جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-29@21:57:59 GMT

الحالة النفسية

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

الحالة النفسية

 

ماجد المرهون

majidalmrhoon@gmail.com

 

 

لم نكن نسمع بمصطلح "الحالة النفسية" سابقًا ولا أتحدث هنا عن ماضٍ بعيدٍ جدًا قياسًا مع تسارع دخول الممكنات ذات الفاعلية الفورية على أحوالنا النفسية مؤخرًا مع تعدد وتنوع مصادرها، علمًا بأن التأثير النفسي المباشر على الإنسان ليس حديث عهدٍ ولا هو بالجديد، بل حالة مرتبطة ارتباطًا لصيقًا بحياته وظروفه ولكن تأثيره يزداد في حالة ازدياد تعقيد الحياة وكثرة سُبل الرفاهية بحيث بات المقياس طرديًا للحالتين.

لوحظ أن الأحوال النفسية لدى الشعوب الغربية أكثر هشاشةً من بقية الشعوب وما تخلفه من تبعات كالأمراض النفسية والعصبية والانتحار، وقد تعاظم هذا الأمر مع ازدهار الإمبراطوريات الاستعمارية منذ القرن الخامس عشر الميلادي والتي كانت تنشد فيها سبلًا أكثر رغدًا لشعوبها، والعكس نلاحظه عند الشعوب المُستعمَرة المقهورة، حتى ظهور ما يعرف "بالطب النفسي" عام 1808 على يد الألماني "جون ريل" بعد أن كانت الحالات لديهم قديمًا ذات صلةٍ عقائديةٍ بالأرواح الشريرة وإلزامية إخراجها بطرقٍ شتى من ضمنها ثقب الجمجمة ولا يخلو بعضها من الحماقة والجهل.

بينما كان دور التأثير النفسي على الشعوب المُضطهدة أقل حظًا؛ إذ إنها تعيش تحت وطأة الفقر والجوع والظلم وتحيا بأمل التغيير القادم مع افتراضيات سلبية تنشأ من اليأس وطول الأمد، وكان الأثر المباشر الناجم عن حالات الموت هو أكثر ما يمكن اعتباره تأثيرًا نفسيًا حقيقيًا وفيما عدا ذلك لا يتجاوز الشؤون الحياتية التي اعتاد معظم المجتمع التعايش معها بصفةٍ يومية، ولذلك لا تنشط في تلك المجتمعات حالات الانتحار ولا الأمراض النفسية، باستثناء ما تعارفوا عليه كالحسد والعين والمس، ولها طرقها العلاجية الميسورة عندهم وقد لا يخلو بعضها من الدجل والشعوذة وإيذاء الجسد.

"قهوتي الصباحية، ابدأ يومك بابتسامة، ابتعد عن السلبيين، أنت اليوم أسد"، وغيرها من مُحفزات الذات مما نسمعه ونشاهده في حاضرنا المعاصر من تفاعلات يُعتقد أن لها تأثير إيجابي على الحالة النفسية. ولا أستطيع الجزم إن كانت حقيقية أو أن تأثيرها فعلي ويدوم طويلًا، أم هو نوع مقبول من التضليل للواقع أو هروب عكسي أو تدريب بشري لتمرد النفس على الحقيقة. وقد تنجح مثل هذه الممارسات المؤقتة والمحدودة في إحداث تغيير وهمي طفيف على الحالة النفسية ما يلبث أن يزول بعد عدة دقائق، وإن كان ظاهر المشهد التمثيلي الذي يتعلق بذهن المتلقي يشي باستدامته نظرًا لجمود المحتوى أو قابلية تكراره لكنه لا يحكي الحقيقة الخفية للحالة النفسية إلّا ما ندر، لتعود الحقيقة الظاهرية بعد سويعات وتلقي بظلالها الكثيفة على المشهد الواقعي.

باتت المؤثرات على الحالة النفسية أكثر تعددًا وتنوعًا من الوقوف عليها بالحصر والإحصاء ولكن بالإمكان تعيين أهمها على الأقل، وهي ما تدور في شؤون الأوضاع المالية على مستوى الفرد- والفرد لبِنة المجتمع- وحيله المحدودة في جلب ممكنات الكسب مقابل المساحات الشاسعة للإنفاق والمطلوب منه خوضها والمجبور عليها أحيانًا، كالوفاء بالتزاماته المادية اليومية والشهرية والدورية، وقد يلجأ إلى تقديم سد الحاجة على الضرورة وتأخير بعض الضرورات إلى وقتٍ لاحقٍ غير مسمى لضيق سعة الوفاء بها وأملًا بالتغيير القادم؛ هذا التأخير أو التأجيل يخلق حالة من تراكم الضرورات. ويقابل هذا التراكم المادي للمستحقات تراكم معنوي وضغوط عصبية تؤدي بدورها إلى سوء الحالة النفسية أو عدم استقرارها، وقد لا يختلف الكثير منَّا في وقتنا الراهن وبحسب نتائج الأبحاث العلمية وحديث الخبراء المختصين حول ارتباط أخطر الأمراض العضوية بالقلق والتوتر، كما لا يمكن نكران نتائج العلاج المعنوي.

لا بُدَّ أن يتمتع المجتمع الصحي الذي يخلو أو تقل فيه الأمراض العضوية بنوع جيد من الاستقرار النفسي، وهذا قلّما نجده اليوم؛ حيث تزداد الضغوط النفسية نتيجة التعقيد اللاإرادي لأسلوب المعيشة ونمط الحياة والظروف المادية لدى شريحةٍ كبيرةٍ في مجتمعنا وإن أظهروا عكس ذلك الكبت، في مشاركة حالاتهم وقصصهم عبر مواقع التواصل، أو مظهرهم في اللقاءات العامة، مما يخلق مع مرور الوقت مجتمعًا هزيلًا يُعاني من الأمراض العضوية والتي قد تعضل بإمكانية العلاج أو الإنفاق على علاجها، فضلًا عن الروح السلبية التي ربما تسود لاحقًا وتجعل منه مجتمع سوداوي لا يستشرف المستقبل بنظرة أمل، ويتصدى بالتشكيك والتكذيب لكل ما من شأنه النهوض بالحياة المعيشية للفرد والأسرة، وهو نتاج غير حميد على مستوياتٍ عدة وأهمها الحرص على التعلم واكتساب المهارات وتجويد العمل واتقانه، وقد لاحظنا بعض هذه الأصناف الآن وهي في تزايد.

إنَّ المجتمع الفقير لن يُنتج إبداعًا ومن الصعب تقديم فكرٍ خلاق من مجتمع يرزح معظمه تحت وطأة الديون؛ حيث إن جزءًا كبيرًا من عقل المديون مكبل بها دون أن يشعر، وتتقاطر حوله أوهام الأمراض ويكاد يراها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف تؤثر سجون الاحتلال على الصحة النفسية للأسرى المحررين؟

بعد الإفراج عن الأسير المقدسي أحمد مناصرة، من بيت حنينا بالقدس المحتلة، في العاشر من شهر أبريل/نيسان الجاري، وملاحظة مدى تدهور صحته النفسية بعد سنوات من تشخيصه بمرض "الفصام"، تسلط الجزيرة نت الضوء -من خلال مختصين- على المستويات النفسية التي يخرج بها المحررون من سجون الاحتلال، وما يحتاجونه في كل مستوى من متابعة أو علاج.

فبالإضافة لمناصرة؛ تحرر عدد من الأسرى بوضع نفسي صعب، ولا يمكن التطرق لأسماء هؤلاء بسبب تحفظ ذويهم على ذلك، ولأن المجتمع ينأى عن وضع الأسير في هذه الخانة، ولا يدرك كثيرون مدى خطورة تجاهل التوجه إلى المختصين، مما يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية للأسير في أفضل الأحوال، أو فقدان وجوده بشكل كامل بعد تحرره في أسوأ السيناريوهات، وفق مختصين تحدثوا للجزيرة نت.

الخواجا: أكثر ما دمّر الأسرى نفسيا هو اقتحام زنازينهم وهم نيام والشروع بقمعهم وضربهم مما أَشعرهم بانعدام الأمان (الجزيرة)

الجزيرة نت سألت الطبيب محمد الخواجا، اختصاصي علاج الأمراض النفسية ومشاكل الإدمان، عن الحالة النفسية التي يخرج بها الأسرى بشكل عام، وقال إنهم يتوزعون على أربع مستويات:

القسم الأول: هم أولئك الذين يعانون من أعراض "ذُهانية"، وهؤلاء يتوجهون للعيادة النفسية عند تحررهم عادة، خاصة بعد اندلاع الحرب الأخيرة وتعرض كافة الأسرى للعنف المفرط المتمثل بالضرب والإهانة والتجويع والسهر.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قيادي بالنهضة: تونس تشهد تراجعات خطيرة وعشرات المعارضين يخضعون للاعتقال التعسفيlist 2 of 2تحذير أممي من تداعيات تدفق اللاجئين الكونغوليين إلى بورونديend of list إعلان

"لمستُ من خلال مَن ترددوا على عيادتي أن أكثر ما أثّر عليهم ودمرهم نفسيا هو اقتحام زنازينهم وهم نيام والشروع بقمعهم وضربهم مما أَشعرهم بانعدام الأمان، لأن الأسير وهو في زنزانته يعرف المعاناة وهي واضحة بالنسبة إليه، لكن المشكلة أن قمعهم خلال نومهم أثر عليهم سلبا وأدخلهم في حالة ترقب مستمرة" يقول الخواجا.

ووصف المستوى الأول بالأصعب وهو الذي تحرر به أحمد مناصرة وغيره، وهؤلاء يصِلون للعيادة النفسية بعد معاناتهم من الأعراض "الذُهانية" كالأوهام والخربطات والانفصال عن الواقع، واضطراب الانفصام الذي يجعلهم عرضة للإصابة بمرض "الفصام".

وفي هذا المستوى يشكل المحرر خطرا على نفسه ومحيطه، وتتأثر إنتاجيته وعلاقاته لأنه ينعزل عن الناس تماما ولا يتفاعل معهم، "باختصار نخسره كإنسان وهذا أصعب شيء وهؤلاء يأتون إلينا لأن حياتهم تكون صعبة جدا".

أعراض متشعبة

المستوى الثاني: هم المحررون الذين يعانون من أعراض "الاكتئاب"، كفقدان المتعة في الحياة وانعدام الدافعية، وعدم الرغبة في لقاء الآخرين، وتأثر النوم والتركيز والشهيّة للطعام، وهؤلاء لا يتوجهون للعيادة النفسية عادة رغم أنهم يعانون من "اضطراب ما بعد الصدمة"، ويحلمون عادة بالكوابيس ويشعرون بالخوف والتوجس الكبيرين، وقد يتعرضون لفقدان الذاكرة والانفصال عن الواقع، وهذه أعراض متعبة ومزعجة ويلزمها علاج، وعلى هؤلاء المحررين بالتحديد التوجه للعيادة النفسية لأن "الاكتئاب" مرض يُعالج، ويجب عدم تجاهل أعراضه.

المستوى الثالث: هم الأسرى الذين "يُكابرون"، وينكرون تأثرهم بتجربة السجن رغم وجود أعراض تستوجب زيارة طبيب نفسي. وهنا "يقول هذا الأسير لنفسه أنا رجل ولا أتأثر ويجب أن أقاوم وألّا أشكو لأن الشكوى تظهرني ضعيفا".

وتكون معاناة هذا المستوى من الأسرى خفيّة وفقا للخواجا، فهم يتظاهرون بأنهم يعيشون حياة طبيعية لكنهم من الداخل متعبون، وهذه مخاطرة "لأن الجرح الصغير يكبر ويتفاقم على المدى البعيد إذا لم تتم معالجته والتعامل معه، وتتأثر علاقات المحرر وتصرفاته في المستقبل، وتنشأ مشكلات بينه وبين عائلته أو زوجته.

إعلان

المستوى الرابع:  هم المحررون الذين لم يتأثروا بتجربة السجن القاسية بالفعل، لأن لديهم جَلَدا ومرونة وحصانة نفسية عالية، وموضوع العقيدة والإيمان القوي ساعدهم بدرجة كبيرة داخل الأَسْر، وعند تحررهم خرجوا بمعانٍ كبيرة حمتهم من المعاناة.

عبد النبي: حبس الشخص بين جدران يمنع خلايا الدماغ من التفاعل وهذا يؤثر على الجهاز العصبي بشكل سيئ وسلبي (الجزيرة) تأثير على الدماغ

المعالج والأخصائي الاجتماعي ومدرب تطوير الذات محمود عبد النبي استهلّ حديثه للجزيرة نت بالتطرق إلى تأثير السجن على صحة الإنسان النفسية قائلا إن حبس الشخص بين جدران يمنع خلايا الدماغ من التفاعل والانكشاف للعالم الخارجي، وهذا يؤدي لتغيير في كيمياء الدماغ ويؤثر على الجهاز العصبي بشكل سيئ وسلبي.

وبالتالي تبدأ بعض الأعراض بالظهور على الشخص المسجون كالقلق ونوبات الذعر واضطرابات الشخصية كزيادة العدوانية والانطوائية وعدم الرغبة بالتواصل مع العالم الخارجي، وتتطور أعراض "ما بعد الصدمة" ويعاني الشخص من اضطرابات النوم والكوابيس.

وفي إطار تأثير السجن على الناحية الاجتماعية للأسرى المحررين قال الأخصائي المقدسي إنه إذا لم يكن الشخص يتمتع بحصانة نفسية يبدأ ببناء حواجز بينه وبين المجتمع والأسرة بسبب فقدانه لمهارة الاتصال والتواصل داخل السجن، وتتطور لديه بعض الأعراض كالشك والخوف وعدم الثقة بالمحيط لشعوره بأن الآخرين يريدون إيذاءه.

في يوم الأسير الفلسطيني، 17 أبريل/نيسان، يبلغ عدد أسرى مدينة القدس من حملة الهوية الزرقاء 420 مقدسيا، بينهم 9 محكوم عليهم بالسجن المؤبد مدى الحياة، بالإضافة إلى 66 طفلا دون سن ال18، بالإضافة إلى أسيرة واحدة.
صاحب أعلى حكم هو الطفل محمد الزلباني، والمحكوم بالسجن 18 عاما، يليه… pic.twitter.com/tw4d86e9Sk

— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) April 17, 2025

إعلان التفريغ مهم

وبخصوص الأعراض التي تنذر بالخطر وتستوجب على ذوي الأسير المحرر اصطحابه لأخصائي اجتماعي أو نفسي، لخّصها عبد النبي بممارسة السلوك الخطير كإيذاء النفس أو التهديد بالانتحار أو العزلة الشديدة المتمثلة برفض التواصل مع الآخرين، وظهور بعض الأعراض "الذُهانية" كالهلوسة والأوهام كتهيؤ سماع أصوات وأفكار داخلية تُملي على الشخص القيام بأعمال معينة غير واقعية، بالإضافة لإهمال النظافة الشخصية.

وفي حال إهمال هذه الأعراض تحدث المعالج المقدسي عن الخطورة التي يمكن أن يشكلها المحرر على نفسه ومحيطه قائلا إنها تكمن في تفاقم الاضطرابات النفسية كالقلق والخوف والاكتئاب واتباع السلوك الخطِر والعدوانية تجاه الأسرى أنفسهم داخل السجن أو المجتمع الخارجي بعد التحرر.

وعند سؤاله عن الاضطرابات أو الأمراض التي قد تتسبب بها السجون للأسرى، وكيف يتعامل الأخصائيون معها أجاب أن المحررين الذين يعانون من أعراض "ذُهانية" تستوجب حالتهم زيارة طبيب نفسي ليعالجهم دوائيا، ويترافق هذا العلاج مع جلسات تفريغ مع أخصائي اجتماعي.

أما إن اقتصرت الأعراض عند التحرر على اضطرابات ما "بعد الصدمة" مثل نوبات الذعر والقلق والخوف واضطرابات النوم "فيمكن أن نتعامل معها كأخصائيين من خلال علاجات عدة كالبرمجة اللغوية العصبية أو العلاج السلوكي المعرفي الذي يقوم على تعديل الأفكار السلبية وبناء الثقة واستعادتها من جديد".

ومن المهم أيضا وفقا للأخصائي محمود عبد النبي دعم المحيط كالأسرة عبر التعزيز والاحتواء، ومحاولة دمج المحرر في المجتمع بإشراكه في برامج إعادة التأهيل التعليمية أو التدريبية أو المهاراتية.

وختم حديثه للجزيرة نت بالتطرق إلى أهمية التفريغ للأسير المحرر من خلال الجلسات قائلا إنه من الضروري عدم كبت المشاعر، لأن كبتها يؤدي إلى تخزينها في اللاوعي، وظهور الأعراض من جديد عند أي موقف صغير أو تجربة سلبية، وبالتالي هناك ضرورة لإعادة هيكلة الأفكار وتعديلها ووضعها في إطارها الصحيح، لاستعادة الثقة بالنفس وبنائها مع الآخرين وترميم الحصانة النفسية.

إعلان

مقالات مشابهة

  • يغطي 14 ألف أسرة.. إطلاق مسح صحي لرصد سلوك المجتمع والكشف عن الأمراض
  • هذه هي عصا الاقتصاد السحرية التي أخضعوا بها الشعوب
  • وزيرة الثقافة الكولومبية: القمة الثقافية أبوظبي تعزز التعاون العالمي
  • اجتماع برئاسة وزير الصحة يناقش سير العمل بمستشفى إسناد للطب النفسي
  • دور الأخصائي النفسي في المؤسسات.. ندوة علمية بجامعة بني سويف الأهلية
  • خبيرتان: السرد القصصي لبناء جيل يتمتع بالصلابة النفسية
  • حبس المتهمة بطعن نائب رئيس مدينة السنطة 4 أيام وعرضها على الطب النفسي
  • الأمم المتحدة: الشعوب الأصلية تواجه أزمة المناخ لكن دون دعم
  • كيف تؤثر سجون الاحتلال على الصحة النفسية للأسرى المحررين؟
  • الوهم النفسي