«لقد كان رجلًا موهوبًا، مصيره مؤلم».. هكذا عرّف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى ٢٤ أغسطس ٢٠٢٣، يفجينى بريجوجين عندما تذكره.. بعد شهرين بالضبط من زحفه إلى موسكو أخذت القصة الإنسانية ليفجينى بريجوجين نهاية مأساوية.. لقد اختفت الشخصية الروسية شبه الأسطورية، والتى دخلت التاريخ لمحاولتها «غير التقليدية» للوصول إلى السلطة فى روسيا، فى ٢٣ أغسطس الماضى.


نهاية حقبة فى روسيا؟
تذكر قصة المغامر الروسى بريجوجين، فى بعض النواحى، بشخصية فيلم ستانلى كوبريك الشهير: بارى ليندون، الذى يحكى قصة الصعود الاجتماعى لرجل أعمال إنجليزى من القرن الثامن عشر جاء من وسط شعبى متواضع للغاية وغامر ببناء شخصيته حيث كان يعتبر «ظلا حقيقيا» لبوتين وسلطته وتجاربه السياسية المبكرة التى يواصل تنفيذها حتى وقت قريب. لقد تم تكوينه فى الواقع بالتعاون مع المافيا الروسية الناشئة (الثمانينيات والتسعينيات) وكان رئيسها الفعلى وزعيمها فى سان بطرسبرج.. إنه رجل بألف وجه، انتقل بسهولة من المطاعم إلى المؤسسات العسكرية والسياسية، حتى أنه أحرق نفسه، مثل بروميثيوس أو إيكاروس الحديث (شخصيات من الأساطير اليونانية) من خلال تحدى القيصر الحاكم فى الكرملين، والسفر إلى موسكو.. هذا التحدى غير المسبوق، الذى لا يمكن العثور على معادل له إلا فى العصور الوسطى الروسية البعيدة، فى زمن إمارة كييف، انتهى بانتصار آخر لبوتين، الذى يبرز الآن باعتباره إيفان الرهيب المعاصر (القيصر إيفان) الملقب بالرهيب لشراسته فى عصر النهضة). وبالتالى فإن نهاية بريجوجين أعادت التأكيد على السلطة الوطنية المركزية الروسية ووضعت بوتين على مسار الاستمرار وحتى التغلب على سيادة حكم ستالين غير المقسم، والذى ظل فى مكانه لمدة ٣١ عامًا، مع العلم أن بوتين فى طليعة السلطة منذ عام ١٩٩٩، ولمدة ٢٤ عاما.
شهر أغسطس.. «شهر الإنجازات» بالنسبة لموسكو 
قبل سنوات عديدة، فى روسيا، فى ١٩ أغسطس ١٩٩١، فى منتصف العطلة الصيفية وفى هدوء واضح للهدنة السياسية، كانت هناك محاولة انقلاب ضد ميخائيل جورباتشوف، الزعيم السوفيتى الشهير ومؤلف كتابى البيريسترويكا والجلاسنوست. وقد وصف المؤرخون فيما بعد محاولة الانقلاب عام ١٩٩١ باسم «انقلاب أغسطس». ومن بين المتآمرين فى الانقلاب الفاشل، الذى نظمه جينادى جاناييف فى ذلك الوقت، الجنرال سوروفيخين الذى أطيح به مؤخرًا من قبل المؤسسة الروسية. والجدير بالذكر أن محاولة الانقلاب التى قام بها بريجوجين حدثت خلال فصل الصيف، فى ٢٤ يونيو، إلا أنه يبدو أن تصفية الحسابات فى موسكو ستكون أيضا خلال شهور الصيف.
دعونا نضيف تفصيلة أخرى مهمة حول الوضع الذى كان سائدًا فى موسكو فى أغسطس ٢٠٢٣: بعد أشهر من التكهنات حول مصير الجنرال الانقلابى الذى تحدثنا عنه، سوروفيخين، الوحيد الذى تحدث لصالح بريجوجين فى يونيو.. وبسبب ذلك فى ٢٢ أغسطس، فإن هذا الجنرال - الذى شارك فى محاولة الانقلاب عام ١٩٩١ - تم استبداله فجأة حيث أعلنت وكالة ريا نوفوستى، أن فيكتور أزفالوف رئيس أركان قوات الطيران الروسية تسلم منصبه الجديد كقائد لشركات الطيران الروسية.. كان ينبغى لهذه الأخبار أن تبدو وكأنها دعوة للاستيقاظ لهذا القائد العسكرى الروسى، لكن بريجوجين فضل العودة إلى موسكو على الرغم من المخاطر، وهذه المرة بالطائرة وبالتالى التضحية بحكم الأمر الواقع بنفسه من أجل قضيته «الثورية» التى زعزعت الاستقرار وأحدثت ثورة ضد «الوضع الراهن البوتيني».
بعض المصادفات المهمة
يُكتب التاريخ عن بعد، حتى لو حدث ذلك فى الحياة اليومية: فالحادث أو الهجوم الذى قضى على بريجوجين وموظفى ميليشيا فاجنر التابعة له، حدث بشكل موضوعى فى ظل وجود مصادفات كبيرة:
١- ٢٣ أغسطس، يوم الوفاة المأساوية لرجل الأعمال الروسى بريجوجين، هو يوم العلم الروسى الوطنى فى روسيا: صدفة غريبة لزعيم ميليشيا اتهمه رئيس الكرملين بالخيانة.
٢- تقع مدينة تفير (كوزنكينو) على بعد حوالى ٣٠٠ كيلومتر شمال غرب موسكو، وتم إيقاف مسيرة فاجنر إلى موسكو على بعد ٣٠٠ كيلومتر جنوب غرب موسكو، وكأنها للتأكيد على رسالة من القوة الروسية تؤكد أن: «بريجوجين لا يعتبر رجل يوليوس قيصر الجديد ولا يستطيع عبور «الروبيكون» لغزو موسكو». دعونا نتذكر هنا أنه قبل ٢٠٠٠ عام فى روما القديمة، أصبح الجنرال الرومانى يوليوس قيصر ديكتاتورًا رومانيًا وحقق تقدما عسكريا نحو روما بعد عبور حدود الـ «روبيكون» الممنوعة. وفى الواقع، لم يكن خطأ بريجوجين القاتل الحقيقى هو هزيمة موسكو بالسلاح، حتى لو كان صحيحًا أنه لا يمكن لأى زعيم أن يصبح نابليون أو يوليوس قيصر، وذلك على الرغم من محاولته حتى النهاية تنفيذ خطته الانقلابية المفترضة، بهذه الطريقة. وفى عام ١٩٩١، كان من الممكن أن يصطدم بالجيش الروسى، وربما لا يعد فعالًا فى أوكرانيا، لكنه قوى بما يكفى للسيطرة بشكل صحيح على ملف الدفاع عن موسكو عسكريًا.
٣- رمز مدينة تفير هو التاج الموضوع على الطاولة.. مرة أخرى تقريبًا وكأن ذلك يعد إشارة إلى أن السلطة كانت فى متناول بريجوجين لكنه لن يتمكن من تحقيقها أبدًا.
٤- كانت مدينة تفير تسمى كالينين خلال الحقبة السوفيتية، تكريما للرئيس الروسى الذى يحمل نفس الاسم، والذى يعتبره المؤرخون ظلًا لستالين وذا وزن سياسى قليل. حتى عام ١٩٩٠، كانت المدينة تحمل نفس اسم كالينينجراد، الجيب الروسى فى أوروبا الشرقية والذى كان، ممر سووالكى، موضوع التحدى الأوروبى الأخير لعائلة فاجنر، وهو التسلل إلى بولندا وكما قال الرئيس البولندى دودا إنه يخشى توغل ميليشيا فاجنر فى بولندا المتمركزة فى بيلاروسيا على الحدود.
٥- كان يوم ٢٣ أغسطس أيضًا يوم انعقاد قمة مجموعة البريكس، فى جنوب أفريقيا، وهى القمة التى لم تتمكن روسيا من تقديمها للعالم بانقسامات داخلية قوية - حقيقية أو مفترضة - ولا بقوة مركزية ضعيفة وغير مؤكدة.
وبالتالى فإن نهاية بريجوجين أصبحت مفيدة للغاية فى هذا اليوم من أجل تأكيد صلابة القوة الروسية، سواء على المستوى الوطنى أو على مستوى العلاقات الدولية والعالمية. وهكذا أصبحت النهاية العنيفة لزعيم ميليشيا فاجنر (التى لا يتحمل أعضاؤها مسئولية «سوء السلوك الخطير»، والذين تم دمجهم فى الحرس الوطنى والجيش منذ نهاية أغسطس ٢٠٢٣) «بطاقة اتصال» للقوة الروسية.. لقد كانت قمة جوهانسبرج بمثابة توقيع دموى على «خيانة» افتراضية، والتى كانت فى واقع الأمر لعبة قوة أو لعبة «حيل» قام بها شخص من حاشية بوتين ولا ينبغى أن تمر دون عقاب.
٦- من المفارقات أن بريجوجين أصبح بطلًا قوميًا عن غير قصد، سواء فى الكفاح ضد بوتين أو ضد الاستبداد فى روسيا ثم الكفاح ضد الاستعمار الغربى الجديد فى أفريقيا: حتى فى رسالته الأخيرة بالفيديو من مالى، وهى دولة ما بعد الاستعمار ذات أبعاد جيوسياسية فرنسية قوية. أطلق بريجوجين «نداء إلى جميع الشعوب والدول الأفريقية»، قبل أيام فقط من قمة البريكس فى جنوب أفريقيا، وحث الأفارقة على الوقوف إلى جانب فاجنر وروسيا العظمى الجديدة، ضد الغربيين ومن أجل حرية أفريقيا.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد واجه زعيم عائلة فاجنر فى صدفة قاتلة - نفس مصير إنريكو ماتى، الرئيس الإيطالى البطل لشركة إينى، الذى تم القضاء عليه بهجوم على طائرته فى ٢٧ أكتوبر ١٩٦٢، وربما وقعت هذه الحادثة آنذاك بالتنسيق بين أجهزة المخابرات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية، بما يخدم المصالح المشتركة لشركات النفط الإنجليزية والفرنسية والأنجلو أمريكية التى «سُرقت» منها فرص وموارد السوق فى أفريقيا، وذلك لأن هذه الشركة عرضت على تلك البلدان المنتجة للبترول ومشتقاته - وخاصة الأفريقية منها - سياسة تحقيق المكاسب للطرفين المتعاقدين فى إطار الاتفاقيات التجارية. 
أعداء آخرون غير بوتين؟
ربما كان لدى بريجوزين أعداء آخرون، إلى جانب الكرملين والأوكرانيين: فقد وضع يديه بالفعل على رواسب اليورانيوم الفرنسية فى النيجر وغيرها من الموارد التى تطمع فيها الدول الغربية، وبالتالى أدار عددًا كبيرًا جدًا من التبادلات ومناجم الماس والذهب والنفط، التى كانت تسيطر عليها بشكل متزايد. ويحميها رجال ميليشيات مجموعة فاجنر. وربما باقتراحه طرد «المستغلين» الغربيين من أفريقيا، فقد تعارض ذلك مع مصالح عالمية أكبر وأشرس من مصالح منافسيه فى روسيا.. وكما يحدث دائما فى مثل هذه الحالات، طغت قضايا المصالح الدولية السياسية والعسكرية والمالية بعيدا عن القوة الناشئة لفاجنر فى أفريقيا.. وأخيرا، كان بريجوجين يقاتل ضد الجهاديين فى أفريقيا: ليس هناك شك فى أن القادة الاقتصاديين والماليين للجماعات الأصولية والجهادية قد فتحوا الشمبانيا (ربما كانوا يتناولونها فى السر) فى الخليج العربى الفارسى احتفالا باختفائه.
عواقب نهاية بريجوجين


فى الوقت الذى يفكر العالم فى مصير ميليشيا فاجنر العالمية يظهر لنا ثلاثة بدائل حقيقية:
١- التكامل التام وإعادة التطبيع غير المحتملة داخل الجيش الروسى وفى الحرس الوطنى (وهو ما بدأ بالفعل جزئيًا بالنسبة للعناصر الأقل «خطورة» على الكرملين من فاجنر).
٢- تحول عائلة فاجنر إلى المعادل الغربى للجهاديين، أى إلى كتلة من الإرهابيين المرتزقة العالميين، الذين يتم إعادة تدويرهم لخدمة المافيا والقوى المالية المستمدة، وليس بالضرورة الروسية علاوة على ذلك، لأنه فى بعض الأحيان حتى الأوروبيين أو الأفارقة.
٣- ثورة جديدة لقادة فاجنر فى بيلاروسيا أو روسيا، الذين سيحاولون الإطاحة بعقيدة السلطة المطلقة لبوتين.
ومن الواضح أنه فى أفريقيا، ومن بين العواقب المترتبة على تشتت مجموعة فاجنر، سيكون هناك حتما تقدم جديد فى حرب العصابات الإسلامية، مع خطر وقوع النيجر مباشرة تحت سطوة دولة شمولية جديدة فى حال تقدم الجهاديين.. أما فى أوروبا، أصبح لدى أوكرانيا وبولندا الآن عدو واحد أقل رسميًا، فى غياب قوات فاجنر؛ إذا تم تدمير الميليشيات أو استيعابها من قبل جيوش الكرملين؛ فإن ذلك يمكنهم من «التنفيس عن غضبهم» من خلال مهاجمة أوكرانيا أو باستفزاز بولندا من خلال القواعد العسكرية فى بيلاروسيا. ومن ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل واقع حقيقى فى جميع الإمبراطوريات التاريخية، القديمة أو الحديثة، لعب البريتوريون، أى الميليشيا، دائمًا دورًا مهمًا فى تحديد توازن القوى. وبالتالى، يمكن استخدام رجال الميليشيات التابعين لمجموعة فاجنر مرة أخرى، هنا وهناك، ولا سيما من قبل جزء من الجيش الروسى «الأكثر استياء» من بوتين، من أجل استخدامهم كأداة ضاربة ضد قوة موسكو.
الخلاصة
كان بريجوجين يحمل الاسم نفسه تقريبًا لعالم الفيزياء والحائز على جائزة نوبل إيليا بريجوجين، المشهور بدراساته حول الإنتروبيا الديناميكية الحرارية، ولكن من المفارقة أن الوضع المربك فى روسيا يمكن أن ينتج عنه قريبًا تقلبات ومنعطفات مثيرة جديدة.. وبمرور الوقت، القوة التى اعتاد عليها الروس ستؤدى إلى تغييرات غير متوقعة. ولنتذكر أنه فى أخبار البرافدا، الصحيفة الرسمية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، كانت الأمراض القاتلة التى يعانى منها الزعماء السوفييت تعتبر «نزلات برد»، وفى وقت ما، حتى ستالين وجد نفسه مسموما فى ظروف غامضة. وفى أحيان أخرى، كما فى حالات خروتشوف وجورباتشوف ويلتسين، حدث تغيير السلطة فى موسكو بطريقة أقل دموية، ولكنها ظلت مثيرة. ونحن الآن على مشارف منعطفات أخرى قد تحدث مع انتخابات ٢٠٢٤ أو فى ظروف تاريخية أخرى. فى الواقع، هناك اثنان من المرشحين المحتملين للكرملين، وهما من المعارضين المتشددين، خارج اللعبة الآن وهما قيد الاعتقال: نافالنى فى السجن وسوروفيخين تم اعتقاله أو عزله من السلطة العسكرية.. وهنا نذكر أن ميدفيديف ظل لسنوات عديدة مرشح الظل بعد رحيل بوتن مؤقتًا عن الرئاسة، وهذا الرجل الثانى المفيد لبوتين يبذل كل ما فى وسعه للبقاء فى مركز الاهتمام ولفرض نفسه باعتباره «ملكيا أكثر من الملك». ومع ذلك، فإن التاريخ العام، وخاصة تاريخ روسيا، قد اعتدنا فيه دائما على مفاجآت خاصة وغير متوقعة.. وفى الواقع، فإن «العملية الخاصة» للجيش الروسى فى أوكرانيا، ومستقبل الاقتصاد المالى الروسى ستكون أبرز الملفات الحاسمة التى يمكن من خلالها فى الفترة المقبلة التعرف على ما ستكون عليه روسيا فى فترة بعد بوتين! ومع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد: أيًا كان الزعيم الروسى القادم، فسوف يتعين عليه إرضاء شركائه فى مجموعة البريكس، وسوف يرغب فى إرضاء حليفه الصينى شى جين بينج الذى يمثل المصالح المشتركة الأساسية لروسيا المستقبلية.

معلومات عن الكاتب: 
ليوناردو دينى مفكر وفيلسوف من أصل إيطالى.. كانت أطروحته للدكتوراه حول نظرية السياسة وفلسفة القانون، له العديد من الكتب والدراسات، كما كتب الرواية إلى جانب القصائد الفلسفية.. يكتب تحليلًا حول نهاية زعيم فاجنر وتأثيره على مجمل الأوضاع فى الاتحاد الروسى.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين روسيا فى أفریقیا فى الواقع إلى موسکو فى روسیا فاجنر فى من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

للتاريخ.. ليس كل ما يعرف يُقال

بداية ليس كل ما يعرف يقال، والكبار قالولنا زمان، اللى مبيشوفش من الغربال يبقى أعمى، نتشارك ونتعايش انا وانت عزيزى القارئ فى كل ما يحدث على أرض مصر فنعيش افراحها وانتصاراتها، وأيضًا نعيش سويا المحن التى قد تطرأ عليها وعلينا من آن لآخر، جميعا نتشارك فيها، فغلاء الاسعار يحرق جيوب جميع المصريين من الوزير للغفير، وغيرها من الأزمات وآخرها أزمة انقطاع الكهرباء، ولا أتصور أنه يوجد مسئول راض عن قطع الكهرباء فى مصر بداية من الوزير محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة الوزير المجتهد، القيمة والقامة العلمية والفنية الكبيرة، الذى يستحق منا وسام الوطنية، وعندما تتكشف الحقائق والمعلومات السرية سيكون رأيك عزيزى القارئ متطابقاً مع ما ذكرته بحق الدكتور شاكر وحتى أصغر عامل بالوزارة، ولكن هى تحديات قدر لنا كمصريين أن نعيشها.

عهدى معكم بأن لا أقول إلا الحق ولا شىء غيره، وان منبرى هذا لن يكون بأى حال من الأحوال، منبراً للتطبيل أو المجاملة، ولكنه منبر لصوت واحد منكم، قبل ما يكون حاليا فى موضع المسئولية، فأنا مواطن، ابن لفلاح مصرى من محافظة الدقهلية، زرع فى والدى رحمة الله عليه، مبادئ وقيم وأخلاقاً لن أحيد عنها ما حييت، فأجدد عهدى معكم أن منبرى هذا لكم وبكم، ولكنه أيضا بلا شك هو منبر المسئولية الوطنية، التى تحتم علينا جميعًا أن نكون على قدرها ونعمل من أجلها.

لماذا هذه المقدمة؟.. أؤكد لك عزيزى القارئ وانت تعلم بأن مصر تحاك ضدها مؤامرات ومكائد منذ فجر التاريخ، وهذا ليس فزاعة أسوقها اليك، ولكن واقع نعيشه فيه منذ أن بدأت الحياة على هذه الأرض، وقدر لمصر أن يتولى أمانتها وقيادتها بطل وطنى شجاع هو الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أجهض مؤامرات وأحلام دول كبرى، وغير مجرى التاريخ، وحافظ على الثوابت الوطنية والتاريخية للدولة المصرية، فاستحق وسام النبل والشرف والأمانة فى زمن عز فيه الشرف.

قدر لهذا البلد مصر بشعبها العظيم ورئيسها البطل، أن يدفع فاتورة الوطنية والشرف، وكان الرد على الاحتفاظ بكرامتنا وإرادتنا وارضنا، وإجهاض المخططات، هى حرب اقتصادية مفتوحة هدفها التضييق على مصر ويا ريت التضييق وفقط بل وصلت المؤامرة إلى حد الحنق وتأليب الرأى العام بهدف هدم الدولة.

كلمة اقولها للتاريخ بمناسبة أزمة انقطاع الكهرباء، والسبب كما تعلمون توقف إمدادات الغاز من خط حقل تمارا الذى يمتلكه الكيان الإسرائيلى بموجب اتفاقيات دولية مبرمة بهذا الشأن بادعاءات توقف الحقل لمشكلة فنية.

أتحدث إليكم وقد قدر الله لى أن اكون ضمن هيئة الدفاع فى القضية الشهيرة، وهى قضية «تصدير الغاز لاسرائيل» والتى أثيرت بعد عام2011 ودرست الموضوع والعقود والملابسات والأحداث لشهور طويلة، أيام كاملة لا أخرج من مكتبى ولا أعود إلى بيتى أواصل الليل بالنهار لدراسة الموقف وجميع جوانبه وملابساتها.... واقولها منذ بدء أزمة انقطاع الكهرباء وانا أتابع الأحداث والتطورات، وأعلم التساؤلات التى تدور فى ذهن كل مواطن مصرى، ولدى الاجابات.

اولاً كما تعلمون أن خط الغاز مصر- إسرائيل ابرم فى 2004 بين وزارة البنية التحتية الاسرائيلية وشركة شرق المتوسط المصرية، وكانت لمصر لها اليد العليا فى هذا الشأن، ولكن الدولة المصرية تقوم على ثوابت وقيم يجهلها الكثيرون الآن، ولم نستغل يوم حاجة إسرائيل للغاز (وكنا قادرين)، وإنما كنا نسير وفق ثوابت قانونية تقوم على احترام الاتفاقيات الدولية، ونتيجة للزيادة السكانية المطاردة فى مصر ومشروعات التنمية التى تحدث مصر والثورة التنموية التى بدأتها مصر، وغيرها من الأمور، انقلب خط الغاز وأصبح استيراد الغاز من إسرائيل من ميناء أشدود الإسرائيلية إلى المحطة القومية فى العريش، وفق اتفاقيات دولية ثابت فيها التزامات الطرفين.

تفاصيل تضمنها العقد السابق الخاص بالتصدير من مصر، تفاصيل لو نشرت لعلم المواطن أن اجهزتنا السيادية عظيمة ومحترفة، وللأمانة مصر أبرمت الاتفاقية بحرص وذكاء شديدين وحافظ المسؤولون فى هذا الوقت على حقوق مصر كاملة، وتحقيقات القضية وما حوته من مستندات ومعلومات تؤكد ذلك، وبعد أن انقلب الخط من تصدير إلى استيراد بهدف التسييل، ظن البعض أن الغاز سيكون وسيلة ضغط على القاهرة وقراراتها، ولكن نسى أن 120 مليون مواطن لديهم إرادة فولاذية، لا يستطيع أى كيان التأثير عليها فمصر قراراتها ومواقفها نابعة من ثوابت وطنية وتاريخية لن تحيد عنها.

أقولها بصدق إن كان ساعتان كهرباء تخفيف أحمال سيكون ثمنهما مواقف مصر الوطنية، واستقلال قراراتها، وإخضاعها، والتحكم فى مسارها، فأعلنها أمام الجميع أنا ومعى ملايين المصريين، أهلاً بالساعتين والثلاثة، لانقطاع الكهرباء ولا ترضخ مصر، وتظل رايتها خفاقة تعانق السحاب.

أخيرًا تحية اجلال وتقدير وإكبار للرئيس السيسى الذى يثبت فى كل يوم بأن الحفاظ على الاوطان شىء عظيم، وإن ما يتعرض له هذا الرجل من اختبارات منذ 2013 وحتى الان، ينجح فيها باقتدار لأنه يراعى الله العلى القدير الذى سيقف أمامه يوم المشهد العظيم.

فتوجيهات الرئيس السيسى بسرعة توفير الغاز بكميات كبيرة جدًا وهى أكبر شحنة فى التاريخ، اجهضت احلام من توهم أنه يستطيع التأثير على قرار مصر أو إظلام القاهرة كما اعتقد وخطط الخبثاء.

بقى أن أؤكد لك عزيزى القارئ بأن الحياة جولات وجولات وبفضل من الله وكرمه تنتصر مصر قيادةً وشعبًا، على كل المؤامرات والتحديات ولكن الغاز والكهرباء لن تكون الأخيرة، والمؤامرات لن تتوقف ولكننا صامدون متوحدون خلف رئيسنا البطل وجيشنا العظيم وشرطتنا الباسلة، حتى اخر رمق.

واجدد عهدى معكم، وكما قلت للرئيس السيسى فى قاعة مجلس الشيوخ، أعيدها مرة أخرى، سيدى الرئيس (لن نقول لك كما قال اليهود لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا وإنا ها هنا قاعدون... ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا وانا معك مقاتلين جنود للوطن)

وللحديث بقية مادام فى العمر بقية.

المحامى بالنقض

عضو مجلس الشيوخ

 

مقالات مشابهة

  • الأنبا ديمتريوس يكتب: 30 يونيو.. وعودة مصر لمكانتها
  • الكرملين يصف الأجواء في مجلس الأمن بأنها تصادمية تجاه روسيا
  • الكرملين: إرسال قوات أوكرانية إلى الحدود مع بيلاروسيا يثير قلق موسكو
  • الكرملين: موسكو ومينسك على اتصال دائم بشأن وجود القوات الأوكرانية على الحدود مع بيلاروس
  • في ذكرى يوم عظيم
  • المناظرة «راكبة جمل»!
  • خالد ميري يكتب: حكايتي مع «الإخوان»
  • قداسة البابا تواضروس الثاني يكتب: في ذكرى 30 يونيو.. تحديات وأمنيات
  • الشيخ خالد الجندي يكتب: ثورة انتصار لمقاصد الشرع الشريف
  • للتاريخ.. ليس كل ما يعرف يُقال