كسر السيطرة الأوروبية على كرة القدم
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
جمعت بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر دولا من جميع أنحاء العالم، وشاهد مليار ونصف مليار شخص المباراة النهائية. ولكن في حين تشكل كرة القدم مصدرا محليا للفخر والحماس والهوية الشخصية والمجتمعية على مستوى العالم، فإن المقر الرئيسي للمؤسسة الحاكمة الرسمية لها يقع في أوروبا.
تأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في باريس عام 1904 ومقره الآن في سويسرا، وهو يشرف على الترويج الدولي لكرة القدم وتطويرها، بدءا بتغييرات القواعد وحتى حقوق استضافة البطولات الكبرى.
ويلعب اتحاد رابطات كرة القدم الأوروبية، إلى جانب الدوري الإنجليزي الممتاز، والدوري الألماني، والدوري الإسباني، والدوري الإيطالي، والدوري الفرنسي، أدوارا مهمة في كرة القدم العالمية ويدرّون عائدات كبيرة على الفيفا. وتجتذب الأندية والمنتخبات الوطنية الأوروبية المواهب الكبرى، وتستطيع -من خلال «الدبلوماسية الرياضية»- أن تبرز مصالحها الثقافية والسياسية والاقتصادية للعالم وأن تفرض تأثيرها على الفيفا.
وطالما كانت هذه الهيمنة مثار نقد. فقد نظمت المنتخبات الأفريقية في عام 1966 حملات مقاطعة للاحتجاج على عدم تمثيلها في كأس العالم. بل لقد بات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وجواو هافيلانج، رئيس الفيفا من عام 1974 إلى عام 1998، ينتقدان أحدهما الآخر بشكل متزايد، في حين انتقد سيب بلاتر -خليفة هافيلانج- تأثير الفيفا الأوروبي في عام 2015. وفي الآونة الأخيرة، أصبح هذا النوع من النقد أكثر وضوحا. فخلال بطولة كأس العالم 2022 في قطر، أصدرت الفيفا أمرا للفرق الأوروبية بالتخلي عن خطط لارتداء شارات مؤيدة للمثليين، في حين اشتبكت الفرق التابعة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم مع الفيفا حول سجل قطر في مجال حقوق الإنسان في الفترة السابقة للبطولة. ثم حدث على مدار عام 2023 أن واجهت الهيمنة الأوروبية التقليدية تحديا من التطورات الملحوظة في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
مصالح سعودية
تهدف رؤية 2030 السعودية، المعلنة في عام 2016، إلى تنويع اقتصاد المملكة وجذب الاستثمار الأجنبي. وفي حين أن استضافة ورعاية رياضة السيارات والجولف والملاكمة والبطولات الرياضية الأخرى تشكل جزءا من هذا، فإن كرة القدم تمثل حجر الزاوية في محاولات الرياض لخلق صورة للبلد وترويجها.
في السنوات الأخيرة، اشترت المملكة العربية السعودية -شأن دول خليجية أخرى- فرقا أوروبية كبرى. إذ استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي في عام 2021، وسوف يلعب نادي شيفيلد يونايتد، الذي اشتراه السعوديون في عام 2013، مرة أخرى في الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2023-2024.
وتردد أيضا أن السعوديين تقدموا بعرض بمليارات الدولارات لشراء نادي تشيلسي، في حين تقام بطولات مثل كأس السوبر الإيطالي وكأس السوبر الإسباني بشكل متزايد في المملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، فإن هدف الرياض الرئيسي في الرياضة هو إعلاء مكانة دوري المحترفين السعودي. وبدعم من صندوق الاستثمارات العامة الذي يموله النفط، استثمر السعوديون بكثافة في الدوري السعودي، بما حوله إلى واحد من أبرز بطولات الدوري في العالم.
وقد حقق هذا الاستثمار نتائج بالفعل: فقد حقق فريق الهلال السعودي المركز الثاني في كأس العالم للأندية 2022، وخسر النهائي أمام نادي ريال مدريد الإسباني.
وفي العام الحالي، أدت سلسلة صفقات رفيعة المستوى في الدوري السعودي إلى جذب مواهب كبرى من أوروبا ومن جميع أنحاء العالم. ففي ظل عدم التقيد بقيود الإنفاق المفروضة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، اختطفت الأندية السعودية لاعبين مثل البرتغالي كرستيانو رونالدو، والسنغالي إدوارد ميندي، والإنجليزي جوردان هندرسون، والإسباني جابري فيجا، والنجم البرازيلي نيمار.
في حين يقترب بعض أولئك اللاعبين من نهاية حياتهم المهنية، فإن البعض الآخر في بداياتهم أو بدأوا للتو، كما تمكنت أندية في الدوري السعودي أيضا من جذب مدربين بارزين.
وتستمر جهود قادمة في تعزيز مكانة كرة القدم السعودية، ومن هذه الجهود استضافة كأس العالم للأندية لكرة القدم للرجال في ديسمبر واستكشاف المشاركة في استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030 مع مصر واليونان، مع عرض لتمويل ملاعبهما الجديدة إذا أقيمت ثلاثة أرباع المباريات في السعودية.
جهود أمريكية
وسط هذا الزخم في مشهد كرة القدم العالمي، حققت كيانات أمريكية أيضا نجاحات كبيرة. ففي الدوري الإنجليزي الممتاز، أصبحت الولايات المتحدة تمتلك كليا أو جزئيا ثمانية فرق من أصل عشرين.
غير أن تحدي الولايات المتحدة الرئيسي لهيمنة كرة القدم الأوروبية ينبع من نمو الدوري المحلي، أي الدوري الأمريكي لكرة القدم. فقد شهد هذا الدوري نموا مطردا على مدى عقود من الزمن، بهدف الاستفادة من السوق الأمريكية المحلية الضخمة المحتملة.
وبعد نجاح بطولة كأس العالم لكرة القدم 1994 التي أقيمت في الولايات المتحدة، بدأ الموسم الافتتاحي للدوري الأمريكي لكرة القدم في عام 1996.
تلقى الدوري الأمريكي لكرة القدم دفعة كبيرة في عام 2007 بتوقيع النجم الإنجليزي ديفيد بيكهام لفريق لوس أنجلوس جالاكسي. قدم العقد قاعدة اللاعب المعين، مما مكَّن الفرق من تجاوز الحد الأقصى لراتب بعض اللاعبين، وتضمن بندا يسمح لبيكهام بشراء حقوق توسع الفريق بعد انتهاء عقده الممتد لخمس سنوات.
منذ ذلك الحين، توسع الدوري الأمريكي لكرة القدم من 13 فريقا إلى 29، ويشارك بيكهام الآن في ملكية نادي إنتر ميامي الذي تعاقد مع الأرجنتيني ليونيل ميسي في منتصف عام 2023 قادما من نادي باريس سان جيرمان الفرنسي. يتضمن عقد ميسي حصة من الأسهم في إنتر ميامي، مما يوضح كيف يواصل الدوري الأمريكي لكرة القدم جذب النجوم من خلال منحهم مصلحة خاصة في الدوري.
منذ توقيع ميسي، شهد الدوري الأمريكي لكرة القدم ما يعرف بـ«تأثير ميسي». إذ شهد نادي إنتر ميامي مبيعات قياسية للقمصان ومبيعات تذاكر بمئات الملايين من الدولارات، واكتسب 14 مليون متابع على إنستجرام. اكتسبت خدمة البث المباشر التي تقدمها آبل لمباريات الدوري الأمريكي ما يقرب من 300 ألف مشترك اعتبارا من 7 سبتمبر، ومن المشاهير الذين حضروا مباريات ميامي الأخيرة ليوناردو دي كابريو وليبرون جيمس والأمير هاري. ومن نجوم كرة القدم الآخرين الذين انضموا حديثا إلى ميامي، زميلا ميسي السابقان في برشلونة، سيرجيو بوسكيتس وجوردي ألبا.
وكان من دوافع نمو الدوري الأمريكي لكرة القدم أيضا الزيادة الكبيرة في عدد السكان اللاتينيين منذ إنشائه عام 1996، والاستفادة من شغف أمريكا اللاتينية بهذه الرياضة، فضلا عن نجاح الفريق الوطني الأمريكي للسيدات في السنوات الأخيرة. ولتعزيز العلاقات مع أمريكا اللاتينية، بدأت هذا العام بطولة دوري موسعة جديدة بين الدوري الأمريكي والدوري المكسيكي، مع انتصار إنتر ميامي.
سوف تستضيف الولايات المتحدة بطولة كوبا أمريكا 2024 بالتنسيق مع اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي لكرة القدم (كونكاكاف)، واتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم (كونميبول). وسوف تستضيف الولايات المتحدة والمكسيك وكندا أيضا كأس العالم للرجال 2026.
ويتزايد اهتمام الشباب الأمريكيين بكرة القدم، وفي محاولة لمضاهاة الدوريات الأوروبية لتنمية الشباب، أطلق الدوري الأمريكي في عام 2020 بطولة الدوري الأمريكي القادم (وأطلق السعوديون نسختهم الخاصة هذا العام). ولدى الولايات المتحدة الآن أكبر عدد من اللاعبين الشباب الذين يلعبون كرة القدم بشكل ترفيهي، مع تزايد استعانة الدوريات الأوروبية بمواهب الدوري الأمريكي لكرة القدم.
من الطبيعي أن يحرص الفيفا على الاستفادة من إمكانات النمو في الدوري الأمريكي. فالولايات المتحدة تعد بالفعل أحد أهم مصادر إيرادات الفيفا لكأس العالم، سواء من حيث العلامات التجارية الراعية أو من حيث عدد المواطنين الذين يسافرون لحضور نهائيات كأس العالم.
ولعل الفيفا يتطلع أيضا إلى استرضاء واشنطن. ففي عام 2015، بدأ المسؤولون الأمريكيون سلسلة من الإجراءات القانونية والتحقيقات في فساد الفيفا، وفي عام 2020، اتهمت وزارة العدل الأمريكية الفيفا بقبول رشاوى من قطر وروسيا لتأمين استضافة كأس العالم.
مهمة عسيرة
ومع ذلك، فإن كلا من دوري المحترفين السعودي والدوري الأمريكي يتخلفان عن الدوريات الأوروبية الكبرى من حيث نسبة المشاهدة. فملاعب كرة القدم السعودية والأمريكية بشكل عام أصغر بكثير من نظيراتها الأوروبية، وتفتقر فرقهما أيضا إلى مكانة الفرق الأوروبية الراسخة.
لا تزال رواتب الدوري الأمريكي لكرة القدم أقل من نظيراتها في أوروبا، وبينما تحظى بعض الأندية بنجاح مالي، فإن أكثر من نصف فرق الدوري الأمريكي لكرة القدم لا تزال تخسر المال. ولا تزال الثقافة الرياضية الأمريكية تفضل رياضات أخرى، كما يحظى كل من الدوري الإنجليزي والدوري المكسيكي بنسب مشاهدة أعلى من الدوري الأمريكي في الولايات المتحدة.
لقد أحبطت هيمنة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على الاتحاد الدولي لكرة القدم تحديات سابقة. فقد أطلقت الولايات المتحدة الدوري الدولي لكرة القدم في عام 1960، لكنه تعثر بعد خمس سنوات، وطغت عليه بطولة كأس الانتركونتيننتال التي ضمت أفضل الفرق من أوروبا وأمريكا الجنوبية (وتطورت فيما بعد إلى كأس العالم للأندية). وفي الآونة الأخيرة، عانى الدوري الصيني الممتاز بعد استثمارات ضخمة بدأت في عام 2017.
لكن السخط التاريخي داخل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عاد إلى الظهور أخيرا. وقد أدى الإحباط إلى محاولتين، واحدة في عام 1998 والأخرى في عام 2021، لإنشاء «دوري السوبر» المنفصل عن سيطرة الفيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم. لعب تدفق الأموال من روسيا ودول الخليج والولايات المتحدة إلى الأندية الأوروبية على مدى العقود القليلة الماضية دورا أساسيا في تأجيج استياء الفرق الكبرى من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ولوائح اللعب المالي النظيف.
وأخيرا، تجاهل ألكسندر تشيفرين، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، المخاوف من طفرة إنفاق الدوري السعودي لكرة القدم، ولزم الصمت إلى حد كبير في ما يتعلق بالدوري الأمريكي. ومع ذلك فإن هذه التحديات المتزامنة كانت سببا في تقويض الهيمنة الأوروبية التقليدية على كرة القدم العالمية.
علاوة على ذلك، ثارت الشكوك حول قيام مالكي تشيلسي، تود بوهلي وشركة كليرليك كابيتال الاستثمارية الأمريكية، بتفريغ فريق تشيلسي من لاعبيه لصالح الدوري السعودي بأسعار مبالغ فيها، مما يشير إلى مدى تأثير بعض الشخصيات السعودية والأمريكية حتى في عالم كرة القدم في أوروبا.
قد تبث بطولتا الدوري السعودي والأمريكي حياة جديدة في الفيفا من خلال السماح بتوزيع موارد المنظمة بشكل أكثر توازنا. غير أن التأثير الكبير للأموال السعودية والأمريكية في تعزيز صورتي البلدين يثير مخاوف من أن إضفاء الطابع اللامركزي على كرة القدم العالمية قد لا يؤدي إلا إلى تحويل مصدر القوة المالية من أوروبا إلى فاعلين جدد، بما قد يؤدي إلى ظهور مجموعة مختلفة من التحديات.
لذلك على الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يتعامل مع هذا التحول بحرص، وأن يسعى إلى تحقيق العدالة الحقيقية دون خلق اختلالات جديدة في التوازن.
جون بي روهل صحفي أسترالي أمريكي يعيش في واشنطن، وهو محرر مشارك في مجلة (السياسة الاستراتيجية) ومشارك في العديد من الإصدارات الأخرى المتعلقة بالشؤون الخارجية.
عن آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی لکرة القدم الدوری الأمریکی لکرة القدم الدولی لکرة القدم الولایات المتحدة الدوری الإنجلیزی الدوری السعودی إنتر میامی کأس العالم بطولة کأس کرة القدم فی الدوری فی حین فی عام
إقرأ أيضاً:
الهيبة بطلاً لبطولة “فلسطين قضيتنا الأولى” لكرة القدم بمديرية كشر في حجة
الوحدة نيوز/ أحرز فريق الهيبة كأس بطولة “فلسطين قضيتنا الأولى” لكرة القدم بمديرية كشر في محافظة حجة.
توج الهيبة بالبطولة التي نظمها فرع مكتب الشباب والرياضة بالمديرية بمشاركة ثماني فرق، إثر فوزه في النهائي على فريق الاتحاد من نقطة الجزاء 4 مقابل 3 بعد انتهاء المباراة بالتعادل بهدف لمثله.
وأوضح مدير فرع مكتب الشباب والرياضة بالمديرية فواز رسام أهمية هذه البطولات لتعزيز ارتباط الشباب بالقضية الفلسطينية وصقل مهارات اللاعبين واكتشاف المواهب.
وأشار إلى المستوى الذي ظهرت عليه البطولة والتنافس المحموم بين الفرق المشاركة.
عقب المباراة تم تكريم البطل والوصيف واللاعبين المتميزين.