بين شروط السلامة وتقاليد البناء.. المغرب أمام تحديات إعادة الإعمار بعد الزلزال
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
بعد أسبوع على الزلزال المدمر الذي هز المملكة، لا يزال المغاربة يحصون أضرار الكارثة الطبيعية التي ضربت في وقت متأخر من يوم 8 سبتمبر، مناطق واسعة بوسط البلاد، بقوة وصلت إلى 6.8 درجة.
ويجعل عدد القتلى الذي تجاوز 2900 شخصا "زلزال الحوز" الأكثر دموية في البلاد منذ ستة عقود، مع تأكيدات خبراء ورجال إنقاذ شاركوا في جهود البحث عن ناجين أن وَهن المساكن التقليدية المبنية من الطين اللبن والطوب والحجارة، ساهم في مفاقمة الأضرار وخسائر الأرواح.
وخلّف الزلزال المدمر خسائر بشرية ومادية ثقيلة، إذ لم تستطع بيوت وبنايات مجموعة من القرى والبلدات الفقيرة المتناثرة بإقليمي الحوز وتارودانت، الصمود في وجه الضربة الزلزالية القاسية لتستوي مع الأرض.
وبعد أيام قليلة فقط على حدوث الزلزال المدمر، أعلنت السلطات المغربية، وسط الأسبوع، إطلاقها مبادرات فورية لإعادة إعمار المناطق المتضررة، تتم بعد عمليات قبلية للخبرة وأشغال التهيئة وتثبيت الأراضي.
ومع تشييد غالبية بيوت المنطقة من الطوب اللبن والأخشاب، انهارت المباني بسرعة لتتحول قرى بأكملها إلى أكوام حطام وخراب واسع من الطين والأتربة، عقّد عمليات الإنقاذ، وفرص الوصول إلى ناجين تحت الأنقاض.
وأفاد بيان للديوان الملكي، الخميس، بأنه من المقرر تقديم مساعدات مالية مباشرة تقدر بنحو 14 ألف دولار للمساكن التي انهارت بشكل تام، ونحو 8 آلاف دولار لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا.
وطرحت إشارة البيان إلى أن عملية إعادة الإعمار ستتم بـ"إشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة وباحترام الخصائص المعمارية المتفردة" للمنطقة، أسئلة بشأن ما إن كان نمط بناء المنازل بشكلها التقليدي آمنا وقادرا على مقاومة الكوارث الطبيعية المستقبلية المحتملة.
وكذلك تطرح التساؤلات عن السبل المثلى للحفاظ على المعمار المميز لهذه البلدات في مشروعات الإعمار الجديدة، خاصة بعد الانتقادات التي رافقت واقع البنية التحتية بالمنطقة، في أعقاب الزلزال.
تمسك بالبناء التقليديوتعتمد أغلب القرى والبلدات المتناثرة عبر جبال وسفوح الأطلس الكبير الذي هزه الزلزال على تقنيات بناء قديمة، يعود استخدامها لقرون، وغالبا ما تتم عمليات التشييد والتصميم من قبل الأسر التي تمتلك بيوتها دون مساعدة تقنية أو هندسية، وتجري عليها إصلاحات دورية، كلما استدعت الضرورة ذلك.
ويتمسك سكان بلدات بوسط وجنوب المغرب بتقنيات البناء التقليدية تلك لقدرتها على المساعدة بالتحكم في الحرارة في ظروف الطقس الحار في المنطقة صيفا، وأيضا قدرتها على الحماية من برد أعالي الجبال القارس، شتاءً.
وتبقى عزلة هذه القرى التي يصعب الوصول إليها أو إمدادها بمواد البناء الحديثة، إضافة إلى ارتفاع مستويات الفقر بها، عاملين أساسيين آخرين وراء اعتماد السكان على بناء المنازل من مواد محلية الصنع وبطرق تقليدية.
وكشف مقال نشرته مجال ناشيونال جيوغرافيك، هذا العام، أن السكان والمهندسين المحليين بهذه المناطق يفضلون البناء القائم على الطوب الطيني على الخرسانة لأنها "تخلق هياكل أكثر برودة من الخرسانة، وأرخص، وتتطلب طاقة أقل لإنتاجها".
مشهد عام من قرية إمليل بالأطلس الكبير قبل الزلزالوتنال المنازل التقليدية، التي يصل عمر بعضها إلى مئات السنين، أيضا اهتمام وإعجاب زوار المنطقة، حيث تشكل البنايات الطينية التي تتناغم مع الجبال الخضراء لوحة طبيعية خلابة، تستقطب سياحا من مختلف دول العالم، مما يسهم في توفير مورد دخل للآلاف من أبناء هذه المناطق الذين يعيشون من النشاط السياحي.
مزج بين التقليد والسلامةوباشرت هيئات المهندسين تنسيقها مع السكان المحليين ومع عدد من الهيئات والمجالس الأخرى، وأجرت المعاينات والدراسات الميدانية اللازمة لمشروعات إعادة البناء بمختلف المناطق المتضررة من الزلزال.
رئيس المجلس الجهوي للمنطقة الوسطى لهيئة المهندسين المعماريين بالمغرب، كريم السباعي، يوضح أن دور المهندسين المسؤولين عن مشروعات إعادة الإعمار "يتمثل في المزج بين الحفاظ على التراث المعماري للمنطقة والحفاظ على جميع معايير السلامة الخاصة بالبناء".
ويضيف السباعي في تصريح لموقع "الحرة"، أن مباني المنطقة بنيت منذ قرون مضت ورغم أن معظمها لا يخضع لشروط البناء المفروضة في المجالات الحضرية إلا أنها صمدت، وكانت ستصمد لعقود أخرى، لولا الزلزال القوي.
ويبرز المسؤول المعماري المغربي أن مشروعات إعادة الإعمار ستستعمل مواد البناء المحلية وبطرق محلية، ولكن بمعايير سلامة أعلى، تعتمد تقنيات البناء المضادة للزلازل، مؤكدا أن الرهان يبقى تصميم بنايات تتلاءم مع نمط عيش وتقاليد هؤلاء السكان.
ويدافع ناشطون بيئيون ودعاة الحفاظ على تراث المنطقة عن البيئة على تقنيات البناء المحلية، حفاظا على الثقافة الإقليمية والاستفادة من مئات السنين من الخبرة المعمارية المصممة خصيصا للمناخ المحلي والجغرافيا.
غير أنه بالمقابل، يؤكد كولن تايلور، أستاذ هندسة الزلازل المتفرغ بجامعة بريستول، أن "قرار الحكومة الكبير يتمحور أساسا حول التأكد من استخدام قوالب الإنشاءات الحديثة في أي عملية لإعادة البناء"، موضحا أن إعادة البناء بقالب الطوب اللبن هذا ستتسبب في كارثة أخرى خلال 20 أو 30 عاما".
وأضاف في تصريحات نقلتها رويترز "في بلدان مثل المغرب، توجد هذه المشكلة الكبرى المتمثلة في وجود عدد كبير من المنازل، وهو أمر ربما يعود تاريخه إلى مئات الأعوام، وإصلاح كل هذا العدد من المباني أو تقويته أمر شاق على المستوى الفني، وأمر مكلف جدا أيضا".
مشاهد الدمار التي أحدثها الزلزال بقرية مغربيةوأعلن المغرب، الخميس، برنامجا لإعادة الإيواء، يشمل في مرحلة أولية نحو 50 ألف مسكن دمرها الزلزال الذي هز المملكة، إضافة إلى "مبادرات لإعادة الإعمار".
ويشمل البرنامج "مبادرات عاجلة للإيواء المؤقت وخصوصا من خلال صيغ إيواء ملائمة في عين المكان وفي بنيات مقاومة للبرد"، فضلا عن "فضاءات استقبال مهيأة وتتوافر على كل المرافق الضرورية"، بتعليمات من الملك.
ويشير رئيس الهيئة الجهوية للمهندسين أن الهيئة بدأت في "دراسة المنازل المدمرة، التي يمكن استصلاحها"، مشيرا إلى أن بعض القرى دمرت بالكامل، مما يستدعي جهود إعمار شاملة.
ونشرت جريدة "بيان اليوم" المغربية، أن التقديرات المبكرة، أو الأولية، لحجم التكلفة المالية التي على المغرب أن يتحملها لمواجهة الخسائر الناجمة عن الزلزال المدمر تبلغ 60 مليار درهم، تتوزع بين مصاريف استشفاء ومعالجة المصابين وإعادة إعمار المناطق التي تهدمت بها البنايات السكنية والعمومية، وتضررت فيها البنية التحتية بشكل كبير.
ويقدر السباعي أن مشروعات إعادة بناء آلاف المباني بالقرى والبلدات التي ضربها الزلزال قد تتطلب على الأقل "ثلاث سنوات"، مشيرا إلى أن جهود البناء تستلزم عملا متواصلا، وجهودا من كل الأطراف المعنية، موازاة مع عمل المهندسين.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الزلزال المدمر إعادة الإعمار مشروعات إعادة
إقرأ أيضاً:
دولة خليجية مستعدة لإعادة الإعمار في لبنان.. إليكم هذه المعلومة
أكدت مصادر لـ"الجديد" أن ملف إعادة الإعمار لم يُطرح حتى الآن بشكل رسمي أمام الحكومة اللبنانية من أي جهة دبلوماسية. وأوضحت المصادر أن قطر هي الدولة الوحيدة التي أبدت استعدادها للمساعدة، مشيرةً إلى أنها وضعت إمكاناتها أمام الدولة اللبنانية. إلا أن هذا الطرح لا يزال في إطار التصريحات العامة، دون خطوات عملية ملموسة حتى اللحظة. (الجديد)