القانون الاسترشادي العربي.. دفاع عن البراءة
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
ناقش خبراء وممثلو وزارات العدل والجهات المعنية في الدول العربية مشروع القانون العربي الاسترشادي لحماية الأطفال من التجنيد في النزاعات المسلحة. وهذه الخطوة رغم تأخرها فإنها تعد خطوة مهمة في سياق حماية الطفولة.
لقد شهدت المنطقة خلال العقود الماضية الكثير من الصراعات والنزاعات المسلحة لأسباب متعددة سياسية واقتصادية وأيديولوجية استُخدِم الأطفال فيها بشكل مرعب.
إن المناقشات التي أجرتها جامعة الدول العربية أمس بشأن مشروع القانون الاسترشادي العربي لحماية الأطفال من التجنيد في الصراعات المسلحة تمثل خطوة بالغة الأهمية إلى الأمام في وقت بات فيه إصدار قانون استرشادي أمرا في غاية الأهمية.
لا يشكل تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة مجرد انتهاك جسيم لحقوق الإنسان؛ بل إنه سرقة للطفولة ووأْد للمستقبل. وبدلا من التعلم والبناء، يُجبر الأطفال على القيام بأدوار الجنود في صراعات طائفية وفئوية لا طائل منها أبدا. وخلال تلك الصراعات تخضع عقول الأطفال الغضّة للتلقين العقائدي، غالبا تحت ستار الأيديولوجية أو الانتقام.. ويمكن أن تكون للصدمات الجسدية والنفسية والعاطفية التي يتعرضون لها تداعيات مدى الحياة، بعد فترة طويلة من صمت الأسلحة.
علاوة على ذلك، فإن استخدام الأطفال في الصراعات يؤدي إلى إدامة دورات العنف؛ فالطفل الذي لم يعرف سوى الحرب، والذي اعتاد على رؤية العنف كحلٍ وحيد، يمكن أن يجد صعوبة في إعادة الاندماج في مجتمعات ما بعد الصراع، ما يؤدي إلى اضطرابات بين الأجيال، حيث تزرع ندوب حرب ما بذور حرب أخرى.
ومن شأن القانون الاسترشادي، كما اقترحته جامعة الدول العربية، أن يخدم أغراضا متعددة. أولا، من شأنه أن يشكل سابقة قانونية واضحة، تجعل، بشكل لا لبس فيه، تجنيد الأطفال واستخدامهم في الصراعات أمرا غير مقبول. ومن شأن هذا الأساس القانوني أن يوفر الإطار اللازم للدول الأعضاء لسن التشريعات الوطنية، وضمان مواجهة المخالفين لعواقب صارمة.
ثانيا، سيكون مثل هذا القانون بمثابة بيان أخلاقي قوي. ومن خلال اتخاذ موقف موحد، سترسل الدول العربية رسالة واضحة إلى العالم: مستقبل أطفالنا غير قابل للتفاوض. إن سلامتهم ورفاهتهم تتجاوز النزاعات السياسية والأيديولوجية والإقليمية.
ومن شأن القانون تمهيد الطريق لتدابير إعادة التأهيل. إن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى نحو معالجتها، ومع وجود قانون توجيهي، يمكن تعبئة الموارد لإنقاذ الأطفال المتضررين وإعادة تأهيلهم وإدماجهم، ما يمنحهم فرصة لاستعادة طفولتهم المسروقة.
إن إنفاذ مثل هذا القانون في دول متنوعة ذات حقائق أرضية مختلفة سيتطلب التصميم والموارد والجهود التعاونية، لكن المخاطر لا يمكن أن تكون أعلى حيث إن الأمر يتعلق بالدفاع عن الفئات الأكثر ضعفًا بيننا، والحفاظ على حرمة الطفولة، وضمان مستقبل سلمي ومزدهر في العالم العربي. وفي هذا المسعى، لا تمثل جامعة الدول العربية الدول الأعضاء فيها فحسب؛ إنه يمثل الأمل والعدالة وروح الإنسانية التي لا تتزعزع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدول العربیة فی الصراعات
إقرأ أيضاً:
WP: الدول العربية تقاوم الضغوط الأمريكية لإدانة الحوثيين
وجه المبعوث الخاص للرئيس جو بايدن إلى اليمن، تيم ليندركينغ، نداءات عدة إلى المصريين في الأشهر الأخيرة، وقد فعل الشيء نفسه مع السعوديين وغيرهم من الشركاء العرب، وفي كل مرة تكون رسالته متشابهة إلى حد كبير.
وجاء في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" إن ليندركينغ قال في مقابلة أجريت معه مؤخرا عن الحوثيين، وهي الجماعة المدعومة من إيران، والتي شنت خلال العام الماضي حملة ضد الولايات المتحدة و"إسرائيل" والسفن التي تعبر البحر الأحمر، دعنا للفلسطينيين في غزة: "لقد أخبرتهم جميعا أنهم بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد".
وذكر التقرير إن "ما يريده ليندركينغ هو أن شركاء واشنطن العرب بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لمواجهة سردية بطولة الحوثي في الشرق الأوسط، حيث لم تؤدي جهود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لصد هجماتهم وتأمين طرق الشحن الحيوية إلى تراجع قادة الجماعة، كما شجعتهم شعبيتهم المتزايدة بين المسلمين الآخرين الذين بلغ غضبهم من أزمة غزة مبلغا كبيرا. ويقول المسؤولون والخبراء إن هناك جاذبية قوية في فكرة أن شبه الحكومة هذه تنتقم من الدولة اليهودية".
وأضاف أن "ليندركينغ يزعم أن الحوثيين لا يساعدون الفلسطينيين وأنهم فظيعون بالنسبة لليمن، البلد الفقير الذي عانى سكانه كثيرا وسط سنوات من الحرب، وأن القوى الإقليمية يمكن أن تساعد في فك الارتباط بين هذه الفكرة القائلة بأن ما يفعله الحوثيون شرعي بسبب حقيقة وجود صراع في غزة. فمن الأصعب علينا كثيرا كسر هذا الارتباط".
وأوضح أن "الهجمات المستمرة التي تشنها الجماعة في أحد أكثر ممرات الشحن أهمية في العالم ألحقت ضررا كبيرا باقتصادات العديد من البلدان وساهمت في التضخم في جميع أنحاء العالم، ولقد انخفضت حركة المرور التجارية عبر قناة السويس إلى البحر الأحمر - وهو مصدر رئيسي للعملة الأجنبية للحكومة المصرية - بشكل كبير في العام الماضي لدرجة أنها كلفت القاهرة ما لا يقل عن 2 مليار دولار من العائدات المفقودة، مما أدى إلى تفاقم ضغوط الأسعار على فقراء مصر".
كما أدت حملة الحوثيين إلى إبطاء تدفق المساعدات الإنسانية إلى اليمن، حيث تقدر البنك الدولي والمنظمات الدولية الأخرى أن الملايين من الناس يواجهون سوء التغذية الحاد، بحسب ما ذكر التقرير.
كل هذا، في نظر إدارة بايدن، يجب أن يوفر سببا كافيا لحلفاء أمريكا وشركائها العرب في الشرق الأوسط للانضمام إلى الولايات المتحدة - إن لم يكن عسكريا، فعلى الأقل بصوت عالٍ - في مواجهة الحوثيين. لكن المصريين والسعوديين والدول العربية الأخرى، في الغالب، يقاومون توسلات واشنطن.
وقال الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن حسين إبيش: "إنهم لا يرون أن رفع الرهانات الخطابية مع الحوثيين سيساعدهم. والمصريون على وجه الخصوص خائفون مما قد يفعله الحوثيون بعد ذلك". وأثار احتمال أن تحاول الجماعة تلغيم مضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن.
وأضاف إبيش أن هذا من شأنه أن يخلف عواقب أعظم على الجنيه المصري، وقال عن الحكومة في القاهرة: "إنهم خائفون للغاية".
وقال الخبراء إن السعوديين والإماراتيين خاضوا حربا استمرت سنوات ضد الحوثيين وليس لديهم أي مصلحة في التورط في صراع جديد مع الجماعة. وفي بيئة حيث إيران قريبة جغرافيا، وتركت الولايات المتحدة بعض الدول العربية تشعر بأنها شريك غير موثوق به، وسع زعماء تلك البلدان بشكل متزايد من تواصلهم مع طهران ولا يرون سوى القليل من الفائدة في استفزاز وكلائها.
وجاء في التقرير أن "مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة تراجعت بشكل أكبر مع دعم واشنطن الثابت لإسرائيل على مدار العام الماضي، حيث لقي عشرات الآلاف من الفلسطينيين حتفهم في غزة وتنتشر لقطات الأطفال الملطخين بالدماء يوميا على الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي".
وقال النائب الديمقراطي رو خانا، الذي عاد مؤخرا من رحلة إلى السعودية: "تشغل التلفزيون، وتجد الحرب. إنها مستمرة كل القنوات.. القصف والحرب والمعاناة".
ورغم عدم اعتراف أي دولة كبرى بحكومة الحوثيين في صنعاء، وإعادة إدارة بايدن إدراج المسلحين على "قائمة الإرهاب" العالمية، فقد استفادت الجماعة من عملية إعلامية متطورة لتضخيم حملتها في البحر الأحمر وإطلاق الصواريخ على "إسرائيل" لتصوير نفسها كمدافع عن القضية الفلسطينية، بحسب وصف التقرير.
ويحظى كل من زعيم الحوثيين والمتحدث باسمه بأكثر من مليون متابع على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقا) وفي غضون عام، أصدرت الجماعة مئات من مقاطع الفيديو والأغاني والتراتيل الدينية التي وصلت إلى الملايين في جميع أنحاء العالم، وفقا للمحللين في معهد أبحاث الشرق الأوسط.
وقال إبيش: "لقد أقنعوا الكثير من الناس بأن ما يفعلونه مفيد. أسأل الناس، كيف تعتقد أن هذا يفيد الفلسطينيين؟ أو حتى حماس؟، والإجابة التي يحصل عليها هي: "حسنا، أي شيء يدفع ضد الإبادة الجماعية".
وتنفي "إسرائيل" بشدة ارتكابها إبادة جماعية في غزة وتلقي باللوم على حماس في ارتفاع معدل الضحايا المدنيين في الحرب، قائلة إن "الجماعة المسلحة تستخدم المدنيين كدروع بشرية".
وفي خطاب متلفز ألقاه يوم الخميس، وصف زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي الصراع في الشرق الأوسط بأنه "حرب أميركية إسرائيلية غربية على أمتنا" والتي يخسرها الغرب بوضوح.
وقال أحد كبار الدبلوماسيين العرب، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته ليكون صريحا بشأن التفكير داخل حكومته وحكومات أخرى: "عليك أن تفهم مستوى التعقيد الذي خلقه هذا الوضع للحكومات [العربية] في التعامل مع شعوبها، مع المجتمعات داخل بلدانها".
وقال الدبلوماسي: "يعتقد الناس في المنطقة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن الدولة الفلسطينية ضرورية للسلام الدائم في الشرق الأوسط بأكمله. قبل هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الذي أشعل فتيل الحروب في غزة ولبنان، إذا سألت الناس، ما هي القضية الجيوسياسية الإقليمية الأولى التي تشغل بالكم، فستكون الإجابات التي تحصل عليها متباينة".
واضاف "اليوم، إذا كنت تريد التحدث عن أي قضية سياسية في المنطقة، وفي أي منزل، فإن [الفلسطينيين] سيكونون القضية رقم واحد".
من بين أكثر من 20 دولة تشارك في عملية حارس الرخاء التي تقودها الولايات المتحدة، وهو تحالف بحري أطلق في كانون الأول/ ديسمبر للدفاع عن ممر الشحن قبالة سواحل اليمن، هناك دولة عربية واحدة فقط تفعل ذلك علنا، وهي البحرين. يعتقد الخبراء الإقليميون أن دولا عربية أخرى تحتل أيضا مكانا بين أعضاء التحالف العشرة الذين أبقوا دعمهم صامتا.
على الرغم من إجراء ضربات متكررة على مواقع أسلحة الحوثيين، فقد اعترف المسؤولون الأمريكيون بأن الحملة لم تفعل الكثير لردع الحوثيين، الذين قالوا إنهم سيواصلون هجماتهم حتى تنهي إسرائيل حربها في غزة.
قال ليندركينغ: "إنهم يرون أنفسهم يركبون على قمة الشعبية". ولهذا السبب تعتقد واشنطن أن الرفض الواضح من الدول العربية قد يكون فعالا.
على مدى الأشهر الثلاثة عشر الماضية، شن الحوثيون حوالي 200 هجوم على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، مما أسفر عن مقتل أربعة بحارة تجاريين على الأقل وإغراق سفينتين. في كانون الثاني/ يناير، توفي اثنان من أفراد قوات النخبة البحرية الأميركية أثناء محاولتهما الصعود إلى سفينة تحمل أسلحة إيرانية الصنع قال مسؤولون إنها كانت متجهة إلى اليمن.
وفي الأيام الأخيرة، بعد أن استخدمت الجماعة صواريخ ومسيّرات لاستهداف أربع سفن، تفاخر الحوثي، زعيم المسلحين، بأن الولايات المتحدة فشلت في جهودها لإشراك "دول أخرى، وخاصة التحالف السعودي الإماراتي، لخدمة المصالح الإسرائيلية". لكنه أعلن أن السعوديين يعرفون أن أي تدخل في اليمن سيكون "كارثيا بالنسبة لهم".
قال توماس جونو، أستاذ في جامعة أوتاوا وخبير في دعم إيران للحوثيين: "هل مهاجمة السفن، مما يتسبب في انخفاض الشحن بنسبة 90%، يقربنا من حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ الجواب هو لا". لكنه أضاف أنه تم "التفوق تماما" على الولايات المتحدة في معركة السرديات.