المخطط ما زال قائمًا، يتغير ويتمحور طبقا للظروف والمعطيات السياسية، وسيظل قائمًا باستمرار، ولن ينتهى إلا عندما تستطيع مصر استرجاع مجد إمبراطوريتها المفقود منذ 3500 عام، ما بين الأمس واليوم ستظل مصر رحم المخاض والقذف لقوة تتوارى وأخرى تولد، والسبب أنها حجر الزاوية الجغرافى لقارات العالم والدرب والطريق للوصول إلى ما يساهم ويساعد الآخرين فى أن يصبحوا أقوياء أو العكس.
والآن تشتد الحرب ما بين نظام عالمى تتمخض عنه الأحداث، ونظام عالمى يتوارى يقاوم تلك الأحداث ويرفض أن يستسلم أو يتراجع إلا بمزيد من وقوع أحداث، وفى وسط ذلك تظل مصر هى الساحة للمبارزة ما بين النظامين، فالنظام الذى يتوارى يحاول تدميرها والنظام القادم يحاول الاستفادة من انضمامها له، وكلمة السر تكمن فى طريق الحرير الصينى والذى أعلنت عن إحيائه الصين منذ عشر سنوات، ذلك الطريق له نقاط ارتكاز جغرافية برى وبحرى، وفى كل ذلك ستكون الدول صاحبة تلك النقاط قوة شاملة كما كان فى القديم، وقناة السويس المصرية وامتداد سواحل البحار المصرية يمثلان أهم مرتكزات طريق الحرير الصينى، ومنه ستكون مصر المركز اللوجستى الأقوى فى العالم.
ومن هنا جاء انضمام مصر إلى مجموعة دول البريكس، ضربة قاسمة وموجعة للنظام العالمى الذى يتوارى بقيادة أمريكا التى اعتبرته تمردا على التبعية التى صنعتها سياسات السادات ومبارك، ومن خلال ذلك حدثت الهيمنة الأمريكية على جميع ثروات وموارد دول المنطقة، ومن تلك اللحظة اشتد المخطط على مصر وتقابلت أهداف الأعداء والأصدقاء التى هى أن تكون مصر ما بين الموت والحياة، وتظل خاملة ساكنة فقيرة مريضة تستجدى المنح والمعونات، لأن قوتها ستعنى امتلاكها القرار السياسى المؤثر فى العالم.
وبما أن طريق الحرير الصينى هو المشروع العالمى القوى القادر على عزل أمريكا فيما وراء البحار، والتحكم فى أوروبا عبر بوابة القرم والبحر الأسود، فجاء سيناريو المخطط على مصر بشكل مختلف، لمحاولة ضرب طريق الحرير وعزل مصر عن أوروبا وآسيا، وذلك ما تم الإعلان عنه على هامش قمة العشرين فى نيودلهى التى انتهت فاعليتها منذ أيام «تطوير ممر جديد للسفن والسكك الحديدية يربط الهند بالشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط» من خلال مذكرة تفاهم اتفق عليها القادة بمن فيهم الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الهندى وولى العهد السعودى الذى أعلن عن المشروع. سيمتد الممر المقترح عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل قبل أن يصل إلى أوروبا، وبصرف النظر عن التفاصيل الفنية أو المالية والزمنية للمشروع، لكن فى الأخير هى رسالة قوية بأن مصر تواجه حربا شرسة وعلينا جميعا التوحد خلف القيادة السياسية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصر قارات العالم طریق الحریر ما بین
إقرأ أيضاً:
حسين خوجلي يكتب: حكاية من دفتر الأزهري
تظل المواقف الصغيرة والكلمات للزعماء واصحاب الرئاسات هي المفاتيح الأساسية للتوثيق لحياتهم وتجاربهم وللاستفادة من أيامهم في الحكم والسيادة، بما فيها من انجازات وأخطاء ومواقف بين بين.
وللأسف أن الذاكرة الصحفية في التأليف والنشر فشلت فشلا ذريعا في توثيق هذه المفاتيح المعرفية عن شخصياتنا العامة، فاختلطت الحقائق بالأكاذيب، وهوى النفس وشحها في تعريف القيادات وتسويقها.
فمن في كل الاجيال التي تعاقبت يعرف السيرة الحقيقية للامام المهدي وللخليفة عبدالله ود تورشين، من منا يعرف السيرة الحقيقية للامام عبد الرحمن والسيد علي الميرغني والزعيم اسماعيل الأزهري والفريق عبود والمحجوب وعبدالله خليل وسر الختم الخليفة وجعفر نميري وسوار الدهب والصادق المهدي والفريق البشير وعبد الخالق محجوب وحسن الترابي وبابكر كرار والشريف حسين الهندي والشريف زين العابدين الهندي ومحمود محمد طه والرشيد الطاهر ومحمد ابراهيم نقد وكبيدة وبابكر النور وحسن حسين وبقية الأسماء التي حكمت أو حاولت أن تحكم السودان، عن سيرتهم الحقيقية أو الوجة الآخر.
إن كل الذي ورثناه عن هؤلاء مجرد تصريحات باردة كانت تردُ في الصحف اليومية والإذاعات ومجالس المديح الحزبي، تلك المجالس التي كان كل همها أن تكذب بصدق.
خطرت لي هذه الخاطرة وقد تركت ورائي كراسة قديمة سجلت فيها الكثير من الاقوال والاحداث الصغيرة والكبيرة للزعماء السودانيين من أفواه من عاصروا هؤلاء الكبار وجالسوهم، ونحن جيل محظوظ فقد شاهدنا أغلب هؤلاء واستمعنا لاصدقائهم واحبابهم ومنتقديهم وأعدائهم، نعم التقيناهم عيانا وكفاحا.
هذه الكراسة الثمينة ما زالت بعيدة، ولكن ما زال في الذاكرة شي من الحضور والالتماع النسبي الذي يضيئ كل ما ذكرنا عن تلك الشخصيات وتلك المواقف ويشحذ الذاكرة ببريقه.
ومن مئات الحكايات تذكرت هذه عن الزعيم الوطني الراحل اسماعيل الأزهري الذي جاء من زنزانته في كوبر إلى مقابر البكري وكانت مساحة الزمن ما بين السجن والمقابر عدة ساعات. وقد كرمني الله وأنا صبي أن اكون في قلب المظاهرة التي ودعت الشهيد الأزهري رافع علم الاستقلال وقد قادتها بجرأة وشجاعة الراحلة الدكتورة سعاد الفاتح متحدية مع الالاف سلطة مايو الماركسية انذاك، والتي فجعتنا في الرجل الكبير مرتين، الأولى بسجنه واغتياله والثانية ببيان محجوب عثمان وزير الاعلام يومها وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، فقد اذاعت ابواقه الخبر بالعبارة الوضيعة الشهيرة (توفي صباح اليوم اسماعيل سيد احمد الأزهري المعلم بالمعارف السودانية)
قال الشاهد إن مجموعة من الاتحاديين المساهمين في الحزب بأموالهم ودعمهم في الدوائر جاءوا يوما للزعيم الأزهري وكان يومها رئيسا لمجلس السيادة ملتمسين منه الغاء أمر عسكري بارسال ابنهم الضابط إلى جنوب السودان ليخوض مع رفاقه معارك الشرف ضد المتمردين. استمع لهم الأزهري في صبرٍ وجلد رغم ما كان يعتصر قلبه من حزن وغضب من الطلب الغريب.
فامسك بمسرة الهاتف واتصل بالسيد وزير الدفاع وهم ينظرون وقال بلهجة ساخرة: ( يا سعادته ما عندكم ياخي ضابط هامل اهله ما حريصين على حياته ومارقنو للربا والتلاف يمشي الجنوب مقاتلا بديلا لضابط من اولاد المصارين البيض؟ واغلق السماعة.
وحدق فيهم في غضب مُلهم دون أن يتفوه بكلمة واحدة. وطالت دقائق الصمت والتحديق بطيئة كأنها دهرٌ، وحينها أدرك الوفد الرسالة فانسحبوا في هدوءٍ ولم يعودوا.
اتمنى من كل قلبي عزيزي القارئ أن تكون هذه الحكاية محفزة لك ومحرضة لكي تجند نفسك من الآن لتجميع هذه الحكايات الصغيرة، فتلك الحكايات هي اللبنات الصلبة التي يمكن أن نبني بها ما تبقى من صرح دولة ٥٦.
حسين خوجلي
إنضم لقناة النيلين على واتساب