لجريدة عمان:
2024-12-26@00:40:01 GMT

في ليبيا .. حدث ما لا يمكن تصوره

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظّفـري -

الأسبوع المنصرم، ضربت الجبالَ الخضراءَ في شرق ليبيا أسوأ عاصفة مصحوبةٍ بأمطار غزيرة في الذاكرة الحديثة، مما جعل سدّيْنِ يبلغ عمرهما نصف قرن من الزمن يمتلآن إلى أقصى طاقتهما. قبل الساعة الثالثة من صباح يوم 11 سبتمبر، انهار السد الأول، واندفع سيل جارف من المياه إلى مجرى النهر الذي يشطر مدينة درنة الساحلية إلى نصفين.

توقف السيل لفترة وجيزة عند السد الثاني على بعد ثمانية أميال من مجرى النهر، ثم جرف السيل السد وكل شيء آخر في طريقه، وألقى بالحطام في البحر. بحلول الفجر، كان ثلث المدينة قد اختفى، تاركًا الآلاف في عداد المفقودين، ويقول مسؤولون محليون – في وقت كتابة هذا المقال- إن الحد الأدنى لعدد القتلى قد يكون 10 آلاف على الأقل، وقد يكون ضعف ذلك.

يسمي الكثير من الليبيين ما حدث «تسونامي» وليس فيضانًا، لمحاولة إيصال طبيعة الدمار وقوته إلى مسامع العالم، فسكان درنة البالغ عددهم حوالي 100 ألف نسمة، والذين تقطعت بهم السبل الآن، يحتاجون بشكل فوري إلى المأوى والغذاء والمياه والرعاية الطبية، وإلى جسور مؤقتة لتحل محل تلك التي جرفتها المياه، وإلى مهندسين لإعادة بناء جميع الطرق وإصلاح أجزاء من ميناء المدينة الذي يعمل ولكنه مدمر، وإلى خدمة الهاتف المحمول للوصول إلى أفراد أسرهم وأصدقائهم، ويحتاجون إلى أكياس خاصة بالجثث التي تنتشل من البحر. لقد أصبح الآلاف بلا مأوى، ويخشى المسؤولون من احتمال انفجار سدود أخرى في المنطقة.

سيكون التعامل مع حجم الدمار متعبا وشاقا بالنسبة لأي دولة تتمتع بإدارة جيدة ومجهزة تجهيزاً جيداً للتعامل مع مثل هذه الحالات. أما بالنسبة لليبيا فسوف يكون الأمر مستحيلا، نظرا لعزلة المنطقة التي وقعت فيها الكارثة، ونقص المعدات، وعمق الصراع السياسي في البلاد، فمنذ عام 2014، يعيش الليبيون مع حكومتين متنافستين في صراع على السلطة، وهذا من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى إبطاء جهود الإنقاذ والتعافي في الفترة المقبلة. في الأسبوع الماضي، كان الجيش المصري في طريقه متجها إلى ليبيا ومعه معدات ثقيلة، بالإضافة إلى حاملة طائرات برمائية واحدة على الأقل من إيطاليا، وهي الدولة التي كانت تستعمر ليبيا سابقا. لكن التزام الولايات المتحدة بالتدخل في ليبيا من الناحية الأخلاقية يجب أن يكون أكثر بسبب تاريخها المأساوي في هذا البلد، بالإضافة إلى خبرتها الفنية وعمق مواردها في المنطقة.

سوف يتساءل العديد من الأمريكيين: لماذا ينبغي لنا أن نهتم؟ في عام 2011، قادت الولايات المتحدة الجهود الدولية لإنقاذ مدينة بنغازي من هجوم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وهي خطوة كانت حسنة النية لولا وقوع واشنطن في خطأ اتساع العملية العسكرية. وفي نهاية المطاف، أدى التدخل بقيادة حلف شمال الأطلسي إلى الإطاحة بنظام القذافي، وتركت الولايات المتحدة معظم عمليات إعادة البناء لحلفائها الأوروبيين، وركزت جهودها على تعزيز الديمقراطية بدلا من بناء الدولة، وهو القرار الذي ساهم في هدم المكاسب الديمقراطية المبكرة في ليبيا، بدلا من تعزيزها.

سرعان ما تدهور الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى شن هجوم من قبل تنظيم القاعدة على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي عام 2012. ومع الانفجار السياسي الداخلي الذي أعقب ذلك، انسحبت الولايات المتحدة في البداية من بنغازي ثم من ليبيا كلها. وفي ظل تلك الاضطرابات، نتج انقسام سياسي بين شرق البلاد وغربها، وهو صراع يدفع الليبيون البسطاء ثمنه باهظا منذ ذلك الحين.

لا يحتاج المرء إلى النظر إلى أبعد من مدينة درنة لإثبات تأثير الصراع، فقد اشتهرت درنة في ليبيا بجمالها الطبيعي وشلالاتها ومياهها ذات اللون السماوي، وكانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مركزًا للتعليم والفنون. ولكن بحلول أواخر التسعينيات، أصبحت درنة مركزا نشطا للمعارضة المتطرفة، ولذلك لم يكن أمرا مفاجئًا أن يكون مصدر المجموعة التابعة لتنظيم القاعدة التي شاركت في هجوم بنغازي عام 2012 من مدينة درنة، أو أنه بعد عامين، أنشأت داعش لفترة وجيزة ما أسمته «إمارة إسلامية» في المدينة. منذ ذلك الحين، شعر سكان درنة والشرق الليبي ككل بأنه لا أحد يهتم بشؤونهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية، مثل السدود، التي كان الكثيرون يخشون أنها ستخذلهم وتنهار في يوم من الأيام.

وفي هذا الوقت من الحاجة الماسة، تتيح كارثة مدينة درنة للولايات المتحدة فرصة نادرة للانحياز مرة أخرى، ليس مع أحد الفصائل السياسية الليبية، ولكن مع الشعب الليبي. إنها فرصة لواشنطن للعودة إلى «مثاليتها» المعهودة التي حفزت الولايات المتحدة ذات يوم على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في التدخل الأول في عام 2011 من أجل حماية المدنيين من الأذى.

وفي هذا الصدد، أعلن الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة سترسل دعما عاجلا إلى ليبيا عبر منظمات الإغاثة و«ستنسق مع السلطات الليبية والأمم المتحدة لتقديم دعم إضافي». وأضاف بايدن: «إننا ننضم إلى الشعب الليبي في حزنه على فقدان الكثير من الأرواح».

إن العبارة الثانية للرئيس بايدن هو شعور في محله تماما. ومع ذلك، تشير العبارة الأولى إلى أن إدارة بايدن تفضل إبقاء ليبيا بعيدًا مع كثير من الحذر، نظرًا للتأثير المدوي لفضيحة بنغازي السياسية على السياسة الداخلية الأمريكية.

وفي حين أن بعض المساعدات الدولية في طريقها إلى ليبيا الآن، لا توجد دولة أخرى قادرة حاليًا على تقديم نفس الدرجة من الإغاثة مثل الولايات المتحدة، سواء الآن أو بعد أسبوعين، لأن هناك مخاطر مرتبطة بأي مهمة مساعدات، فعلى سبيل المثال، الجماعات المتطرفة، لا تزال نشطة في المنطقة، إلا أن هذه المخاطر يمكن التعامل معها. إنّ ما يمكن أن تقدمه واشنطن على الفور وخلال الأسابيع المقبلة هو المعرفة الفنية، التي تجسدها مجموعات مثل فيلق المهندسين بالجيش وقوة البناء البحرية (سي بيز)، والمعدات الثقيلة مثل طائرات الإنزال والمروحيات لنقل كميات كبيرة من المساعدات إلى مدينة درنة عن طريق البحر والجو. ربما تكون الولايات المتحدة قد فقدت فرصتها لتكون المستجيب الأول لهذه الكارثة، لكن احتياجات إعادة الإعمار ستستمر لأسابيع وأشهر وحتى سنوات. إنّ المساعدات الأمريكية الكبيرة ستكون موضع ترحيب أيضا من قبل الأطراف السياسية المتحاربة، التي تتعرض الآن لضغوط هائلة من مواطنيها لتوفير المعونات.

إنّ هذا النوع من النهج الاستثنائي لتقديم المساعدات يتوافق مع مفهوم «الدبلوماسية الاستكشافية»، التي أيدها السفير (كريستوفر ستيفنز)، الذي قُتل في بنغازي، وهي فكرة مفادها أن البعثات الدبلوماسية صغيرة العدد ذات الجهود واضحة الأهداف، يمكن أن تحقق نتائج دبلوماسية ضخمة. دفعت هذه الفكرة السفير (ستيفنز) إلى بذل جهد أخير لمحاولة لفت انتباه الحكومة الأمريكية مرة أخرى إلى المدينة قبل سقوطها في أيدي المتطرفين ومقتله.

بعد سنوات من التعامل مع الأزمة في ليبيا باعتبارها مشكلة يجب احتواؤها وإبعادها، لدى الولايات المتحدة فرصة الآن، من خلال هذه الكارثة، لإعادة التعامل مباشرة مع الشعب الليبي، فنحن يتعين علينا أن نحتضن ليبيا، من أجل الليبيين، أولاً وقبل كل شيء، وكذلك من أجل مصالحنا الإقليمية الطويلة والقصيرة الأجل أيضا.

إيثان كورين دبلوماسي أمريكي سابق في ليبيا ومؤلف كتاب (بنغازي! تاريخ جديد من الفشل الذريع الذي دفع أمريكا وعالمها إلى حافة الهاوية).

«خدمة نيويورك تايمز»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة مدینة درنة فی لیبیا

إقرأ أيضاً:

ترامب: من المفيد إبقاء تيك توك في الولايات المتحدة لفترة قصيرة

أشار الرئيس المنتخب دونالد ترامب الأحد إلى أنه يفضل السماح لتيك توك بالاستمرار في العمل في الولايات المتحدة لفترة قصيرة على الأقل، قائلاً إنه تلقى مليارات المشاهدات على منصة التواصل الاجتماعي خلال حملته الرئاسية.
كانت تعليقات ترامب أمام حشد من المؤيدين المحافظين في فينيكس بولاية أريزونا واحدة من أقوى الإشارات حتى الآن على أنه يعارض خروجًا محتملًا لتيك توك من السوق الأمريكية.

أقر مجلس الشيوخ الأمريكي قانونًا في أبريل يلزم الشركة الأم الصينية لتيك توك، بايت دانس، بالتخلي عن التطبيق، مشيرًا إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي.
سعى مالكو تيك توك إلى إلغاء القانون، ووافقت المحكمة العليا الأمريكية على الاستماع إلى القضية. ولكن إذا لم تحكم المحكمة لصالح بايت دانس ولم يحدث أي سحب للاستثمارات، فقد يتم حظر التطبيق فعليًا في الولايات المتحدة في 19 يناير، قبل يوم واحد من تولي ترامب منصبه.
من غير الواضح كيف سيشرع ترامب في التراجع عن أمر سحب الاستثمارات من تيك توك، الذي تم تمريره بأغلبية ساحقة في مجلس الشيوخ.

"أعتقد أننا سنضطر إلى البدء في التفكير لأننا، كما تعلمون، بدأنا في استخدام تيك توك، وحظينا باستجابة رائعة بمليارات المشاهدات، ومليارات ومليارات المشاهدات"، قال ترامب للحشد في AmericaFest، وهو تجمع سنوي تنظمه مجموعة Turning Point المحافظة.
وقال: "لقد أحضروا لي مخططًا، وكان سجلًا، وكان من الجميل جدًا رؤيته، وعندما نظرت إليه، قلت،" ربما يتعين علينا الاحتفاظ بهذا المغفل لفترة قصيرة ".

التقى ترامب بالرئيس التنفيذي لشركة TikTok يوم الاثنين. قال ترامب في مؤتمر صحفي في نفس اليوم إنه كان لديه "نقطة دافئة" لـ TikTok بفضل نجاح حملته على التطبيق.
لقد زعمت وزارة العدل أن السيطرة الصينية على TikTok تشكل تهديدًا مستمرًا للأمن القومي، وهو موقف يدعمه معظم المشرعين الأمريكيين.
تقول TikTok إن وزارة العدل أخطأت في بيان علاقات تطبيق الوسائط الاجتماعية بالصين، بحجة أن محرك توصية المحتوى وبيانات المستخدم مخزنة في الولايات المتحدة على خوادم سحابية تديرها شركة Oracle Corp (ORCL.N)، تفتح علامة تبويب جديدة، في حين يتم اتخاذ قرارات تعديل المحتوى التي تؤثر على المستخدمين الأمريكيين في الولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • رسميا.. الولايات المتحدة تعتمد النسر الأصلع طائرا وطنيا
  • تعطل رحلات طيران في الولايات المتحدة إثر مشكلة تقنية
  • هل يمكن إعفاء الحاصل على الدعم النقدي دون وجه حق من رد المبالغ التي صرفها؟.. الضمان الاجتماعي يوضح
  • مشيرب: النسبة بين الأحرار والعبيد في ليبيا تختلف من مدينة لأخرى
  • موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم
  • “حماد” يثني على جهود صندوق الإعمار خلال افتتاح عدداً من المشاريع الحيوية في مدينة درنة
  • عقيلة صالح: مدينة درنة انتصرت وعجلة الإعمار والتنمية لن تتوقف
  • ترامب: من المفيد إبقاء تيك توك في الولايات المتحدة لفترة قصيرة
  • ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
  • هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟