صحيفة التغيير السودانية:
2024-06-30@01:15:38 GMT

الرغائبيون والتقليديون في السياسة

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

الرغائبيون والتقليديون في السياسة

الرغائبيون والتقليديون في السياسة

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إن إشكالية السياسة في السودان سادت فيه الرغائبية، وهي فلسفة الحلم وهي تؤسس ليس على معطيات الواقع ولكن على خيال صاحبها، والنخب الرغائبية هي التي تحاول أن تكيف الواقع وأحداثه وفقاً لأحلام لا تتحقق، لأنها لا تقوم على الحقائق في الواقع، وهي إشكالية لأنها تحاول خداع النفس قبل الآخرين.

ورغم أن الخيال مطلوب في السياسة لكن ليس بهدف تشييد بناءات دون ملامسة للواقع، بل كيف تستطيع توظيف ما هو موجود في الواقع في البناءات التي تريد.

وأيضاً الرغائبية تجعل صاحبها لا ينظر للواقع بالصورة التي تجعله من خلال الواقع يحدد أهدافه، بل تجعل لديه فكرة واحدة لا يستطيع التفكير بغيرها، وهي التي تشكل عنده هذه الرغائبية. الفكرة الواحدة تتمحور حول المصلحة الضيقة. والأحداث مهما صغرت لابد أنها تؤثر في الأجندة المطروحة وتحدث تغييراً في تسلسلها، لكنها لا تؤثر عند الرغائبي لأنه لم يتعود أن يحدث تغييراً في سلم أولوياته يتماشى مع المتغيرات، هذا هو المنهج السائد في السياسة السودانية، مهما حدث من تغييرات ونزاعات وحروب لا تؤثر في طريقة التفكير السائد، ليس عند العامة بل عند النخب السياسية وتطال حتى المثقفين.

الأحزاب التقليدية، يمثلها التقليديون. وفي الصالات الأكاديمية يطلق عليهم “المحافظون” هؤلاء الأكثر اعتراضاً وتحدياً لعملية التغيير في المجتمع. والمحافظون دائماً يميلون لحماية مصالحهم، ولذلك لا يرغبون في التغيير. لكن لا يشمل القاعدة الاجتماعية العريضة، فالتغييرات التي تحدث في التعليم وتوسعه في المجتمع، وأيضاً التطور الاقتصادي، وتوسيع مواعين الديمقراطية، واتساع رقعة الحرية لتنهض فيه الصحافة والإعلام، وتعدد منظمات المجتمع المدني كلها تدفع القاعدة أن تتمسك بالتغيير، لأنه يحقق أمالها ومصالحها. إلا أن الرغائبية والتقليدية عندما تكون سمات داخل التنظيم السياسي الواحد تقعد به، وتعطل كل أدواته الديمقراطية، وتقلص مساحة الحرية وتصبح هناك فئة ضيقة جداً في التنظيم هي التي متاح لها عملية التفكير بما يرضي تلك القيادات القابضة على مفاصل المؤسسة الحزبية، ولذلك لا تستطيع المؤسسات الحزبية أن تستفيد من التجارب لمحدودية مساحة الحرية التي يوفرها هؤلاء الرغائبيون والتقليديون، وأي تفكير خارج الصندوق يعني الخروج من التنظيم.

الصراع السياسي ليس قاصراً على السلطة فقط، هناك مساحات كبيرة يمكن الاستفادة منها لكي يحدث التغيير، مادامت هناك رغبة واسعة في المجتمع للتغيير. لكن عندما يسجن المثقفون أنفسهم في دائرة انتماءات ضيقة، ولا يريدون التفكير خارجها لا يستطيعون أن يفكروا برؤى جديدة، بل يعيدون ذات التفكير الذي قاد إلى الأزمات السابقة، ومثل هذا التفكير لا يحدث تغييراً لا في الوعي، ولا في الأدوات الصدئة التي يجب إعادة النظر فيها، عندما انفجرت ثورة ديسمبر 2018م، من خارج أسوار الأحزاب كان الأمل أن هذه الثورة تخلق قيادات جديدة تكون قد درست كل التجارب السابقة، ولا تكون مخيلتها مركزة على السلطة، بل على كيفية العمل من أجل بناء دولة على أسس جديدة، وتفجر الثورة خارج دائرة الأحزاب؛ كان يتطلب على القيادات السياسية أن تخضع تجربتها للنقد، لماذا فشلت هي في تعبئة الجماهير طوال هذه السنين، وما هي العوامل التي جعلت الشباب يواصلون التظاهرات قرابة الستة شهور رغم قمع السلطة،؟ وهل هذه الظاهرة سوف تؤثر على مستقبل الأحزاب سلباً أو إيجاباً؟، ولكنها لم تفعل بل فكرت في شيء واحد كيف تسطو على الثورة وتقبض على مفاصلها دون أن يكون لها برنامج واضح يمكن أن تحاسب عليه. كان لابد أن تنزلق الثورة للفشل. هناك من يقول: إن العسكريين والكيزان سبب الفشل. وهل الأحزاب لم تتحسب للتحديات التي سوف تواجهها؟ ألا تعلم هذه القيادات أن حكم ثلاثة عقود جعل هناك كتلة كبيرة ارتبطت مصالحها بالنظام السابق سوف تشكل لها تحديات؟ ومعلوم بعد أي ثورة؛ أن العملية السياسية لا تسير على خط مستقيم، بل تواجهها العديد من العوائق والتحديات، ومن المفروض أن تزيدها قوة وصلابة، وتجعلها تغير تكتيكاتها بصورة مستمرة حسب الحاجة لكي تصل لأهدافها، والسياسة لا تقبل الصلابة التي تكسرها بل تحاج أيضاً للمرونة دون الانحراف عن الأهداف. لكن ذلك لم يحدث….!

انزلقت البلاد للحرب، وشهدت البلاد أكبر مأساة في تاريخها المعاصر، وظلت العقول كما هي كأن شيئاً لم يكن، لم يحدث أي تغيير في طريقة التفكير، لا تجد هناك فارقاً بين العامة ونخبته التي من المفترض أن تقوده لأهداف الثورة فالكل يحاول أن يبحث عن تبرير ولا يواجه المشكل من خلال نقد التجربة لكي تتبين الأسباب الرئيس للفشل.

إن الرغائبية في السياسة تهزم الأهداف العظيمة، والتقليديون سيظلوا يشكلون أكبر عائقاً للتطور والديمقراطية لأنهم لا يستطيعون النظر أبعد من موطيء أقدامهم، فالحرب سوف تفرض واقعاً جديداً يجب التعامل معه بجدية وبممارسة النقد، إن الأجيال الجديدة مطالبة أن تفكر بعيداً عن طريقة التفكير التقليدية، فالجماهير عندما وقفت بإرادتها مع قواتها المسلحة كانت واعية لموقفها، وغداً ستكون أكثر وعياً عندما تصبح القضية المطروحة التحول الديمقراطي هي تعرف ترتيب أولوياتها تماماً. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

الوسومالأحزاب التقليديون الرغائبيون السلطة السودان الطيب زين العابدين الكيزان ثورة ديسمبر زين العابدين صالح عبد الرحمن

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأحزاب السلطة السودان الكيزان ثورة ديسمبر فی السیاسة

إقرأ أيضاً:

برلمانية: 30 يونيو نجحت في توحيد القوى السياسية والحزبية تحت راية واحدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قالت النائبة ميرال جلال الهريدي عضو مجلس النواب عن حزب حماة الوطن، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي، إن ثورة 30 يونيو نجحت في القضاء على جماعة الإخوان، وأفشلت مشروع أخونة الدولة، وأعادت المؤسسات الوطنية إلى وضعها الطبيعي، وقضت على الإرهاب الذي حاول الانتشار تحت مظلة الجماعة وحمايتها خلال فترة حكمها للبلاد.

وأكدت الهريدي، في تصريح"البوابة نيوز"، أن من بين الثمار التي حققتها هذه الثورة توحيد القوى السياسية والحزبية تحت راية واحدة، حيث اجتمعت الأحزاب والائتلافات والتحالفات لدعم مشروع تمرد في وجه الإخوان، وتوحد العمل في فتح أبواب المقرات لاستقبال التوقيعات والتوكيلات لعزل حكم الجماعة، في إجراء سلمي وقانوني رافض لحكم الإخوان وممارساته القمعية التي حاولت تكبيل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، مما حدث في الإعلان الدستوري والاعتداء على سلطات القضاء، وكذلك الجرائم التي ارتكبها أنصار الجماعة من اغتيالات وقتل وإرهاب ترويع للمواطنين.

وأشارت عضو مجلس النواب إلى أن توحيد جهود الأحزاب خلق حالة من الوعي لدى الشعب بضرورة التكاتف والوحدة لجميع طوائف وفئات المجتمع، في مواجهة خطر الإخوان، لحماية أمن واستقرار البلاد  سياسيا واقتصاد واجتماعيا، والدفاع عن الهوية الوطنية والثقافية والحضارية والدينية، مثلما حدث من حملات ائتلاف الأحزاب وتحالف القوى السياسية في جبهة الإنقاذ.

وتابعت: هذه الحالة من الحراك والوعي، ساهمت بشكل كبير في إصلاح سياسي زخم شهده الوطن أعقاب ثورة 30 يونيو، حيث اختفت قوى وظهرت أخرى، وتشكلت الكتل البرلمانية والائتلافات تحت قبة البرلمان، وظهرت مصر بصورة مختلفة وانتهت فكرة استغلال الدين في السياسة، وسقطت معظم الأحزاب ذات الخلفية الدينية وعلى رأسها حزبا الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية، وحزب البناء والتنمية، وهو ذراع الجماعة الإسلامية، وكذلك حزب الوسط وغيرها.

ولفتت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي إلى أن من بين مكاسب الثورة، حالة الإصلاح الاقتصادي الذي شهدته البلاد، وما نتج عنه من مشروعات قومية ضخمة و عملاقة وتحسين الأوضاع في شتى مجالات الصحة والتعليم، وحرص القيادة السياسية على إطلاق المبادرات وكل ما يدعم بناء الإنسان المصري، وكذلك العمل على ضخ دماء جديدة من خلال تمكين الشباب والمرأة وفتح أبواب الفرص أمام أصحاب القدرات الخاصة ودعم كل ما يخدم فكرة بناء الجمهورية الجديدة.

مقالات مشابهة

  • برلمانية كردية: التحالف الحاكم يواصل السياسة الانقلابية
  • سلطنة عمان.. سلام ووئام واحترام لحقــــوق الــدول والشعوب في الحياة الكريمة
  • قبل مواجهة بلجيكا.. السياسة تطغى على الكرة بين لاعبي فرنسا
  • لماذا أكتب.. ؟
  • خوارزميات ميتا تفضل الدعاية الانتخابية لحزب البديل
  • الأنبا باخوم يلتقي أسر كنيسة العذراء بشبرا
  • برلمانية: 30 يونيو نجحت في توحيد القوى السياسية والحزبية تحت راية واحدة
  • الراعي رعى العشاء السنوي لكاريتاس لدعم المحتاجين: بالمحبة نتحدّى الواقع المر
  • إلي أين يتجه السودان برؤية المستقلين؟
  • توثيق المأساة والمنفى.. شظايا من غزة