حرب السودان.. عائلتي دفنت جدتي بينما كان الرصاص يتطاير فوق الرؤوس..!
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
مع التصعيد الدراماتيكي في حرب السودان بين الجيش والقوات شبه العسكرية، دفنت عائلتي جدتي البالغة من العمر 84 عاماً بينما كان الرصاص يتطاير فوق الرؤوس في مقبرة في أم درمان الواقعة على الجانب الآخر من نهر النيل من الخرطوم.
كانت جدتي مصابة بمرض السكري وانخفض ضغط دمها، لكننا لم نتمكن من أخذها للعلاج لأن أم درمان، حيث لا يزال الملايين من الناس يعيشون على الرغم من النزوح الجماعي خارج المدينة، لا يوجد بها سوى مستشفى واحد عامل، بينما تعرضت بقية المستشفيات للنهب أو الاختطاف من قبل المقاتلين.
المستشفى يستقبل فقط المرضى الذين أصيبوا في الحرب، وهناك الكثير منهم، حيث ينهمر الرصاص والقنابل والقذائف كل يوم على الأحياء السكنية. ونتيجة لذلك، لم يعد المرضى يتلقون العلاج في مستشفى أم درمان.
ونظراً لعدم تلقي جدتي العلاج المناسب، تدهورت حالتها بسرعة.
أردنا أن ندفنها بجوار جدي الذي توفي عام 2005، لكن تلك المقبرة تقع بالقرب من وحدة الشرطة الاحتياطية المركزية، ولذلك تشهد المنطقة معارك مستمرة، حيث تحاول قوات الدعم السريع شبه العسكرية السيطرة على قاعدة الشرطة.
أخذنا جثمانها إلى مقبرة أخرى في منطقة أكثر سلمية، لكن في ذلك اليوم كانت معارك عنيفة تدور بالقرب من المقبرة.
واضطر الأقارب القلائل الذين ذهبوا لدفنها إلى الاستلقاء على الأرض لتجنب الرصاص، واستغلوا لحظة هادئة لإنزال جدتي في قبرها. استغرق الأمر حوالي ست ساعات لمغادرة المقبرة، حيث كانت المعارك المسلحة شرسة، ولم تهدأ إلا عند غروب الشمس.
بقي معظم أقارب جدتي في منزلها واضطروا هم أيضاً إلى التجمع معاً في الغرف عندما اندلع إطلاق نار كثيف في الحي، واستمر لعدة ساعات.
لكننا كنا محظوظين بدفنها في المقبرة، حيث قام أشخاص آخرون بدفن أحبائهم في منازلهم.
دُفن عازف الكمان خالد السنهوري، على يد شقيقه وجاره، أمام منزله بحي الملازمين بالحي القديم بمدينة أم درمان.
كان في الأربعينيات من عمره، وكان مصاباً بمرض السكري وتوفي بحسب عائلته، لعدم تناوله الطعام لعدة أيام، حيث لم يكن هناك طعام في المنزل وكان الخروج أمراً خطيراً للغاية بسبب القتال العنيف.
وفر معظم الناس من الحي وأغلقت المتاجر أبوابها، وكان من بين القلائل الذين بقوا في الخلف.
وتتأثر أم درمان القديمة، حيث كان يعيش السنهوري، بشدة من الصراع، حيث يتقاتل الجيش وقوات الدعم السريع باستمرار من أجل السيطرة على الجسور التي تؤدي إلى مدينة الخرطوم ومدينة بحري.
وتشهد المنطقة غارات جوية متكررة وقصفاً عنيفاً أسفر عن مقتل العشرات، وتحولت العديد من المنازل والشركات إلى أنقاض.
كانت جدتي تعيش في حي في أم درمان كان من بين الأقل تضرراً قبل أسابيع قليلة، وكانت تربطها علاقات قوية مع سكان الحي.
وإلى أن بدأت صحتها تتدهور منذ حوالي 10 سنوات، كان المئات من الفتيات والفتيان الصغار يتزاحمون في منزلها كل يوم جمعة، عندما كانت تقدم لهم الهدايا. وجاء هؤلاء الأطفال إلى المسجد المقابل لمنزلها لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليها، قبل نقلها إلى المقبرة.
لكن في الأسابيع الثلاثة التي تلت دفنها، فر الكثير منهم لأن الحي تعرض لقصف مكثف من الجيش أثناء محاولته صد مقاتلي قوات الدعم السريع، الذين يسيطرون على جزء كبير من الخرطوم الكبرى.
والدتي أيضاً كانت قريبة من الموت، وبينما كانت تسير إلى السوق لشراء بعض الخضروات، وقعت غارة على مسافة ليست بعيدة عنها، وهو ما تسبب في انفجار ضخم أوقعها على الأرض على الفور.
من الواضح أن يوم 24 أغسطس/آب وهو اليوم الذي دُفنت فيه جدتي، كان بمثابة نقطة تحول في الحرب. كان هذا هو اليوم الذي انتهى فيه حصار قوات الدعم السريع لقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وتمكن من مغادرة المقر العسكري بالخرطوم بعد أن حوصر فيه منذ بدء الحرب في 15 إبريل/نيسان.
وقال إن عملية قامت بها قواته أنهت الحصار، على الرغم من أن بعض السودانيين يشتبهون في أن وسطاء أجانب توسطوا في اتفاق “تحت الطاولة” يسمح بانسحاب قوات الدعم السريع.
ومنذ ذلك الحين، استقر الفريق البرهان في مدينة بورتسودان، وسافر كثيراً إلى الخارج لحشد الدعم للحرب ضد قوات الدعم السريع.
وتستمر المحادثات بين الأطراف المتحاربة في المملكة العربية السعودية، لكن الجنرال البرهان لم يذهب إلى هناك بعد.
ويشير خطابه، مثل خطاب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، إلى أنهم يعتبرون بعضهم البعض خونة، وأنهم يعتزمون القتال حتى النهاية بدلاً من التفاوض على اتفاق سلام.
مكان وجود الجنرال دقلو غير واضح، لكن يعتقد أنه لا يزال في الخرطوم.
قام الاثنان بانقلاب معاً في أكتوبر 2021، لكنهما انخرطا بعد ذلك في صراع على السلطة أدى إلى حمل رجالهما السلاح ضد بعضهما البعض.
ليس هناك شك في أن الجيش كثف عملياته ضد قوات الدعم السريع منذ انتهاء حصار الجنرال البرهان، وقد أدى ذلك إلى زيادة في الخسائر في صفوف المدنيين.
وقالت امرأة قبل أن تفر من أم درمان في الأيام القليلة الماضية: “تفتح بوابة منزلك ولا ترى سوى الناس يحملون الجثث على أكتافهم، إنه أمر مخيف للغاية”.
وفي ليلة 29 أغسطس/آب، قُتل 10 رجال كانوا يشاهدون كرة القدم على شاشة كبيرة في مركز ترفيهي في أم درمان بعد أن قصفته القوات الحكومية. ويبدو أنهم أخطأوا هدفهم، وهو مطعم مجاور يذهب إليه مقاتلو قوات الدعم السريع في بعض الأحيان لتناول العشاء، لكن في ذلك المساء لم يكن أي منهم في المطعم.
وبعد أيام قليلة، قصف الجيش منطقة فقيرة في أم درمان تعرف باسم أمبدة 21. ومرة أخرى، بدا أن الهدف هو مقاتلي قوات الدعم السريع المتمركزين هناك، لكنهم غادروا بحلول وقت سقوط القذائف، مما تسبب في مقتل حوالي 25 مدنياً.
وفيما يُعتقد أنه أكبر عدد من القتلى المدنيين في غارة جوية حتى الآن، توفي أكثر من 50 شخصاً عندما تم استهداف سوق في مايو/أيار.
ومع فرار العديد من سكان الخرطوم من الطبقة المتوسطة في وقت مبكر من الصراع، فإن معظم الضحايا هم من السود الفقراء، الذين يشعرون بأنهم تم نسيانهم إلى حد كبير من قبل عالم منشغل بالحرب في أوكرانيا، والكوارث الطبيعية في شمال أفريقيا والصراعات المسلحة، والانقلابات الدائرة في أجزاء أخرى من القارة.
ومع ذلك، فإن تلك الانقلابات كانت غير دموية، في حين يموت الآلاف من الناس في الخرطوم الكبرى، وفي أماكن أخرى من السودان.
بي بي سي عربي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی أم درمان
إقرأ أيضاً:
مقتل 7 مدنيين في قصف للدعم السريع على مخيم نازحين بالفاشر
الفاشر– أفادت مصادر محلية بمقتل 7 مدنيين وجرح 47 آخرين مساء السبت، نتيجة قصف مدفعي مكثف شنته قوات الدعم السريع على سوق مخيم أبو شوك للنازحين شمالي مدينة الفاشر، غرب السودان.
وشهدت المدينة خلال يومي الجمعة والسبت تبادلا للقصف المدفعي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما اضطر عشرات المواطنين، معظمهم من الأطفال والنساء، للفرار من منازلهم إلى أماكن أكثر أمانا.
وقال مدير عام الصحة بشمال دارفور الدكتور إبراهيم خاطر، للجزيرة نت، إن وزارته سجلت 7 شهداء مدنيين و47 جريحا نتيجة القصف الذي استهدف سوق المخيم مساء السبت، مشيرا إلى أن جميع الضحايا من النساء، وأكد أن المستشفى السعودي الوحيد الذي لا يزال يعمل في المدينة يواصل تقديم خدماته بكفاءة عالية، مع حرصه على دعم السكان المحتاجين.
وقالت قيادة الفرقة السادسة مشاة بالجيش السوداني، في منشور على صفحتها بفيسبوك، إن قوات "الدعم السريع قصفت سوق الخضار في المخيم بثلاث قذائف هاوزر".
وأوضحت أنها "أحصت 15 قتيلا وعشرات الجرحى، مؤكدة بلهجة ساخرة "أن مليشيا التمرد لم تستهدف القوات المسلحة أو القوات المشتركة أو المستنفرين (قوات مساندة) أو المقاومة الشعبية، بل كانت تسعى لتحقيق الديمقراطية على حساب أرواح المواطنين العزل من خلال قصف الأسواق وموارد المياه في المدينة".
وفي السياق، وجّه قائد الفرقة السادسة مشاة في الفاشر اللواء محمد أحمد الخضر رسالة عبر فيديو نُشر على صفحة القيادة، دعا فيها قادة الدعم السريع في المدينة إلى وضع السلاح والانضمام إلى صفوف القوات المسلحة قبل فوات الأوان، وأكد على ضرورة الالتزام بمناشدات الحكماء وقادة الإدارة الأهلية، محذرا من الانجرار وراء "الفتن التي يثيرها قادتهم في الخارج".
ويعيش الآلاف من النازحين في مخيم أبو شوك، شمالي مدينة الفاشر، حالة من الخوف المستمر بعد أن تعرضت أسواقهم ومنازلهم لقصف مدفعي مميت من قِبل قوات الدعم السريع.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه هؤلاء النازحون أوضاعا إنسانية صعبة للغاية، في ظل غياب المنظمات والهيئات الدولية التي تقدم المساعدات الغذائية والخدمات الصحية والمياه الصالحة للشرب.
قلق متزايدووفق مصادر محلية، تواصل قوات الدعم السريع استهداف منازل المدنيين في وسط مدينة الفاشر باستخدام المدفعية الثقيلة، حيث تركز قصفها على بعض الأحياء الجنوبية والغربية.
واليوم الأحد، شُوهدت طائرة حربية للجيش السوداني تحلّق في سماء المدينة، في حين عزز الجيش وحلفاؤه دفاعاتهم في الأحياء الشرقية تحسبا لأي هجوم محتمل.
وفي حديثه للجزيرة نت، عبّر سليمان الطاهر، أحد سكان حي الرديف بمدينة الفاشر، عن قلقه الكبير على أرواح المدنيين العزل في ظل تصاعد القتال والقصف، وقال للجزيرة نت "لا نريد رؤية المزيد من الأبرياء يسقطون ضحايا لهذه المواجهات".
وناشد جميع الأطراف لوقف إطلاق النار فورا، والعمل على إيجاد حل سياسي ينهي هذا النزاع الدامي الذي أصبحت تكلفته باهظة على المدنيين.
وقالت المواطنة أفراح آدم، من مخيم أبو شوك للجزيرة نت، "نعيش في أجواء من الخوف والقلق. الأطفال لا يعرفون ما يحدث، ونعاني من نقص في الغذاء والمياه. نريد أن نعيش بسلام، ونطالب الجميع بإنهاء الحرب".