لجريدة عمان:
2024-11-24@14:45:59 GMT

في ليبيا .. حدث ما لا يمكن تصوره

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظّفـري -

الأسبوع المنصرم، ضربت الجبالَ الخضراءَ في شرق ليبيا أسوأ عاصفة مصحوبةٍ بأمطار غزيرة في الذاكرة الحديثة، مما جعل سدّيْنِ يبلغ عمرهما نصف قرن من الزمن يمتلآن إلى أقصى طاقتهما. قبل الساعة الثالثة من صباح يوم 11 سبتمبر، انهار السد الأول، واندفع سيل جارف من المياه إلى مجرى النهر الذي يشطر مدينة درنة الساحلية إلى نصفين.

توقف السيل لفترة وجيزة عند السد الثاني على بعد ثمانية أميال من مجرى النهر، ثم جرف السيل السد وكل شيء آخر في طريقه، وألقى بالحطام في البحر. بحلول الفجر، كان ثلث المدينة قد اختفى، تاركًا الآلاف في عداد المفقودين، ويقول مسؤولون محليون – في وقت كتابة هذا المقال- إن الحد الأدنى لعدد القتلى قد يكون 10 آلاف على الأقل، وقد يكون ضعف ذلك.

يسمي الكثير من الليبيين ما حدث «تسونامي» وليس فيضانًا، لمحاولة إيصال طبيعة الدمار وقوته إلى مسامع العالم، فسكان درنة البالغ عددهم حوالي 100 ألف نسمة، والذين تقطعت بهم السبل الآن، يحتاجون بشكل فوري إلى المأوى والغذاء والمياه والرعاية الطبية، وإلى جسور مؤقتة لتحل محل تلك التي جرفتها المياه، وإلى مهندسين لإعادة بناء جميع الطرق وإصلاح أجزاء من ميناء المدينة الذي يعمل ولكنه مدمر، وإلى خدمة الهاتف المحمول للوصول إلى أفراد أسرهم وأصدقائهم، ويحتاجون إلى أكياس خاصة بالجثث التي تنتشل من البحر. لقد أصبح الآلاف بلا مأوى، ويخشى المسؤولون من احتمال انفجار سدود أخرى في المنطقة.

سيكون التعامل مع حجم الدمار متعبا وشاقا بالنسبة لأي دولة تتمتع بإدارة جيدة ومجهزة تجهيزاً جيداً للتعامل مع مثل هذه الحالات. أما بالنسبة لليبيا فسوف يكون الأمر مستحيلا، نظرا لعزلة المنطقة التي وقعت فيها الكارثة، ونقص المعدات، وعمق الصراع السياسي في البلاد، فمنذ عام 2014، يعيش الليبيون مع حكومتين متنافستين في صراع على السلطة، وهذا من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى إبطاء جهود الإنقاذ والتعافي في الفترة المقبلة. في الأسبوع الماضي، كان الجيش المصري في طريقه متجها إلى ليبيا ومعه معدات ثقيلة، بالإضافة إلى حاملة طائرات برمائية واحدة على الأقل من إيطاليا، وهي الدولة التي كانت تستعمر ليبيا سابقا. لكن التزام الولايات المتحدة بالتدخل في ليبيا من الناحية الأخلاقية يجب أن يكون أكثر بسبب تاريخها المأساوي في هذا البلد، بالإضافة إلى خبرتها الفنية وعمق مواردها في المنطقة.

سوف يتساءل العديد من الأمريكيين: لماذا ينبغي لنا أن نهتم؟ في عام 2011، قادت الولايات المتحدة الجهود الدولية لإنقاذ مدينة بنغازي من هجوم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وهي خطوة كانت حسنة النية لولا وقوع واشنطن في خطأ اتساع العملية العسكرية. وفي نهاية المطاف، أدى التدخل بقيادة حلف شمال الأطلسي إلى الإطاحة بنظام القذافي، وتركت الولايات المتحدة معظم عمليات إعادة البناء لحلفائها الأوروبيين، وركزت جهودها على تعزيز الديمقراطية بدلا من بناء الدولة، وهو القرار الذي ساهم في هدم المكاسب الديمقراطية المبكرة في ليبيا، بدلا من تعزيزها.

سرعان ما تدهور الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى شن هجوم من قبل تنظيم القاعدة على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي عام 2012. ومع الانفجار السياسي الداخلي الذي أعقب ذلك، انسحبت الولايات المتحدة في البداية من بنغازي ثم من ليبيا كلها. وفي ظل تلك الاضطرابات، نتج انقسام سياسي بين شرق البلاد وغربها، وهو صراع يدفع الليبيون البسطاء ثمنه باهظا منذ ذلك الحين.

لا يحتاج المرء إلى النظر إلى أبعد من مدينة درنة لإثبات تأثير الصراع، فقد اشتهرت درنة في ليبيا بجمالها الطبيعي وشلالاتها ومياهها ذات اللون السماوي، وكانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مركزًا للتعليم والفنون. ولكن بحلول أواخر التسعينيات، أصبحت درنة مركزا نشطا للمعارضة المتطرفة، ولذلك لم يكن أمرا مفاجئًا أن يكون مصدر المجموعة التابعة لتنظيم القاعدة التي شاركت في هجوم بنغازي عام 2012 من مدينة درنة، أو أنه بعد عامين، أنشأت داعش لفترة وجيزة ما أسمته «إمارة إسلامية» في المدينة. منذ ذلك الحين، شعر سكان درنة والشرق الليبي ككل بأنه لا أحد يهتم بشؤونهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية، مثل السدود، التي كان الكثيرون يخشون أنها ستخذلهم وتنهار في يوم من الأيام.

وفي هذا الوقت من الحاجة الماسة، تتيح كارثة مدينة درنة للولايات المتحدة فرصة نادرة للانحياز مرة أخرى، ليس مع أحد الفصائل السياسية الليبية، ولكن مع الشعب الليبي. إنها فرصة لواشنطن للعودة إلى «مثاليتها» المعهودة التي حفزت الولايات المتحدة ذات يوم على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في التدخل الأول في عام 2011 من أجل حماية المدنيين من الأذى.

وفي هذا الصدد، أعلن الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة سترسل دعما عاجلا إلى ليبيا عبر منظمات الإغاثة و«ستنسق مع السلطات الليبية والأمم المتحدة لتقديم دعم إضافي». وأضاف بايدن: «إننا ننضم إلى الشعب الليبي في حزنه على فقدان الكثير من الأرواح».

إن العبارة الثانية للرئيس بايدن هو شعور في محله تماما. ومع ذلك، تشير العبارة الأولى إلى أن إدارة بايدن تفضل إبقاء ليبيا بعيدًا مع كثير من الحذر، نظرًا للتأثير المدوي لفضيحة بنغازي السياسية على السياسة الداخلية الأمريكية.

وفي حين أن بعض المساعدات الدولية في طريقها إلى ليبيا الآن، لا توجد دولة أخرى قادرة حاليًا على تقديم نفس الدرجة من الإغاثة مثل الولايات المتحدة، سواء الآن أو بعد أسبوعين، لأن هناك مخاطر مرتبطة بأي مهمة مساعدات، فعلى سبيل المثال، الجماعات المتطرفة، لا تزال نشطة في المنطقة، إلا أن هذه المخاطر يمكن التعامل معها. إنّ ما يمكن أن تقدمه واشنطن على الفور وخلال الأسابيع المقبلة هو المعرفة الفنية، التي تجسدها مجموعات مثل فيلق المهندسين بالجيش وقوة البناء البحرية (سي بيز)، والمعدات الثقيلة مثل طائرات الإنزال والمروحيات لنقل كميات كبيرة من المساعدات إلى مدينة درنة عن طريق البحر والجو. ربما تكون الولايات المتحدة قد فقدت فرصتها لتكون المستجيب الأول لهذه الكارثة، لكن احتياجات إعادة الإعمار ستستمر لأسابيع وأشهر وحتى سنوات. إنّ المساعدات الأمريكية الكبيرة ستكون موضع ترحيب أيضا من قبل الأطراف السياسية المتحاربة، التي تتعرض الآن لضغوط هائلة من مواطنيها لتوفير المعونات.

إنّ هذا النوع من النهج الاستثنائي لتقديم المساعدات يتوافق مع مفهوم «الدبلوماسية الاستكشافية»، التي أيدها السفير (كريستوفر ستيفنز)، الذي قُتل في بنغازي، وهي فكرة مفادها أن البعثات الدبلوماسية صغيرة العدد ذات الجهود واضحة الأهداف، يمكن أن تحقق نتائج دبلوماسية ضخمة. دفعت هذه الفكرة السفير (ستيفنز) إلى بذل جهد أخير لمحاولة لفت انتباه الحكومة الأمريكية مرة أخرى إلى المدينة قبل سقوطها في أيدي المتطرفين ومقتله.

بعد سنوات من التعامل مع الأزمة في ليبيا باعتبارها مشكلة يجب احتواؤها وإبعادها، لدى الولايات المتحدة فرصة الآن، من خلال هذه الكارثة، لإعادة التعامل مباشرة مع الشعب الليبي، فنحن يتعين علينا أن نحتضن ليبيا، من أجل الليبيين، أولاً وقبل كل شيء، وكذلك من أجل مصالحنا الإقليمية الطويلة والقصيرة الأجل أيضا.

إيثان كورين دبلوماسي أمريكي سابق في ليبيا ومؤلف كتاب (بنغازي! تاريخ جديد من الفشل الذريع الذي دفع أمريكا وعالمها إلى حافة الهاوية).

«خدمة نيويورك تايمز»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة مدینة درنة فی لیبیا

إقرأ أيضاً:

من هي الأردنية مرشحة ترامب لمنصب جراح الولايات المتحدة؟

أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، عن ترشيح الطبيبة الأردنية جانيت نشيوات، لمنصب جراح عام الولايات المتحدة، في خطوة لاقت اهتماماً واسعاً.

ووصف ترامب نشيوات بأنها "مدافعة شرسة" عن الطب الوقائي والصحة العامة، مؤكداً أنها ستكون خياراً مثالياً لهذا المنصب المهم الذي يتيح لصاحبته اتخاذ قرارات حاسمة في مجال الرعاية الصحية.

Excellent pick for Surgeon General @DoctorJanette⁩ ????????In addition to being a kind & thoughtful woman who truly goes beyond, Janette Nesheiwat is a skilled MD & top notch communicator for preventive medicine & public health. We will be a healthier nation as a result. Brava! ???????? pic.twitter.com/NRuBxrVotf

— heather nauert (@HeatherNauert) November 23, 2024 من هي؟

ونشيوات أكاديمية أمريكية ومسؤولة حكومية سابقة، حيث شغلت عدة مناصب بارزة، بما في ذلك مستشارة الأمن الداخلي في إدارة ترامب بين 2020 إلى 2021 كما شغلت منصب نائب مساعد وزير الخارجية في إدارة ريكس تيلرسون. 

وُلدت نشيوات في الولايات المتحدة عام 1975 لعائلة أردنية، وحصلت على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة ستيتسون الأمريكية، ثم درجة الماجستير من جامعة جورج تاون، تلتها درجة الدكتوراه من معهد طوكيو للتكنولوجيا في اليابان.

وكانت نشيوات مساهماً طبياً سابقاً في قناة "فوكس نيوز"، وقال ترامب عن ترشيحها:" أنا فخور جداً بأن أعلن اليوم أن الطبيبة نشيوات، ستكون طبيبة الأمة، جراحة عامة للولايات المتحدة، وتؤمن بتمكين الأفراد من تولي مسؤولية صحتهم ليعيشوا حياة أطول وأكثر صحة".

I am deeply honored and humbled by this nomination to serve as Surgeon General of the United States. Thank you, Mr. President, for your trust. I pledge to work tirelessly to promote health, inspire hope, and serve our nation with dedication and compassion @realDonaldTrump #MAHA pic.twitter.com/anKuzkYNcz

— Dr Janette Nesheiwat (@DoctorJanette) November 23, 2024 عملها

نشيوات حاصلة على البورد المزدوج ولديها سجل حافل في إنقاذ وعلاج آلاف الأرواح، وهي مناصرة قوية في مجال الطب الوقائي والصحة العامة، وملتزمة بضمان حصول الأمريكيين على رعاية صحية ميسورة التكلفة وعالية الجودة في نفس الوقت.

لعبت الطبيبة دوراً بارزاً خلال جائحة كوفيد19، وشاركت في رعاية ضحايا إعصار كاترينا وأعاصير غوبلين، كما عملت ضمن فريق منظمة الإغاثة "سمريتانز بورس" لتقديم الرعاية الصحية في المغرب وهايتي وبولندا.

ومنصب الجراح العام للولايات المتحدة يُعد من أرفع المناصب الطبية في البلاد، حيث يُخول شاغله اتخاذ القرارات بشأن إجازة الأدوية لمواجهة الأوبئة العالمية، ويرتبط مباشرة بالرئيس الأمريكي.

تجدر الإشارة إلى جانيت هي شقيقة جوليا نشيوات زوجة مستشار الأمن القومي لدونالد ترامب مايك والتز، والتي تتمتع بخبرة واسعة في مجال الأمن الداخلي والسياسات الحكومية.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية التركي: بيئة عدم الصراع في ليبيا التي بدأتها تركيا بدأت تؤتي ثمارها
  • من هي الأردنية مرشحة ترامب لمنصب جراح الولايات المتحدة؟
  • كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يبيّن لـCNN
  • زيلينسكي: حرب أوكرانيا يمكن أن تنتهي في 2025
  • عبد المنعم سعيد: تركيزالمرحلة الأولى من حكم ترامب على الولايات المتحدة
  • هذا ما نعرفه عن الصاروخ فرط الصوتي الروسي الذي أطلق لأول مرة على أوكرانيا .. خارق ولا يمكن اعتراضه ويصل أمريكا
  • روته التقى ترامب في الولايات المتحدة
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • كوريا الشمالية: الولايات المتحدة تخلق جواً من المواجهة النووية
  • زعيم كوريا الشمالية يتهم الولايات المتحدة بتأجيج التوتر.. ويحذر من حرب نووية