يخيم سوء الفهم والسياسات المتناقضة على المناقشات حول التزام الولايات المتحدة بأمن دول مجلس التعاون الخليجي، وبينما تريد بعض هذه الدول توقيع اتفاقيات دفاعية مع واشنطن، ترغب الأخيرة في شراكة أمنية حقيقية قائمة على التطوير الفردي للقدرات العسكرية.

ذلك ما خلص إليه المحلل السياسي الأمريكي جيمس دورسي، في تحليل بموقع "مودرن دبلوماسي" الأمريكي (Modern diplomacy) ترجمه "الخليج الجديد"، مضيفا أن هذا الوضع أدى إلى "تغذية حالة من عدم اليقين بشأن سياسة الولايات المتحدة وكذلك مواقف الخليج في عالم متطور متعدد الأقطاب".

وتابع أن "الولايات المتحدة تحتفظ بمصالح استراتيجية (لاسيما على صعيد الطاقة) في المنطقة، حتى لو تحول اهتمامها نحو آسيا (لمواجهة ما تعتبره واشنطن نفوذا صينيا متصاعدا)".

كما قالت دانيا ظافر، المديرة التنفيذية لمنتدى الخليج الدولي، إنه "لا أحد من دول الخليج يعتقد أن الصين (المنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة) يمكن أن تحل محل الولايات المتحدة كحامية لأمن الخليج".

و"ساعد الحشد العسكري الأمريكي الأخير في الخليج، لردع إيران بآلاف من (عناصر) مشاة البحرية (الأمريكية)، المدعومة بطائرات مقاتلة من طراز F-35 وحاملة طائرات، في طمأنة دول الخليج على المدى القصير، وكذلك الأمر بالنسبة لاحتمال وضع واشنطن أفراد مسلحين على متن السفن التجارية التي تمر عبر مضيق هرمز"، بحسب دورسي.

وكثيرا ما اتهمت الولايات المتحدة ودول خليجية وإقليمية أخرى، في مقدمتها السعودية وإسرائيل، إيران بتهديد أمن الملاحة في الممرات الإقليمية عبر مضايقة واحتجاز ناقلات نفط، بينما تحّمل طهران مسؤولية التوترات للتواجد العسكري غير الإقليمي في تلك الممرات.

ولفت دورسي إلى أن "هذا الحشد (الأمريكي) جاء في أعقاب انسحاب الإمارات من التحالف البحري، الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم 34 دولة، في مايو (أيار الماضي)؛ لأن الولايات المتحدة لم تتخذ إجراءات حاسمة ضد الهجمات الإيرانية على السفن الخليجية، بما في ذلك سفينة كانت متجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي".

اقرأ أيضاً

المجلس الأطلسي: صفقة أمريكا والبحرين بداية لاتفاقيات مماثلة بمنطقة الخليج

أهداف متناقضة

ومع ذلك، وفقا لدورسي، "سمحت واشنطن باستمرار الارتباك وعدم اليقين، كما يبدو أن  الولايات المتحدة ودول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، تسعى إلى تحقيق أهداف متناقضة".

وقال المحلل نواف بن مبارك آل ثاني، وهو عميد قطري سابق، إن "الولايات المتحدة لم تصوغ نهجا واضحا للغاية بشأن الكيفية التي تريد بها العمل مع دول مجلس التعاون الخليجي ككل (بدلا من التعاون مع دول الخليج بشكل فردي". ويضم المجلس 6 دول هي السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان.

آل ثاني زاد بأنه "ما لم تصبح الولايات المتحدة واضحة في نواياها بشأن الطريقة التي تريد بها المضي قدما في علاقتها الدفاعية المستقبلية مع دول مجلس التعاون الخليجي ككل، فأعتقد أننا سندور في دوائر".

ودون جدوى، حاولت الولايات المتحدة لعدة سنوات دفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى إنشاء نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل، كما أضاف دورسي.

وقال بلال صعب، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) والباحث في شؤون الشرق الأوسط، إن "الولايات المتحدة تحركت في حالة السعودية لتعزيز الثقة، عبر مساعدة المملكة على تحويل جيشها إلى قوة قتالية قادرة وتطوير أول رؤية للأمن القومي على الإطلاق، لكنها فشلت".

وأردف:  "قيادتنا الجغرافية في المنطقة، والمعروفة باسم القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، تجري تحولا تاريخيا هادئا للغاية من كونها قيادة في زمن الحرب إلى تفعيل الشراكات".

و"لا يتعلق الأمر فقط بالثقة في الدور الأمريكي، يل يتعلق أيضا بثقة الولايات المتحدة في رغبة وقدرة الدول الخليجية على المشاركة في هذه المهمة الجديدة المتمثلة في القيام بالأشياء معا".

اقرأ أيضاً

تردد أمريكا في توقيع اتفاقية دفاع مع السعودية.. ماذا يعني؟

اتفاقيات دفاعية

ويحذر محللون، بينهم صعب، من أن استعداد الولايات المتحدة الأخير للنظر في إبرام اتفاقيات دفاعية مع دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، يتناقض مع نهجها الأمني ​​المتجدد في المنطقة، بحسب دورسي.

وأضاف أن "السعودية طالبت باتفاقية أمنية (مع الولايات المتحدة) إلى جانب ضمان الوصول إلى الأسلحة الأمريكية الأكثر تطورا، كجزء من صفقة ستقيم بموجبها المملكة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل".

وتابع: "فيما أصدرت الإمارات في البداية أصواتا مماثلة بشأن اتفاقية الدفاع، لكنها اختارت منذ ذلك الحين على ما يبدو مراقبة كيفية تطور المحادثات الأمريكية السعودية".

صعب قال إن "اتفاقية الدفاع تتعارض بشكل لا يصدق مع ما نحاول القيام به مع القيادة المركزية الأمريكية، فمثل هذه الاتفاقية تعني الاعتماد على الولايات المتحدة كوصي وعدم القيام بالقليل جدا بمفردك لتعزيز وتطوير قدراتك العسكرية".

و"قد تكون تعليقات صعب أكثر قابلية للتطبيق على السعودية من الإمارات، التي استثمرت منذ فترة طويلة في قدراتها العسكرية، بما يتجاوز مجرد الحصول على أسلحة متطورة، وفقا لدورسي.

وقال صعب: "ما نبيعه لدول الخليج هو شراكة حقيقية للغاية. لم تعد الوصاية، بل الشراكة الفعلية. لا أعرف موقف الدول الفردية من هذه المقترحات… وإلى أن نحصل على أرضية مشتركة، فلن ينجح حقا أي شئ نفعله في الشرق الأوسط".

اقرأ أيضاً

صراع الخليج يتفاقم.. أمريكا تحشد عسكريا وإيران تستعرض صاروخيا

المصدر | جيمس دورسي/ مودرن دبلوماسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الخليج السعودية الولايات المتحدة الإمارات أمن إيران دول مجلس التعاون الخلیجی الولایات المتحدة دول الخلیج مع دول

إقرأ أيضاً:

«بولتيتكو» الأمريكية: ماذا سيحدث بين ترامب والاتحاد الأوروبى فى حربهما التجارية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بعد سنوات من تراجع صفقات التجارة وفشلها فى التقدم، كان كل ما احتاجه الاتحاد الأوروبى هو صدمة عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ليتمكن من ترتيب أولوياته.
لم يقتصر دور رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس مفاوضات التجارة ماروش شيفكوفيتش على الانتظار؛ بل تحركا بسرعة بعد فوز ترامب فى الانتخابات فى نوفمبر لإتمام صفقات كانت عالقة لسنوات، بل لعقود، كما يسعيان لبناء علاقات جديدة تعويضاً عن تهديدات ترامب بفرض جدار جمركى حول الولايات المتحدة.
وقالت فون دير لاين فى كلمة رئيسية لها فى المنتدى الاقتصادى العالمى يوم الثلاثاء، بعد أقل من ٢٤ ساعة من أداء ترامب اليمين الدستورية: "أوروبا ستظل تسعى للتعاون، ليس فقط مع أصدقائنا القدامى المتفقين فى الرؤى، بل مع أى دولة نشاركها المصالح".
فى ولايتها الأولى، سعت مفوضية أورسولا فون دير لاين إلى ربط صفقات التجارة بحقوق الإنسان والشروط البيئية، وهو ما تبين أنه أكثر مما كان شركاؤها مستعدين لتقبله. ونتيجة لذلك، تم إلغاء زيارة كانت مقررة فى أواخر ٢٠٢٣ لإتمام صفقة تجارية مع دول أمريكا اللاتينية فى اللحظة الأخيرة. كما انهارت صفقة أخرى مع أستراليا بعد أن قام كبار مسئولى الاتحاد الأوروبى بجولة حول العالم من أجل مراسم توقيع لم تُعقد أبداً.
كشفت هذه الانتكاسات عن طموحات فون دير لاين التجارية فى ولايتها الأولى على أنها غير واقعية. وقد أصبح التحول فى التفكير واضحاً تماماً فى الأسابيع التى سبقت تنصيب ترامب.
قال ماروش شيفكوفيتش، فى مقابلة مع موقع "بوليتيكو" الأمريكى فى المنتدى الاقتصادى العالمي، رداً على سؤال حول ما إذا كان يلاحظ تحولاً فى سياسة التجارة لدى الاتحاد الأوروبي: "من وجهة نظرى خلال الشهرين الماضيين، وأعتقد أنه تم تأكيد ذلك بوضوح هنا فى اليومين الماضيين فى دافوس، هناك اهتمام كبير بتسريع مفاوضات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي".
لم يُنفذ ترامب بعد تهديداته التى أطلقها أثناء حملته الانتخابية بفرض تعريفات جمركية عالمية تتراوح بين ١٠ إلى ٢٠ بالمائة على بقية دول العالم، مع زيادات أكبر على كندا والمكسيك والصين. لكن مجرد احتمال تنفيذ هذه التهديدات كان له تأثير محفز.
وقال دبلوماسى من الاتحاد الأوروبي، فى تصريحات لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية: "ترامب يساعد - دون قصد - فى تسهيل الاتفاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبى والدول الأخرى. يمكنكم أن تلاحظوا حدوث تغيير فى العقلية، وديناميكية جديدة معينة".
الواقع يُملى التغيير بعد عقدين من التفاوض بشأن تكتل "ميركوسور" التجارى فى أمريكا الجنوبية، أتمت المفوضية الأوروبية اتفاقاً سياسياً فى أوائل ديسمبر. وفى تنازل كبير، وافقت الأطراف على أن تتمكن من طلب تعويضات عن الخسائر الناجمة عن اللوائح الأوروبية الصارمة، مثل تلك التى تهدف إلى الحد من إزالة الغابات. وقال مسئول رفيع فى الاتحاد الأوروبى إن هذه الآلية المعروفة بإعادة التوازن كانت الأولى من نوعها فى اتفاق تجارى أوروبي.
وبالمثل، قبل ثلاثة أيام فقط من تنصيب ترامب، وافقت بروكسل أخيرًا على ترقية اتفاقها التجارى مع المكسيك. كانت المفاوضات قد عانت من تعثر لسنوات، لكن تهديد ترامب بفرض تعريفات جمركية على المكسيك دفع الجانبين إلى إظهار جبهة موحدة.
وفى عجلة من أمرها لإتمام الاتفاق، اعترفت بروكسل بأنها كانت "أقل طموحًا" مما كان مخططًا له فى السابق. وقال مسئول أوروبى آخر إن "الدول الشريكة الأخرى قد تتدخل وتبرم صفقات مع المكسيك، مما قد يضع الاتحاد الأوروبى فى وضع أسوأ فى المستقبل".
وبدت سرعة بروكسل فى تحديث الاتفاق مع المكسيك مفاجئة لرئيسة البلاد، كلاوديا شينباوم. فقد قالت فى مؤتمر صحفى يوم الجمعة الماضي: "العمل مستمر، ولا يوجد اتفاق بعد. يجب أن يتماشى كل شيء مع خطتنا".
منذ ذلك الحين، سعى مسئولو الاتحاد الأوروبى إلى توضيح أن الاتفاق تم على المستوى السياسي، على الرغم من أن النص القانونى لا يزال بحاجة إلى finalize.
فى انتصارات تجارية أخرى، عمق الاتحاد الأوروبى توسيع اتفاقاته مع سويسرا، وأعاد إحياء المفاوضات بشأن اتفاق تجارى مع ماليزيا بعد توقف دام عقدًا من الزمن. كما تخطط فون دير لاين لقيادة جميع مفوضيها فى مهمة إلى الهند الشهر المقبل بحثًا عن اتفاق شراكة استراتيجية وتقدم فى المفاوضات الطويلة والمتباطئة بشأن اتفاق تجاري.
لكن هناك ما يعكر صفو الطموحات التجارية للاتحاد الأوروبي، وهو الانقسام العميق بين أكبر اقتصادين فيه، فرنسا وألمانيا، اللتين لا تتفقان على العديد من الملفات التجارية. يشمل ذلك "ميركوسور" أو موقف المفوضية المتشدد تجاه الصين، الذى أسفر عن فرض رسوم على واردات السيارات الكهربائية.
ودفاعًا عن صادرات بلاده، يريد فريدريش ميرز، الذى يُعتبر خليفة محتملًا للمستشار الألماني، أن يتحرك الاتحاد الأوروبى بسرعة لتعزيز التجارة. وفى خطاب حملته يوم الخميس الماضي، دعا بروكسل إلى إجراء صفقات تجارية حصريّة للاتحاد الأوروبى يمكن تسريعها، دون الحاجة إلى مصادقة جميع الدول الأعضاء الـ٢٧.
ميرز، الذى من المتوقع أن يفوز حزبه الديمقراطى المسيحى فى الانتخابات المبكرة فى أواخر فبراير، يتحدث أيضًا بشكل صريح عن أفضل السبل لتجنب حرب تعريفة مع الولايات المتحدة. وهو يدعو إلى إحياء المفاوضات بشأن اتفاق تجارة حرة عبر الأطلسى انهار قبل نحو عقد من الزمان.
لكن هذا لن يلقى قبولًا لدى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الذى تعرض على مدار العام الماضى لضعف سياسى بسبب هزائم انتخابية وترأس أربع حكومات مختلفة. ويعانى ماكرون من نقص فى أغلبية مستقرة فى البرلمان، الذى يتفق أعضاؤه على نقطة واحدة: معارضتهم للتجارة الحرة.
وهذا يعيد فون دير لاين وشيفكوفيتش إلى أكبر تحدٍ تجارى سيواجهانه: تعريفات ترامب عندما تصبح حقيقة واقعة.
 

مقالات مشابهة

  • العراق يعزي الولايات المتحدة في ضحايا حادث تحطم طائرتين
  • القيادة تعزي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في ضحايا حادث اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية في واشنطن
  • خبير: الولايات المتحدة تريد الهدوء والاستقرار في المنطقة
  • ماذا يعني انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ قانونيا وبيئيا؟
  • «بولتيتكو» الأمريكية: ماذا سيحدث بين ترامب والاتحاد الأوروبى فى حربهما التجارية؟
  • سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية تزور العريش ومعبر رفح
  • مستر ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
  • كيف ستكون طبيعة علاقات ترامب رجل الصفقات مع السعودية ودول الخليج؟
  • البحرية الأمريكية تحظر استخدام ديب سيك الصيني بسبب مخاوف أمنية وأخلاقية
  • أمريكا.. حملات أمنية مُكثفة لمداهمة المهاجرين غير الشرعيين