أوليفييه دوزون يكتب: زلزال المغرب.. الكارثة تكشف: «العلاقات مع فرنسا ليست جيدة ولا ودية»!
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
ضرب زلزال قوى المغرب فى ٨ سبتمبر ٢٠٢٣ ويُعرف بالفعل بأنه «الزلزال الأكثر عنفًا» منذ قرن فى البلاد، كما تسبب هذا الزلزال فى انهيار جزء من سور مراكش التاريخى وخلف الزلزال ٢١٢٢ قتيلا و٢٥٠٠ جريح، بحسب آخر تقرير نشرته وزارة الداخلية فى ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣.
تم تسجيل الزلزال عند الساعة ١١:١١ مساء بالتوقيت المحلى.
عندما نفكر فى الأمر، فإننا نرى أنه على مساحة ٧٠٠ هكتار من المدينة القديمة كانت الأضرار كبيرة فى بعض الأماكن. إن أسوار القرن الثانى عشر التى تحيط بالمدينة والتى أسستها سلالة المرابطين حوالى عام ١٠٧٠، قد أصبحت مشوهة بصورة جزئية.
ويقول إيريك فالت، المدير الإقليمى لمكتب اليونسكو للمغرب العربى: «من الواضح أن المنطقة الأكثر تضررًا هى حى الملاح (الحى اليهودى السابق) حيث كان تدمير المنازل القديمة هو الأكبر والأكثر ضررا». فهناك، تحولت المنازل المكونة من طابق واحد ذات الحجارة التى تتحول إلى اللون الوردى تحت أشعة الشمس إلى فناء. وقد تم وضع قضبان حديدية أو دعامات مؤقتة أخرى لدعم الجدران المتصدعة.
ثم يعلق فالت قائلًا: «وبعد تلك الكارثة فإن أهم شيء هو الحفاظ على حياة البشر. ولكن يجب علينا أيضًا أن نخطط على الفور للمرحلة الثانية والتى ستشمل إعادة بناء المدارس والممتلكات الثقافية المتضررة من الزلزال».
وفى هذا السياق، فإن المساعدات الدولية الضرورية للشعب المغربى، قد تكون صعبة فى ظل الخلافات والتوترات التى لا تزال قائمة بين دول المنطقة ومملكة الشريف وفيما يتعلق بالدولة العبرية، فإن التطبيع بين المغرب وإسرائيل منذ توقيع اتفاقات أبراهام عام ٢٠٢٠، يثير قلق الجزائر بشكل كبير، حيث قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بإعطاء أوامره لكل الأجهزة الحكومية بتقديم كل المساعدات اللازمة للشعب المغربى بما فى ذلك تجهيز فريق مساعدات لإرساله فى المنطقة.
ولم تتأخر الجزائر عن الرباط.. ألم تقدم المساعدة لجارتها معلنة قرارها بإعادة فتح مجالها الجوى أمام طائرات نقل المساعدات الإنسانية والجرحى؟ وخلافًا لكل التوقعات، ألم تصف منافستها الإقليمية بالدولة «الشقيقة"؟
أما الرباط وباريس، فقد تدهورت العلاقات بينهما فى ظل فضيحة التنصت على الرئيس إيمانويل ماكرون، ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك: فإن عدم احترام السلطات المغربية لاتفاقيات إعادة الأجانب ذوى الأوضاع غير الشرعية إلى الحدود، إلى جانب المواقف بشأن وضع الصحراء الغربية، كل ذلك لا يسهم فى التهدئة بين العاصمتين.
فى الواقع، تطالب مملكة الأشراف بهذه المنطقة، بينما فى الوقت نفسه، تقدم الجزائر، مثلها مثل باريس، دعمًا صريحًا للمستقلين فى جبهة البوليساريو كما سنشير بسهولة إلى أن مدريد، التى دعمت جبهة البوليساريو لفترة طويلة، قد وقفت فى النهاية إلى جانب المغرب. وبعد موافقة الرباط، أرسلت إسبانيا أولى فرق الإنقاذ.
وإذا كانت المغرب قد قبلت المساعدات المقدمة من أربع دول، بما فى ذلك إسبانيا وبريطانيا فى المقام الأول، بالإضافة إلى قطر والإمارات العربية المتحدة، فإن الرباط لم تقبل حتى الآن المساعدات الفرنسية. هكذا كانت كاثرين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية، التى تعرف كيف تستخدم البلاغة بشكل لا مثيل له، فنراها تحول ذلك الرفض إلى مصدر للتفاؤل. قد أشارت قائلة: «نبقى تحت تصرف المغرب على المدى القصير والمتوسط». وأضافت: «إذا لم تقبل الرباط المساعدة الفرنسية، فهى أيضا لم ترفضها». ثم قالت: «تحدث إيمانويل ماكرون مع ملك المغرب».
على أية حال، فقد خصصت وزارة الخارجية الفرنسية مبلغ ٥ ملايين يورو من الأموال الاحتياطية للوزارة للمنظمات غير الحكومية ومن الآن فصاعدًا، فإننا نؤكد بسهولة، مثلما ذكر جورج مالبرونو، الصحفى والمتخصص فى شئون الشرق الأوسط، بأنه «باتفاقات إبراهام، فقد حصل المغرب على اعتراف من الولايات المتحدة فى عهد دونالد ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. ووافقت إسبانيا على ذلك. وهكذا نجد أننا الأعضاء الدائمون المهمون الوحيدون فى مجلس الأمن الذين لديهم موقف مختلف».
وفى نفس السياق، يواصل الصحفى على حسابه على منصة أكس (تويتر سابقا) لوصف العلاقات بين المغرب وفرنسا: «إنه لأمر محزن، تلك العلاقات السيئة بين الرباط وباريس. فمنذ عهد فاليرى جيسكار ديستان، كانت لدينا علاقة فريدة من نوعها مع المغرب. كيف يمكن لإيمانويل ماكرون أن يعتقد أنه سينجح؟ إن محمد السادس غاضب للغاية من إيمانويل ماكرون، لدرجة أنه يفكر فى استبدال التدريس باللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية مع بداية العام الدراسى.
وللعلم، فقد أكد رئيس الجمهورية، فى مارس ٢٠٢٣، أن علاقاته مع محمد السادس كانت «ودية».. أما الرباط فلم تتأخر فى الرد: فقد تحدثت السلطات المغربية عن علاقات «ليست جيدة ولا ودية» مع فرنسا.. وهذا ما كشفه اليوم الزلزال العنيف الذى ضرب إقليم الحوز جنوب غرب مراكش.
معلوامت عن الكاتب:
أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول فى مقاله، ما كشف عنه زلزال المغرب من تدهور فى العلاقات بين باريس ومراكش.
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب: تشريح زلزال التحولات الكونية في عالم متعدد الأقطاب
في عالم يتشكل من جديد تحت وطأة التحولات الجيوسياسية الكبرى، يبرز التقرير الإستراتيجي العربي لعام 2024 الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كأداة تحليلية فريدة. هذا التقرير الذي حمل عنوان "2024: شهادة على زلزال التحولات الكونية" ليس مجرد وثيقة بحثية، بل هو تشريح دقيق لنظام عالمي ينهار وآخر يولد على أنقاضه.
يقدم التقرير رؤية متكاملة للتحولات التي تهز أركان النظام الدولي، من صعود آسيا كقوة اقتصادية وسياسية إلى تراجع النموذج الليبرالي الغربي، مع تركيز خاص على تداعيات هذه التحولات على المنطقة العربية ومصر كفاعل إقليمي رئيسي.
صعود الشرق وترنح الغربيكشف التقرير عن تحول جوهري في موازين القوى العالمية، حيث لم يعد الصعود الآسيوي مجرد انتقال للثقل الاقتصادي، بل تحولاً في مفهوم القوة ذاته. فالصين، التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لم تكتف بهذا الإنجاز الاقتصادي، بل قرنت ذلك بتطوير قوتها العسكرية وسعيها لحسم النزاعات الإقليمية لصالحها، كما هو الحال في بحر الصين الجنوبي . هذا التحول يشكل تحدياً مباشراً للهيمنة الأمريكية، حيث بدأت واشنطن تنظر إلى التحركات الصينية على أنها محاولة للهيمنة على شرق آسيا وإضعاف النفوذ الأمريكي هناك .
أزمة النموذج الليبرالي الغربييوثق التقرير أزمة عميقة يعيشها الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، حيث تتعارض الإرادة الشعبية مع آلة الهيمنة التقليدية. فبينما يعيد ترامب إنتاج الشعبوية كرد فعل على غياب المشروع الاستراتيجي الموحد، تستمر المؤسسات العميقة في الحفاظ على سياسات الهيمنة التقليدية. هذه المفارقة تذكرنا بمراحل انهيار الإمبراطوريات الكبرى، حيث تبدأ بالانهيار من الداخل قبل أن تظهر علامات الضعف للعالم الخارجي .
يرصد التقرير حالة الجمود التي تعيشها الأزمات العربية، حيث فشلت الحلول السياسية وجهود الأمم المتحدة في تحقيق تقدم ملموس، بينما استمرت التفاعلات العسكرية دون حسم واضح. هذا الجمود يعزى إلى كثرة التدخلات الخارجية التي تتبع كل منها أجندة خاصة لا تتوافق بالضرورة مع حل الأزمات . في سوريا مثلاً، استمر الصراع في منطقتي إدلب وشرق الفرات كتجسيد للمصالح المتضاربة للقوى الدولية والإقليمية .
يخصص التقرير حيزاً كبيراً لتحليل دور مصر في هذه البيئة الإقليمية المضطربة. فمصر لم تعد مجرد دولة عادية، بل تحولت إلى "معمل تجارب لتوازنات مستحيلة" – قاطرة أمنية تتحرك على سكك الاقتصاد الهش، تحاول الحفاظ على الاستقرار الإقليمي بينما تعيد تعريف دورها في عالم لم يعد الغرب يهيمن على مفاهيمه وقيمه .
يكشف التقرير عن تناقض صارخ في نظام العدالة الدولية، حيث تحولت محكمة الجنايات الدولية إلى ساحة للصراع الجيوسياسي بدلاً من أن تكون منصة للعدالة. فبينما تدان إسرائيل لفظياً بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، تمارس الولايات المتحدة وصايتها الفعلية على القانون الدولي، مما يكشف زيف أسطورة "المجتمع الدولي" التي أخفت لعقود هيمنة القوة على الحق .
ما يميز التقرير الاستراتيجي العربي هو منهجيته الفريدة التي تجمع بين عمق المؤرخ وحدس المحلل الاستراتيجي. فالبيانات الجافة تتحول إلى سرديات حية، والأرقام تقرأ كرموز ثقافية، والخرائط تفسر كلوحات لفناني الكوارث الجيوسياسية. هذه العبقرية التحليلية تجعل من التقرير ليس مجرد تحليل للأحداث الجارية، بل أداة لفهم التحولات العميقة التي تشكل عالمنا .
يتركنا التقرير أمام سؤال وجودي: هل نحن أمام نهاية النظام العالمي الحالي أم ولادة نظام جديد من الفوضى المنظمة؟ الإجابة التي يلمح إليها التقرير تشير إلى أننا قد نكون على أعتاب عصر جديد من "حرب الجميع ضد الجميع"، لكن هذه المرة بأسلحة حديثة مثل البيانات والتحالفات السائلة والهويات المائعة .
في النهاية، يثبت مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية برئاسة الدكتور أيمن عبد الوهاب ، من خلال هذا التقرير- الذي يرأس تحريره الدكتور معتز سلامه، ومدير التحرير الدكتور حازم محفوظ- أنه ليس مجرد مركز أبحاث، بل حارس للأسئلة الكبرى في زمن يحاول الكثيرون فيه تسويق الإجابات الجاهزة. التقرير ليس مجرد تحليل للعام 2024، بل هو دليل تشغيل لعالم فقد دليله، ومحاولة جادة لفك طلاسم مرحلة انتقالية معقدة، حيث تموت العقائد السياسية القديمة قبل أن تكتمل ولادة البدائل .