تحتفي الإمارات اليوم بالذكرى التاسعة والأربعين، لتولي صاحب السموّ الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، مقاليد الحكم في الإمارة، احتفاء يلمس تفاصيله على الأرض كل من عاش بهذه الإمارة الجميلة أو مر بها خلال تلك السنوات، لتصبح الفجيرة مقصد الزائر والباحث عن الجمال، ووجهة الاقتصاد الحديث من كل أنحاء العالم.


لقد آمن سموّه، في وقت مبكر بأن جوهر البناء والتطور في الحياة قائم على الاستثمار في الإنسان، فدعّم حركة الشباب، ومضى يدعّم مشاريعهم ويساندهم في تحقيق أحلامهم. مؤكداً الإيمان المطلق بالتطور والتغيير، ومحبة الناس ومضيّهم خلف قيادته الحكيمة، ومعهم وبهم سار سموّه، وفق خطط اجتماعية واقتصادية وثقافية واسعة جعلت الفجيرة مركزاً مهماً، وقِبلة لأصحاب المشاريع الاستثمارية الكبيرة، وليكون الثامن عشر من سبتمبر، في كل عام، يوماً استثنائياً في مسيرة الدولة والإمارة الجميلة التي اتسعت وكسبت قوة ومنعة، وازدادت جمالاً بفضل حكمة سموّه، ورؤيته الثاقبة في قراءة المعطيات العربية والدولية.

التفاصيل
وبالعودة إلى ذاكرة الإمارة، وبالتحديد إلى الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1948، تاريخ ولادة صاحب السموّ الشيخ حمد بن محمد الشرقي، سنعثر على الكثير من التفاصيل التي صاغت شخصيته وقد ترعرع في كنف والده ومعلمه الأول، الشيخ محمد بن حمد الشرقي، طيّب الله ثراه.
بداية العطاء
في عام 1969، أصدر الوالد الشيخ محمد بن حمد الشرقي، المرسوم الأميري رقم «5»، القاضي بتعيين سموّ الشيخ حمد بن محمد الشرقي، ولياً للعهد وقائداً للشرطة والأمن العام، لتبدأ مسيرة العطاء والعمل على الأرض، بعدما قضى زمناً طويلاً في الدراسة بالخارج واطلع على أحدث الحضارات العالمية.
العودة إلى إنجازات العقود الماضية، تُظهر حجم الجهود التي بذلها صاحب السموّ الشيخ حمد بن محمد الشرقي، في بناء إمارة الفجيرة، والمساهمة إلى جانب الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في بناء الدولة، فقد شغل عام 1971، منصب وزير الزراعة والثروة السمكية في أول تشكيل حكومي بعد قيام الاتحاد، وكان حينها ولياً للعهد، وكانت مهمته وضع الخطط الاستراتيجية لتطوير الزراعة ودعم الثروة السمكية، بحيث يتجاوز الاكتفاء الذاتي إلى التصدير للخارج، وهذا ما تم فعلاً في السنوات اللاحقة.
الاقتصاد والبنية التحتية
بدأ صاحب السموّ حاكم الفجيرة، مسيرته التنموية، منذ تعيينه ولياً للعهد عام 1969، فركّز على جذب الاستثمارات الأجنبية ودعم قطاع الزراعة والسياحة والاقتصاد والتعليم، ومنذ ذلك الوقت، بدأت الفجيرة تقطع خطوات متسارعة على طريق التنمية والازدهار، وقد شهدت أوجها بعد توليه مقاليد حكم الإمارة، فكانت البداية بتطوير ميناء الفجيرة وإنشاء منطقة الفجيرة للصناعات البترولية «فوز»، حيث أصبح ميناء الإمارة ثاني أكبر مركز لتزويد السفن بالوقود في العالم، وكان لذلك انعكاسه الكبير على قيام المشاريع الجديدة وازدياد فرص العمل، ونشوء المعامل الحديثة التي استفادت من البنية التحتية القوية التي تم إنشاؤها في الفجيرة.

الشرقي خلال تفقده عدداً من المناطق في الإمارة

رؤية استراتيجية
وكان لسموّه رؤية استراتيجية شاملة لمفهوم التنمية، جعلته دائماً يركز على جميع أطراف المعادلة من أجل تحقيق الازدهار، فلا مشاريع بلا بنية تحتية قوية، ولا معامل أو حسن استثمار للثروات، بلا إنسان جديد متعلم يواكب العصر.
وشهدت إمارة الفجيرة، بفضل قيادته ورؤيته الاستراتيجية، نشاطاً اقتصادياً كبيراً في الصناعات البترولية والملاحة البحرية، وأصدر عدداً من المراسيم لتأسيس المؤسسات الاقتصادية الضخمة التي تُعنى بتطوير الإمارة في هذا القطاع الحيوي، فقد افتتح أول مصنع للصوف الصخري في دول مجلس التعاون، عام 1982، ويصنّف اليوم أكبر شركة للمواد العازلة في الشرق الأوسط، تعمل على توريد وتزويد الدول حول العالم بمواد العزل المستهلكة في قطاع البناء.
كما أولى اهتماماً كبيراً للثروة المعدنية والصناعات التعدينية، لما تحتويه بيئة إمارة الفجيرة من مواقع طبيعية زاخرة بالأحجار والمواد الخام وانتشار شركات المحاجر والمقالع التي باتت تلعب دوراً محورياً في إمداد الشركات بمواد البناء وتلبية متطلبات السوق العالمي، وإسهامها المباشر في دعم الاقتصاد الوطني وتنشيط القطاع العقاري على مستوى الدولة وخارجها.
المنطقة الحرة
وفي عام 1987، أصدر مرسوماً بإنشاء المنطقة الحرة بالفجيرة، وعملت منذ ذلك الحين جنباً إلى جنب مع ميناء الفجيرة، على تبنّي سياسة التنويع الاقتصادي وتنشيط الحركة التجارية والاقتصادية عبر استقطاب الاستثمارات الأجنبية والشركات العاملة في مختلف أنواع الصناعات الحيوية، لتصبح اليوم من المؤسسات الاستراتيجية الشريكة في اقتصاد الإمارة ودعم ناتجها المحلي. وفي عام 2012، أعلن بدء عمليات تصدير النفط عبر مشروع خط حبشان - الفجيرة، من أبوظبي إلى الفجيرة، في خطوة اقتصادية أضافت إلى رصيد الإمارة نقاطاً ثمينة في خططها البنّاءة.
وقد أكد سموّه ضرورة استفادة الإمارة من موقعها الجغرافي الجذاب المطل على المحيط الهندي، وبذلك نرى نشاطاً سياحياً واسعاً، وحركة نشطة للفنادق المنتشرة بكثافة في الإمارة، وزيارة دائمة لعشاق الطبيعة الجبلية والبحر على مدار العام، ليستمتعوا بمناخها الأخاذ ويزوروا قلاعها التاريخية الكثيرة.
وفي نوفمبر 2021، أصدر سموّه، مرسوماً أميرياً يقضي بإنشاء «برنامج الفجيرة للتميز الحكومي» انطلاقاً من إيمانه بأهمية تطوير الأداء في المؤسسات الحكومية، والانتقال إلى مستوى متطور في تحسين كفاءات العاملين فيها، عبر تأسيس الشراكات الاستراتيجية بين الدوائر المحلية والقطاع الخاص إقليمياً وعالمياً.

الشرقي خلال لقائه الأهالي في دبا الفجيرة

تطوير الخدمات الطبية
وحرص سموّه، على تطوير قطاع الخدمات الطبية، وتوفير الطبابة المجانية، وإقامة المستشفيات التي استقطبت أفضل الكوادر الطبية من مختلف الجنسيات، وقدّمت خدماتها للمواطنين والمقيمين. وزار المستشفيات والتقى العاملين فيها، ووجّه بتوفير مستلزمات الرعاية وتطويرها دورياً، وبدعم من سموّه، شملت المشاريع التطويرية الصحية، مشروع التوسعة الجديدة في مستشفى الفجيرة، حيث أنشئت أقسام جديدة تضم أفضل الأجهزة الطبية المتطورة، لتقديم خدمات صحية حديثة للمجتمع.
بناء الإنسان
بناء الإنسان عبر المؤسسات التعليمية، كان الامتحان الأكبر بالنسبة للوالد الحاكم، ففيها يتلقى النشء مفاهيم الوطنية وحب الأرض والأخلاق، ويمتلك المقومات الأولى لشخصيته الفعالة في المجتمع، الإنسان هو الغاية والهدف، قالها صاحب السموّ حاكم الفجيرة، ولهذا أخذ عنده التعليم عناية كبيرة، فتنوعت المدارس وتطورت أساليب التعليم، وافتتح مبنى مجمع كليات التقنية العليا للطالبات عام 2000، ومبنى المجمع للطلبة عام 2005، وجامعة الفجيرة عام 2006. كما أنشأ مجلس رعاية التعليم والشؤون الأكاديمية ضمن هيكل حكومة الفجيرة المحلية بالمرسوم الأميري رقم «4». كما شهدت إمارة الفجيرة نهضة واسعة في بناء المدارس من جميع الاختصاصات العلمية، ووجه جميع المؤسسات إلى ضرورة التركيز على تنمية المواهب الشابة وتدريب الكوادر وإقامة ورش العمل من أجل صقل المهارات.
الثقافة هوية المجتمع
الثقافة والتعليم مقوّمان ضروريان في بناء الكوادر واكتشاف المواهب واستقطاب المبدعين، استراتيجية رسمها صاحب السموّ الشيخ حمد بن محمد الشرقي، وطلب من جميع المؤسسات الالتزام بها، وخلال سنوات قليلة، اشتُهرت الفجيرة بإطلالاتها العالمية في الفنون المختلفة، فأصبحت مقصداً للمبدعين في العالم الذين راحوا يقدمون أعمالهم الجديدة في المسرح والأدب والموسيقى وكل أنواع الفنون، على منابر الإمارة التي رعت الكثير من المهرجانات العالمية في فنون الأدب والموسيقى والمسرح وغيرها، ومنها المهرجان الدولي للمونودراما، والدولي للفنون، والملتقى الإعلامي، إلى جانب نشاطات مدينة الفجيرة للإبداع، وهيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، التي أصبحت جميعها وجهة للفنانين العرب والعالميين من مختلف الدول. كما نشطت في الإمارة، عمليات الطباعة والنشر وإصدار الكتب والمجلات، والمواقع الإلكترونية والمسابقات التحفيزية للمبدعين التي خصصت مكافآت لدعم التأليف والأعمال الفنية في جميع الاختصاصات.
الرياضة حياة
العقل السليم في الجسم السليم، حقيقة عمل على ترسيخها الشيخ حمد، وقد حرص على إيلاء الرياضة أهمية خاصة عبر إقامة النوادي وإنشاء الملاعب وتأسيس الفرق وتنظيم البطولات الكبيرة، واليوم أصبحت الفجيرة صاحبة مركز متقدم في جميع الألعاب على المستوى العربي والدولي.
وحققت إمارة الفجيرة إنجازات كبيرة بفضل توجيهات سموّه، وقد تنامت سُمعتها دولياً في تنظيم البطولات الدولية لمختلف أنواع الرياضات، ومنها بطولات كمال الأجسام، والرياضات الذهنية، والبطولات البحرية الدولية التي ينظمها نادي الفجيرة للرياضات البحرية. كما دعم نادي الفجيرة الرياضي منذ تأسيسه، وأمر في 2019 بإنشاء استاد نادي دبا الفجيرة الرياضي، بكلفة 100 مليون درهم. كما حققت الألعاب القتالية في إمارة الفجيرة أرقاماً قياسية بفضل دعم سموّه، لتنظيم بطولات ألعاب الدفاع عن النفس، وإقامة منافساتها العالمية على مدار العام.
عطاء لا ينضب
زائر الفجيرة اليوم، يكتشف أن تسعة وأربعين عاماً حافلة بالعمل الدؤوب مرّت على هذه الإمارة الوادعة، وقد جعلتها تبدو حديثة متطورة، وفي الوقت نفسه عربيةً. مسيرة زاخرة بالعطاء والعمل الصادق والجاد من أجل خير الأرض والإنسان، قضاها صاحب السموّ الشيخ حمد بن محمد الشرقي، الذي أنجز بكل إخلاص مرحلة الأب المؤسّس وأكمل مرحلة الازدهار ومازال يتابع مسيرة العطاء الحضاري. (وام)

المشــــاركــات الدولــيــة

مثّل صاحب السموّ حاكم الفجيرة، دولة الإمارات، في كثير من القمم الإسلامية والعربية والمؤتمرات الدولية. ففي عام 1991، مثّل الإمارات في القمة الإسلامية السادسة في العاصمة السنغالية داكار، وكانت مخصصة للقدس الشريف وتكريس الوئام والوحدة بين الدول الإسلامية. وفي عام 2000 مثلها في القمة الإسلامية التاسعة التي أكدت تضامن الشعوب الإسلامية مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من أجل استرداد حقوقه. وعربياً، مثّل الإمارات في عدد من القمم العربية، مثل قمة تونس عام 2004. وفي عام 2005 شارك في القمة العربية بالجزائر.
وتوالت مشاركات سموّه، في القمم العربية التي عقدت في الدوحة عام 2009، وفي الكويت عام 2014، وفي مصر عام 2015، وفي نواكشوط عام 2016. كما كان له مشاركة بارزة وفاعلة في القمة العربية الأوروبية الأولى بمصر عام 2019 تحت شعار «الاستثمار في الاستقرار»، وهي الأولى بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي. وقد شارك قبل ذلك في كثير من القمم والمؤتمرات الدولية منها «قمة الألفية» في نيويورك، وخلالها ألقى كلمة أضاء فيها على مواقف دولة الإمارات الاستراتيجية من مختلف الشؤون العالمية. كما مثّل دولة الإمارات في مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في نيويورك عام 2008، ومؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدامة الذي عقد في جنوب إفريقيا عام 2002. ومن أحدث مشاركاته، كانت في مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بأقل البلدان نمواً الذي عقد في دولة قطر عام 2023، تحت شعار «من الإمكانيات إلى الازدهار».

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات إمارة الفجيرة الشيخ حمد بن محمد الشرقي إمارة الفجیرة حاکم الفجیرة صاحب السمو حمد الشرقی فی الإمارة فی القمة فی بناء وفی عام من أجل فی عام

إقرأ أيضاً:

14 عاما في سدة الحكم.. ماذا جنت بريطانيا من حكم المحافظين؟

يواصل الناخبون البريطانيون الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة التي انطلقت الخميس لاختيار 650 عضوا بمجلس العموم، وسط توقعات كبيرة بوصول حزب العمال المعارض إلى السلطة.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيين جوش هولدر وأديمولا بيلو قالا فيه، إن حزب المحافظين أعاد تشكيل بريطانيا بشكل كبير منذ عام 2010، حيث نظم خروجها من الاتحاد الأوروبي، وخفض الإنفاق على الخدمات العامة، وخفض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية. ومرة بعد أخرى أعاد الناخبون البريطانيون الحزب إلى السلطة.

لكن البريطانيين يقولون إن بلادهم أصبحت الآن أسوأ مما كانت عليه عندما تولى المحافظون السلطة. ويظهر استيائهم في كل قضية يُسألون عنها تقريبا، بدءا من الاقتصاد إلى التعليم إلى الخدمة الصحية الوطنية.

ومع مواجهة المحافظين لاحتمال هزيمة ساحقة في انتخابات يوم الخميس، ألقينا نظرة على كيفية تغير بريطانيا منذ وصولهم إلى السلطة. وللقيام بذلك، اخترنا المقاييس التي يقول الناخبون – والحزب نفسه – إنها الأكثر أهمية.

 
ركود الاقتصاد
انخفض متوسط نمو الإنتاجية منذ عام 2010. وأصبح متوسط الدخل الأسبوعي، بعد تعديله وفقا للتضخم، بالكاد أعلى.

ظل الاقتصاد البريطاني راكدا منذ الانهيار المالي في عام 2008، كما ضربه الوباء بشدة. وتمكنت العديد من أقرانها، بما في ذلك ألمانيا والولايات المتحدة، من استعادة مستويات النمو الاقتصادي التي كانت سائدة قبل الأزمة، لكن بريطانيا لم تستعد زخمها قط.

وكانت الإنتاجية، وهي مقياس للناتج الاقتصادي لكل ساعة عمل، تنمو بنحو 2% سنويا في العقد الذي سبق الانهيار المالي. ومنذ أن استولى المحافظون على السلطة، لم يتجاوز نموها نحو 0.5%.

إحدى نتائج ركود الإنتاجية هي ركود الأجور: فالعامل البريطاني العادي يكسب 20 جنيها إسترلينيا فقط في الأسبوع أكثر مما كان يكسب قبل 14 عاما، بعد التكيف مع التضخم.

تعكس ميزانيات التقشف الكثير من الركود
ولجأت حكومة المحافظين الجديدة، العازمة على خفض العجز، إلى خفض الإنفاق بشكل عميق وواسع النطاق، فخفضت الإنفاق ليس فقط على العناصر التي يبغضها الحزب مثل الرعاية الاجتماعية، بل وأيضا على الميزانيات العامة المخصصة للاستثمار.

وبعد التصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، توقفت الاستثمارات الخاصة أيضا وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي. وتتمتع المملكة المتحدة بأدنى معدلات الاستثمار بين دول مجموعة السبع، وفقا لمعهد أبحاث السياسة العامة، وهو مركز أبحاث مقره لندن.


وتولى المحافظون السلطة وهم يشتكون من "أزمة الديون" ويقولون إن التخفيضات الكبيرة ضرورية لخفض الدين العام. لكن حتى بعد عقد من التقشف، استمرت الديون في الارتفاع، ثم قفزت بشكل حاد بسبب الوباء.

وتضخمت ديون بريطانيا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2010.

كما سوّق المحافظون أنفسهم كحزب للضرائب المنخفضة، وتعهدوا بخفض الضرائب في كل بيان انتخابي منذ عام 2010. ولكن حدث العكس. فقد وصلت الضرائب كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى مستوياتها منذ 70 عاما.

وتم جر المزيد من الناس إلى شرائح ضريبية أعلى، وتضرر أولئك من جميع مستويات الدخل عندما تم رفع ضريبة المبيعات على مستوى البلاد إلى 20% من 17.5%.


ويرى المحافظون أن الضرائب ضرورية لخفض الديون وتغطية تكلفة التدابير المتخذة لمواجهة الصدمات الاقتصادية مثل الوباء وأزمة أسعار الطاقة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا.

أوفى الحزب بأحد تعهداته، فانخفضت البطالة إلى النصف تقريبا منذ عام 2010، عندما كانت المملكة المتحدة خارجة للتو من الركود. ويرى صناع السياسات المحافظون أن التغييرات التي طرأت على نظام الرعاية الاجتماعية، والتي تهدف إلى جعل المزايا أقل جاذبية والتوظيف أكثر فائدة، حفزت الناس على العودة إلى سوق العمل. ووجد بعض الباحثين أن التغييرات شجعت الناس على العمل بشكل متواضع.

تدهور الخدمات العامة
هناك أكثر من 7.5 مليون شخص ينتظرون الآن العلاج في المستشفيات.  ونسبة مرضى السرطان الذين يبدأون العلاج في غضون شهرين وصلت إلى مستوى قياسي منخفض.

الصورة التي رسمها المحافظون لبريطانيا في عام 2010 كانت لدولة تعيش بما يتجاوز إمكانياتها. لقد قاموا بتفصيل 6.2 مليار جنيه استرليني من تخفيضات الإنفاق خلال أول أسبوعين من توليهم المنصب، واستمرت التخفيضات الشديدة على مدى العقد التالي.


وبعد أربعة عشر عاما، وعلى الرغم من الديون القياسية والعبء الضريبي الأعلى منذ 70 عاما، فإن العديد من الخدمات العامة في بريطانيا تضاءلت إلى حد كبير.

وتحملت المجالس المحلية، التي تدير خدمات مثل الرعاية الاجتماعية والمكتبات وإدارة النفايات والبنية التحتية المحلية، بعضا من أكبر التخفيضات، حيث انخفضت قوتها الإنفاقية بنسبة 30% تقريبا بحلول عام 2019.

وحتى خدمة الصحة الوطنية، التي كانت معزولة عن التخفيضات، تعرضت لضغوط شديدة. ولم ترتفع ميزانياتها بما يتماشى مع الطلبات المتزايدة للسكان المسنين في بريطانيا، كما أجبرت التخفيضات في قطاع الرعاية الاجتماعية الأشخاص الأكثر ضعفا على الذهاب إلى المستشفيات [بدلا من رعايتهم في بيوتهم].

ويصنف البريطانيون الرعاية الصحية باعتبارها القضية الثانية الأكثر إلحاحا التي تواجه البلاد. ومع اقتراب الانتخابات، يعتقد أربعة أضعاف عدد الناخبين أن حزب العمال في وضع أفضل لإدارة الخدمة الصحية الوطنية من المحافظين.


خارج هيئة الخدمات الصحية الوطنية، لم يسلم أي قطاع تقريبا من التخفيضات. وتم تخفيض عدد الأفراد في القوات المسلحة بأكثر من 40 ألف جندي.

كما تم تخفيض عمل الشرطة بشكل كبير، ولكن خلال انتخابات عام 2019، تعهد بوريس جونسون بالوقوف إلى جانب "الأغلبية الملتزمة بالقانون" واستعادة 20 ألف ضابط شرطة فُقدوا - وهو الوعد الذي حققه.

مستويات قياسية من الهجرة على الرغم من تعهدات المحافظين

لقد وعد حزب المحافظين منذ فترة طويلة بالحد من الهجرة، وكان التعهد بـ "استعادة السيطرة" على حدود بريطانيا أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت العديد من البريطانيين إلى التصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي.

لكن الهجرة القانونية ارتفعت في السنوات الأخيرة. وصل صافي الهجرة - عدد الأشخاص الذين انتقلوا إلى بريطانيا ناقص أولئك الذين غادروا - إلى 764 ألف شخص في عام 2022، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كان عليه عندما تم الإدلاء بالتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

كان ارتفاع الهجرة في عام 2022 مدفوعا إلى حد كبير بأحداث محددة، وقد أظهر بالفعل علامات التراجع. ومن المحتمل أن تكون بعض الزيادة في الهجرة قد تأخرت بسبب الوباء، وفر مئات الآلاف من الأوكرانيين وسكان هونج كونج والأفغان إلى بريطانيا بموجب برامج التأشيرات الإنسانية.

إن الكثير من الجدل الدائر حول الهجرة يدور حول الأعداد القياسية لعبور القوارب الصغيرة عبر القناة، على الرغم من أنها لا تمثل سوى حوالي 2% من الهجرة إلى المملكة المتحدة.


وقد تزايد تراكم طلبات اللجوء التي لم يتم حلها في ظل حكم المحافظين. ووعد رئيس الوزراء ريشي سوناك بإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا لإعادة توطينهم، لكن هذه الرحلات تأخرت بسبب الطعون القضائية.

وبلغ تراكم طلبات اللجوء ذروته عندما كان أكثر من 130 ألف شخص ينتظرون معالجة طلباتهم.

ويعتقد ثلثا البريطانيين أن معدلات الهجرة مرتفعة للغاية، كما أن الانفصال بين حديث المحافظين المتشدد بشأن الهجرة ومستويات الهجرة غير المسبوقة كان سببا في تعرض الحزب لهجمات من اليمين المتشدد.

زيادة في التشرد والجوع وديون الطلاب

قامت مؤسسة Trussell Trust، وهي مؤسسة خيرية، بتوزيع أكثر من 3 ملايين طرد غذائي طارئ العام الماضي. وينام آلاف الأشخاص في الشوارع مقارنة بعام 2010.

قام المحافظون بتشديد أجزاء كبيرة من نظام الرعاية الاجتماعية في بريطانيا، حيث أدخلوا حدا أقصى لطفلين على مدفوعات رعاية الطفل، وحدودا شروطا أكثر صرامة لاستحقاقات العجز، وقاموا بتجميد مستوى مساعدات سن العمل لمدة أربع سنوات.


وفي الوقت نفسه، ارتفع استخدام بنوك الطعام بشكل كبير. ذهبت ثلث الطرود الغذائية التي وزعتها Trussell Trust العام الماضي إلى الأطفال.

وارتفعت أسعار المساكن بشكل كبير، كما أظهر مسح سنوي أن أعدادا متزايدة من الناس ينامون في الشوارع. على الرغم من أن العدد انخفض خلال الوباء، عندما نقلت الحكومة العديد من المشردين إلى الفنادق وأماكن الإقامة المؤقتة، إلا أنه الآن يرتفع بشكل مطرد نحو مستويات قياسية مرة أخرى.

وأصبحت المشكلة صارخة في العديد من المدن الآن، حيث أدى الجمع بين السكن القليل بأسعار معقولة وانخفاض خدمات الدعم إلى ترك الكثيرين بدون شبكة أمان.

لقد أعادت التخفيضات تشكيل جميع جوانب الحياة البريطانية، وخاصة بالنسبة للشباب. وسوف يتحدد إرث المحافظين بالنسبة للعديد منهم من خلال ارتفاع ديون الطلاب.

خفضت الحكومة تمويل الجامعات وضاعفت الرسوم الدراسية ثلاث مرات لسد فجوة التمويل، مما يعني أن الطالب العادي يتخرج الآن بحوالي 45000 جنيه إسترليني من ديون القروض الطلابية.


ديون الخريجين بحلول وقت تركهم الجامعة هي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في عام 2010.  ولكن المزيد من الناس يلتحقون بالجامعة أكثر من أي وقت مضى.

بلغ معدل الجريمة الإجمالي ذروته في منتصف التسعينيات، مدفوعا بزيادة في أعمال العنف وجرائم السيارات والسطو، لكنه انخفض منذ ذلك الحين. ومن عام 2010 إلى عام 2023، انخفض بنسبة 54% أخرى.

وعلى الرغم من التحركات الأخيرة التي اتخذها سوناك لتقليص خفض انبعاثات الكربون، فإن الدولة التي يتركها حزبه وراءه أصبحت أكثر خضرة من تلك التي ورثها: إذ تنتج بريطانيا الآن كهرباء أقل بنسبة 60% من الوقود الأحفوري عما كانت عليه في عام 2010.

مقالات مشابهة

  • مجلس محمد بن حمد الشرقي يناقش موضوع “تحصين الأبناء من آفة المخدرات”
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين ينبطحون أرضا خلال مسيرة بسبب صفارات الإنذار
  • «اقتصادية أبوظبي» تستعرض الفرص الاستثمارية والشراكة مع القطاع الخاص
  • دائرة العلاقات الحكومية تعزز رؤية الشارقة المستدامة للتنمية
  • مكتب أبوظبي للاستثمار يوقع اتفاقيات مساطحة لتطوير مشاريع مجتمعية
  • 5 زيارات خارجية و28 لقاء للعلاقات الحكومية تعزز رؤية الشارقة المستدامة للتنمية
  • اقتصادية أبوظبي تنظم فعاليات النسخة الثالثة من “الملتقى”
  • 14 عاما في سدة الحكم.. ماذا جنت بريطانيا من حكم المحافظين؟
  • الوضع في الدندر
  • ما قبل الغرب.. صعود وسقوط أنظمة العالم الشرقي.. قراءة في كتاب