في ليبيا .. حدث ما لا يمكن تصوره
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظّفـري -
الأسبوع المنصرم، ضربت الجبالَ الخضراءَ في شرق ليبيا أسوأ عاصفة مصحوبةٍ بأمطار غزيرة في الذاكرة الحديثة، مما جعل سدّيْنِ يبلغ عمرهما نصف قرن من الزمن يمتلآن إلى أقصى طاقتهما. قبل الساعة الثالثة من صباح يوم 11 سبتمبر، انهار السد الأول، واندفع سيل جارف من المياه إلى مجرى النهر الذي يشطر مدينة درنة الساحلية إلى نصفين.
يسمي الكثير من الليبيين ما حدث «تسونامي» وليس فيضانًا، لمحاولة إيصال طبيعة الدمار وقوته إلى مسامع العالم، فسكان درنة البالغ عددهم حوالي 100 ألف نسمة، والذين تقطعت بهم السبل الآن، يحتاجون بشكل فوري إلى المأوى والغذاء والمياه والرعاية الطبية، وإلى جسور مؤقتة لتحل محل تلك التي جرفتها المياه، وإلى مهندسين لإعادة بناء جميع الطرق وإصلاح أجزاء من ميناء المدينة الذي يعمل ولكنه مدمر، وإلى خدمة الهاتف المحمول للوصول إلى أفراد أسرهم وأصدقائهم، ويحتاجون إلى أكياس خاصة بالجثث التي تنتشل من البحر. لقد أصبح الآلاف بلا مأوى، ويخشى المسؤولون من احتمال انفجار سدود أخرى في المنطقة.
سيكون التعامل مع حجم الدمار متعبا وشاقا بالنسبة لأي دولة تتمتع بإدارة جيدة ومجهزة تجهيزاً جيداً للتعامل مع مثل هذه الحالات. أما بالنسبة لليبيا فسوف يكون الأمر مستحيلا، نظرا لعزلة المنطقة التي وقعت فيها الكارثة، ونقص المعدات، وعمق الصراع السياسي في البلاد، فمنذ عام 2014، يعيش الليبيون مع حكومتين متنافستين في صراع على السلطة، وهذا من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى إبطاء جهود الإنقاذ والتعافي في الفترة المقبلة. في الأسبوع الماضي، كان الجيش المصري في طريقه متجها إلى ليبيا ومعه معدات ثقيلة، بالإضافة إلى حاملة طائرات برمائية واحدة على الأقل من إيطاليا، وهي الدولة التي كانت تستعمر ليبيا سابقا. لكن التزام الولايات المتحدة بالتدخل في ليبيا من الناحية الأخلاقية يجب أن يكون أكثر بسبب تاريخها المأساوي في هذا البلد، بالإضافة إلى خبرتها الفنية وعمق مواردها في المنطقة.
سوف يتساءل العديد من الأمريكيين: لماذا ينبغي لنا أن نهتم؟ في عام 2011، قادت الولايات المتحدة الجهود الدولية لإنقاذ مدينة بنغازي من هجوم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وهي خطوة كانت حسنة النية لولا وقوع واشنطن في خطأ اتساع العملية العسكرية. وفي نهاية المطاف، أدى التدخل بقيادة حلف شمال الأطلسي إلى الإطاحة بنظام القذافي، وتركت الولايات المتحدة معظم عمليات إعادة البناء لحلفائها الأوروبيين، وركزت جهودها على تعزيز الديمقراطية بدلا من بناء الدولة، وهو القرار الذي ساهم في هدم المكاسب الديمقراطية المبكرة في ليبيا، بدلا من تعزيزها.
سرعان ما تدهور الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى شن هجوم من قبل تنظيم القاعدة على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي عام 2012. ومع الانفجار السياسي الداخلي الذي أعقب ذلك، انسحبت الولايات المتحدة في البداية من بنغازي ثم من ليبيا كلها. وفي ظل تلك الاضطرابات، نتج انقسام سياسي بين شرق البلاد وغربها، وهو صراع يدفع الليبيون البسطاء ثمنه باهظا منذ ذلك الحين.
لا يحتاج المرء إلى النظر إلى أبعد من مدينة درنة لإثبات تأثير الصراع، فقد اشتهرت درنة في ليبيا بجمالها الطبيعي وشلالاتها ومياهها ذات اللون السماوي، وكانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مركزًا للتعليم والفنون. ولكن بحلول أواخر التسعينيات، أصبحت درنة مركزا نشطا للمعارضة المتطرفة، ولذلك لم يكن أمرا مفاجئًا أن يكون مصدر المجموعة التابعة لتنظيم القاعدة التي شاركت في هجوم بنغازي عام 2012 من مدينة درنة، أو أنه بعد عامين، أنشأت داعش لفترة وجيزة ما أسمته «إمارة إسلامية» في المدينة. منذ ذلك الحين، شعر سكان درنة والشرق الليبي ككل بأنه لا أحد يهتم بشؤونهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية، مثل السدود، التي كان الكثيرون يخشون أنها ستخذلهم وتنهار في يوم من الأيام.
وفي هذا الوقت من الحاجة الماسة، تتيح كارثة مدينة درنة للولايات المتحدة فرصة نادرة للانحياز مرة أخرى، ليس مع أحد الفصائل السياسية الليبية، ولكن مع الشعب الليبي. إنها فرصة لواشنطن للعودة إلى «مثاليتها» المعهودة التي حفزت الولايات المتحدة ذات يوم على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في التدخل الأول في عام 2011 من أجل حماية المدنيين من الأذى.
وفي هذا الصدد، أعلن الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة سترسل دعما عاجلا إلى ليبيا عبر منظمات الإغاثة و«ستنسق مع السلطات الليبية والأمم المتحدة لتقديم دعم إضافي». وأضاف بايدن: «إننا ننضم إلى الشعب الليبي في حزنه على فقدان الكثير من الأرواح».
إن العبارة الثانية للرئيس بايدن هو شعور في محله تماما. ومع ذلك، تشير العبارة الأولى إلى أن إدارة بايدن تفضل إبقاء ليبيا بعيدًا مع كثير من الحذر، نظرًا للتأثير المدوي لفضيحة بنغازي السياسية على السياسة الداخلية الأمريكية.
وفي حين أن بعض المساعدات الدولية في طريقها إلى ليبيا الآن، لا توجد دولة أخرى قادرة حاليًا على تقديم نفس الدرجة من الإغاثة مثل الولايات المتحدة، سواء الآن أو بعد أسبوعين، لأن هناك مخاطر مرتبطة بأي مهمة مساعدات، فعلى سبيل المثال، الجماعات المتطرفة، لا تزال نشطة في المنطقة، إلا أن هذه المخاطر يمكن التعامل معها. إنّ ما يمكن أن تقدمه واشنطن على الفور وخلال الأسابيع المقبلة هو المعرفة الفنية، التي تجسدها مجموعات مثل فيلق المهندسين بالجيش وقوة البناء البحرية (سي بيز)، والمعدات الثقيلة مثل طائرات الإنزال والمروحيات لنقل كميات كبيرة من المساعدات إلى مدينة درنة عن طريق البحر والجو. ربما تكون الولايات المتحدة قد فقدت فرصتها لتكون المستجيب الأول لهذه الكارثة، لكن احتياجات إعادة الإعمار ستستمر لأسابيع وأشهر وحتى سنوات. إنّ المساعدات الأمريكية الكبيرة ستكون موضع ترحيب أيضا من قبل الأطراف السياسية المتحاربة، التي تتعرض الآن لضغوط هائلة من مواطنيها لتوفير المعونات.
إنّ هذا النوع من النهج الاستثنائي لتقديم المساعدات يتوافق مع مفهوم «الدبلوماسية الاستكشافية»، التي أيدها السفير (كريستوفر ستيفنز)، الذي قُتل في بنغازي، وهي فكرة مفادها أن البعثات الدبلوماسية صغيرة العدد ذات الجهود واضحة الأهداف، يمكن أن تحقق نتائج دبلوماسية ضخمة. دفعت هذه الفكرة السفير (ستيفنز) إلى بذل جهد أخير لمحاولة لفت انتباه الحكومة الأمريكية مرة أخرى إلى المدينة قبل سقوطها في أيدي المتطرفين ومقتله.
بعد سنوات من التعامل مع الأزمة في ليبيا باعتبارها مشكلة يجب احتواؤها وإبعادها، لدى الولايات المتحدة فرصة الآن، من خلال هذه الكارثة، لإعادة التعامل مباشرة مع الشعب الليبي، فنحن يتعين علينا أن نحتضن ليبيا، من أجل الليبيين، أولاً وقبل كل شيء، وكذلك من أجل مصالحنا الإقليمية الطويلة والقصيرة الأجل أيضا.
إيثان كورين دبلوماسي أمريكي سابق في ليبيا ومؤلف كتاب (بنغازي! تاريخ جديد من الفشل الذريع الذي دفع أمريكا وعالمها إلى حافة الهاوية).
«خدمة نيويورك تايمز»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة مدینة درنة فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
بالتعاون مع ليبيا.. أمريكا تنفّذ عملية عسكرية «غير مسبوقة»
أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، أنها نفّذت “تدريباً فريداً من نوعه”، مشيرة إلى “أن التدريبات جرت بدعم من القيادة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز عملية إعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في ليبيا”.
ولفتت “أفريكوم”، “إلى أن التدريبات جرت في الـ26 من فبراير الماضي، في محيط مدينة سرت”، وأشارت إلى أنها “تضمنت عبور قاذفتين استراتيجيتين من طراز “بي – 52 إتش ستراتوفورتريس” للمجال الجوي الليبي، حيث كانت قادمة من قاعدة باركسديل الجوية في الولايات المتحدة الأمريكية”.
ولفتت إلى أنه تم “تدريب مراقبي الجو الليبيين والأمريكيين على توجيه القاذفات الاستراتيجية لتنفيذ عملية عسكرية مشتركة”.
وأشار بيان “أفريكوم”، إلى “تأكيد الفريق جون برينان، نائب قائد قوات “أفريكوم” التزام واشنطن بمواصلة التعاون مع القوات الليبية لدعم استقرار البلاد ووحدتها وسيادتها”.
وأوضح أن “التدريبات أظهرت احترافية الجيش الليبي، الذي اعتبرته من ضمن الشركاء الدوليين الذين يحظون بالاحترام”.
وأشار البيان إلى أن “القاذفات الأمريكية التي حلقت في أجواء ليبيا قادمة من الأراضي الأمريكية تأتي في إطار التنسيق بين الجانبين لتعزيز قدرة الولايات المتحدة على استعراض القوة على المستوى العالمي وتعاونها من الحلفاء والشركاء”.
وكانت ذكرت السفارة الأمريكية في ليبيا، “أنها نفذت ما أطلقت عليه “نشاطا جوية” في البلاد لتعزيز التعاون العسكري بين شرق البلاد وغربها بهدف إظهار التزام واشنطن تجاه تحقيق الاستقرار في ليبيا”.
“We are committed to continued cooperation with Libyan forces in support of a stable, unified and sovereign Libya,” said Lt. Gen. John Brennan, U.S. Africa Command Deputy Commander.
The B-52s flew from the USA to Libya as a BTF mission coordinated with Libyan counterparts. pic.twitter.com/4LfDdGU5zc