إن الحرب على مصر لم تتوقف منذ وجدت هذه البلاد على خريطة الكون، فمنذ حرب الهكسوس على الدولة الفرعونية لم تتوقف محاولات الغزو والاحتلال للدولة المصرية لأن جميع الغزاة يعتقدون أن بقاء مصر بعيدًا عن الحروب والغزوات فترة أطول يعني أنها ستتمدد، وتأخذ مساحتها كإمبراطورية وقوة عظمى.
ومن أخطر الحروب التي تواجه مصر الآن، تلك الحروب الاقتصادية التي تحاصر شعبا قلت موارده وكثر نسله، وتداعت عليه الأزمات.
الممر الاقتصادي:
ومن بين هذه الحروب تلك التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية على هامش قمة العشرين بداية هذا الشهر، في العاصمة الهندية نيودلهى، وهي إطلاق ما يسمى بالممر الاقتصادي الذي يربط بين دول الخليج وإسرائيل والهند من ناحية، ووسط أوروبا من ناحية ثانية، والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها المستثمر الأكبر في المشروع من ناحية أخرى.
ويشمل مشروعات للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات، وتم التوقيع على الاتفاق المبدئي الخاص بالمشروع، في نيودلهي، السبت قبل الماضي، بين الولايات المتحدة الأمريكية، والسعودية، والإمارات، والاتحاد الأوروبي وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وفقًا لبيان نشره البيت الأبيض. ويتألف المشروع من ممرين منفصلين هما "الممر الشرقي" الذي يربط الهند مع الخليج العربي، و"الممر الشمالي" الذي يربط الخليج بأوروبا عبر إسرائيل.
وهكذا يبدو أن المشروع سيؤثر بشكل كبير على قناة السويس، حيث تتجه البضائع والنفط والغاز والهيدروجين إلى أوروبا والهند بعيدًا عن ممر القناة، مما يستدعي دراسة الأمر باعتباره خطرًا على الاقتصاد المصري، ويجب طرح البدائل لهذا المشروع الإقليمي والدولي العملاق.
سد النهضة:
ومن بين الحروب "القديمة ـ الجديدة" على مصر محاولة خنقها عبر سيطرة على نهر النيل، وكانت إثيوبيا قد أعلنت انتهاء التعبئة الرابعة بتخزين 40 مليار متر مكعب من المياه، وعلى الرغم من بدء مواسم الجفاف، أو ما يسمى بالسنوات العجاف التي قد تستمر لسبع سنوات قادمة، فإن أديس أبابا أعلنت أن التعبئة الخامسة العام المقبل، ستكون بتخزين 24 مليار متر مكعب من المياه، ثم 10 مليارات في العام الذي يليه، مما يعني أن إثيوبيا تضرب بالمطالب المصرية - السودانية عرض الحائط، وترفض الحقوق المشروعة بوقف التخزين أثناء مواسم الجفاف خاصة أن الكميات المعلن عن تخزينها ستشكل نقصًا كبيرًا للمياه في مصر.
وقد كشف التعنت الإثيوبي طوال السنوات الماضية عن أن مشروع السد يحظى برعاية إقليمية ودولية غير معلنة، ولكنها فاعلة منحت الأحباش الثقة في الوقوف في وجه دولتيْ المصب، وإنشاء مشروعها دون مراعاة للعواقب.
حرب السودان:
ولا يخفى على أحد أن الحرب الدائرة في السودان الآن هي في جانب كبير منها ضد مصر واستقرارها، وضد فرصها الاقتصادية في تشكيل تحالف اقتصادي مع البلد الشقيق لاستثمار الموارد والثروات الهائلة التي يتمتع بها، وإن ما يدور هناك هو اختطاف للسودان جغرافيا وتاريخ وثروات ومستقبل.
ما يواجه مصر من محاولات لإضعافها هو بحجم قدرتها وعظم تاريخها، وطموحاتها في النهوض، واحتلال مقعدها بين الأمم المتقدمة.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
الخبراء يسعون لترميم المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب في سوريا
بدأ الخبراء العودة إلى المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب في سوريا، أملاً في وضع الأساس لترميمها وإنعاش السياحة، التي يقولون إنها يمكن أن توفر دفعة يحتاجها اقتصاد البلاد بشدة، بعد سنوات حرب دامت نحو 14 عاماً.
ومازالت معالم أثرية، كانت مزدهرة في السابق، مثل مدينة تدمر القديمة وقلعة الحصن التي تعود للقرون الوسطى، تعاني من آثار الصراع الذي استمر لأعوام، ولكن السائحين المحليين يعودون إلى هذه المواقع، ويأمل النشطاء الذين يدعون للحفاظ على البيئة في أن تجذب في النهاية الأهمية التاريخية والثقافية لهذه المعالم الزوار الدوليين مجدداً.
Experts are returning to #Syria’s war-ravaged heritage sites, hoping to lay the groundwork for restoring them and reviving tourism.
They say the sites could provide a much-needed boost to the country’s decimated economy after nearly 14 years of war
???? @andyhilliar pic.twitter.com/djxyMGYBOv
وكانت مدينة تدمر، إحدى المواقع الـ 6 المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو في سوريا، في السابق مركزاً رئيسياً لشبكة طريق الحرير القديم التي كانت تربط الامبراطوريتين الرومانية والبارثية في آسيا. وتشتهر المدينة، التي تقع في الصحراء السورية، بالآثار التي تعود للعهد الروماني منذ 2000 عام. وتعرف الآن بأعمدتها المحطمة ومعابدها المهدمة.
وقبل الانتفاضة السورية التي بدأت عام 2011، وسرعان ما تصاعدت لتصبح حرباً أهلية دموية، كانت تدمر المقصد السياحي الرئيسي في سوريا، حيث كانت تجتذب نحو 150 ألف زائر شهرياً، حسبما قال أيمن نابو، الباحث والخبير في الآثار لوكالة أسوشيتد برس.
وكانت المدينة القديمة عاصمة لإمارة عربية مرتبطة بالإمبراطورية الرومانية، تمردت لفترة وجيزة وأسست مملكتها الخاصة في القرن الثالث بقيادة الملكة زنوبيا. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت المنطقة توحي بانطباعات أكثر قتامة. فقد كانت مقر سجن تدمر، حيث يتردد أن الآلاف من معارضي حكم أسرة الأسد تم تعذيبهم. وقد قام تنظيم داعش الإرهابي بهدم السجن بعد الاستيلاء على المدينة.
وبعد ذلك، قام مسلحو تنظيم داعش الإرهابي بهدم معبدي بيل وبعل شمين، التاريخيين في مدينة تدمر، بالإضافة إلى قوس النصر، حيث اعتبروها آثاراً توحي بعبادة الأصنام، كما قاموا بقطع رأس محاضر كرس حياته لدراسة الآثار.
وما بين 2015 و2017، تحولت السيطرة على تدمر ما بين تنظيم داعش والجيش السوري، قبل أن تستعيد قوات الرئيس السابق بشار الأسد، مدعومة من ميلشيات تابعة لروسيا وإيران، السيطرة على المدينة.
وزار الباحث نابو، مدينة تدمر بعد 5 أيام من سقوط الحكومة السابقة. وقال: "رأينا معدات تنقيب مكثفة داخل المقابر"، مشيراً إلى الدمار الواسع الذي خلفه تنظيم داعش وقوات حكومة الأسد. وأضاف" متحف تدمر كان في وضع مؤسف، حيث هناك وثائق وأعمال فنية مفقودة- لا نعلم ما حدث لها".
Syria’s heritage sites, including Palmyra, need restoring say experts https://t.co/c9z50iprM9
— euronews (@euronews) February 17, 2025وفي مسرح تترابيلون ومواقع أثرية أخرى على طول الشارع الرئيسي ذو الأعمدة، قال نابو إنه تم توثيق الكثير من عمليات التنقيب غير القانونية، مما كشف عن وجود منحوتات بالإضافة إلى أعمال سرقة وتهريب منحوتات جنائزية أو متعلقة بالمقابر خلال عام 2015، عندما سيطر تنظيم داعش على الموقع.
وأضاف أنه "على الرغم من أنه تم استعادة 7 من المنحوتات المسروقة، ووضعها في متحف في إدلب، تم سرقة 22 أخرى. ومن المرجح أن يكون الأمر انتهي بالكثير من القطع في أسواق تحت الأرض أو تم إدراجها في مجموعات خاصة".
وأوضح نابو" سوريا لديها كنز من الآثار"، مؤكداً على الحاجة لجهود الحفاظ على الآثار. وأوضح أن الإدارة المؤقتة في سوريا، بقيادة هيئة تحرير الشام، قررت الانتظار لحين انتهاء المرحلة الانتقالية لتطوير خطة استراتيجية لترميم المواقع الأثرية.
بدوره، قال ماثيو لامارا من منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعةللأمم المتحدة (اليونسكو)، إن المنظمة دعمت منذ عام 2015 عن بعد حماية التراث الثقافي السوري، من خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية والتقارير والتوثيق، وتوصيات الخبراء المحليين، ولكنها لم تقم بأي عمل على الأرض".
وبخلاف تدمر، مازالت مواقع تاريخية أخرى تعاني من آثار الحرب. وتعرضت قلعة الحصن التي تعود للقرون الوسطى، والواقعة على تل بالقرب من بلدة الحصن، وقام ببنائها الرومان، ولاحقاً قرر الصليبيون توسيعها، للقصف الشديد خلال الحرب الأهلية السورية.
ومؤخراً، ظهر مقاتلون مسلحون يرتدون الزي العسكري وهو يجوبون القلعة بجانب سائحين محليين، ويلتقطون الصور الذاتية "السيلفي" بين الآثار.
وأشار حازم حنا المهندس ورئيس قسم الآثار بقلعة الحصن، إلى الأعمدة المنهارة وسلالم المدخل التي دمرتها الهجمات الجوية. وأضاف أن الضرر الناجم عن الهجمات الجوية الحكومية خلال عام 2014، أسفر عن تدمير معظم الباحة المركزية و الأعمدة المزينة بالأرابيسك".
وقال "اعتماداً على الخلفية الثقافية للمواقع التاريخية لسوريا، وأهميتها الأثرية والتاريخية لعشاقها في أنحاء العالم، أتمنى وأتوقع أنه حين تحين الفرص للسائحين لزيارة سوريا، أن نشهد انتعاشاً سياحياً كبيراً".
وأوضح حنا أنه "تم تجديد بعض الأقسام في قلعة الحصن بعد الهجمات الجوية والزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، الذي ضرب منطقة كبيرة من تركيا وسوريا خلال عام 2023. مع ذلك، مازال قطاع كبير من القلعة يعاني من الدمار".
ويعتقد كل من نابو وحنا أن أعمال الترميم سوف تستغرق وقتاً. وقال نابو " نحن في حاجة لفرق فنية لتقييم الوضع الحالي للمواقع الأثرية".