يعد انخفاض معدل الخصوبة البشرى على المستوى العالمى ظاهرة رئيسية لبقاء البشرية على مدى حوالى عشرة أجيال وبالتالى فإن الأمر ليس ببعيد، خاصةً وعواقب هذا الانخفاض فى معدل الخصوبة سوف يتم الشعور بها بسرعة كبيرة مع استمرار شيخوخة السكان، حتى وإن كانت هناك دول تشكو من زيادة معدلات الخصوبة والانفجار السكانى بها، إلا أنها تظل دولًا قليلة التى تعانى من الزيادة السكانية.


إذن ماذا يحدث؟
يعبر تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان عن ذلك بوضوح فى تقريره لخطة العمل الاستراتيجى ٢٠٢٣ الذى يحمل عنوان: «المشكلة فى القليل جدًا»
بحسب التقرير؛ «على الصعيد العالمى، وصلت الخصوبة من متوسط ٥ ولادات لكل امرأة فى عام ١٩٥٠ إلى ٢.٣ مولود لكل امرأة عام ٢٠٢١، مما يعكس السيطرة المتزايدة على النسل والتحكم بشكل أكبر على الحياة الإنجابية للنساء، ومن المتوقع أن تنخفض الخصوبة الإجمالية إلى ٢.١ مولود لكل امرأة بحلول ٢٠٥٠».
وبالفعل هناك عدة عناصر مرتبطة بهذا الملف:
- الموعد (التقريبي) هو عام ٢٠٥٠ للوصول إلى العتبة التى لن يتجدد عندها السكان البشريون بما يكفى للحفاظ على أنفسهم، ومع ذلك، فإنه سيستمر فى الزيادة لبعض الوقت، بفضل التقدم الطبى الذى سيبقى القطاعات الأكبر سنا من السكان على قيد الحياة، ولكن الانخفاض المستمر فى الخصوبة سيؤدى فى نهاية المطاف إلى انخفاض عدد السكان من البشر.
- التفسير لهذه الظاهرة: تزايد سيطرة الأفراد - وخاصة النساء - على حياتهم الإنجابية! وفى الحقيقة لم نتمكن من التعبير عن هذا العنصر بشكل أفضل خاصة أنه ببساطة يحدث أن النساء يقررن إنجاب عدد أقل من الأطفال، ويحدث كل شيء كما لو أن كل واحدة منهن قد قررت، على مستواها الخاص، حل مشكلة الزيادة السكانية والتلوث، عن طريق الحد من خصوبتها!.. متى اتخذت المرأة هذا القرار؟ عمليًا منذ عام ١٩٦٠، وبالنسبة لإرادتهن دائما، إلا أن هذه الإرادة تواجه مقاومة تنهار تدريجيا.
منذ عام ١٩٦٠: لم يكن اختراع حبوب منع الحمل عام ١٩٥٦ نتيجة صدفة علمية بحتة، بل حفزته الحركة النسوية التى شجعت البحث وضمنت نجاحه، وهكذا، هناك عاملان يعزز كل منهما الآخر لتقليل معدل الولادات، والرغبة فى تحرير المرأة وتعزيز الإمكانية الجسدية للحصول على هذه العناصر.
وتم طرح حبوب منع الحمل فى السوق الأمريكية فى عام ١٩٦٠ وفى فرنسا فى عام ١٩٦٧، بعد قانون نيوورث.. لقد حقق ذلك نجاحًا فوريًا، مما يعنى أنه استجاب بقوة للتوقعات: بحلول عام ١٩٦٥، بعد خمس سنوات من طرحه فى السوق، اعتمده أكثر من ربع النساء الأمريكيات تحت سن ٤٥ عامًا، مما أدى إلى انخفاض بنسبة ٢٠٪ فى معدل الخصوبة مقارنة بعام ١٩٥٥!
ولم يتم إنكار نجاح حبوب منع الحمل منذ ذلك الحين، حتى لو كان تطور الأمراض المنقولة جنسيًا، وخاصة الإيدز فى منتصف الثمانينيات، قد ساهم فى تطوير وسائل أخرى لمنع الحمل، إلا أن مبدأ الفصل بين الحياة الجنسية والإنجاب قد تم تطبيقه بالفعل؛ لأن التحول العميق فى علاقة المرأة بالحياة الجنسية يفسر الاعتماد الفورى لحبوب منع الحمل، وفقا للفكرة الثورية القائلة بأن الحياة الجنسية المتحررة من الخوف من الحمل من شأنها أن تحرر المرأة.
والسؤال الذى يطرح نفسه هو: حررها من ماذا؟ من ضرورة إنجاب الأطفال والعناية بهم وإطعامهم وتعليمهم، وإذا لم يكن هناك ما يمنعها من الرغبة فى الأطفال، فلا شيء الآن يجبرها على إجراء ولادة واحدة أو أكثر وعندما نحاول معرفة عدد الأطفال الذين ترغب النساء فى إنجابهن، بعيدًا عن أى قيد خارجى، رجل، أسرة، مجتمع، ثقافة، دين، يقولون بشكل عام اثنان أو أقل، ونادرًا ثلاثة أو أكثر، وهذا على المستوى العالمى.
كل هذا التطور هو جزء من حركة فردية فى المجتمع، والتى وفقًا لها لا يهم حقًا إلا الرضا الفردى أو المتعة، أما الباقى، أى أن متطلبات الأسرة وجميع المجموعات المحيطة بالفرد ليست سوى قيود، سواء تم قبولها أو رفضها.
وبطبيعة الحال، تنتصر هذه الفردية بشكل أو بآخر، اعتمادًا على المجتمع؛ ولكن حتى لو كانت هناك فى بعض الأحيان مجتمعات تصل فيها سيطرة المرأة إلى حد أنها لا تزال لديها أكثر من ستة أطفال، فمن النادر أن يكون ذلك بمحض إرادتها. ولذلك فمن الثابت أنه كلما زادت الفردية تأكيدًا لنفسها فيما يتعلق بالمجتمع الذى يستمر فى فرض إرادته على الفرد، تغلبت إرادتها على رغبات المجتمع. ومع ذلك، فالحقيقة هى أنه عندما تمارس المرأة هذه الإرادة بشكل فردى، فإنها، فى المتوسط، لا يكون لديها ما يكفى من الأطفال لضمان الحفاظ على السكان.
هل من الممكن إقناع المرأة بإنجاب العدد اللازم من الأطفال للحفاظ على عدد سكان مرضى للمجتمع؟
وهذا ما تحاول سنغافورة محاولته دون جدوى، حيث يعد معدل الخصوبة من أدنى المعدلات فى العالم رغم الجهود التى تبذلها السلطات لمحاربة هذا الاتجاه. 
مرة أخرى فى ٥ أكتوبر ٢٠٢٠، أعلن هينج سوى كيت، نائب رئيس وزراء سنغافورة، عن مكافأة ولادة جديدة، فى حين أن النظام المعمول به حاليًا فى سنغافورة يسمح بالفعل للآباء المؤهلين بالاستفادة من مكافأة قدرها ١٠٠٠٠ دولار سنغافورى (٦٢٦٨ يورو). ورغم أنه من السابق لأوانه بطبيعة الحال الحكم على نتائج هذه المكافأة الجديدة، فمن الواضح أن كل المؤشرات الديموغرافية تظل فى تراجع واضح فى سنغافورة، كما هى الحال فى كوريا والصين واليابان؛ لذلك يبدو أن شيئًا عميقًا قد تغير فى آلية تكاثر السكان البشريين، ويجب علينا اتخاذ إجراءات فى الوقت الحالى، بينما ننتظر أن يبدأ نمو فى معدل الخصوبة فى الارتفاع مرة أخرى أو وضع حلول بديلة موضع التنفيذ.. لكن على مدى العقود المقبلة، لا نستطيع أن نتجنب تقييم العواقب المترتبة على انخفاض معدلات الخصوبة لأنها أصبحت على أعتابنا، وخاصة على أعتاب أوروبا.
 

 معلومات عن الكاتب: 
أندريه بوير.. أستاذ جامعى مهتم بقضايا التنمية البشرية والصحة العامة يطرح فى مقاله المشكلة التى تؤرق معظم المجتمعات الأوروبية وبعض بلدان آسيا.. والتى تتعلق بالخوف من «شيخوخة السكان» فى ظل انخفاض معدلات المواليد.. وهى مشكلة تختلف بالطبع عما نعانيه هنا فى مصر.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: شيخوخة السكان الإنفجار السكاني معدل الخصوبة انخفاض معدل منع الحمل

إقرأ أيضاً:

لأول مرة.. دراسة ترصد التغيرات التي تطرأ على دماغ المرأة أثناء الحمل

يتسبب الحمل في تغييرات كبيرة تطرأ على جسد المرأة منها ما يتعلق بالهرمونات والقلب والأوعية الدموية والتنفس والهضم والإخراج، لكن دراسة جديدة كشفت أيضا أن الدماغ يتعرض لتغيرات كبيرة منها العابر ومنها ما يستمر لفترات.

وقال باحثون الاثنين إنهم تمكنوا لأول مرة من رسم خريطة للتغيرات التي تطرأ عندما يعيد الدماغ تنظيم نفسه استجابة للحمل، استنادا إلى 26 عملية مسح خلال فترة كبيرة بداية من ثلاثة أسابيع قبل الحمل ومرورا بشهور الحمل التسعة وحتى العامين التاليين للولادة.

ووثقت الدراسة انخفاضا واسع النطاق في حجم المادة الرمادية المعروفة باسم قشرة الدماغ، وهي قشرة متجعدة تشكل الطبقة الخارجية من الدماغ، فضلا عن زيادة في سلامة البنية الدقيقة للمادة البيضاء الداخلية في المخ. وتزامن التغيران مع ارتفاع مستويات هرموني الاستراديول والبروجسترون.

وتتكون المادة الرمادية من أجسام الخلايا العصبية في الدماغ، بينما تتكون المادة البيضاء من حزم من المحاور -‭ ‬الألياف الطويلة والرفيعة- للخلايا العصبية التي تنقل الإشارات لمسافات طويلة عبر الدماغ.

واستندت الدراسة، وهي الأولى من نوعها، إلى حالة واحدة هي إليزابيث كراستيل، خبيرة علم الأعصاب الإدراكية بجامعة كاليفورنيا في مدينة إرفاين والتي شاركت في إعداد الدراسة.

وكراستيل أم لأول مرة أنجبت طفلا سليما عمره الآن أربعة أعوام ونصف العام، وكانت تبلغ من العمر 38 عاما عندما خضعت للدراسة، وعمرها الآن 43 عاما.

وقال معدو الدراسة إنهم منذ استكمالها لاحظوا النمط نفسه لدى العديد من النساء الحوامل الأخريات اللاتي خضعن لفحوص الدماغ في إطار مبادرة بحثية مستمرة تسمى مشروع الدماغ الأمومي. ويهدفون إلى زيادة عدد الحالات التي يشملها المشروع إلى مئات.

وقالت كراستيل "أمر صادم أننا في عام 2024 ولا نملك معلومات تذكر عما يحدث في المخ في أثناء الحمل. هذه الدراسة (البحثية) تفتح الباب أمام أسئلة أكثر مما تجيب عليها، ونحن لا نزال في بداية الطريق للإجابة على هذه الأسئلة".

وأظهرت الفحوص انكماشا بلغ أربعة في المئة في المتوسط للمادة الرمادية في نحو 80 في المئة من مناطق الدماغ التي تمت دراستها. ولم يؤدِ الارتداد الطفيف بعد الولادة إلى عودة حجم القشرة إلى مستويات ما قبل الحمل.

وأظهرت الفحوص زيادة بنحو 10 في المئة في سلامة البنية الدقيقة للمادة البيضاء، وهي مقياس لصحة وجودة الاتصال بين مناطق الدماغ، وبلغت ذروتها في أواخر الثلث الثاني من الحمل وأوائل الثلث الثالث ثم عادت بعد الولادة إلى حالتها قبل الحمل.

وقالت إيميلي جاكوبس، خبيرة علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، كبيرة معدي الدراسة المنشورة في مجلة نيتشر نيورو ساينس، "يخضع دماغ الأم لتغيير خاص بفترة الحمل، وأخيرا أصبحنا قادرين على مراقبة العملية في الوقت الفعلي".

وأضافت "التقطت دراسات سابقة صورا للدماغ قبل وبعد الحمل. لكننا لم نراقب قط الدماغ في خضم هذا التحول".

وقال الباحثون إنه ليس من الواضح ما إذا كان فقدان المادة الرمادية أمرا سيئا.

وقالت لورا بريتشيت باحثة الدراسات العليا في جامعة بنسلفانيا والمشاركة في إعداد الدراسة "من الممكن أن يكون هذا التغيير إشارة إلى ضبط دقيق لدوائر المخ، وهو أمر ليس بعيدا عما يحدث لجميع الشباب في أثناء الانتقال إلى مرحلة البلوغ عندما تصبح أدمغتهم أكثر تخصصا. قد تكون بعض التغيرات التي لاحظناها أيضا استجابة للمطالب الفسيولوجية الكبيرة للحمل نفسه، مما يُظهر مدى قدرة الدماغ على التكيف".

ويأمل الباحثون في أن يتمكنوا في المستقبل من دراسة مدى إمكانية أن يساعد الاختلاف في هذه التغيرات في التنبؤ بظواهر مثل اكتئاب ما بعد الولادة وكيف يمكن أن يؤثر تسمم الحمل، وهو حالة خطيرة من ارتفاع ضغط الدم قد تتطور في أثناء الحمل، على الدماغ.

وقالت كراستيل إنها لم تكن على علم في أثناء الدراسة بالبيانات التي تظهر التغيرات في دماغها، ولم تشعر بأي اختلاف.

وأضافت، في إشارة إلى الغموض العقلي الذي تعاني منه بعض النساء الحوامل "يتحدث بعض الناس عن 'دماغ الأم' وأشياء من هذا القبيل... ولم أمر بأي شيء من هذا حقا".

مقالات مشابهة

  • عادل حمودة يكتب: متي يتصور الكاتب الشيخوخة وكيف يتعايش معها؟
  • اكتشاف تغيرات في دماغ المرأة لها علاقة بالحمل
  • علماء أعصاب يكتشفون تغيرات في دماغ المرأة لها علاقة بالحمل
  • ماذا يحدث لدماغ المرأة الحامل؟
  • العلماء يكتشفون تغيرات في دماغ المرأة لها علاقة بالحمل
  • كيف تتغير أدمغة النساء أثناء الحمل؟ العلماء يقدمون الإجابة
  • نائب رئيس الوزراء: انخفاض معدل الإنجاب إلى 2.5% لأول مرة في التاريخ
  • الأولى من نوعها..دراسة تكشف التغيرات بدماغ المرأة خلال الحمل
  • دراسة جديدة تكشف تأثير الحمل والولادة على الدماغ
  • لأول مرة.. دراسة ترصد التغيرات التي تطرأ على دماغ المرأة أثناء الحمل