صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-28@04:09:12 GMT

الرغائبيون والتقليديون في السياسة

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

الرغائبيون والتقليديون في السياسة

الرغائبيون والتقليديون في السياسة

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إن إشكالية السياسة في السودان سادت فيه الرغائبية، وهي فلسفة الحلم وهي تؤسس ليس على معطيات الواقع ولكن على خيال صاحبها، والنخب الرغائبية هي التي تحاول أن تكيف الواقع وأحداثه وفقاً لأحلام لا تتحقق، لأنها لا تقوم على الحقائق في الواقع، وهي إشكالية لأنها تحاول خداع النفس قبل الآخرين.

ورغم أن الخيال مطلوب في السياسة لكن ليس بهدف تشييد بناءات دون ملامسة للواقع، بل كيف تستطيع توظيف ما هو موجود في الواقع في البناءات التي تريد.

وأيضاً الرغائبية تجعل صاحبها لا ينظر للواقع بالصورة التي تجعله من خلال الواقع يحدد أهدافه، بل تجعل لديه فكرة واحدة لا يستطيع التفكير بغيرها، وهي التي تشكل عنده هذه الرغائبية. الفكرة الواحدة تتمحور حول المصلحة الضيقة. والأحداث مهما صغرت لابد أنها تؤثر في الأجندة المطروحة وتحدث تغييراً في تسلسلها، لكنها لا تؤثر عند الرغائبي لأنه لم يتعود أن يحدث تغييراً في سلم أولوياته يتماشى مع المتغيرات، هذا هو المنهج السائد في السياسة السودانية، مهما حدث من تغييرات ونزاعات وحروب لا تؤثر في طريقة التفكير السائد، ليس عند العامة بل عند النخب السياسية وتطال حتى المثقفين.

الأحزاب التقليدية، يمثلها التقليديون. وفي الصالات الأكاديمية يطلق عليهم “المحافظون” هؤلاء الأكثر اعتراضاً وتحدياً لعملية التغيير في المجتمع. والمحافظون دائماً يميلون لحماية مصالحهم، ولذلك لا يرغبون في التغيير. لكن لا يشمل القاعدة الاجتماعية العريضة، فالتغييرات التي تحدث في التعليم وتوسعه في المجتمع، وأيضاً التطور الاقتصادي، وتوسيع مواعين الديمقراطية، واتساع رقعة الحرية لتنهض فيه الصحافة والإعلام، وتعدد منظمات المجتمع المدني كلها تدفع القاعدة أن تتمسك بالتغيير، لأنه يحقق أمالها ومصالحها. إلا أن الرغائبية والتقليدية عندما تكون سمات داخل التنظيم السياسي الواحد تقعد به، وتعطل كل أدواته الديمقراطية، وتقلص مساحة الحرية وتصبح هناك فئة ضيقة جداً في التنظيم هي التي متاح لها عملية التفكير بما يرضي تلك القيادات القابضة على مفاصل المؤسسة الحزبية، ولذلك لا تستطيع المؤسسات الحزبية أن تستفيد من التجارب لمحدودية مساحة الحرية التي يوفرها هؤلاء الرغائبيون والتقليديون، وأي تفكير خارج الصندوق يعني الخروج من التنظيم.

الصراع السياسي ليس قاصراً على السلطة فقط، هناك مساحات كبيرة يمكن الاستفادة منها لكي يحدث التغيير، مادامت هناك رغبة واسعة في المجتمع للتغيير. لكن عندما يسجن المثقفون أنفسهم في دائرة انتماءات ضيقة، ولا يريدون التفكير خارجها لا يستطيعون أن يفكروا برؤى جديدة، بل يعيدون ذات التفكير الذي قاد إلى الأزمات السابقة، ومثل هذا التفكير لا يحدث تغييراً لا في الوعي، ولا في الأدوات الصدئة التي يجب إعادة النظر فيها، عندما انفجرت ثورة ديسمبر 2018م، من خارج أسوار الأحزاب كان الأمل أن هذه الثورة تخلق قيادات جديدة تكون قد درست كل التجارب السابقة، ولا تكون مخيلتها مركزة على السلطة، بل على كيفية العمل من أجل بناء دولة على أسس جديدة، وتفجر الثورة خارج دائرة الأحزاب؛ كان يتطلب على القيادات السياسية أن تخضع تجربتها للنقد، لماذا فشلت هي في تعبئة الجماهير طوال هذه السنين، وما هي العوامل التي جعلت الشباب يواصلون التظاهرات قرابة الستة شهور رغم قمع السلطة،؟ وهل هذه الظاهرة سوف تؤثر على مستقبل الأحزاب سلباً أو إيجاباً؟، ولكنها لم تفعل بل فكرت في شيء واحد كيف تسطو على الثورة وتقبض على مفاصلها دون أن يكون لها برنامج واضح يمكن أن تحاسب عليه. كان لابد أن تنزلق الثورة للفشل. هناك من يقول: إن العسكريين والكيزان سبب الفشل. وهل الأحزاب لم تتحسب للتحديات التي سوف تواجهها؟ ألا تعلم هذه القيادات أن حكم ثلاثة عقود جعل هناك كتلة كبيرة ارتبطت مصالحها بالنظام السابق سوف تشكل لها تحديات؟ ومعلوم بعد أي ثورة؛ أن العملية السياسية لا تسير على خط مستقيم، بل تواجهها العديد من العوائق والتحديات، ومن المفروض أن تزيدها قوة وصلابة، وتجعلها تغير تكتيكاتها بصورة مستمرة حسب الحاجة لكي تصل لأهدافها، والسياسة لا تقبل الصلابة التي تكسرها بل تحاج أيضاً للمرونة دون الانحراف عن الأهداف. لكن ذلك لم يحدث….!

انزلقت البلاد للحرب، وشهدت البلاد أكبر مأساة في تاريخها المعاصر، وظلت العقول كما هي كأن شيئاً لم يكن، لم يحدث أي تغيير في طريقة التفكير، لا تجد هناك فارقاً بين العامة ونخبته التي من المفترض أن تقوده لأهداف الثورة فالكل يحاول أن يبحث عن تبرير ولا يواجه المشكل من خلال نقد التجربة لكي تتبين الأسباب الرئيس للفشل.

إن الرغائبية في السياسة تهزم الأهداف العظيمة، والتقليديون سيظلوا يشكلون أكبر عائقاً للتطور والديمقراطية لأنهم لا يستطيعون النظر أبعد من موطيء أقدامهم، فالحرب سوف تفرض واقعاً جديداً يجب التعامل معه بجدية وبممارسة النقد، إن الأجيال الجديدة مطالبة أن تفكر بعيداً عن طريقة التفكير التقليدية، فالجماهير عندما وقفت بإرادتها مع قواتها المسلحة كانت واعية لموقفها، وغداً ستكون أكثر وعياً عندما تصبح القضية المطروحة التحول الديمقراطي هي تعرف ترتيب أولوياتها تماماً. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

الوسومالأحزاب التقليديون الرغائبيون السلطة السودان الطيب زين العابدين الكيزان ثورة ديسمبر زين العابدين صالح عبد الرحمن

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأحزاب السلطة السودان الكيزان ثورة ديسمبر فی السیاسة

إقرأ أيضاً:

حلبجة بين الوعود والمساومات.. مصير محافظة معلق بيد السياسة

بغداد اليوم - كردستان

أكد النائب عن كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني، مثنى أمين، اليوم الأربعاء (26 آذار 2025)، أن ملف تحويل حلبجة إلى محافظة لا يزال يواجه التعطيل بسبب الخلافات السياسية والمساومات بين القوى المختلفة، مشيرا إلى غياب الحماسة الكردية لدعم هذه القضية.

وقال أمين، في حديث لـ”بغداد اليوم”، إن “قضية حلبجة تائهة بين تخاذل بعض النواب، واشتراطات غير منطقية لكتل أخرى، بالإضافة إلى تباطؤ الأحزاب الكردية نفسها”، معتبرا أن بعض المواقف البرلمانية تجاه هذا الملف مثيرة للشك والاستغراب.

وأضاف، أن “الكثير من النواب يؤكدون أنهم لا يعارضون تحويل حلبجة إلى محافظة، إذ أن لها أسسا قانونية ودستورية، لكن عند التنفيذ لا نرى التزاما حقيقيا”. ولفت إلى أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني قد يتخذ موقفا مغايرا عن الاتحاد الوطني وبقية القوى الكردية، إلا أن الحراك الكردي العام يفتقر إلى الجدية لدفع هذا الملف قدما.

وأشار إلى أن “الكتل الشيعية، عندما تريد تمرير قانون معين، يلجأ قادتها إلى الضغط المباشر على نوابهم داخل البرلمان، فلماذا لا يتحرك القادة والوزراء الكرد، باعتبارهم جزءا من تحالف إدارة الدولة، لممارسة الضغط ذاته على حلفائهم لدعم تحويل حلبجة إلى محافظة؟”.

وختم أمين بأن “الخلافات بين الحزبين الكرديين وعدم إدراج القضية ضمن أولوياتهما، إلى جانب حالة الركود التي يشهدها البرلمان، جعلت تمرير القرار أمرا بالغ الصعوبة”، مؤكدا أن "مصير حلبجة ما زال رهينة التجاذبات السياسية".

وحلبجة، المدينة الواقعة في إقليم كردستان العراق، تحمل رمزية تاريخية وإنسانية عميقة، إذ كانت مسرحا لأحد أسوأ الهجمات الكيميائية في العصر الحديث خلال قصف نظام صدام حسين لها عام 1988، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين.

ورغم الاعتراف الرسمي بها كمدينة منكوبة، فإن محاولات تحويلها إلى محافظة اصطدمت مرارا بعوائق سياسية وإدارية داخل الحكومة العراقية والبرلمان، فضلًا عن الخلافات بين الأحزاب الكردية نفسها.

وشهدت السنوات الأخيرة انقساما في المواقف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، حيث يتعامل كل منهما مع الملف وفق مصالحه السياسية في بغداد والإقليم.

وفي البرلمان، تحول ملف حلبجة إلى ورقة مساومة بين الكتل السياسية، إذ يُنظر إليه أحيانا كجزء من التفاهمات والاتفاقيات التي تسبق الانتخابات أو تشكيل الحكومات، ما أدى إلى تأجيل حسمه مرارا.

مقالات مشابهة

  • السيد القائد يحذر ..هناك سعي صهيوني لتهويد القدس
  • إفطار رمضاني عربي في غرينلاند .. هل يوجد مسلمون هناك؟
  • ‎بيل غيتس: الذكاء الاصطناعي لن يجعل هناك حاجة للبشر في معظم الأشياء
  • دراسة: الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يضعف مهارات التفكير النقدي
  • حلبجة بين الوعود والمساومات.. مصير محافظة معلق بيد السياسة
  • مجلس جامعة بني سويف يوافق على عقد ندوة توعوية مالية لطلاب السياسة والاقتصاد
  • السياسة الخارجية.. رؤية للسلام والاستقرار
  • ماذا يحدث لك عند تناول حبة من الموز على السحور؟
  • الفرحان: دخلنا إلى كل المناطق التي شهدت أحداثاً ونريد أن نمضي في عملنا بالاستماع للشهود ومعاينة أرض الواقع
  • هناك شروط لا يستجاب الدعاء إلا بها فما هى؟.. شيخ الأزهر يوضحها