث عن طريق القوارب والغطاسين بالعثور على الرجل حيّاً أو ميِّتاً، حسبما أكّدت الشرطة رسمياً.

الرجل فوق البناية

فيما أظهرت التحقيقات الأولية أنّ الرجل المُنتحر يبلغ من العمر 65 عاماً، ويعمل سائقاً للشاحنات بشركة خاصّة ولا تزال الأسباب التي دفعت الرجل لإنهاء حياته بتلك الطريقة الجنونية مجهولةً.

هذا ما حَدثَ في بورتسودان!

مدينة بورتسودان الساحلية بشرق السودان، التي تبعد نحو 826 كلم شرق الخرطوم، حيث تحوّلت إلى ما يشبه العاصمة البديلة بعد هجرة معظم المقار الحكومية إليها، كانت مسرحاً للحادثة المأساوية الأخرى، حيث عاشت المدينة نهاراً قلقاً إثر اعتلاء شاب مبنى شاهق، مشهراَ قائمة مطالب، مُهدِّداً بالقفز من فوقها إلى الأرض إن لم تتم الاستجابة لمطالبه. وبعد وقت طويل من القلق والتوتُّر، نجح فريق الإنقاذ من الإمساك بالشاب ومنعه من الانتحار.

شاب سوداني يحاول الانتحار

المُضحك المُبكي كما أظهر مقطع فيديو الذي وثّق المحاولة الفاشلة أن البعض الذين تصادف عبورهم مسرح الحادثة كانوا يطالبون الشاب السوداني بالقفز سريعاً، لأن الحكومة لن تلفت إلى مطالبهم ولأنّها لا تملك شيئاً لتعطيه إيّاه.

أما قائمة مطالب الشاب فتضمنت حسب الروايات المُتداولة إعطاءه مبلغ عشرة ملايين جنيه سوداني فقط، أي ما يعادل نحو خمسة عشرة ألف دولار أميركي، ليتمكن من تغطية تكاليف الزواج.

مصادر طبية تُحذِّر!

في السياق، كشفت مصادر طبية لـ"العربية.نت" رصد مؤشرات قوية لارتفاع حالات الانتحار أو الميول الانتحارية وسط السودانيين بعد اندلاع الحرب.

المصادر الطبية، أكّدت وجود شواهد ميدانية دالة على الارتفاع المضطرد خاصّة وسط النساء والفتيات اللاتي تعرضن لحالات اعتداء جنسي بالخرطوم ودارفور، كما رصدت بنسبة كبيرة عند أصحاب الأمراض المزمنة مع أجواء اليأس والإحباط وتأخُّر العلاج الذي يقود المرضى إلى الاضطرابات النفسية والاكتئاب والميل للانتحار.

السودان خاص سيناريو درنة قد يتكرر بالسودان.. خبير مصري يدق ناقوس الخطر

أضف إلى ذلك، المرضى النفسيين الذين كانوا يتلقون العلاج بالمصحات النفسية وقطعوا جلسات العلاج وتوقفوا عن تناول الدواء بعد إخلاء المصحات وتوقف مركز تلقي العلاج قسرياً بعد اندلاع الحرب.

المصادر الطبية نبّهت إلى حالات

اللامبالاة تجاه قصص الموت المأساوية والاعتياد عليها ومحاولة البعض الوصول إلى منازلهم وممتلكاتهم بشتى الطرق رغم المخاطر الشديدة، أيضاً إصرار البعض الآخر على البقاء بمنازلهم وسط أجواءٍ مُرعبة يسودها القلق والتوتر يولد اضطرابات نفسية بالغة التعقيد يمكن أن تقود إلى الانتحار.

مادة إعلانية تابعوا آخر أخبار العربية عبر Google News انتحار العربية_نت السودان

المصدر: العربية

كلمات دلالية: انتحار العربية نت السودان

إقرأ أيضاً:

وجه الحرب

بقلم: دانيال حنفي
القاهرة (زمان التركية)- كيف يكون داعية الحرب وشريك المعتدي وسيلة أو هاديًا أو رسولًا إلى السلام؟ إذا، للسلام أكثر من مفهوم لدى البعض. وهذا البعض يخالف المجموع إلى ما يحب ويهوى من المفاهيم التي صاغها هو ومساعدوه خصيصًا ووفقًا لمقاسات ومعايير تلك المفاهيم الخاصة من حيث الشكل والقوام. وإذا، فمن المؤكد أن السلام المطلوب يحقق ويلبى أهداف اليد العليا التي تساعد بالسلاح والدعم السياسي والاقتصادي طرفًا تجاوز الحدود كلها قولًا وقتلًا -علانيةً وسرًّا- ولم يعبأ حتى بالأطفال والنساء ولا بالمرضى والعجزة وقتلهم جميعًا بالرصاص والجوع والحصار باسم الدفاع عن النفس.

ورغم فقد الرجل كثيرًا من صحته ومن قدرته على تمييز من وما حوله جهارًا نهارًا، إلا أنه يظل في مقعده كصنم عتيق، ويظل على تمسكه بدعم الاعتداء والقتل الآخذ في الاتساع بسرعة كبيرة ومتصلة.

أو بالأصح يظل الرجل وجه حرب لأولئك القابعين خلفه الطامعين في حصد المزيد من الثروات والأموال والمصالح والنفوذ ولو مات من مات ومسحت مدن كاملة بمن فيها. فلا التدين، أو نصرة دين ما، أو حتى مزاعم القومية الممجوجة تبرر التأييد العمى للمذابح التي يستهجنها العالم اليوم، تمامًا مثلما يرفضها العلم وبنكرها كل يوم في مواجهة دول أخرها ارتكبتها منذ عشرات السنين ضد دول معادية في ذلك الحين.

ولكن المصالح الجسام والمكاسب الهائلة تخلق كل الأسباب للإنسان الطماع الذي لا يمانع في أن يصبح وجها قبيحًا ملطخًا بالدماء وبكل عبارات الإدانة البالغة للأنانية الإنسانية والحزبية. كيف يمكن لوجه الحرب أن يظهر على الناس كل يوم داعيًا إلى السلام وإلى الحوار وإلى الدبلوماسية، بينما هو يغذى المعتدي بكل الأسلحة الفتاكة والمعلومات والخبراء والدعم -حتى المعنى منه- بينما يرشق الآخرين بتهم الإرهاب جميعًا؟ الموارد تحكم، والقوة تحكم، والاحتياج يكبل الأيدي والأرجل وحتى الألسنة قبل الأيدي والأرجل، ويترك أناسًا كثيرين كأنهم أعجاز نخل خاوية أو خيلات مآتة على رؤوس الغيطان حفظتها الطيور ولم تعد تأبه لوجودها. وقوة السلاح تعلن بطشها وقدرتها على محو القرى والمدن في ساعات قليلة والعودة بالمجتمعات الضعيفة خاصة الى حقب سابقة.

والشعوب التي لم ترب على الانضباط الذاتي وكثرة العمل واتقان العمل والمثابرة والتخطيط الجيد لكل شيء تجد نفسها في أرجوحة الظروف وغير مسلحة إلا ببعض الدعاء لعلها تنجو من الهم والغم إلى شاطئ ما لا يعرف كنهه أحد. تمامًا كما في أفلام المغامرات اللذيذة الإثارة في المقاعد الوثيرة.
إن انتصار سياسة الرجل “وجه الحرب” أو خليفته التي تدعمه في غيبوبته ربما يمثل كارثة كبيرة على العالم، لأن مساندة الظالمين ظلام يستدعى أشياء كثيرة ليس من بينها الحبور ولا السلام .

 

Tags: الانضباط الذاتيالحروب

مقالات مشابهة

  • انتحار شاب وإصابات بمشاجرة مسلحة واعتقال متهمين في بغداد
  • الجبهة الشعبية: العدوان الصهيوني على الحديدة محاولات فاشلة وامتداد لجرائم الإبادة في غزة ولبنان
  • الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: العدوان الصهيوني على الحديدة محاولة فاشلة تستنكرها الشعوب العربية
  • محاولة إنقاذ فاشلة ونعي من النادي.. وفاة مشجع أمام نجله في مباراة بالدوري الإنجليزي
  • وجه الحرب
  • التعافِي الوطني شروطه وضرُورته «1»
  • خالد ميري يكتب: ماذا يريد نتنياهو؟!
  • بعد هذه الصورة.. أم تدخل إلى “كبسولة الانتحار” دون تردد
  • بعد هذه الصورة.. أم تدخل إلى "كبسولة الانتحار" دون تردد
  • مقتل الرجل الثاني بالحرس الثوري الإيراني في الغارة التي استهدفت نصرالله