موقع 24:
2025-05-02@11:52:32 GMT

المصالحة لا تلغي المنافسة بين مصر وتركيا

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

المصالحة لا تلغي المنافسة بين مصر وتركيا

طوت عودة العلاقات السياسية بين مصر وتركيا الكثير من الصفحات القاتمة، لكنها لن تلغي المنافسة الإقليمية بينهما، فكل دولة لها مصالح تريد الدفاع عنها وطموحات تسعى إلى تحقيقها، والتطبيع الذي تُوّج أخيراً بعودة تبادل السفراء ثم لقاء الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة العشرين في نيودلهي منح التهدئةَ بين البلدين دفعةً معنوية جديدة.

لا تلغي ملامح المصالحة التي طفت على السطح تحركات كل دولة للحفاظ على مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة، فقط يمكنها أن تحد من الصدام أو اللجوء إلى الأدوات الخشنة أو التهديد بها، وقد ظهرت معالم من ذلك وقت الخصام بينهما، في كل من ليبيا، والسودان، عندما نجحت أنقرة في تثبيت أقدامها في طرابلس وغرب ليبيا، وحاولت وضع قدميها للاستثمار في جزيرة سواكن بالسودان على البحر الأحمر.
لم تلجأ تركيا إلى التعدي مباشرة على المصالح المصرية في البلدين، حتى وهي تسير بوارجها العسكرية في شرق المتوسط تحاشت الاحتكاك بالقاهرة، لكن ذلك لم يمنع وجود مخاوف من تأثير الطموحات التركية الإقليمية على مصر في لحظة معينة، ما أوجد لدى كل طرف صيغة تجنبه الدخول في مرحلة يصعب الخروج منها.
تمترست أنقرة في غرب ليبيا، وخرجت من سواكن بهدوء، ولا تزال مناوراتها مستمرة في شرق المتوسط، ولم تصل في أي مرحلة إلى استفزاز القاهرة وخروج التفاهمات الضمنية عن السيطرة، وهما في أوج خلافاتهما، ومن المتوقع أن تكون الأمور أقل حدة وأكثر ليونة في مرحلة الوئام التي دخلها الطرفان.

مر الوئام باختبار جديد الأيام الماضية، حيث بادرت مصر بتقديم مساعدات سخية إلى منطقة شرق ليبيا بعد أن ضربت عاصفة دانيال والفيضانات عددا من مدنها، وظهرت جهودها واضحة ومقدرة عند الليبيين وسبقت نسبيا ما قامت به تركيا في المسار نفسه.
خشيت القاهرة أن يعيد تأخرها في نجدة الليبيين سيناريو سابق حصل في غرب ليبيا وكاد يتكرر في شرقها، حيث بادرت تركيا بالتواجد العسكري، ونشر المرتزقة، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع حكومة طرابلس، وسعت إلى سحب ذلك على بنغازي، لكن مصر هرعت مبكرا هذه المرة ولم تعلن أنها في صراع مع دولة أو سباق مع قوة إقليمية معينة، وبدت المنافسة المستترة بينهما هادئة.
قد يصبح الموقف في سواكن أكثر صعوبة هذه المرة، إذ جددت زيارة قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى أنقرة قبل أيام جراحا سابقة، فالرجل ذهب إلى تركيا باحثاً عن مساعدات لم يحصل عليها من مصر، وكشفت تصريحات رسمية في تركيا عن بحث آفاق التعاون في اللقاء الذي ضم البرهان الجريح، مع أردوغان الطموح، وربما تظهر أهداف تركيا في البحر الأحمر لاحقا مستفيدة من الموقف الأمني الحرج الذي يواجهه السودان.
لم يتم الإعلان عن مناقشة قضايا بهذا المعنى تفصيليا أو الحديث عن صفقات عسكرية محددة، غير أن الموقف الذي يواجهه قائد الجيش يمكن أن يدفعه إلى مغازلة تركيا وتستطيع أن ترجح كفته إذا قررت مده بما يحتاجه من مساعدات عسكرية غير مجانية، ما جعل التوقعات تذهب إلى إمكانية إحياء مشروع التواجد التركي في جزيرة سواكن.
لا توجد معالم واضحة حول هذه المسألة حتى الآن، لكن مد خيط العلاقات على استقامته بين البرهان وأردوغان يعيد إحياء المشروع وما هو أكبر منه في البحر الأحمر، ما ينتج مناوشات خفية بين القاهرة وأنقرة أو يدفع الأولى إلى إظهار انحيازها إلى البرهان، وربما تتحول المناوشات إلى تعاون في السودان أو على الأقل ترسيم خطوط حمر تمكن كل طرف من التحرك في المساحة التي تمنع الصدام مع الآخر.
ويبدو ترسيم الخطوط والالتزام بها عملية مصرية تركية، ظهرت تجلياتها في ليبيا ولم يتم تجاوزها من قبل أنقرة، بما حافظ على الحد الأدنى من الوفاق في خضم توتر العلاقات، فما بالنا إذا جرى ترسيمها وسط التحسن الحاصل فيها؟
الواضح أن طرق الجنرال البرهان أبواب أنقرة في هذا التوقيت يقول إنها يمكن أن تصبح لاعباً مهماً في السودان، ومهما كانت حيوية المصالح التركية لن تضاهي نظيرتها المصرية التي تتعلق بالحدود المباشرة، ومكافحة الإرهاب، ومياه نهر النيل، وعلاقات متجذرة، وحزمة طويلة من دواعي الأمن القومي لا تسمح للقاهرة بالتفريط فيها أو المس بها من قبل أي دولة ولو بلغت صداقتها معها طورا متقدما.

ومن الضروري أن تحسم مصر موقفها مما يجري في السودان لتتمكن من القيام بدور يتناسب مع موقعها وأهمية هذا البلد بالنسبة إليها، فهي لا تخفي دعمها للجيوش والمؤسسات العسكرية النظامية، لكنها لا تبدي تحمّسا للوقوف خلف الجنرال البرهان لما يتردد من معلومات حول علاقته بقيادات تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.
يتجول الرجل في محيط الدول التي يمكن أن يحصل منها على دعم عسكري، وعون إستراتيجي على أمل أن يغيّر موازين القوى لصالحه، وقادته جولاته الخارجية إلى كل من مصر ،وتركيا، وقطر ، وجنوب السودان، وإريتريا وأوغندا، وإذا حسمت أنقرة رؤيتها ووقفت إلى جواره فهذا يعني أن هناك تحولات في المعادلة الحالية، تفرض على القاهرة تغييرا في حساباتها، وحتى لو كانت تركيا في حالة تفاهم مع مصر، فقد علمتنا التجارب أن أنقرة إذا دخلت بلدا لا تخرج منه بسهولة.
هنا تكمن العقدة، فكما استفادت مصر من التطورات في ليبيا وسارعت إلى التفاعل مع ما حدث في شرقها، يمكنها أن تبادر وتتفاعل مع ما يجري الترتيب له في شرق السودان بعد أن لاحت مؤشرات تقول إن البرهان ورفاقه يلوحون بتشكيل حكومة مؤقتة في بورتسودان، الأمر الذي رد عليه قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، حميدتي بتشكيل حكومة موازية في العاصمة الخرطوم.
يمكن أن يعاد تكرار نموذج ليبيا في السودان. وبصرف النظر عن الوجود التركي في التوازنات الجديدة، فإن القاهرة عرضة لأن تجد نفسها في موقف بالغ الحرج إذا أيدت حكومة شرق السودان أو رفضتها، فالتأييد يشير إلى اختيار صف البرهان ومن يقفون خلفه من عناصر إسلامية وترك الخرطوم في يد قوات الدعم السريع، والرفض يعني أن قائد الجيش يمكن أن يلجأ إلى دولة مثل تركيا لتثبيت أركان حكومته.
في كل الأحوال لن تنهي المصالحة بين مصر وتركيا حدوث تقاطعات إقليمية عديدة بينهما، منها السلبي ومنها الإيجابي، لكن التعامل معها سيكون أقل خشونة، لأن كل طرف يعلم جيدا الحدود التي يقف عندها بما يبعده عن الصدام مع الآخر.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني مصر تركيا فی السودان یمکن أن فی شرق

إقرأ أيضاً:

بين لساتك الدقير وبندقية البرهان..!

ليس ما نطرحه مجرد مقاربة توفيقية عابرة، بل خلاصة تجارب متراكمة، ورؤى متأنية، وحقائق مرصودة بدقة، تؤكد حقيقة واحدة بالغة الخطورة والأهمية:

إن الفوضى المصاحبة للاحتجاجات — من حرق الإطارات، وقلع بلاط الأنترلوك، واستخدام أعمدة الكهرباء في إغلاق الطرق، والإفراط المتكرر في الإضرابات كوسائل ضغط سياسي — هي ممارسات لا رشيدة، لا تخدم مصلحة وطن، بل تفتح الأبواب لرياح مدمّرة قد تقتلع البلاد من جذورها، بعنف بالغ وقسوة مريعة.

وفي المقابل، فإن استخدام البندقية كأداة لفرض الإرادة، أو لقهر الآخر، أو لابتزاز سلطة قائمة من أجل مطامع سياسية أو مكاسب مالية، لا يُنتج إلا مزيدًا من العنف المتصاعد، ويؤدي إلى تراكم كثيف لغاز “ثاني أكسيد الاحتباس السياسي”، الذي يخنق الأشجار المثمرة، ويحوّل الأرض إلى قفر لا تنبت فيه سوى أشواك المسكيت، التي تمتص بجشع كل خيرات البلاد.
السودان — هذا الوطن الجميل، بثقله التاريخي، وعمقه الجغرافي، وثرائه الإنساني — يحتاج إلى حرية حقيقية، تبدأ بصون كرامة الإنسان، وتضمن له حق الاختيار، والتعبير، والعيش الكريم، وتنتهي عند حدود صارمة تمنع الإضرار بالآخرين، وتوقف تمامًا تلويث المناخ العام بغاز أول أكسيد الكربون، ذلك الغاز السام، الذي لا يُرى ولا يُشم، لكنه يفتك بالمجتمع بهدوء قاتل.

السودان، بثرواته الوفيرة، وموارده النادرة، وسكانه الكُثُر، وبنيته الاجتماعية المعقدة، وتناقضاته الداخلية المتفاعلة، وجيرانه المتحفزين على طمع ونهم، لا بد له من بندقية وطنية، ذات كفاءة قتالية عالية، وعقل استراتيجي مدرك، وسند شعبي راسخ، تحرس تلك الخيرات، وتغلق المنافذ الخفية التي يتسلل منها دعاة الفوضى، ومهندسو الخراب، وتجار التمزق والانهيار.

فحماية الوطن — هذا الوطن العزيز المُنهك — لا تُنجز بالعبث، ولا بالابتزاز، بل بالوعي الكامل، والانضباط الصارم، والبصيرة النافذة، التي ترى بوضوح ما بعد دخان اللساتك وحرائق البنادق.

ضياء الدين بلال

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مناورات عسكرية مشتركة بين مصر وتركيا
  • تركيا تجدد دعمها للحكومة السورية الجديدة
  • الدبيبة وبولات يبحثان مضاعفة التبادل التجاري وتسهيل الاستثمار بين ليبيا وتركيا
  • بين لساتك الدقير وبندقية البرهان..!
  • أسعار الخبز تهبط في تركيا: من 12.5 ليرة إلى 6 ليرات
  • والي شمال دارفور وقائد الفرقة السادسة يهنئان البرهان بالإنتصارات التي حققتها القوات المسلحة على المليشيا بالفاشر
  • تركيا.. عشرات الاعتقالات بتهمة التلاعب في البورصة
  • ناجي عيسى يبحث مع السفير التركي تسوية خطابات الضمان منذ 2011 ودور أنقرة في إعمار ليبيا
  • تركيا تعلن أسماء الشركات التي ستقدّم خصومات للشباب المقبلين على الزواج! القائمة تضم 20 علامة تجارية
  • البرهان وثورة اللساتك .. !! .